ذكر تصريف الامور

اللهم صلي علي محمد و آل محمد صلاة تنجنا بها من جميع الأهوال والآفات وتقضي لنا بها جميع الحاجات/واتلو: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا 11 مرة والاستغفار 7 مرات يعد صلاة العشاء

Translate {الترجمة لاي لغة} ابود

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 17 ديسمبر 2023

إنها حكايات ولكنها تاريخية واقعة ولكن/




المملكة العربية السعودية وزارة المعارف المكتبات المدرسية
حكايات من الشارنجم
علي الطنطاوي
الرسوم والاخراج الفني : أحمد المنيتي و
حقوق الطبع محفوظة
١٤٠٢ هـ - ۱۹۸۲م
دار الفكر - دمشق - ساحة الحجاز ص . ب ( ٩٦٢ ) - برقيا ( فكر ) هاتف (١١١.٤١ )
هذه
) حكايات من
التاريخ ) ومن منا لا يحب الحكايات ، ومن لا يذكر أياماً من حياته . كان يسعى فيها إلى جدته العجوز . يلتصق بها أمام ( المنقل ). في ليالي ( كانون ) يسألها ) حكاية . . .). فتتعلل هي . ويتوسل هو، حتى إذا استجابت وبدأت بالفاتحة التي لا بد منها لكل حكاية : ( كان يا ما كان ،
كان من قديم الزمان ... ( تَجَمَّع وتحفّز ، وصارت كل جارحة من
أفنا
جسده تصفي وقلباً يعي . يغالبه النعاس وهو صابر ، يترقب
نهاية علاء الدين ، وفطمة الدينارية . والأخوات الثلاث
والشاطر حسن
ويكبر الطفل . ولكن الحنين إلى الحكايات والقصص
فهو يتتبع الأخبار .
يكبر معه ويقرأ القصص ، وينظر في صحف التاريخ ، كل ذلك لأن حب الحكايات وذكرى الجدة و (المنقل) . لا تزال حية في نفسه ، مهما بلغ من العمر .
ولا أدري لم لم ينتفع المعلمون والمربون بهذا الميل المستقر
في كل نفس
4
فيجعلوا دروسهم
ومواعظهم حكايات وقصصاً. ولم يدعون الميدان كله لهؤلاء المفسدين ، الذين يستغلون وحدهم هذا الميل . فينشرون في الناس القصص المفسدة للخلق من قصص ( ارسين لوبين ) وأشباهها . أو المفسدة للعقل كقصص السحرة
والعفاريت .
لذلك استجبت مسروراً لما
كلفتني ) دار الفكر بأن أتولى
كتابة هذه السلسلة
من
الحكايات .
إنها حكايات ولكنها
تاريخية واقعة ، وليس معنى هذا أني أفتح كتاب التاريخ وأنقل ما فيه ، ولكن معناه أني آخذ الخبر التاريخي . أو الواقعة المروية ، فأخرجها إخراجاً فنياً ، وربما زدت
وإذا كانت الجدة تجد الحرج والضيق . كلما سألها الصبي
فذلك لأن
حكاية جديدة حكاياتها قليلة لا تعرف غيرها . أما
أنا فلن أتحرج ولن أضيق لأن لدي
فيضاً
لا ينقطع
الحكايات .
من
هذه
وسأعرضها بأسهل لفظ
وأقرب عبارة ، حتى يفهمها تلميذ
فيها قليلاً أو كثيراً . وربما كان
الصف الرابع ابتدائي . ومن أبتغي العون ، وأرجو الثواب
الله
أصلها سطوراً معدودة فجعلتها صفحات ، ولكني لا أخرج في عن الأصل على كل
القصة
جوهر
حال .
علي الطنطاوع عيس
كانَ فِي مَدِينَةِ ( الرَّقَةِ ) أيامَ سُليمان بن عبدِ الملكِ ) أي مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَلف ومئتي سنةٍ ( رَجُلٌ مِنْ
بَني
أَسَدِ
أسد . اسْمُهُ خُزَيْمَةُ بن بشر، وكان غنيا ، ذا
غَنِيًّا،
نِعْمَةٍ حَسَنَةٍ ، وَمَالٍ كَثِيرٍ ، ولكنهُ كانَ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَرَم . وَفَضْلٍ عَلى النَّاسِ ، وَبرٌ بالإِخْوَانِ ، لا يَرُدُّ سَائِلا ولا يَحْرم طالباً . وَلا يَقْعُدُ عَن مَكْرُمَةٍ ، ولم يَزَلْ عَلى ذلكَ ، حَتَّى اسْتَنفَدَ المعروفُ مالَهُ كُلَّهُ ، فَلَم يَبقَ معهُ شيءٌ ، فَاسْتَعَانَ بإخوانِهِ ، فَأعَانُوهُ حِيناً . ثُمَّ مَلُوهُ فَعَرَاهُ
القنوط ، وتملكه اليأس .
فقالَ لِزَوْجَتِهِ : الْحَقي بأهْلِك. فَإِنِّي سَأغْلِقُ
عَلَيَّ بَابِيَ ، وأبقَى فِي بَيْتِي ، حَتَّى يأتي الفرج أو
أموت » .
- قالت : ما كنتُ لأصاحبك في اللين . وأفارقَكَ في الشِّدَّةِ ، وأنا باقيةٌ معَكَ . إن عشت عشتُ ، وإن مت
مت .
وأغلقا الباب . وَرَاحَا يَتَقَوَّتَان بما عِنْدَهُما حتى
نقد . وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُما شيءٌ وَقَعَدا ينتظران الموت .
وكان عِكْرِمَةُ الفَيَّاضُ الرَبَعِي أميراً عَلَى الجَزِيرَة . وكانَ قَدْ لُقبَ بالفَيّاضِ لِكَرَمِهِ وفَيْضِهِ ، فقال يوماً
الجلسائه
- ما فَعَلَ خُزَيمَةُ بنُ بِشر الأسدي ؟ .
- قالوا : ما يراهُ مِنَّا أحدٌ ، وَلَعَلَّهُ عَلَى سَفَر .
- قال واحدٌ مِمَّنْ حَضَرَ : بَلْ هُوَ فِي البلد ، ولكنَّه قَدِ انْتَهَى . وَقَدْ دَفَنَ نَفْسَهُ في داره . وأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ.
وحَلَفَ لا يخرجُ حتَّى يموت .
- قَالَ : وَلَمَ وَيُحَكَ ؟
7
- قَالَ : أَوَلَمْ يَجِدْ مُسعِداً أو مُواسياً ؟ هل قَلَّ
الأغنياء ؟ .
- قال : لا أيُّها الأميرُ ، ولكن قل الكرماء . إن النَّاسَ يتسابقون إلى برك إذا ضقت يوماً ، وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أنْ لكَ مَالاً آتياً ، وأَنَّهم إذا سَعَفُوكَ رَدَدْتَ عليهم مَالَهم ، وَحَفِظْتَ لَهُمْ مَعْرُوفَهُمْ . فَإن رأوا أنكَ قَدْ أحَجْتَ حقيقةً ، ولم يَبْقَ لَكَ مال يُنتَظَرُ لَمْ يلتفت إليك منهم أحَدٌ ؛ والصَّداقة عند أكثر النّاسِ تِجَارَةٌ ، فَهُمْ يُوَادُّونَكَ أمَلاً بمالكَ أنْ يستفيدوا منهُ يَوماً ، أو بجاهِكَ أَنْ يستعينوا به. أمَّا الحُبُّ في الله . فذلك مالا تكادُ
تجده في الناس .
-- قال الأميرُ : صَدَقْتَ .
وأَمْسَكَ عَنْ ذِكْرِه . وَخَاضَ في غير حديثه
وعَجِبَ الحاضرون . وكانوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ يأمرُ له بعَطِيَّة ، أو يبعثُ إليه بوفد .
وكَانَ قَدْ مَرَّ على خُزَيْمَةَ وامْرَأَتِهِ ثلاثة أيام لَمْ يَذُوقا فيها شيئاً. وكانَ مَنْظَرُ زَوْجَتِهِ وَهْيَ جَائِعَةً مُوجَعَةٌ ، أَشَدَّ عليهِ مِنْ جوعِهِ وَوَجَعِهِ ، وَكَانَ يَدْفَعُهُ حُبُّهُ إيَّاهَا . وشفقته عليها إلى الخروج ، واللجوء إلى واحدٍ ممَّنْ كانَ طَوَّقَ بجميله أعناقهم أو يطالب مَنْ لَهُ دين عليهم ، وَلَمْ يُؤدُّوا لَهُ شيئاً مِنْ ديونه عليهم ، ثم تمنعُهُ عِزَّةُ نَفْسِهِ وكَرَامَتُها عَلَيهِ ، أَنْ يمد يده بالسؤال : إلى مَنْ كانَ يمد يدَهُ إليهم بالمالِ ، وَأَنْ يطلب ممّنْ كانُوا هم يطلبون منه . ويُؤثر أن يموت وهو كريمٌ عَنْ أنْ يعيشَ عِيشَةَ المَذَلَّةِ والهَوَانِ .
.
فَمَا مَضَى هَزِيعٌ من الليل : حتَّى أَحَسَّ قَرْعَ
الباب . فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : انْظُري مَنْ بالبابِ ؟
قالت : فارسٌ مُلثم ما يبين منه إلا عَيْنَاهُ
A
فَنَزَلَ فَفَتَحَ لَهُ ، فَلَمَّا رَآهُ الفارس لم يَنْزِلْ عَنْ دَايَّتِهِ
وَلَمْ يُكَلِّمْهُ ، وإنما دَفَع إليه كيْساً ثَقِيلاً يَبْدُو أَنَّهُ مُمْتَلى
بالمالِ فأخذ بلجام دايَّتِه وقال
- مَنْ أَنْتَ ؟ وَمَا هَذا ؟
:
- قَالَ : هذا شيء ساقَهُ اللهُ إِليكَ ، ليسَ عَلَيْكَ مِنَّةٌ فيه لأحَدٍ. وَمَا خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِي في هَذِهِ السَّاعَةِ
وَحَمَلْتُهُ إليك بنفسي إلا لأني لا أحِبُّ أن تعرفني
أنْتَ .
- قال : لا والله لا آخذه حتى تقول لي مَنْ
قال : أنا جايرُ عَثَرَاتِ الكِرَامِ .
- قال : زدني إيضاحاً .
- قال : لا
ونتر اللجام من يده . ولكر الفرس
حتى لفهُ الليلُ .
الفرج بعداد
وَدَخَلَ خُزَيْمَةُ ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : قَدْ جَاءَكِ الفَرَجُ
فأوقدي السراج، وتعالي فانظري :
- قالت : إنَّكَ لَتَعْلَمُ أنه لم يبق في الدار نقطة زيت
أوقد بها سراجاً .
فَرَاحَا يَتَحسَّسَان مافي الكيْسِ ، فَيَجِدَانِ المَالَ
وراحت تقولُ لَهُ
:
- إنها لو كانَتْ فُلوساً لكَانَتْ كَثِيرةً .
وطارَ النَّومُ من عُيُونِهما ، فَبَقِيَا سَاهِرَيْنِ حَتَّى طَلَعَ النّهارُ . فَنَظَرَا فَبَهَر الذَّهَبُ عُيُونَهما . وإذا هِيَ أَرْبَعَةُ
،
-18-
آلاف دينار وبقيا حائزين يتساءلان ، مَنْ يَكُونُ هذا
حَائِرَيْنِ
الرَّجُلُ ؟
وكانَ الرَّجُلُ هو عِكْرِمَةُ الفَيَّاضُ أَمِيرُ الجَزيرَة . لمّا سَمِعَ خَبَرَ خُزَيْمَةَ أخذَ أَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ، فَوَضَعَهَا في كِيْس ، وَخَرَجَ وَحْدَهُ ، لِئَلَّا يُحِسَّ بِهِ أَحَدٌ ، فَدَفَعَها إليه ، وَعَادَ فرحاً ، يُحِسُّ كأنَّهُ أعْطِيَ أربعين ألفاً ، بَلْ هُوَ لَوْ أَعْطِيَ الأربعينَ . لَمَا فَرحَ بها فَرَحَهُ بِهَذِهِ الأرْبَعَةِ التي أَعْطَاهَا
وفي الدُّنْيَا لَذَّات كثيرة ، ولكن من أمتعها متعة وأعْمَقها في النفْس أثراً. لذة الإحْسَانِ . وَلَوْ لَم يكن لِلمُحْسِنِ إِلا هَذِهِ اللَّذةُ مُكَافَأَةً لَكفَتْهُ ، عِوَضَاً مِنَ المالِ الذي بَذَلَ ، فَكَيفَ وَلَهُ عِنْدَ الله أضعافُ أَضْعَافها
١٦ -
) مَثلُ الذَّينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُم فِي سَبيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حية أنْبَتَتْ سَبْعَ سنابل في كُلّ سُنْبُلة منة حية والله
يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ) .
نه
فما لِلْمُسْلِم يَبْتَغِي تِجَارَةً تَرْبَحُ فيها مِنتُهُ خَمْاً أو عَشْراً وَيَتْرُكُ هَذه التجارة التي تصير فيها المئة سبعين ألفاً ؟ وَرُبَّما ضُوعفَتْ فكانَتْ مئةً وَأرْبَعِين ألفاً فَمَا
فوقها ؟
وَدَخَلَ بيتَه مُتَلصِّصَاً يَحْمَدُ الله على أنْ لم يَرَهُ أحدٌ . لم يدر أنّها قَدْ رَأتْهُ زَوْجَتُهُ . وَكَانَتِ ابْنَةَ عَمِّه .
، وكانتْ عاقلةً وفيّةً . وَلَكِنَّ بها داءَ أَكْثَر النِّساءِ : الغَيْرَةَ الحمْقَاءَ ، والشُّكُوكَ والوَسَاوِسَ . فما كادَ يَدْخُلُ مِنَ البَابِ . حتَّى وَثَبَتْ لهُ مِنَ الظَّلام . كأنما هي الشرطى
هِيَ
المُتَرَقِّبُ يَضْبطُ اللص .
- وقالت : أَيْنَ كُنْتَ ؟
- قال : كنتُ في حاجَةٍ لي
- قالت : أميرُ البلدِ يَخْرُجُ وحدَهُ فِي هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيلِ
- 1^-
وهو مُتَنَكِّرٌ ؟ لا واللهِ ما خَرَجْتَ لحاجةٍ ، وَلَكِنْ لَكَ زَوْجَةً غَيْري. فَأَنْتَ تَخْرُجُ إليها . وَبَكَتْ وَثَقَّتْ ثوبها ، وَشَدَّتْ شَعْرَها ، وأَعْوَلَت وَصَاحَتْ : غَدَرْتَ يا عكرمة بابْنَةِ عَمَّكَ وتزوَّجْتَ عليها
- قال : ما لك يَا امْرَأَةُ ؟ هَلْ جُنتِ ؟ إنك لتعلمينَ بأَنِّي لَسْتُ بصَاحِبِ نِسَاء ، ولَيْسَ لي زوجةً غيرك . وَمَا خرجت إلا لأمر لا أحِبُّ أَنْ يَعْلَم به أحدٌ
إلا الله
- قالت : والله لا أرْضَى حتَّى تُخْبرَني مَا هُوَ .
- قال : لا أخبركِ .
فعادت تُوَلُولُ ، وقالت : إذن أذهب والله إلى
بَيْتِ أبي .
- قالَ : إِنَّا لله وإنا إليهِ رَاجِعُونَ ، أَمَّا إِذ أَصْرَرْتِ فَإني مُخْبرُكِ . ولكنّي مُسْتَحْلِفُك بالله وملائكته أن
تكتميه علي ولا تُخبري به أحداً أبداً .
- قالت : أحلفُ لَكَ.
- قال : أرأيت إذ نَمْشي في الصَّحراء في حَرِّ الهواجر . والشَّمْسُ مُتَوَقدةٌ تَلْذَعُ الرُّؤُوسَ . كيف نَتَمَنَّى ظِلا . وَلَوْ كانَ ظَلَّ قَنَاةٍ ، وَكَيْفَ كُنَّا نَشْتَرِيهِ لَوْ بِيْعَ
بِغَالِي الثَّمَنِ .

لقد ذكرتُ يابْنَةَ العَمِّ مَوْقِفاً ، لَوْ قِيْسَ بِهِ موقِفُنَا في الصَّحْرَاءِ ، لَكَانَتْ شَمْسُ الصَّحْرَاءِ مِنْ بردها نور القَمَر . ذَكَرْتُ مَوْقَفَ الحَشْرِ. وَقَدْ دَنَتِ الشَّمْسُ حَتَّى صَارَتْ فوقَ الرؤوس ، وَطَالَ اليَوْمُ حَتَّى بَلَغَ مِقْدَارُهُ ألف سنة . وغَرقَ النّاسُ في العَرْقِ ، هُنَالِكَ يا بنةَ العَم . يُنادِي المُنادِي عَلَى رُؤوس الْأَشْهَادِ ، وعَلَى مَسْمَع مِنْ البَشَر جميعاً . مَنْ كانَ في أوَّلِ الزَّمَانِ ومَنْ كانَ في آخِرِهِ . قَدْ جَمَعَهُمُ اللَّهُ كلَّهُمْ . يُنادِي أَصْنَافاً سَبْعَةً مِنَ النَّاسِ ، فَيَدْعُوهُم إِلى أَعْظَمِ تَكْرمَةٍ ، وَأَكْبَر نَعِيم، إلى أنْ يَسْتَظِلُّوا بظلٍّ عَرْشِ الرَّحمَن يوم لا ظل إلا ظله . مِنْهُمْ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخفاها حتَّى لا تَعْلَمُ شِمَالُهُ ما أنفَقَتْ يَمينُه . فَأحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْهُمْ فَخَرَجْتُ
بأَرْبَعَةِ آلاف . . وقَصَّ عليها القِصَّةَ .
وسألها ، أصدقتِ أم تحبّينَ أنْ أحْلف لكِ ؟ - قَالَتْ : بَلْ صَدَّقْتُ ، وَاطْمَأَنَّ قَلْبِي
وَتَجَهَّزَ خَزَيْمَةُ بهذا المالِ وَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ على
أمير المؤمنين سليمان بن عَبْدِ المَلكِ ، وَكَانَ فِي الرَّملة وكان صدريقالة
وَهَذِهِ هِيَ الدِّيمُوقْرَاطِيةُ التي يُطبّلُونَ لَهَا اليَوْمَ وَيُزَمِّرُونَ ، هِيَ فيهم دَعْوَى وَتَكَلفُ ، وَهِيَ فِينَا سَليقَةٌ
وَطَبْع
لِذَلِكَ رَحْبَ بِهِ سُلَيمانُ تَرْحِيبَ الصَّديقِ . لم يَمْنَعْهُ أَنَّه كان الحاكم المُطْلَقَ فيما بين حدودِ فَرَنْسَا وَحُدُودِ الصّينِ مِنْ أَنْ يُجَالِسَهُ ويحدِّثَهُ وَيَسْأَلَهُ عَنْ أخْبَاره ، وانْطَلقَ يَقُصُّ عليه قصته حتى إذا بَلَغَ حديث جابر عَثَرَاتِ الكِرامِ ، سَأَلَهُ الخَليفَةُ عَنْهُ
- فقال : ما عَرَفْتُهُ يا أمير المؤمنينَ . فَتَلَهَّفَ
سلَيْمانُ على مَعْرِفَتِهِ .
وكَرَمِهِ
- وقالَ لَهُ : انْظُرْ مَنْ يَكُونُ لِتُكَافَتَهُ على نُبْلِهِ
- ٢٤
#
وَلَمَّا انْتَهَتِ الزيارة . سلمه الخليفةُ مَرْسُومَ الولاية
عَلَى الجَزيرَة وعَقَدَ لَهُ اللّواءَ عَلَيها .
ذَهبَ مُفْلِساً وَعَادَ أميراً ، وَبَلَغَ النَّاسَ الخَبَرُ . فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنَ الرَّقَةِ خَرَجُوا يَسْتَقْبِلُونَهُ وَخَرَجَ مَعَهُم
عِكْرمَةُ .
وَالنَّاسُ مَعَ الدَّهر إنْ أَقْبَلَ عَلَى أَمْرِيء أقبلوا عَلَيْهِ وإِنْ أَدْبَر عَنْهُ أدبرُوا عَنْهُ . لم يَسْتَحْيُوا أَنْ يَخْرُجُوا
٢٥
لاسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ الَّذِي تَرَكُوهُ بالأمس يُغْلِقُ بَابَهُ لِيَمُوتَ جُوعاً . وَمَا بَالُوا بِهِ وَلَا فَكَّرُوا فِيهِ ، مَعَ أَنَّ أيادِيَهُ عِنْدَهُمْ وَمِنَنَهُ مُطَوّقةٌ أَعْنَاقَهُمْ . وَكَانَ أَكْثَرُهُمْ إعْرَاضاً عَنْهُ في مِحْنَتِهِ ، أَشدَّهُمْ تَزَلْفاً له في نِعْمَتِهِ ، وَهَذا دَأْبُ العَامَّةِ في كلّ عَصْر وكلّ مِصْرِ، أَنَّ أَسْرَعَهم هُتَافاً للملك عند تتويجه . أَسْرَعَهُمْ لَعْناً لهُ عِنْدَ خَلعه
عكرمة الفَيَاضية
وكانت العادة في تلك الأيام أن يكون الأمير مُطْلَقَ اليد في سُلْطانِهِ ، فإِذا عُزِلَ كُلَّفَ خَلَفَهُ مُحَاسَبَتَهُ واستخلاص الأمْوَالِ مِنْهُ
ہوتا
وَقَدْ دَعَا خُزَيْمَةُ الأمير السابق عكْرِمَةَ الفَياض
لِلْحِسَابِ للحساب . فَفَضَّلت عليه فُضولُ أمْوَالِ فَطَالَبَهُ بها ، فَلَمْ
يَسْتَطِعْ دَفْعَها فَأَمَرَ بهِ إلى السِّجْنِ وضَيْقَ عَلَيْهِ وأَثْقَلَهُ
بالقيود
وَصَبَرَ عَلَى ضِيقِ السِّجن وثَقَلِ الحَدِيدِ ، وَلَكِنَّ ابْنَةَ عَمِّهِ لَمْ تَصْبِرْ ، وَإِذا سُجِنَ الكَريمُ لَمْ يَكُنْ هُوَ المُعَاقَبَ بالسِّجْنِ وَلَكِنَّ المُعَاقَبَ المُعَذَّبَ زَوْجَتُهُ وأَوْلَادُهُ ، هُوَ يَتَوارَى وَرَاءَ البَابِ ، فَلَا يَرَى وَلَا يُرَى . وَهْيَ تَحْمِلُ شَمَاتَةَ الشَّامِتِينَ ، وتَحْمِلُ مِنْ مُوَاسَاةِ بَعْضٍ المُوَاسِينَ مَا هُوَ أَثْقَلُ عَلَى النَّفْسِ مِنْ شمَاتَةِ الشَّامتين .
وكان أشد ما يَمرُ عَلى زَوْجَةِ عِكْرِمَةَ قَوْلُ النَّاس لَهَا إِنَّ الأميرَ الجَدِيدَ رَجُلٌ كَريمٌ ، أَفَما لَكِ إليهِ وَسيلةٌ ؟ ألا تَعْرِفِينَ صَدِيقاً لَهُ يكلّمُهُ لِيُخَفِّفَ عَنْ عِكْرِمَةَ ؟ وَكانَتْ تَعْرفُ الوَسيلَةَ الَّتِي تَبْدُّ الوَسَائِلَ ، إن لديها
— YA —
كَلمَةً واحدةً تَسْتَطيعُ إذا قَالَتْها أَن تَفُكُ عَن زوجها قُيُودَهُ وتُعيد إليه حريَّتَهُ وَمَجْدَهُ . هِيَ أَنْ تَقُولَ لِهَذا الأمير الجديد مَنْ هُوَ جَابرُ عَشَرَاتِ الكِرامِ. وَلَكِنَّ زَوْجَهَا
جها بر عشرات الكرام
يَأْبَى عَلَيْها أَنْ تَقُولَها أَشَدَّ الإباء . وَيُؤْثِرُ المَوْتَ في السِّجن عَنْ أن يُظْهِرَ حَسَنَةً عَاهَدَ الله على كتمانها . لِتَكُونَ خالصةً لَهُ وَحْدَهُ . وَهْيَ قَدْ حَلَفَتِ اليَمِينَ ولا
تُحِبُّ أَنْ تَحْنَثَ بِهَا وَلَوْ عَلَى قَطْعِ رَقَبَتِهَا
وَمَرُ شهرٌ كَامِلٌ وَهْيَ فى أشدّ العَذَاب . وَلَمْ يَكُن السِّجْنُ كسُجُونِ هَذِهِ الأيَّامِ . بَلْ حُفْرَةً كَالقَبْر . فيها رَطُوبَةُ القَبْر . وَظَلامُهُ ، وفيها القُيُودُ النّقالُ
وَذَابَتِ المُسْكِينَةُ كَمَا تَذُوبُ الشَّمعَةُ ، وَرَقُ لَحْمُها . وَبَدَا عَظْمُها ، وثَقُلَ هَذَا السِّرُّ عَلَى قَلبها حتى كأنه قِطْعَةٌ مِنَ الرَّصَاص وكأنَّ قلبها كيْسٌ مِنَ الحَرير . يَتَمَزَّقُ مِنْ ثِقَلِها . كَذَلكَ شَعَرَتْ بِهِ يُمَزِّقُ قَلْبَها . وَكَانَتْ بين حُبّها لزوجها وألمها لَهُ ، وَبَيْنَ حرصها عَلَى رضَاهُ وَبِرّها بِيَمِينِها كأنَّما هِيَ بينَ حَجَرَي طَاحُون
جابر عثرات الكرام
ثُمَّ اهْتَدَتْ لوجه الحيلة . فَدَعَتْ مَوْلاةً لَهَا عَاقلة
قويَّةً جَمِيلَةً ، فَبَعَثَتْ بها إلى الأمير الجديدِ وَلَقَّنَتْها
ما تَقُولهُ
فَدَخَلَتِ الجاريةُ القَصْرَ وَطَلَبَتْ لقاء الأمير.
- وَقَالَتْ : إن لي نَصِيحَةً لا أقولها إلا لَهُ.
فأَدخَلُوها عَلَيْهِ
- فَقَالَ : مَنْ أَنْتِ وَمَا شَأْنُكِ ؟
- قالت : لَسْتُ أَقولُ إِلَّا عَلَى انْفِرَادٍ .
۳۱
فَانْفَردَ بهَا . فَقَالَتْ لَهُ : هَلْ تُحِبُّ أن أذلكَ عَلَى
جابر عثراتِ الكرام ؟ .
- فَوَثَبَ وَقَالَ : وَيْحَكَ وَهَلْ تَعْرِفِينَهُ ؟ .
- قَالَتْ : إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَيْهِ . وَكَانَ يَحْتَاجُ إليكَ
فَمَا أَنْتَ صَانعٌ بِهِ ؟
- قَالَ : أَتَسْأَليتني ما أنا صانع بِهِ ؟ خَبريني
وَسَتَرَينَ : خَبْرينِي وَيْلَكِ وَعَجِّلي فَمَا بَقِيَ مِنْ صَبري
بَقِيَّةٌ ، فَمَنْ هُوَ ؟
- قَالَتْ هُوَ عِكْرِمَةُ الفَيَّاضُ : فَشُدِهَ وَصَاحَ بِهَا
وَيْلَكِ أَوَاثِقَةٌ أَنْتِ أَنَّهُ عِكْرِمَةً ؟
- قالت : إي والله
- فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ عَرَفْتِ ؟.
فَقَصَّتْ عليه القصَّةَ ، فَجَعَلَ يَلْطُمُ وَجْهَهُ بِكَفَّيهِ
ويَشُدُّ شَعْرَهُ ويقولُ :
وَاخْجْلَتَاهُ وَاخْجْلَتَاهُ مِنْهُ ومن ابنة عمه
،
وَقَفَرَ إِلى فَرَسِهِ . وَقَالَ
لأهل مَجْلسه وَهُمْ وُجُوهُ
أهل البلد : الحقوا
بي إلى السجن
:
مكافاة المعروف
وَدَخَلَ على عِكْرِمَةَ فأَكبَّ عَلَى رَأْسِهِ يُقَبْلَهُ وَيَعْتَذِرُ إِليهِ ، وَعَرَفَ عِكْرِمَةً أَنَّ زَوْجَتَهُ قَدْ أَفْشَتْ سِرَّهُ . فاسْتَحْيَا وَنَكَسَ . وأمَرَ بالقيود فَفَكَّتْ عَنْهُ ، وَمَدَّ رجْلَهُ
وقالَ لِلْحَدَّادِ : ضَعْهَا هُنَا
- قَالَ عِكْرِمَةُ : وَمَاذَا تَصْنَعُ قَالَ : أَصْنَعُ بِنَفْسِي
مِثْلَ الَّذي صَنَعْتُ بِكَ ، لِأكَفِّرَ عَنْ ذَنْبِي إِليكَ
- قال : لا والله لا تَفْعَلُ .
وَخَرَجَ بِهِ يُقَدِّمُهُ ويُكَرْمُهُ . حَتَّى إذا دَخَلَ عِكْرِمَةُ دَارَهُ وَأَرَادَ أَنْ يُوَدْعَهُ قَالَ : لا واللهِ ، بَلْ إلى دار
٣٤
الإمارة . وأمرَ بالحَمَّامِ فأخليَ ، وَدَخَلَ مَعَهُ فَخَدَمَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ البَسَهُ ثِيَابَهُ ، وَمَضَى بِهِ إلى أمير المُؤمِنِينَ .

العودة إلى الخليفة
وَلَمَّا سَمِعَ سُلَيمانُ أَنْ خُزَيْمَةَ قَدْ عَادَ .
- قَالَ : أَمِيرُ الجَزيرَة يَعُودُ عَاجِلا . وَمِنْ غَيْر
اسْتِلْذَانِ وَلَا إِخْبَارِ ما عَادَ إِلَّا لِحَادِثٍ عَظِيمٍ وَدَعَا بِهِ ،
فقالَ لهُ قبل أَنْ يُسَلَّمَ :
- مَا الَّذي أَقْدَمَكَ .
قال : يا أميرَ المُؤمنينَ ظَفِرْتُ بِجَابِرٍ عَثَراتِ الكرام فَجِئْتُكَ به لَمَّا رَأيتُ مِنْ تَلهُفكَ وشوقك إلى
رُؤيَتِه .
- قَالَ : وَمَنْ هُوَ ؟
٣٦
- قالَ : عِكْرِمَةُ الفَيَّاضُ .
فَدَعَا بِهِ الخَليفَةُ وَأَدْنَى مَجْلِسَهُ
.
- وَقَالَ : يا عِكْرِمَةُ لَقَدْ كَانَ مَعْرُوفُكَ وَبَالًا عَلَيْكَ
خُذْ هَذِهِ الرُّقعة فاكْتُبْ عَلَيْها طَلَبَاتِكَ كُلَّها .
- قَالَ : أو تُعْفِيْنِي يا أميرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ فَمَالِي مِنْ
طلب إلا رضًا الله ثُمَّ رضاك .
- قَالَ : لا بُدَّ من أَن تَفْعَل .
فَكَتَبَ حَاجَتَهُ فَأَمَرَ بِقَضَائِهَا ، ثُمَّ جَمَعَ لَهُ الجَزِيرَةَ
وأزمنية وأذربيجان ، وَوَلاهُ عَليها كلها .
- وَقَالَ لَهُ : أَمْرُ خُزيمةَ لَكَ . فَإِنْ شِفْتَ عَزَلْتَهُ وإنْ
شئتَ أبْقَيتَهُ تابعاً لك .
- قال : بَلْ يَبْقَى يا أميرَ الْمُؤْمِنِينَ .
+
وَبَقِيَا وَالبَيْنِ حَتَّى مات سُليمان
- ساحة الحجاز ص . ب ٩٦٢
سلاسل الفكر
إن من أهم ما تهدف إليه « كتب الأطفال » . بصورة عامة، تحبيب القراءة للأطفال ، وتنمية حب الاطلاع لديهم ، واستثارة مواهبهم
الكامنة
ويستعين العاملون في
مجال « كتب الأطفال
عادة ، على تــحــقــيــق هذه الأهداف. بتقديم المعلومات المتنوعة للطفل، بأسلوب مشوق ، ولغة سهلة ، وطريقة جذابة وإخراج متقن .
واهتمام بالرسوم والصور على قدر يتفاوت حسب عمر الطفل
الذي تقدم له هذه الكتب .
وسلاسل الفكر ، بالإضافة إلى هذه الأهداف العامة ، فإنها
تتوخى :
1
بناء شخصية
الطفل بشكل منسجم مع بيئته
تحيطه، وتراث أمته الفكري ودورها الحضاري .
وذاتيتها المتميزة .
۲- تعريف الطفل بالجهود العلمية الكبيرة ، التي قدمها علماؤنا الأجلاء . في مختلف حقول المعرفة ، والتي
حرص مؤرخو الحضارة الغربية
على تجاهلها وطمسها وإهمالها .
- توجيه الطفل إلى
النظر في آبات الله المنثورة في
الكون المسخر له، وفي نفسه
التي بين جنبيه ، حتى يتبين له الحق ، ويستنير قلبه
بالإيمان عن علم ويقين .
إن هذه الأهداف التي أخذت دار الفكر على عاتقها تحقيقها في ( سلاسل الفكر ) ، لتفرض عليها نهجاً في العمل جديداً متميزاً .
فيه من الإبداع
ما ينأى به عن الترجمات الحرفية لكتب الأطفال
يألفونه في بيئتهم ومعتقداتهم .
وفيه من التزام الأمانة
العلمية. والغاية التربوية .
والتنويع في المعلومات ، والمستوى الفني الرفيع ما يحتاج إلى تضافر الكثير من الجهود لإنتاج كتب لا تستحوذ على اهتمام أطفالنا فحسب، وإنما تحقق فيهم الأهداف التي وضعت من
وستصدر سلاسل الفكر
أجلها .
الأجنبية، التي غمرت
تباعاً إن شاء الله . في حلة
مكتباتنا ، مع أنها لم تكتب في
شيبة ، مزودة بالرسوم
الأصل لأطفالنا . وهي تحكي
والألوان ، شاملة لشتى حقول
لهم أفكاراً ومعتقدات مغايرة لما
المعرفة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طوق الحمامة نسخة تحتاج تنميق

      ​طوق الحمامة​ المؤلف ابن حزم     المقدمة     باب تقسيم الرسالة ←     قال أبا محمد عفا الله عنه: أفضل ما أبتدئ به حمد الله عز وجل بما ه...