ذكر تصريف الامور

اللهم صلي علي محمد و آل محمد صلاة تنجنا بها من جميع الأهوال والآفات وتقضي لنا بها جميع الحاجات/واتلو: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا 11 مرة والاستغفار 7 مرات يعد صلاة العشاء

Translate {الترجمة لاي لغة} ابود

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 فبراير 2024

سيرة ابن اسحاق

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المحقق
عندما ظهر الإسلام كان عرب شماليون كثيرون من قطّان المدن كمكة ويثرب والطائف يقرأون ويكتبون؛ ذلك أنّ شمال الجزيرة كان يشهد منذ النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي حقبة ازدهار اقتصادي وسياسي متصل.
كانت الدويلات التي أقامها الفرس والبيزنطيون على أطراف الجزيرة أو في داخلها قد ضعفت أو سقطت، وكانت اليمن قد فقدت حكومتها المركزية القوية ثم سقطت في قبضة الأحباش ثم الفرس؛ فرافق ذلك صعود شمال الجزيرة بزعامة مكة التي تحولت إلى ما يشبه جمهورية ارستقراطية سيطرت على طرق التجارة وأسواقها في الجزيرة، وأقامت نظام «الإيلاف» الذي نظّم العلاقات بين الحضر والبدو في الداخل من جهة ومع الدول المجاورة من جهة أخرى «١» .
وطبيعيّ أن تتعرض مكة ويتعرض محيطها وقد أصبحت مركزا تجاريا رئيسيا إلى جانب مكانتها الدينية عند العرب منذ القديم؛ طبيعي أن تتعرض لتأثيرات خارجية دينية وثقافية وسياسية. وهكذا فقد عرفت مكة كما عرف شمال
(١) قارن: نقائض جرير والفرزدق ٢/ ٥٨١، ٦٣٨، ديوان جرير ١/ ٢٦١- ٢٦٢،
:Islam:in Before Unity Arabe of Natur The:Grunebaum.٣٦٩١ X Arabica- Caskel:Entdeckungen in Arabien ٧٢- ٢٣..P ٥٦٩١ IIIV Jesho in Tamim and Mecca:Kister-. ٦١١- ٣١١.
الجزيرة الديانتين اليهودية والنصرانية، كما عرفت أخبارا من أخبار الفرس والروم وعرفت أيضا بعض التقاليد الثقافية التي كانت سائدة في منطقة ما يسمّى بمنطقة «الثقافية الهيللينية» «١» . إلى جانب هذه التقاليد الحضارية الخارجية التي وصلت إلى مكة؛ تكوّنت في مكة نفسها تقاليد ثقافية خاصة بها وبشمال الجزيرة بشكل عام. كان من ضمن هذه التقاليد الخطّ العربي المستعار في الأصل من الأنباط «٢» . هذا الخطّ الذي وصلت إلينا نماذج من تطوراته الأولى تعود إلى مطلع القرن الرابع الميلادي ما لبث أن انتشر وسيطر في الأصقاع التي انتشرت فيها تجارة مكة وأسواقها في شمالي الجزيرة وجنوبيها «٣» .
ولا شك أن شباب قريش الذين كانوا في أكثرهم تجارا، وكانوا يعقدون المعاهدات، ويسجّلون العقود ويحتاجون إلى كتابة الرسائل كانوا يعرفون في أكثرهم الكتابة العربية، والقرآن الذي ترد فيه إشارات كثيرة إلى الكتب والكتابة والعقود والنظم التجارية شاهد صريح على كون هذه الأمور كلها معروفة وممارسة لديهم «٤» . وكتب السيرة والتاريخ والطبقات تؤكّد ذلك بذكر أسماء أشخاص بعينهم في مكة والمدينة كانوا يحسنون الكتابة والقراءة، كما تذكر تقليدا آخر- ربما كان خاصا بالمدينة المنورة- مفاده أنّ أولئك الذين كانوا يحسنون الكتابة والسباحة والرمي كانوا يسمّون «الكمله»، وكان منهم بين الأنصار عدد ليس بالقليل «٥» .
(١) قارن..ff ٨ Islam im Autike der Fortleben Das:Rosenthal.E:
(٢) قارن..٩٣٩١ Chicago.Script Arabic North The of Rise The:.N Abbot:
(٣) قارن:
٤٦ Arabes des Penetration La:Dussaud-.ff ٣١٣ II Araber Die:Stiehl- Altheim-
جواد علي: المفصل ٣/ ١٩١ وما بعدها.
(٤) القرآن ٢٣/ ٢٨٢، وقارن ناصر الدين الاسد: مصادر الشعر الجاهلي ٤١- ١٣٣.
(٥) طبقات ابن سعد ٣/ ١٣٦، فتوح البلدان ٤٧٣- ٤٧٧.
كان لا بدّ من هذه المقدمة الموجزة للوصول إلى التساؤل الملحّ فيما يتصل «بالوعي التاريخي» عند العرب وجودا وأساسا وتطوّرا. نحن نعرف الآن من خلال النقوش العربية الجنوبية أنّ الجنوبيين كانوا يؤرخون لكل شيء «١»، كما أن الكتابات العربية الشمالية الأولى مؤرّخة. ثم إننا نعرف أن المكيين كانوا يتداولون قصصا وأسمارا فيما بينهم بعضها يتصل بماضي الجزيرة والآخر بالدول والحضارات المجاورة. وعندما توفي النبي وبدأ تكوين الأساس الإداري للدولة العربية- الإسلامية الجديدة سارع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إلى اعتبار الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة بداية تاريخية للدولة الجديدة والدعوة الجديدة.
الوعي التاريخي العربي الأوّلي الذي نشأ نتيجة إحساس مكة والشماليين بأنفسهم تدعّم بالدعوة الجديدة ونشأة مفهوم «الأمة» والدولة. يضاف إلى ذلك أن الصراعات القبلية بدأت مع الفتوحات وإنشاء الأمصار، كما بدأ صراع بين السلطة المركزية من جهة ورجال القبائل من جهة أخرى. وطبيعي أن تحاول كل قبيلة إنشاء «صورة تاريخية» خاصة بها دفاعا عن الذات، في الوقت الذي كانت فيه السلطة تحاول القيام بالأمر نفسه. هذا كله يدفعنا إلى القول بأنّ الوعي التاريخي العربي كما بدا في كتابات مؤرخي القرن الثاني الهجري هو وعي أصيل نشأ في البيئة العربية، وإن يكن قد تعرّض لتأثيرات خارجية فلا شك أن هذه التأثيرات بقيت عرضية «٢» .
أولى الاهتمامات التاريخية في القرن الأول الهجري كانت بالسيرة النبوية،
(١) قارن بروزنتال: علم التاريخ عند المسلمين ٢١- ٢٢ (ترجمة د. العلي) .
(٢)
Islam Before Unity Arab of Nature The Grunebom-. ٣٦٩١ X Arabica:in
روزنتال: علم التاريخ عند المسلمين ٣٣ وما بعدها.
٣٤- ٨٣ Islam in Consciousness Historical.W Braune- von.E.G.de (Islam in Law and Theology:in.٩٦٩١ II) Grunebaum
بالتاريخ القريب للأمة الناشئة. كان المجتمع يتطلع إلى محاولة «إعادة امتلاك» تلك التجربة التاريخية الفريدة، تجربة النبوة والمجتمع المثالي الأول. كان لا بدّ من «صورة تاريخية»
تدعم فكرة الأمة والمجتمع الناشىء، ثم إنّ الفتوحات والاتصال بالأمم الأخرى، كل ذلك أبرز مشاكل جديدة رجوا حلّها باستعادة تجربة الوحي والإدارة والغزوات أيام الرسول، سيرة النبي، كتبت ضمن منظور تاريخي واسع يجعلها خاتمة تجارب الأمم التي عاشت أنبياء ونبوات أو كانت لها صلة من أي نوع بفكرة التوحيد. هذا المنظور التاريخي العالمي استمد مصادره من القرآن ومعارف العرب التقليدية وما عرفوه من خلال معايشتهم لأهل الكتاب في الأقطار المفتوحة، ومن خلال معايشتهم للشعوب غير الكتابية. تلا الاهتمام بالسيرة وخلفيتها اهتمام مماثل بأخبار العرب في جاهليتهم فيما يسمّى بأيام العرب نتيجة الصراعات القبلية، هذا بالإضافة إلى «الصور التاريخية» التي بدأت تنشأ عن التاريخ السياسي للدولة الإسلامية خلال الصراع بين السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية الدينية التي تصدّت للسلطة الأموية وقاومتها «١» .
اهتمّ بالسيرة النبوية وبخلفيتها التاريخية أشخاص عديدون في القرنين الأول والثاني الهجريين، منهم وهب بن منبه وأبان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير وشرحبيل بن سعد، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وموسى بن عقبة وهشام بن عروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق. ولقد وصلتنا قطع من كتاب وهب بن منبه (٣٤- ١١٤ هـ/ ٦٥٤- ٧٣٢ م) في المغازي «٢»، كما وصلتنا أجزاء من كتابات محمد بن مسلم
(١) عبد العزيز الدوري: علم التاريخ عند العرب ١٧- ٢٠.
(٢) نشرها ج. ر. خوري بهايدلبرغ.
ابن شهاب الزهري (١٢٤ هـ/ ٧٤١ م) في السيرة في كتاب المصنّف لعبد الرزاق ابن همام الصنعاني (٢١١ هـ/ ٨٢٦ م)، ويعتبر كل من موسى بن عقبة (١٤١ هـ/ ٧٥٨ م) ومحمد بن إسحاق (٨٥- ١٥١ هـ/ ٧٠٥- ٧٦٨ م) أهمّ ممثّلي المرحلة الثانية من مراحل كتابة السيرة، وأقدم من كتب في ظل العباسيين، وقد وصلت إلينا قطعة صغيرة من كتاب موسى بن عقبة في المغازي نشرت سنة ١٩٠٤ م. ومن دراسة هذه القطعة يتبين اهتمام موسى بالترتيب الزمني وبذكر تواريخ الحوادث، وباستعماله للأسانيد بدقة، ثم باعتماده شبه الكلي على شيخه الزهري «١» .
مهما تكن أهمية أعمال أمثال الزهري وموسى بن عقبة، فإن عمل ابن إسحاق يبقى الأساسيّ فيما يتصل بالسيرة وإلى حدّ ما بالتاريخ. وتكمن أهميته كمؤرّخ في استيعابه لتجارب شيوخه، وفي تطويرها وإعادة تنظيمها من خلال فهمه الجديد للتاريخ، ومن خلال نظرته الشاملة النابعة من ثقافته الواسعة وإدراكه للمغزى السياسي «للصورة التاريخية» . من هنا صار ابن إسحاق شيخ كتّاب السيرة، وصار من كتبوا بعده عيالا عليه. وقد شعر كاتب سيرة كابن سيّد الناس بعد ذلك بقرون أنّ سيرة النبي نفسها وقيمتها التاريخية تتعرضان للخطر إن تعرضت الثقة بابن إسحاق المؤرّخ للتساؤل، لذا فقد رأى واجبا عليه أن يعقد في مطلع سيرته فصلا للدفاع عن ابن إسحاق في وجه ناقديه «٢» .
(١) عن كتاب السيرة الأوائل، قارن مقالات هوروفتر في II I Culture Islamic وقد ترجمها د. حسين نصار بعنوان «المغازي الأول ومولفوها» ١٩٤٩. وقارن، عبد العزيز الدوري: علم التاريخ عند العرب ٢٠- ٢٧.
(٢) عيون الأثر ١/ ١٠- ١٧.
ومع أنّ الدراسات عن ابن إسحاق تعددت منذ مطلع هذا القرن «١»، لكنّ هناك صعوبات لا يمكن تخطّيها تحول دون الوصول إلى نتائج يطمأنّ إليها في هذا المجال. إن المادة التي اعتمدت عليها هذه الدراسات قليلة وغير أصيلة تماما، ذلك أن ما كتبه ابن إسحاق لم يصل إلينا بشكله الأول، بل وصلنا بعد تهذيبه وتعديله من قبل آخرين أشهرهم وأهمهم ابن هشام. وكنت قد حصلت منذ سنوات على مصوّرة لقطعة من سيرة ابن إسحاق موجودة بالمغرب، ضممتها إلى أوراق من قسم المغازي موجودة بالمكتبة الظاهرية بدمشق، ثم قمت بمقارنة الموادّ والأخبار الموجودة في هاتين القطعتين بما عند ابن هشام مما يقابلهما فاتضحت لي أهمية نشرهما.
ولد محمد بن إسحاق بالمدينة حوالي عام ٨٥ هـ/ ٧٠٥ م «٢»، وبها نشأ وأدرك بعض الصحابة، لكنّ أكثر سماعه كان من أبناء الصحابة. وقد سمع من أبيه وكبار التابعين بالمدينة، ثم رحل في طلب العلم إلى مصر، ونحن نعلم أنه كان بالإسكندرية عام ١١٩ هـ/ ٧٣٨ م، ثم عاد إلي المدينة وبدأت شهرته بسعة الرواية تنتشر. وإلى هذه الفترة تعود منازعاته مع عالمي المدينة المشهورين آنذاك: هشام بن عروة بن الزبير (- ١٤٦ هـ)، ومالك بن أنس (- ١٧٩ هـ) . أما هشام بن عروة فقد اتهمه بالكذب لأنه كان يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وكان هشام بن عروة ينكر سماع
(١) كتب يوهان فك دراسة عنه (عام ١٩٢٥)، كما نشر فيشر أسماء الرجال الذين رووا عنه. ودرس هوروفتز عمله في مقالاته السالفة الذكر، وقارن الدوري ٢٧- ٣٢.
(٢) أهم ترجماته في المصادر، طبقات فحول الشعراء لابن سلام ٨، ١١، ٢٠٦، طبقات ابن سعد ٦/ ٣٩٦، المعارف ٤٩١، الفهرست ٩٢، تاريخ بغداد ١/ ٢١٤، معجم الأدباء ١٨/ ٥ وما بعدها، وفيات الأعيان ٤/ ٢٧٦- ٢٧٧، تاريخ الاسلام ٦/ ٣٧٥- ٣٧٨، ميزان الاعتدال ٣/ ٤٦٨، تذكرة الحفاظ ٢/ ١٧٢، تهذيب التهذيب ٩/ ٣٨، عيون الأثر ١/ ١٠- ١٧.
ابن إسحاق لها ويقول: أهو كان يدخل على امرأتي «١»؟. وربما رمى هشام بن عروة من وراء ذلك إلى الحطّ من منزلة ابن إسحاق لأنه كان مولى، فقد احتل خالد بن الوليد عام ١٢ هـ/ ٦٣٣ م مدينة عين التمر بالعراق وأسر فتيانا كانوا يدرسون في دير هناك، وكان من هؤلاء سيرين أبو محمد بن سيرين ويسار جدّ محمد بن إسحاق الذي كان مولى قيس بن مخرمة. ويروي الخطيب البغدادي خبرا مفاده أن خيارا والد يسار هو الذي أسر وكان مولى لقيس بن مخرمة بن المطلب ابن عبد مناف. ويبدو أنّ لأصول ابن إسحاق الكتابية أثرا في كتاباته كما يبدو ذلك من قصصه ورواياته عن عصور ما قبل النبي. ويبدو أنه كان يعرف السريانية فربما ظلت تلك اللغة متوارثة في أسرته. على أنه ربما عرف كل ذلك أثناء إقامته بمصر التي امتدت إلى بضع سنوات.
ويمكن فهم نزاعه مع مالك من زاوية أخرى، فقد بلغ مالكا عنه أنه يقول: إعرضوا عليّ حديث مالك فأنا بيطاره! فقال مالك: وما ابن إسحاق؟! إنما هو دجّال من الدجاجلة! نحن أخرجناه من المدينة «٢» . لا مانع من فهم هذا النزاع على أنه نزاع بين أبناء الحرفة الواحدة، وقد كان العلماء قديما يقولون: المعاصرة حجاب! لكننا نحسب أن الأمر يتعدّى ذلك، إذ أنّ طبيعة الكتابة التاريخية التي عمل ابن إسحاق في مجالها أرغمته على التحلّل بعض الشيء من طرائق المحدّثين الشديدة التدقيق، والحرفية المنحى، والبالغة الإيجاز، وطبيعيّ أن ينظر مالك إلى ذلك كله- وهو المحدّث المتحرّج- نظرة كلها شكّ وريبة. والإشارة الأخرى في حديث مالك عن ابن إسحاق بالغة الأهمية، إنه يزعم أنه هو وأمثاله أخرجوا ابن إسحاق من المدينة. لقد كان للنزاع إذن وجه آخر لا يمكن اعتباره علميا محضا بل له جانبه السياسي.
(١) تاريخ بغداد ١/ ٢١٦، وفيات الأعيان ٤/ ٢٧٧.
(٢) معجم الأدباء ١٨/ ٧- ٨، وقارن: تاريخ الاسلام ٦/ ٣٧٨، طبقات خليفه ١/ ٤٠٢، النجوم الزاهرة ٢/ ١٦٥، مرآة الجنان ١/ ٤٦٠.
والمصادر تؤيّد دعوى مالك، فقد اشتهر عن ابن إسحاق بعد عودته من مصر القول بالقدر وجلد على ذلك بالمدينة، ويبدو أن ابن إسحاق لم ينكر التهمة، فقد دافع عن نفسه عندما اتهمه هشام بن عروة بالكذب على امرأته، لكنه لم يقل شيئًا عندما بلغه اتهام مالك له بالزندقة، ولا يعني ذلك أنه كان زنديقا، ولكن تلك كانت التهمة التي يوجهها محافظو الرواة إلى القائلين بالقدر من علماء البصرة وغيرها «١» . بالإضافة إلى ذلك سرى اتهامه بالتشيّع، وكانت تلك تهمة تنال أكثر الذين يعملون في مجال سيرة النبي «٢»، وقديما ودّ عبد الملك بن مروان لو لم ينشغل أحد بالسيرة لما فيها من تقديم لبني هاشم وللأنصار! «٣» .
دفع هذا كله ابن إسحاق إلى مغادرة المدينة وكان «قد ضاق واشتدّت حاله» وتوجه من هناك إلى الكوفة، ولا بد أن يكون ذلك قبل بناء بغداد، لكن بعد ولاية المنصور للخلافة أي بين ١٣٦ هـ و١٤٤ هـ، لأننا نقرأ في المصادر أنه أتى أبا جعفر المنصور بالحيرة «فكتب له المغازي، فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب «٤» . وتوجّهه إلى أبي جعفر المنصور لم يتم مصادفة، فقد كان يعرفه في الغالب قبل وصول العباسيين إلى السلطة، كما أنه كانت للعباسيين صلات طيبة بالقدرية في أول الأمر كما تظهره المصادر التي تلحّ على محاولات أبي جعفر للتقرب من عمرو بن عبيد وغيره من قدرية البصرة في مطالع خلافته «٥»، وكان القدرية قد دخلوا في صفوف المعارضين للأمويين منذ ثورة ابن الأشعث ٨٢- ٨٤ هـ واستمر عداؤهم لهم حتى سقوط دولتهم عام ١٣٢ هـ؛ «٦»
(١) قارن، تاريخ الاسلام ٦/ ٣٧٧، معجم الأدباء ١٨/ ٧.
(٢) معجم الأدباء ١٨/ ٧- ٨.
(٣) الموفقيات ٣٣٢.
(٤) معجم الأدباء ١٨/ ٦، وفيات الأعيان ٤/ ٢٧٧.
(٥) قارن: البيان والتبيين ٤/ ٦٤- ٦٥، العقد الفريد ٣/ ١٦٤، عيون الأخبار ٢/ ٣٣٧.
(٦) قارن
:die und Asat- al lbn des Revolte Die:Saiyid.R.ff ٠٩٢-/ ٢١.P) ٧٧٩١ Freiburg (Koranless.
فيما عدا الشهور التي تولى فيها يزيد بن الوليد بن عبد الملك السلطة بعد انقلاب قاده قدرية الشام، ولا شيء يمنع من تصوّر كون العباسيين قد حاولوا استغلال معارضة الحركة القدرية للأمويين لصالحهم، وربما أوضح ذلك بعض الغوامض في قيام الدعوة العباسية.
مهما يكن من أمر يبدو أن ابن إسحاق كان قد صنّف السيرة أو جزءا منها قبل مغادرة المدينة، وعند ما نزل بالكوفة حدّث عنه كوفيون كثيرون، ثم انتقل إلى بغداد في ركاب المنصور بعد بناء المدينة فحدّث عنه بها آخرون.
ويهمّنا هنا أن نذكر ثلاثة من هؤلاء الذين حدّثوا عنه لصلتهم بسيرته، إنهم: زياد بن عبد الله البكّائي (١٨٣ هـ/ ٧٩٩ م)، ومحمد بن سلمة الحرّاني (١٩١ هـ/ ٨٠٧ م)، ويونس بن بكير (١٩٩ هـ/ ٨١٤ م) . وقد كلّف المنصور ابن إسحاق بملازمة ابنه المهدي، فصحبه طويلا وسافر معه إلى خراسان حيث حدّث هناك بالري وأملى. وبأمر من المنصور صنّف ابن إسحاق السيرة للمهدي فلما اطّلع عليها المنصور طلب إليه القيام ببعض التعديلات فيها.
وهكذا تكوّنت ثلاث «نسخ من السيرة»، تلك الأولى من العهد المدني، والثانية من العهد الكوفي، والثالثة من العهد البغدادي، وقد بقيت أجزاء من النسختين الأولى والثانية تسمحان لنا بالذهاب إلى أنّ المنصور أراد من ابن إسحاق التركيز بشكل أوضح على دور العباس بن عبد المطلب وأخباره مع النبي وخدماته الجلّى للإسلام، وربما رافق ذلك طمس بعض ما يتصل بنواحي صعف العباس وأعماله المعادية للرسول قبل إسلامه. ونرى أن رواية يونس بن بكير تمثّل الشكل الأول غالبا بينا تمثّل رواية البكّائي «١» الشكل الثاني ورواية محمد بن سلمة الحرّاني الشكل الثالث. ونستند في ذلك إلى الطابع الشيعي الشديد الذي يبدو في بعض روايات يونس بن بكير، ففي رواية لسلمان الفارسي
(١) عن رواية البكائي، قارن: الروض الانف ٣/ ١٠٦.
يقول الرسول ﷺ إن عليا خير الوصيين، كما أنّ سبطيه خير الأسباط، بينا يذهب ابن إسحاق في رواية في نسخة محمد بن سلمة الحرّاني إلى أن قوله تعالى في سورة الأنفال (رقم ٦٩) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، نزل في العباس الذي كان يقول: في نزلت حين ذكرت لرسول الله ﷺ إسلامي وسألته أن يقاصّني بالعشرين أوقية التي أخذ مني.. الخ. ويدل هذا على ميول عباسية للمؤلف لم تكن في نسخته الأولى. أما رواية البكائي فلم تصل إلينا للأسف في شكلها الأول بل نالها تعديل ابن هشام واختصاره.
على أنّ رأينا هذا يبقى على كل حال عرضة للنقاش لأننا لا نملك حتى الآن نسخة كاملة لإحدى الروايات الثلاث بحيث تمكن المقارنة، ويمكن التحقق التام.
معلوماتنا عن ابن هشام الذي هذّب رواية البكّائي قليلة، وقد ذكر السهيلي في «الروض الأنف» أنه كان يدعى عبد الملك بن هشام، وأنه كان مشهورا بحمل العلم، متقدما في علم النسب والنحو. وهو حميريّ معافريّ بصريّ الأصل، مصري المنشأ والوفاة. وزاد ابن خلكان نقلا عن ابن يونس صاحب «تاريخ مصر» أنه توفي لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثماني عشر ومائتين، بينا أكّد السهيلي وفاته عام ٢١٣ هـ «١» . ويبدو أن عبد الملك بن هشام صادف أمامه عند ما أراد تهذيب سيرة ابن إسحاق نصّ رواية البكّائي لها مكتوبا، ولا ندري كيف أخذه عن البكّائي، هل بطريق السماع والرواية أم بطريق «الوجادة» و«الإجازة» . إنه لا يصرّح على أي حال بشيء من ذلك في مطلع تهذيبه، يبدأ هكذا: «قال أبو محمد عبد الملك ابن هشام: هذا كتاب سيرة رسول الله ﷺ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسم هاشم عمرو..»، ثم يقول بعد انتهاء
(١) وفيات الأعيان ١/ ٢٩٠، الروض الانف ١/ ٧.
سرده للنسب الشريف: «قال أبو محمد عبد الملك بن هشام: حدثنا زياد بن عبد الله البكّائي عن محمد بن إسحاق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله- ﷺ إلى آدم
» . وهنا يبين ابن هشام خطته في الكتاب كله فيقول: «.. تارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله ﷺ فيه ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه لما ذكرت من الاختصار، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقرّ لنا البكّائي بروايته، ومستقص- إن شاء الله تعالى- ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به..»، وقوله «.. وبعض لم يقرّ لنا البكّائي بروايته» يدل على أنه كان على صلة ما بالبكائي لكن نوع الصلة هذا لا يمكن تحديده بدقة كما ذكرنا سابقا. والحرية التي يظهرها ابن هشام بعدم ذكره للأسانيد ربما لم تعد إليه، بل مما خلّفه ابن إسحاق في النص، وقد أكدنا سابقا على أن طبيعة المادة المكتوبة كانت تقتضي طرائق جديدة تخرج بعض الشيء على طرائق المحدّثين، ثم إن علم الإسناد لم تكن أسسه قد استقرت تماما في عصر ابن إسحاق. إهمال ابن هشام للإسناد لا يشكّل إذن والحالة هذه إشكالا لا يمكن تخطّيه، لكن مما يؤسف له لجوؤه إلى حذف الكثير من مادّة ابن إسحاق التي اعتبرها غير ضرورية، ثم صيرورته إلى تعديل بعض الأخبار أو تعديل ألفاظها حسبما فهمها ليكسبها قبولا أو وضوحا رأى أنها تفتقر إليهما. ولا شك أن تعديلاته وشروحه هذه تأثرت ببيئته الثقافية وطبيعة العصر الذي عاش فيه، هذا وإن يكن جيله هو الجيل التالي لجيل ابن إسحاق. كانت اهتمامات ابن هشام اهتمامات لغوية وقد أثّر ذلك تأثيرا كبيرا على طريقته في اختيار الأخبار وفي إيرادها.
وقد ذهبت بعض اهتمامات ابن إسحاق التاريخية والإخبارية ضحية دقة ابن هشام اللغوية. ولعله من المفيد أن نقارن عمل ابن هشام ليس فقط بالقطع الباقية من
الروايتين الأخريين لابن إسحاق، لكن أيضا بالمصادر التي نقلت عن ابن إسحاق بطريق ابن هشام أو بطريق آخر. وفي «تاريخ مكة» للفاكهي (٢٨٠ هـ) نصوص كثيرة مقتبسة من ابن إسحاق إما من طريق ابن هشام- البكّائي أو من طرق أخرى. والأمر كذلك في الأغاني. وقد ذكر ابن هشام أسبابا لحذفه لبعض الأخبار، من هذه الأسباب أن يكون النصّ غير ضروري للسيرة، ولا شكّ أنه عنى بذلك قسم السيرة الأول «١» الذي سمّاه ابن إسحاق بالمبتدأ، ومقارنة الجزء الباقي من هذا المطلع بمطلع الطبري مثلا تظهر أن هذا القسم المحذوف كبير نسبيا. هذا ولا يقلّل من قيمة المحذوف استناده إلى الأساطير والإسرائيليات. ومن أسباب ابن هشام في الحذف أن يكون الشعر غير معروف عند أهل العلم، ومع أنّ معرفة ابن إسحاق بالشعر لم تكن على ما يرام «٢» إلا أنه كان بوسع ابن هشام أن يدع ذلك لعلماء الشعر ولا يستبقهم بحذف وتعديل كهذا بداعي الاختصار. على أن هذا كله يبقى له وجه واعتبار إذا ما قورن بأسباب ابن هشام الأخرى للحذف «.. وبعض يسوء بعض الناس ذكره..»،
«وأشياء بعضها يشنع الحديث به..»، إن لهذا النوع من الحذف ولا شكّ أسبابا سياسية وأخرى تتصل بالصورة التاريخية لعصر ابن هشام عن النبي وصحابته.
إن الفائدة ستكون كبيرة لو عثرنا في المستقبل على نسخة كاملة أصيلة من إحدى روايات سيرة ابن إسحاق، ولكن حتى يتحقق ذلك فإنه لا بد من الاستناد إلى القليل الذي بين أيدينا لتكوين صورة تقريبية عن الإنجاز الرائع الذي حققه ابن إسحاق في مجال تطوير الكتابة التاريخية العربية. إنّ طريقة ابن إسحاق في الكتابة والبحث، ومصادره، والخلفيات السياسية والاجتماعية
(١) عن أقسام سيرة ابن إسحاق، قارن الدوري: علم التاريخ عند العرب ٢٧- ٢٨.
(٢) ابن سلام: طبقات فحول الشعراء ٨، ١١.
لأخباره ومروياته، كل ذلك يحتاج إلى دراسة مفردة لا يتسع لها المجال هنا، وهمّنا الآن ينحصر في إخراج نصّ سليم.
تناول ابن إسحاق في كتابه ثلاث موضوعات اعتبرها مترابطة: أخبار الخليقة من آدم وحتى إسماعيل، ثم من إسماعيل حتى النبي محمد، ثم حياة النبي محمد وأعماله قبل البعثة وبعدها، واعتمد في القسم الأول على مادة الإسرائيليات التي تجمعت عند العرب قبله، والتي أكملها هو خاصة أثناء تحصيله في مصر.
واعتمد في القسم الثاني على مادة عربية شبه أسطورية تتحدث عن أخبار العرب قبل الإسلام وأنسابهم، وقد صيغت أخبار هذين القسمين بشكل جيد الأداء والعرض أوصل إلى الغرض، وهو صحة أصول نبوة محمد وارتباطها بغيرها من النبوات التي جاءت خاتمة لها بعد ما كانت كل نبوة تبشر سلفا بهذه النهاية الحتمية التقدير.
وبعد الفراغ من هذين القسمين اللذين جاءا كمقدمة أخذ ابن إسحاق بالحديث عن النبي محمد، ولم يسق هذا الحديث كقصة متسلسلة بل ساقه كوقائع بعضها وقع للنبي محمد بالذات، وبعض آخر لغيره وله مساس قريب أو بعيد به، وحينما تحدث ابن إسحاق عن النبي محمد أثبت تقريبا جميع المادة الاخبارية التي كان المسلمون قد جمعوها عنه خلال القرن الأول الذي جاء بعد وفاته، ويبدو أن ابن إسحاق أولى الفترة المكية من حياة النبي اهتماما أكبر من الفترة المدنية، وقدم لهذا القسم بمقدمة ذكر فيها علامات النبوة عند النبي محمد، وروى جميع قصص البشائر التي بشرت بقرب نبوته وصحتها.
وتتجلى عبقرية ابن إسحاق وتفوقه على الذين سبقوه في ترتيبه لكتابه بشكل فيه منطق ونظام، وترتيبه هذا وإن جاء غير مثالي تماما، يكفي صاحبه فخرا الإبداع والدنو من درجة الكمال.
ومادة ابن إسحاق غنية للغاية تكاد تكون حاوية لجميع ما تجمع لدى العرب
المسلمين من أخبار، وهذه «فضيلة لابن إسحاق سبق بها» وقد صنف من بعده قوم آخرون في نفس الموضوع فلم يبلغوا مبلغه، ومادة ابن إسحاق، رغم المآخذ، كبيرة الفائدة اعتمدها غالبية الذين كتبوا أو اهتموا بسيرة النبي بعده، وكانت دائما موضع دراسة وعناية.
يقول في هذا الصدد ابن عدي في كتابه «الكامل»: ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها علم، وصرف أشغالهم حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله ﷺ، ومبتدأ الخلق، ومبعث النبي ﷺ، فهذه فضيلة لابن إسحاق سبق بها، ثم بعده صنف قوم آخرون، ولم يبلغوا مبلغ ابن إسحق ولا علمه، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ، أو وهم في الشيء بعد الشيء، كما يخطىء غيره، ولم يتخلف عنه في الرواية عند الثقات والأئمة، وهو لا بأس به» .
هذا وتعود القطعتان اللتان أقدم لهما إلى القسم الثالث من سيرة ابن إسحاق، ولما كان هذا القسم يغطي الفترتين المكية والمدنية من حياة النبي فقد كان من حسن الحظ أن أولى القطعتين تتعلق بالفترة المكية وهي تكاد تغطيها جميعا، بينما تتعلق القطعة الثانية بالفترة المدنية وهي تروي أخبار الحوادث التي وقعت مع نهاية معركة بدر الكبرى وحتى نهاية معركة أحد.
ويوجد من القطعة الأولى مخطوطتان واحدة قديمة تعود في تقديري إلى القرن الخامس للهجرة، وهي موجودة في مكتبة القرويين في فاس، وتحوي مائة واثنتان وخمسون صفحة، كتبت بعدة خطوط حسب القاعدة المغربية، ولقد لحقت أوراق هذه المخطوطة رطوبة شديدة أدت إلى طمس بعضها طمسا كليا والبعض الآخر طمسا جزئيا، كما سببت خروما لحقت ببعض الأوراق، وقد جعلت هذه الحالة قراءة المخطوط أمرا في غاية الصعوبة، ولذلك فقد استغرق نسخ هذا المخطوط قرابة العام.
وبعد ما أنجزت عملية النسخ وكدت أنجز التحقيق تمكنت من الحصول على مصورة لنسخة ثانية من المخطوط موجودة في الخزانة العامة في الرباط، وهذه النسخة حديثة تعود إلى هذا القرن أو القرن الماضي على أبعد الحدود، وخطها مغربي جميل، إنما فيه من الأخطاء والتصحيفات ما لا يحصى، ويبدو أن هذه النسخة قد اعتمدت على النسخة الأولى، وهي تتألف من مائة وست وستين صفحة، ورغم ما فيها من أخطاء وتصحيفات فقد أفادتني فائدة كبيرة وأنقذتني من الوقوع في بعض الأخطاء.
أما القطعة الثانية فهي عبارة عن أوراق فيها جزء واحد صغير من أجزاء المغازي، كان الأستاذ ناصر الدين الألباني قد عثر عليها في المكتبة الظاهرية بدمشق، وكنت عام (١٩٦٤) قد كلفت أحد النساخ بنسخ هذا الجزء ففعل، ويبدو أن المخطوط الأصلي منه يعود إلى القرن الخامس للهجرة، وكان صاحبه طاهر بن بركات الخشوعي (ت: ٤٨٢ هـ/ ١٠٩٠ م) من رجال الحديث، وقد سمعه في دمشق مع كامل السيرة، بحضور جملة من علماء عصره، من الخطيب البغدادي سنة «أربع وخمسين وأربعمائة» وكان البغدادي قد جاء إلى دمشق قبل قرابة أربع سنوات، تاركا بغداد إثر فتنة البساسيري، وقد ترك لنا بعض تلامذته قائمة بالكتب التي حملها معه إلى دمشق ومنها سيرة ابن إسحاق.
وفي تحقيقي لهاتين القطعتين صرفت جهدي نحو إخراج نص صحيح، وسعيت نحو الإقلال من الحواشي ما أمكن، وكان ضبط الشعر الموجود فيهما، خاصة في القطعة الأولى أمرا ليس بالهين، لركاكة هذا الشعر المنظوم، ولعدم وروده في مصادر أخرى، وقد استعنت بعدد من ذوي الاختصاص باللغة العربية كما استخدمت المعاجم خاصة لسان العرب ومخصص ابن سيدة والقاموس المحيط وسواهم، كما استعنت بعدد كبير من مصادر السيرة وكتب أخبارها، وفي تحديد الأماكن كان مصدري الأساسي معجم البلدان لياقوت، وبالاضافة له
استخدمت كتب المكتبة الجغرافية العربية وخاصة صفة الجزيرة للهمداني.
إن أملي كبير بأن أكون قد أعطيت الموجود من سيرة ابن إسحاق ما يستحقه من جهد واهتمام، والله تعالى هو الموفق وهو من وراء القصد فله الحمد والمنة والصلاة والسلام على الإنسان الكامل والنبي المعصوم محمد بن عبد الله.
دمشق ١٥/ ٨/ ١٩٧٦ سهيل زكار
الجزء الأول من كتاب المغازي رواية يونس بن بكير عن محمد بن إسحق
«١» حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس بن بكير قال: كل شيء من حديث ابن إسحق مسند، فهو أملاه علي، أو قرأه علي، أو حدثني به، وما لم يكن مسندًا، فهو قراءة؛ قرىء على ابن إسحق.

حفر زمزم من قبل عبد المطلب ابن هاشم.
حدثنا أحمد قال: نا يونس، عن محمد بن إسحق، قال: بينا عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف نائمًا في الحجر، عند الكعبة، أتى، فأمر بحفر زمزم.
ويقال إنها لم تزل دفينًا بعد ولاية بني إسماعيل الأكبر وجرهم «٢»، حتى أمر بها عبد المطلب، فخرج عبد المطلب إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، إني قد أمرت أن أحفر زمزم، فقالوا له: أبين لك أين هي؟ فقال: لا، قالوا:
فارجع إلى مضجعك الذي أريت فيه ما أريت، فإن كان حقًا من الله
﷿ بين لك، وإن كان من الشيطان لم يعد إليك، فرجع فنام في مضجعه، فأتى فقيل له: احفر زمزم، إنك إن حفرتها لم تندم، هي تراث من أبيك الأقدم، لا تنزف الدهر ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام حافل لم يقسم، ينذر فيها ناذر لمنعم «٣»، فهي ميراث وعقد محكم، ليست كبعض ما قد يعلم، وهي بين الفرث والدم.
فقال حين قيل له ذلك: أين هي؟ فقيل له: عند قرية النمل، حيث ينقر الغراب غدًا، فغدا عبد المطلب ومعه الحارث ابنه، ليس له ولد غيره، فوجد
(١) من المؤكد إن هذا ليس أول الجزء بل فقد منه ما لا ندري كميته، ذلك أن تقسيم كل كتاب الى أجزاء مسألة ارتبطت أحيانا برغبة النساخ وسواهم أكثر منها برغبة المؤلف وصنيعه.
(٢) أي منذ سيطرة خزاعة على مكة.
(٣) وقع طمس في الأصل استعين على توضيحه بما ورد عند ابن هشام.
قرية النمل، ووجد الغراب ينقر عندها، بين الوثنين: إساف ونائلة، اللذين كانت قريش تنحر عندهما «١» .
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله ابن أبي بكر بن حزم، عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها قالت: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة رجل وامرأة من جرهم زنيا في الكعبة، فمسخا حجرين.
حدثنا أحمد، نا يونس عن ابن إسحق قال: فجاء عبد المطلب بالمعول، فقام ليحفر، فقالت له قريش حين رأوا جده: والله لا ندعك تحفر بين صنمينا هذين اللذين ننحر عندهما، فقال عبد المطلب لابنه الحارث: دعني- أو: ذد عني- حتى أحفر، فو الله لأمضين لما أمرت به، فلما رأوا منه الجد، خلوا بينه وبين الحفر، فكفوا عنه، فلم يمكث إلا قليلًا حتى بدا له الطوي، فكبر «٢»، فعرفت قريش أنه قد صدق وأدرك حاجته، فقاموا إليه، فقالوا: إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقًا، فأشركنا معك فيها.
قال: ما أنا بفاعل، وإن هذا لأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم، قالوا: فأنصفنا، فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أخاصمكم إليه، فقالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم، قال:
نعم، وكانت بأشراف الشام.
حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: سمعت علي بن أبي طالب، وهو يحدث حديث زمزم فقال: بينا عبد المطلب نائم في الحجر، أتى، فقيل له: احفر برة، فقال: وما برّة؟
(١) يروى أنهما كانا رجلا وامرأة فسقا في الكعبة فمسخا، فأقامهما أهل مكة للعبرة ثم مع مرور الأيام غدوا من أوثان أهل مكة المقدسة.
(٢) كذا، والتكبير من محدثات الاسلام.
ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك، فأتى، فقيل له:
احفر المضنونة، فقال: وما المضنونة؟ ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغد عاد فنام في مضجعه، فأتى، فقيل له: احفر طيبة، فقال: وما طيبة؟ ثم ذهب عنه، فلما كان الغد عاد لمضجعه فنام فيه، فأتى فقيل له: احفر زمزم، فقال:
وما زمزم؟ فقال: لا تنزف ولا تذم، ثم نعت له موضعها.
فقام فحفر حيث نعت له، فقالت له قريش: ما هذا يا عبد المطلب؟ فقال:
أمرت بحفر زمزم، فلما كشف عنه، وأبصروا الطوي، قالوا: يا عبد المطلب إن لنا لحقًا فيها معك، إنها لبئر أبينا إسماعيل، فقال: ما هي لكم، لقد خصصت بها دونكم، قالوا: فحاكمنا، فقال: نعم، فقالوا: بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم، وكانت بأشراف الشام.
فركب عبد المطلب في نفر من بني أبيه، وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر، وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الشام والحجاز، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد، فنى ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا الهلكة، فاستسقوا القوم، قالوا ما نستطيع أن نسقيكم، وإنا لنخاف مثل الذي أصابكم، فقال عبد المطلب لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته بما بقي من قوته، فكلما مات رجل منكم، دفعه أصحابه في حفرته، حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه، فضيعه رجل أهون من ضيعة جميعكم، ففعلوا.
ثم قال: والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت، لا نضرب في الأرض ونبتغي، عجز. فقال لأصحابه: ارتحلوا، فارتحلوا، وارتحل، فلما جلس على ناقته، وانبعثت به، انفجرت عين من تحت خفها بماء عذب، فأناخ وأناخ أصحابه، فشربوا، واستقوا وسقوا، ثم دعوا أصحابهم: هلموا إلى الماء، فقد سقانا الله
﷿، فجاؤوا فاستقوا وسقوا، ثم قالوا: يا عبد المطلب، قد والله قضى لك، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة، لهو الذي سقاك زمزم، انطلق، فهي لك، فما نحن بمخاصميك.
حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق، قال:
فانصرفوا ومضى عبد المطلب فحفر، فلما تمادى به الحفر، وجد غزالين من ذهب، وهما الغزالان اللذان كانت جرهم دفنت فيها حين أخرجت من مكة «١»، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم، التي سقاه الله
﷿ حين ظمىء، وهو صغير.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما زلنا نسمع أن زمزم همزة جبريل بعقبه لإسماعيل حين ظمىء.
حدثنا أحمد: نا يونس، عن سعيد بن ميسرة البكري، قال: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: لما طردت هاجر أم إسماعيل القبطية سارة، ووضعها إبراهيم بمكة، عطشت هاجر، فنزل عليها جبريل، فقال لها:
من أنت؟ فقالت: هذا ولد إبراهيم، فقال: أعطشانة أنت؟ قالت: نعم، فبحث بجناحه الأرض، فخرج الماء، فأكبت عليه هاجر تشربه، فلولا ذلك لكانت أنهارًا جارية.
نا أحمد: حدثنا يونس، عن ابن إسحق، قال: فلما حفر عبد المطلب زمزم، ودله الله
﷿ عليها، وخصه بها، زاده الله ﷿ شرفًا وخطرًا في قومه، وعطلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت، فأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها، لمكانها من البيت، وأنها سقيا الله ﷿ اسماعيل.
حدثنا أحمد، قال: ثنا يونس عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت
(١) تبعا للروايات كانت جرهم، وهي من قبائل العرب البائدة، أول من سكن مكة أيام إسماعيل بن إبراهيم
، وظلت فيها حتى حدث سيل العرم، وقامت هجرة الأزد الكبرى من اليمن نحو الشمال، واستولت فئة من المهاجرين عرفت باسم خزاعة على مكة وأخرجت جرهم منها، وظلت خزاعة في مكة حتى أخرجها قصي بن كلاب وأسكن قومه من قريش فيها.
طلحة، عن عائشة زوج النبي ﷺ إنها قالت: ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم.
حدثنا أحمد قال: ثنا يونس، عن ابن إسحق قال: ووجد عبد المطلب أسيافًا مع الغزالين، فقالت قريش: لنا معك يا عبد المطلب في هذا شرك وحق، فقال: لا، ولكن هلموا إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقداح «١»، فقالوا: فكيف تصنع؟ قال: أجعل للكعبة قدحين، ولكم قدحين، ولي قدحين، فمن خرج له شيء كان له، فقالوا: قد أنصفت، وقد رضينا، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش، ثم أعطوها الذي يضرب بالقداح، وقام عبد المطلب يدعو الله ويقول:
اللهم أنت الملك المحمود ... ربي وأنت المبدىء المعيد
وممسك الراسية الجلمود ... من عندك الطارف والتليد
إن شئت ألهمت ما تريد ... لموضع الحلية والحديد
فبين اليوم لما تريد ... إني نذرت عاهد العهود
أجعله ربي فلا أعود
وضرب صاحب القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، فضربهما عبد المطلب في باب الكعبة، فكانا أول ذهب حليته، وخرج الأسودان على السيوف والأدراع «٢» لعبد المطلب فأخذها.
(١) القداح أسهم خشبية كان يكتب على بعضها، أو يتم تلوينها وتطمر في الرمل ثم تستخرج واحدا تلو الآخر فما جاء فيها أخذ به، ومن أجل مزيد من الشرح أنظر سيرة ابن هشام: ١/ ٣٤٥.
(٢) لم يرد ذكر الأدراع في مطلع الخبر.
وكانت قريش ومن سواهم من العرب إذا اجتهدوا في الدعاء، سجعوا وألفوا الكلام، وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعا بها داع.

استعاذة الغلام البكري بالكعبة.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الله بن خريت- وكان قد أدرك الجاهلية- قال: لم يكن من قريش فخذ إلا ولهم ناد معلوم في المسجد الحرام يجلسونه، فكان لبني بكر مجلس تجلسه، فبينا نحن جلوس في المسجد، إذ أقبل غلام، فدخل من باب المسجد مسرعًا حتى تعلق بأستار الكعبة، فجاء بعده شيخ يريده، حتى انتهى إليه، فلما ذهب ليتناوله يبست يداه، فقلنا ما أخلق هذا أن يكون من بني بكر، فتحقبناه العرب مع ما تحدث به عنا، فقمنا إليه، فقلنا: ممن أنت؟ فقال: من بني بكر، فقلنا: لا مرحبا بك، ما لك ولهذا الغلام؟ فقال الغلام: لا والله «١»، إلا أن أبي مات ونحن صبيان صغار، وأمنا مؤتمة لا أحد لها، فعاذت بهذا البيت، فنقلتنا إليه وأوصت فقالت: إن ذهبت وبقيتم بعدي فظلم أحد منكم، أو ركب بكم أمر، فمن رأى هذا البيت فليأته فيتعوذ به فإنه سيمنعه، وإن هذا أخذني واستخدمني سنين، واسترعاني إبله، فجلب من إبله قطيعًا، فجاء بي معه، فلما رأيت البيت ذكرت وصاة أمي، فقلنا: قد والله أرى منعك، فانطلقنا بالرجل، وإن يديه لمثل العصوين قد يبستا، فأحقبناه على بعير من إبله، وشددناه بالحبال، ووجهنا إبله، وقلنا: انطلق لعنك الله.

خبر الصديق مع رجل أنيبته حية.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد عن أبي بكر أنه قال: كنت امرءًا تاجرًا، فسلكت ثنيه في سفر لي، فإذا رجل منها يقول: أتؤمني أؤمنك؟ فقلت: نعم، فقال:
أدنه، فأتيته، فإذا هو نهيش قد أنيبته حيه أصابته، فقال: يا عبد الله هل
(١) كذا في الأصل، ويبدو أن جواب الشيخ البكري سقط كما سقط بعض من جواب الغلام.
أنت مبلغي إلي أهلي ها هنا، تحت هذه الثنية؟ فقلت: نعم، فاحتملته على بعيري، فأتيت به على أهله، فقال لي رجل من القوم: يا عبد الله ممن أنت؟
فقلت: رجل من قريش، فقال: والله إني لأظنك مصنوعًا لك، والله ما كان لص أعدى منه.
قال: وأضلتني ناقة لي قد كنت أعلفها العجين، فلما أيست منها، اضطجعت عند رحلي، وتقنعت بثوبي، فو الله ما أهبني إلا حس مشفرها تحرك به قدمي، فقمت إليها، فركبتها.

خبر عمر بن الخطاب مع شيخ كبير أعمى.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني من سمع عكرمة يذكر عن ابن عباس قال: بينا أنا جالس عند عمر بن الخطاب، وهو يعرض الناس على ديوانهم، إذ مر شيخ كبير أعمى يجبذ قائده جبذًا شديدًا، فقال عمر:
ما رأيت كاليوم منظرًا أسوأ.
قال: فقال له رجل: يا أمير المؤمنين هذا ابن صبغاء البهزي، ثم السلمي، بهيك بريق، فقال عمر: قد أعلم أن بريقًا لقب، فما اسم الرجل «١»؟ قالوا:
عياض، قال عمر: ادعوا لي عياضًا، فدعى، فقال: أخبرني خبرك وخبر بني صبغاء- وكانوا عشرة نفر-.
فقال عياض: شيء كان في الجاهلية قد جا الله بالإسلام، فقال عمر: اللهم غفرا، ما كنا أحرانا نتحدث عن أمر الجاهلية منا حين هدانا الله
﷿ للإسلام، وأنعم علينا به! فقال: يا أمير المؤمنين كنت امرءًا قد نفاني أهلي، وكان بنو صبغاء عشرة، وكانت بيني وبينهم قرابة وجوار، فتنقصوني ما بي وتذللوني، فسألتهم بالله والرحم والجوار إلا ما كفوا عني، فلم يفعلوا، ولم يمنعني ذلك منهم، فأمهلتهم حتى دخل الشهر الحرام، ثم رفعت يدي إلى الله ﷿ فقلت:
اللهم أدعوك دعاء جاهدًا ... اقتل بني الصبغاء إلا واحدا
ثم اضرب الرجل فذره قاعدًا ... أعمى إذا ما قيد عنّى القائدا
(١) أي اسم القائد.
فتتابع منهم تسعة في عام واحد، وضرب الله
﷿ هذا، وأعمى بصره، فقائده يلقي منه ما رأيت، فقال عمر: إن هذا لعجب.

أبو تقاصف الخناعي وأخوته.
فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين شأن أبي تقاصف الخناعي، ثم الهذلي، وأخوته أعجب من هذا، فقال عمر: وكيف كان شأن أبي تقاصف وإخوته؟
فقال: كان لهم جار هو منهم بمنزلة عياض من بني صبغاء، فتنقصوه وتذللوه، فذكرهم الله والرحم والجوار، فلم يعطفهم ذلك عليه، فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام، رفع يديه ثم قال:
اللهم رب كل آمن وخائف ... وسامع هتاف كل هاتف
ان الخناعي أبا تقاصف ... لم يعطني الحق ولم يناصف
فاجمع له الأحبة الألاطف ... بين قران ثم والتواصف
قال فنزلوا في قليب لهم يحفرونه حيث وصف، فتهور عليهم، فإنه لقبرهم إلى يومهم هذا.

بنو مؤمل وابن عمهم.
فقال رجل من القوم: شأن بني مؤمل من بني نصر أعجب من هذا، كان بطن من بني مؤمل، وكان لهم ابن عم قد استولى على أموال بطن منهم وراثة «١» فألجأ نفسه وماله إلى ذلك البطن، فتنقصوا ماله وتذللوه وتضعفوه، فقال: يا بني مؤمل، إني قد ألجأت نفسي ومالي إليكم لتمنعوني وتكفوا عني، فقطعتم رحمي، وأكلتم مالي وتذللتموني، فقام رجل منهم يقال له رياح، فقال:
يا بني مؤمل صدق، فاتقوا الله فيه وكفوا عنه، فلم يمنعهم ذلك منه، ولم يكفوا عنه، فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام وخرجوا عمارا «٢»، رفع يديه فقال:
اللهم زلهم عن بني مؤمل ... وارم على أقفائهم بمنكل
بصخرة أو بعض جيش جحفل ... إلا رياحًا إنه لم يفعل
(١) كذا في الأصل، وفي النفس من ذلك شيء!
(٢) أي لأداء العمرة.
فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نزلوا إلى جبل فأرسل الله
﷿ من رأس الجبل صخرة تجر ما مرت به من حجر أو شجر، حتى دكتهم به دكة واحدة، إلا رياحًا وأهل خبائه، لأنه لم يفعل.
فقال عمر بن الخطاب
: أن هذا للعجب، لم ترون هذا كان؟
فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أعلم، فقال: أما إني قد علمت ذاك، كان الناس أهل الجاهلية لا يعرفون ربًا ولا بعثًا، ولا قيامة ولا جنة ولا نارًا، فكان الله
﷿ يستجيب لبعضهم على بعض، للمظلوم على الظالم، ليكف بذلك بعضهم عن بعض، فلما بعث الله ﷿ هذا الرسول، وعرفوا الله ﷿ والبعث والقيامة، والجنة والنار، وقال الله ﷿: «بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ «١»» فكانت المدد والاملاء.
(١) سورة القمر: ٤٦.
نذر عبد المطلب
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال:
وكان عبد المطلب بن هاشم فيما يذكرون، قد نذر حين لقي من قريش- عند حفر زمزم- ما لقي: لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، لينحرن أحدهم لله
﷿ عند الكعبة.

الاستقسام بالقداح عند الكعبة.
فلما توافى بنوه عشرة: الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وحمزة، وأبو طالب، وعبد الله، وعرف أنهم سيمنعونه، جمعهم ثم أخبرهم بنذره الذي نذر، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك، فأطاعوا له، وقالوا له: كيف تصنع؟ فقال: يأخذ كل رجل منكم قدحًا، فيكتب فيه اسمه، ثم تأتوني، ففعلوا، ثم أتوه، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة، وكان هبل عظيم أصنام قريش بمكة، وكان على بئر في جوف الكعبة، وكانت تلك البئر التي يجمع فيها ما يهدي للكعبة، وكان عند هبل سبعة أقداح، في كل قدح منها كتاب، قدح فيه «العقل» «١»، إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة، فعلى من خرج حمله، وفيها قدح «الغفل» «٢»، وقدح فيه «نعم» للأمر إذا أرادوه ضرب به في القداح، فإن خرج قدح «نعم»، عملوا به، وقدح فيه «لا» فإذا أرادوا أمرًا ضربوا به في القداح، فإذا خرج ذلك القدح، لم يفعلوا ذلك الأمر، وقدح فيه «منكم» وقدح فيه «من غيركم» وقدح فيه «ملصق» وقدح فيه «المياه» فإذا ارادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح، وفيها ذلك، فحيثما خرج عملوا به،
(١) أي الدية.
(٢) أي بدون كتابة.
وكانوا إذا ارادوا أن يختنوا غلاما، أو ينكحوا منكحًا، أو يدفنوا ميتًا، أو شكوا في نسب أحد منهم، ذهبوا به إلى هبل، وذهبوا معهم يحزور ومائة درهم إلى صاحبه (صاحب القداح) التي يضرب بها، فأعطوها إياه، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، وقالوا: اضرب، اللهم أخرج على يديه اليوم الحق، ثم استقبلوا هبل، فقالوا: يا إلهنا، هذا فلان بن فلان كما زعم أهله، يريدون كذا وكذا، فإن كان كذلك فأخرج فيه «الغفل»، أو «نعم» أو «منكم» واقبل هديته فإن خرج من هؤلاء الثلاثة كتب في قومه وسيطًا، وإن خرج عليه «من غيركم» كان حليفًا، وإن خرج عليه «ملصق» كانت منزلته فيهم لا نسب ولا حلف، وإن خرج فيه شيء مما سوى هذا مما يعملون به «نعم» عملوا به، وإن خرج «لا» أخروه عامه ذلك حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون من أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح.
فقال عبد المطلب: اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه، وأخبره بنذره، وأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه، وكان عبد الله بن عبد المطلب، أبو رسول الله ﷺ أصغر بني أبيه «١»، كان هو والزبير «٢» وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد الله بن عمران بن مخزوم، وكان- فيما يزعمون- أحب ولد عبد المطلب إليه، وكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى، فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها، قام عبد المطلب عند هبل يدعو ويقول:
اللهم لا يخرج عليه القدح ... إني أخاف أن يكون فدح
إن كان صاحبي للذبح ... إني اراه اليوم خير قدح
(١) كذا، ولعل المقصود آنئذ، وبعده ولد لعبد المطلب العباس وحمزة، أو «أصغر بني أبيه لأمه»، ذلك أن سياق الحديث يلي بذكر أمه واخوته منها.
(٢) المشهور بضبط اسم الزبير هو بضم الزاي المعجمة، لكن هناك من يروي ضبطها بفتح الزاي المعجمة بعدها باء مجرورة.
حتى يكون صاحبي للمنح ... يغني عني اليوم كل سرح
فخرج القدح على عبد الله، فاخذ عبد المطلب بيده، وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة، الوثنين اللذين تنحر عندهما قريش ذبائحها، ليذبحه، فقامت إليه قريش من أنديتها، فقالوا: ماذا تريد يا عبد المطلب؟ فقال:
أذبحه، وأنشأ يقول:
عاهدت ربي وأنا موف عهده ... أيام أحفر وبني وحده
والله لا أحمد شيئًا حمده ... كيف أعاديه وأنا عبده
إني أخاف أن أخرت وعده ... أن أضل إن تركت عهده
ما كنت أخشي أن يكون وحده ... مثل الذي لا قيت يومًا عنده
أوجع قلبي عند حفري رده ... والله ربي لا أعيش بعده
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ذكروا أن العباس بن عبد المطلب اجتره من تحت رجل أبيه حتى خدش وجه عبد الله خدشًا، لم يزل في وجهه حتى مات.
قال ابن إسحق: فقالت قريش وبنوه: والله لا تذبحه أبدًا ونحن أحياء حتى نعذر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال رجل يأتي بابنه حتى يذبحه، فما بقاء الناس على ذلك.
قال ابن إسحق: وقال المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم- وكان عبد الله ابن عبد المطلب ابن أخت القوم-: والله لا تذبحه أبدًا حتى نعذر فيه، فإن كان فداء، فديناه بأموالنا، وقال فيما يزعمون في ذلك شعرًا حين أجمع عبد المطلب في ذبح عبد الله بما أجمع:
واعجبي من قتل عبد المطلب ... وذبحه خرقًا كتمثال الذهب
يا شيب لا تعجل علينا بالعجب ... فما ابننا بشرط القوم النجب
ولا ابنكم بالمستذل المغتصب ... نفاديه «١» بالمال حتى نحترب
فسوف أفديه بمالي والسلب ... وسوف ألقى دونه من الغضب
أشوس آباء قبيحات الحطب ... ما ذبح عبد الله فينا باللعب
ذبحا كما يذبح معتور النصب ... كلا ورب البيت مستور الحجب
لا يعجل المذبوح حتى نضطرب ... ضربًا يزيل الهام من بعد الغضب
بكل مصقول رقيق ذي شطب ... كالبرق أو كالنار في الثوب العطب
قال أبو عمرو: ويقال: القطب والعطب، القطن.
قال ابن إسحق: وقد قال أبو طالب حين أراد عبد المطلب ذبح عبد الله- وكان ابن أمه- وحين قال المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ما قال:
كلا ورب البيت ذي الأنصاب ... ورب ما أنضى من الركاب
كل قريب الدار أو منتاب ... يزور بيت الله ذا الحجاب
ما قتل عبد الله باللعاب ... من بين رهط عصبة شباب
ابن نساء سطة «٢» الأنساب ... أغر بين البيض من كلاب
وبين مخزوم ذوي الأحساب ... أهل الجياد القب والقباب
لستم على ذلك بالأذناب ... حتى تذوقوا حمس الضراب
بكل عضب ذائب اللعاب ... ذي رونق في الكف كالشهاب
تلقاه في الأقران ذا أنداب ... إن لم يعجل أجل الكتاب
قلت وما قولي بالمعاب ... يا شيب إن الجور ذو عقاب
إن لنا إن جرت في الخطاب ... أخوال صدق كأسود الغاب
لن يسلموه الدهر للعذاب ... حتى يمص القاع ذو التراب
دماء قوم حرم الأسلاب
(١) جاء في حاشية الأصل: كذا قال، إنما هو: نفديه بالأموال، صح.
(٢) أي عوالي الأنساب.
فقال عبد المطلب عند ذلك:
الله ربي وأنا موف نذره ... أخاف ربي إن عصيت أمره
والله لا يقدر شيء قدره ... فهو وليي وإليه عمره
هذا بني قد أردت نحره ... فإن تؤخره وتقبل عذره
وتصرف الموت له وحذره ... وتصرف الموت فلا يضره
من جهد إنسان ولا تعره ... سواك ربي ويكون قره
لكل عين ناظر تسره ... أعطيته رب فلا تعره
لحزن يوجعني مسره
فقالت له قريش وبنوه لا تفعل وانطلق إلى الحجاز فإن به عرافة يقال لها نجاح، لها تابع فسلها، ثم أنت على رأس أمرك، فإن أمرتك بذبحه، ذبحته، وإن أمرتك بغير ذاك مما لك وله فيه فرج قبلته، فقال: نعم.
فانطلقوا حتى قدموا المدينة، فوجدوها فيما يزعمون بخيبر، فركبوا حتى جاءوها، فسألوها، وقص عليها عبد المطلب شأنه وشأن ابنه وما كان نذر فيه، فقالت لهم: ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي، فأسأله، فخرجوا من عندها، وقام عبد المطلب يدعو الله
﷿ ويقول:
يا رب لا تحقق حذري ... واصرف عنه شر هذا القدر
فإني أرجو لما قد أذر ... لأن يكون سيدًا للبشر
ثم غدوا إليها، فقالت: نعم، قد جاءني الخبر، فكم الدية فيكم؟ فقالوا:
عشرة من الإبل، وكانت كذلك، فقالت: فارجعوا إلى بلادكم، فقدموا صاحبكم، وقدموا عشرًا من الإبل، ثم اضربوا عليها بالقداح، فإن خرجت القداح على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم
﷿، فإذا خرجت القداح على الإبل، فقد رضي ربكم، فانحروها عنه، ونجي صاحبكم.
فخرجوا حتى قدموا مكة، فلما أجمعوا لذلك الأمر، قام عبد المطلب يدعو الله
﷿، ويقول:
اللهم إنك «١» فاعل لما ترد ... إن شئت ألهمت الصواب والرشد
إني مواليك على رغم معد ... وساقي حجيجك الأبد «٢»
أورثني سقياهم أبي وجد ... فإن وجدي فاعلمن وجد وجد
أنت الذي تعلم كل صمد ... فلا تحقق حذري بولد
واجعل فداه في الجلاه الجعد
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما قربوا عبد الله وعشرًا من الإبل، وعبد المطلب في جوف الكعبة يدعو ويقول:
اللهم رب العشر بعد العشر ... ورب من يأتي بكل نذر
أنج عبد الله عند النحر ... ونجه من شفعها والوتر
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغت الإبل عشرين، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب عشرين ورب الشفع ... أنج عبد الله رب النفع
من ضربة القدح التي في الجذع ... وأعطه الرفع الذي في الرفع
ولا يكون ضربه كاللذع ... كلذعة النار التي في السفع
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغت الإبل ثلاثين، وقام عبد المطلب يدعو الله ويقول:
رب الثلاثين ولي النعم ... أمنن علينا أن نصاب بالدم
هذا الغلام جنة لم يعلم ... فطار قلبي فهو مثل المغرم
لذكر عبد الله حتى يسلم ... وتنحر الذود التي لم تقسم
ونجه من ضربة لم تكلم
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغت الإبل أربعين،
(١) كتب فوقها بالأصل: أنت.
(٢) جاء في حاشية الاصل: كذا قال، وانما هو: وإنني ساقي.
فقام عبد المطلب يدعو الله ويقول:
اللهم رب الأربعين إذ بلغت ... أنج بني من قداح كتبت
وانحر الذود التي هملت ... وجللت في قتله وذيخت
بلغ رضاك ربنا إذ جعلت ... عدل بني عبد مناف وقعت
ثم ضربوا فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغت الإبل خمسين، وقام عبد المطلب يدعو الله
﷿ ويقول:
يا رب خمسين سمان بدن ... من كل كوماء له لم تعطن
إلا لرب ماجد ممكن ... أنج عبد الله رب الأركن
وانحر الذود التي لم تسكن
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغت الإبل ستين.
وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
اللهم رب الستين ورب المشعر ... ورب من حج له وكبر
يسعى لرب قادر ليغفر ... أنج عبد الله عند المنحر
وعافه من ضربة لا تجبر ... لتبلغ العظم بها فيكسر
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغ الإبل سبعين، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب سبعين له قد جمعت ... فاذبح الذود التي قد عطلت
وحبست في قتله وخيست ... وأخرج السهم لها إذ بذلت
حتى تكون دية قد كملت ... عن كل مقتول له إذ قبلت
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغت الإبل ثمانين، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب الثمانين ورب الإهلال ... ورب من يأتيك للاجلال
اجعل فداء ولدي ذود أبال ... سوف ترى شكري عند الإحلال
كشكر من يسعى بغير أنعال ... أمنن به علي رب الافضال
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغت الإبل تسعين، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب تسعين ورب المشرع ... ورب من يدفع عند المدفع
حتى يجيزوا معشرًا للمجمع ... أنج لي عبد الله عند الأذرع
ونجه من ضربة لا ترجع
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشرًا، فبلغت الإبل مائة، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
اللهم رب مائة لم تقسم ... ورب من يهوى بكل معلم
ورب من أهدى لكل محرم ... قد بلغت مائة لم تقسم
أرغم أعدائي بها ليرغموا
ثم ضربوا، فخرج السهم على الإبل، فقالت قريش ومن حضرة: قد رضي ربك، وخلص لك ابنك.
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فذكروا أن عبد المطلب قال: لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات، فضربوا على الإبل وعلى عبد الله، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
اللهم أنت هديتني لزمزم ... إن بني أحب من تكلم
فلا ترينيه الغداة في الدم ... فإن حزني يدخل في الأعظم
فاجعل فداه مائة لم تقسم ... حتى نفاديه بكل أعجم
أمنن علي ذا الجلال المنعم ... وأوقع الموت لذود عتم
وثم رب فاجعلن ماتم ... ثم اصرف الموت إليها يسلم
بحولك اللهم عيش خرم ... وأنت إن سلمته لم يكلم
فبلغ العيش به فيهرم ... حتى أراه عند كل مقدم
يبين الخير لمن توسم
ثم ضربوا، فخرج السهم على الإبل، ثم أعادوا الثانية، وعبد المطلب مكانه عند هبل، فلما أرادوا أن يضربوا، قال:
يا رب لا تشمت بي الأعادي ... إن بني ثمرة فؤادي
فلا تسيل دمه في الوادي ... واجعل فداه اليوم من تلادي
ذود لقاح بدنا أندادي ... حتى تكون فدية الأولاد
ولا ترثنيه الأذواد ... إن بني رب لم يفادي
لكن يمين قسم الجواد ... فقد تراني رب لم أضادي
ثم ضربوا، فخرج السهم على الإبل، ثم أعادوا الثالثة، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب قد أعطيتني سؤالي ... أكثرت بعد قلة عيالي
فاجعل فداه اليوم جل مالي ... معقلات تسحب الاجلال
ولا ترينه بشر حال ... فإنه يدخلني سلالي
بأن يكون النحر للهلال ... أو تصرف الموت فلا أبالي
عن ابني الأصغر ذا الجلال ... أنت الولي المنعم المفضال
فأنعم اليوم لذاك بالي ... فإنه قد نزل الموالي
كلهم يبكي من السؤال ... كل فتى أبيض كالهلال
وقالت آمنة أم النبي ﷺ:
يا رب بارك في الغلام الأزهر ... في الهاشمي والكريم العنصر
ثم ضربوا بالقداح على الإبل، فنحرت، ثم تركت لا يصد عنها أحد «١» .
(١) أثر الاختراع على هذه القصة شديد الوضوح، وهي كما يبدو اخترعت من قبل أكثر من انسان وعبر فترة طويلة، ويبدو أيضا أن فكرتها مستوحاة من القرآن حيث تم ذكر النبي ابراهيم مع قصة ذبحه ابنه ومسألة الفداء، ولا شك أن هذه الرواية استهدفت رفع مكانة النبي محمد ﷺ والعناية الخاصة التي أحيط بها والده، ومن الأدلة على اختراعها انعدام الأضاحي البشرية في مجتمع مكة لما قبل الاسلام، ذلك أن القرآن لم يشر لوجود مثل هذه العادة كما لم يشر من جهة ثانية الى حادثة من هذا القبيل وقعت لأبي النبي، والمشكلة العويصة في هذه الرواية هي الشعر، فهو منظوم ركيك محال ضبطه وبالتالي من العبث شرح كلماته، وسبق لابن هشام أن واجه هذه المسألة حين أورد هذه القصة فحذف الشعر وقال: وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر.
تزويج عبد الله بن عبد المطلب
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس، عن ابن إسحق قال: ثم انصرف عبد المطلب آخذًا بيد عبد الله، فمر به- فيما يزعمون- على امرأة من بني أسد ابن عبد العزى بن قصي، وهي عند الكعبة، فقالت له حين نظرت إلى وجهه- فيما يذكرون-: أين تذهب يا عبد الله؟ قال: مع أبي؛ قالت: لك عندي مثل الإبل التي نحرت عنك، وقع علي الآن، فقال: إن معي أبي الآن، ولا أستطيع خلافه ولا فراقه، ولا أريد أن أعصيه شيئًا، فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة- ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسبًا وشرفًا- فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبًا وموضعًا، وهي لبرة «١» بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، وأم برة: أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، وأم حبيب بنت أسد لبرة بنت عوف بن عبيد بن كعب بن لؤي «٢» .
قال ابن إسحق: فذكروا أنه دخل عليها حين ملكها مكانه، فوقع عليها عبد الله، فحملت برسول الله ﷺ، فخرج من عندها حتى أتى المرأة التي قالت له ما قالت، وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهي في مجلسها، فجلس إليها، وقال: ما لك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت عليّ
(١) أي اسم أمها برة.
(٢) هناك خلاف بين سياق هذا النسب هنا من حيث الطول والاختصار وبين ما جاء عند ابن هشام وسواه.
أمس؟ قالت: فارقك النور الذي كان فيك، فليس لي بك اليوم حاجة «١» .
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت- فيما ذكروا، تسمع من أخيها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر واتبع الكتب- يقول: أنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل، فقالت في ذلك شعرًا، واسمها أم قبال ابنة نوفل بن أسد- كذا قال: «أم قبال»:
الآن وقد ضيعت ما كنت قادرًا ... عليه وفارقك الذي كان جابكًا
غدوت علي حافلًا قد بذلته ... هناك لغيري فالحقن بشأنكا
ولا تحسبني اليوم جلوا وليتني ... أصبت حبيبًا منك يا عبد داركا
ولكن ذا كم صار في آل زهرة ... به يدعم الله البرية ناسكًا
فأجابها عبد الله فقال:
تقولين قولًا لست أعلم ما الذي ... يكون وما هو كائن قبل ذلك
فإن كنت ضيعت الذي كان بيننا ... من العهد والميثاق في ظل دارك
فمثلك قد أصبت عند كل حله ... ومثلي لا يستام عند الفوارك
فقالت له أيضًا أم قبال:
عليك بآل زهرة حيث كانوا ... وآمنة التي حملت غلاما
يرى المهدي حين يرى ... عليه نور قد تقدمه أماما
فيمنع كل محصنة خريد ... إذا ما كان مرتديًا حساما
وتخفره الشمال وبان منها ... رياح الجدب تحسبه قتاما
فأنجبه ابن هاشم غير شك ... وأدته كريمته هماما
فكل الخلق يرجوه جميعًا ... يسود الناس مهتديا إماما
(١) روايات المتقدمين حول مسألة النور كثيرة فيها كيف انتقل نور النبوة من صلب آدم الى كبار الانبياء من بعده حتى وصل إلى عبد الله والد النبي، وقد طور الشيعة هذه الروايات كثيرا حيث شكلت ركنا أساسيا في عقائدهم حول الامامة من حيث التسلسل ومن حيث اتصالها بالنبوة.
براه الله من نور مصفى ... فأذهب نوره عنا الظلاما
وذلك صنع ربك إذ حباه ... إذا ما سار يومًا أو أقاما
فيهدي أهل مكة بعد كفر ... ويفرض بعد ذلكم الصياما
وقال عبد المطلب:
دعوت ربي مخفيًا وجهرا ... أعلنت قولي وحمدت الصبرا
يا رب لا تنحر بني نحرًا ... وفاده بالمال شفعا ووترا
أعطيك من كل سوام عشرًا ... أو مائة دهما وكمتا وحمرا
معروفة أعلامها وصحرا ... لله من مالي وفاء ونذرا
عفوا ولم تشمت عيونًا خزرا ... بالواضح الوجه المزين عذرا
فالحمد لله الأجل شكرا ... أعطاني البيض بني زهرا
ثم كفاني في الأمور أمرا ... قد كان أشجاني وهد الظهرا
فلست والبيت المغطى سترا ... واللات والركن المحاذى حجرا
منك لأنعمك إلهي كفرا ... ما دمت حيًا وأزور القبرا
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال: حدثني والدي إسحق بن يسار قال: حدثت أنه كان لعبد الله بن عبد المطلب امرأة مع آمنة ابنة وهب بن عبد مناف، فمر بامرأته تلك، وقد أصابه أثر طين عمل به، فدعاها إلى نفسه، فأبطأت عليه لما رأت به أثر الطين، فدخل فغسل عنه أثر الطين، ثم دخل عامدًا إلى آمنة، ثم دعته صاحبته التي كان أراد إلى نفسها، فأبى للذي صنعت به أول مرة، فدخل على آمنة فأصابها، ثم خرج فدعاها إلى نفسه، فقالت: لا حاجة لي بك، مررت بي وبين عينيك غرة، فرجوت أن أصيبها منك، فلما دخلت على آمنة، ذهبت بها منك.
حدثنا أحمد قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: حدثت أن امرأته تلك كانت تقول: لمر بي وإن بين عينيه لنورًا مثل الغرة، فدعوته
رجاء أن يكون لي، ودخل على آمنة فأصابها، فحملت برسول الله ﷺ.
حدثنا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله ﷺ تحدث أنها أتيت حين حملت محمدا ﷺ فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع [إلى] «١» الأرض فقولي:
أعيذه بالواحد ... من شر كل حاسد
في كل بر عابد ... وكل عبد رائد
نزول غير زائد ... فإنه عبد الحميد الماجد
حتى أراه قد أتى المشاهد
فإن آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمدًا، فإن اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في الفرقان محمد فسميه بذلك.
فلما وضعته، بعثت إلى عبد المطلب جاريتها- وقد هلك أبوه عبد الله وهي حبلى، ويقال أن عبد الله هلك والنبي ﷺ ابن ثمانية وعشرين شهرًا، فالله أعلم أي ذلك كان- فقالت: قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه، فلما جاءها، أخبرته خبره، وحدثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه، وما أمرت أن تسميه، فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة، فقام عبد المطلب يدعو الله، ويشكر الله الذي أعطاه إياه، فقال:
السعد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالله «٢» ذي الأركان
حتى يكون بلغة الفتيان ... حتى أراه بالغ البنان
أعيذه من كل ذي شنئان ... من حاسد مضطرب العنان
(١) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام كيما يستقيم السياق.
(٢) جاء في حاشية الاصل: كذا قال، أراد «أعيذه بالبيت» صح.
ذي همة ليس له عينان ... حتى أراه رافع اللسان
أنت الذي سميت في الفرقان ... في كتب ثابتة المثاني
أحمد مكتوبًا على اللسان
وقال عبد المطلب حين فرغ من شأن عبد الله، وفرج عنه ما كان فيه من البلاء وألهم بذبحه:
دعوت ربي دعوة المناصح ... دعوة مبتاع رضاه رابح
فالله عند قسمة المنائح ... أعطى على الشح من المشاحح
زمزم لا يمتاحها الممائح ... إلا الدلاء الزبد السوافح
كم من حجيج مغتد ورائح ... جاد بها من بعد لوح اللائح
سقيا على رغم العدو الماشح ... بعد كنوز الحلي والصفائح
حلي لبيت الله ذي المسارح ... بيت عليه النور كالمصابح
بنيان إبراهيم ذي المسابح ... بناه بالرفق وحلم راجح
بين الجبال الصم والصرادح ... فهو مثاب لذوي الطلائح
ينتابه من كل فج نازح ... مشتبه الأعلام والصحاصح
وقال عبد المطلب:
الحمد للخالق لا العباد ... لما رأى جدي واجتهادي
وانني موفيه بالميعاد ... والعهد إن العهد ذو معاد
فرج عني كربة الفؤاد ... ونال مني فدية المفادي
فاديت عبد الله من تلادي ... إن البنين فلذ الأكباد
ثماره كالقرع للفؤاد ... أدم وحمر كلها تلاد
قلت للحباسي لها ذواد ... هل منكم من صيت ينادي
الإبل نهب بين أهل الوادي ... فتركوها وهي في عصواد
يركبها بالآلة الحداد ... كأنها رهو من المزاد
يردي بها ذو أحبل صياد ... وراح عبد الله في الأبراد
يغيظ أعدائي من الحساد ... نجيته من كرب شداد
وقال عبد المطلب أيضًا:
الحمد لله على ما أنعما ... أعطى على رغم العدو زمزما
تراث قوم لم يكن مهدما ... والحاسدون يخرقون الأدما
ولم يكن حافرها ليندما ... أصاب فيها حلية فتسلما
لله ما أجرى عليه الأسهما ... والله أوفى نذره إذ أقسما
أعطى بنين عصبة وخدما ... فلست والله أريد مأثما
في النذر أو اهريق لله دما ... منهم وقد أوفيتهم فتمما
من بعد ما كنت وحيدًا أيما ... يراني الأعداء قرنًا أعصما
أعضب أو ذا ارتياب أعسما
وقال عبد المطلب:
دعوت ربي دعوة المغلوب ... ونعم مدعى السائل المكروب
فالحمد للمستمع العجيب ... أعطى على رغم ذوي الذنوب
إلي والشحناء والعيوب ... زمزم ذات الموضع العجيب
بين سواد الصنم المنصوب ... وبين بيت الله ذي الحجوب
وتحت فرث النعم المغصوب
مولد رسول الله ﷺ
حدثنا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال:
حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة قال:
ولدت أنا ورسول الله ﷺ عام الفيل، كنا لدين.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان رسول الله ﷺ عام عكاظ «١» ابن عشرين سنة.
قال ابن إسحق: فدفع رسول الله ﷺ إلى أمه، والتمس له الرضعاء، واسترضع له حليمة ابنة أبي ذؤيب، وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام ابن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، واسم أبي رسول الله الذي أرضعه الحارث ابن عبد العزى بن رفاعة بن فلان بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر ابن هوازن.
وأخوته من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأنيسة ابنة الحارث، وحذافة ابنة الحارث، وهي الشيماء، غلب عليها ذلك، ولا تعرف في قومها إلا به، وهي لحليمة أم رسول الله، وذكروا أن الشيماء كانت تحضن رسول الله ﷺ مع أمه إذ كان عندهم.
حدثنا أحمد، نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني جهم بن أبي جهم- مولى لامرأة من بني تميم، كانت عند الحارث بن حاطب، فكان يقال مولى الحارث بن حاطب- قال: حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب،
(١) أي أيام حروب الفجار، والخبر مشهور انظره عند ابن هشام.
يقول: حدثت عن حليمة ابنة الحارث- أم رسول الله ﷺ، التي أرضعته- أنها قالت: قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر، نلتمس بها الرضعاء، وفي سنة شهباء «١»، فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب، ومعي صبي لنا، وشارف لنا، والله ما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك، ما نجد في ثديي ما يغنيه، ولا في شارفنا ما يغذيه، فقدمنا مكة، فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها- رسول الله ﷺ فإذا قيل «إنه يتيم» تركناه، وقلنا: ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه، إنما نرجو المعروف من أبي الوليد، فأما أمه فما عسى أن تصنع إلينا؟ فو الله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعًا غيري، فلما لم أجد غيره، قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى: والله إني أكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليك، فذهبت، فأخذته، فو الله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره.
فما هو إلا أن أخذته، فجئت به رحلي، فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا، فبتنا بخير ليلة، فقال صاحبي: يا حليمة، والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم ترى إلى ما بتنا به الليلة من الخير حين أخذناه؟! فلم يزل الله يزيدنا خيرًا، حتى خرجنا راجعين إلى بلادنا، فو الله لقطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى أن صواحبي ليقلن: ويلك، يا بنت أبي ذؤيب، أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول: نعم، والله إنها لهي، فيقلن: والله إن لها لشأنًا، حتى قدمنا أرض بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله
﷿ أجدب منها، فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعًا، لبنًا، فنحلب ما شئنا، وما حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن، وإن أغنامهم لتروح جياعًا، حتى أنهم ليقولون لرعيانهم:
(١) أي شديدة القحط.
ويحكم انظروا حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب، فاسرحوا معهم، فيسرحون مع غنمي حيث تسرح، فيريحون أغنامهم جياعًا وما فيها قطرة لبن، وتروح غنمي شباعًا، لبنًا، نحلب ما شئنا، فلم يزل الله
﷿ يرينا البركة، ونتعرفها حتى بلغ سنتيه، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فو الله ما بلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا، فقدمها به على أمه، ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة

شق بطن الرسول.
، فلما رأته أمه، قلنا لها: يا ظئر دعينا نرجع ببنينا هذه السنة، فإنا نخشى عليه أوباء مكة، فو الله ما زلنا بها حتى قالت: فنعم، فسرحته معنا.
فأقمنا به شهرين أو ثلاثة، فبينا نحن خلف بيوتنا، وهو مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا، جاءنا أخوه يشتد، فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاه فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائمًا، منتقعا لونه، فاعتنقه أبوه، وقال: أي بني، ما شأنك؟
قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاني فشقا بطني، ثم استخرجا منه شيئًا فطرحاه، ثم رداه كما كان، فرجعنا به معنا، فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب، انطلقي بنا، فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما يتخوف.
قالت: فاحتملناه، فلم ترع أمه إلا به قد قدمنا به عليها، فقالت: ما رد كما به، قد كنتما عليه حريصين؟! فقلنا: لا والله يا ظئر، ألا إن الله
﷿ قد أدى عنا وقضينا الذي علينا، وقلنا: نخشى الإتلاف والأحداث، نرده إلى أهله، فقالت: ما ذلك بكما، فاصدقاني شأنكما، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت: أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه سبيل، وإنه لكائن لابني هذا شأن، ألا أخبر كما بخبره؟ قلنا: بلى، قالت: حملت به، فما حملت حملًا قط أخف منه، فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، ثم وقع حين ولدته وقوعًا ما يقعه المولود، معتمدا على
يديه، رافعًا رأسه إلى السماء، فدعياه «١» عنكما.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله ﷺ أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك، فقال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي في بهم لنا، أتاني رجلان عليهما ثياب بياض، معهما طست من ذهب مملوءة ثلجًا، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه، فأخرجا منه علقة سوداء، فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذاك الثلج، حتى إذا أنقياه، رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بألف، فوزنتهم، فقال: دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنهم.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن أبي سنان الشيباني، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، قال: قال رسول الله ﷺ: إن ملكين جاءاني في صورة كركيبن، معهما ثلج وماء بارد، فشرح أحدهما صدري، ومج الآخر منقاره، فغسله.
(١) يبدو أن كلمة «فدعياه» تحمل صيغة المخاطبة بالأمر تثنية.
حديث تبع الحميري
حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال:
ثم إن تبعا أقبل من مسيره الذي كان سار يجول الأرض فيه، حتى نزل على المدينة، فنزل بوادي قباء، فحفر فيها بئرًا، فهي اليوم تدعى بئر الملك، وبالمدينة إذ ذاك يهود، والأوس والخزرج، فنصبوا له فقاتلوه، فجعلوا يقاتلونه بالنهار، فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة وإلى أصحابه، فلما فعلوا ذلك به ليالي استحيى، فأرسل إليهم يريد صلحهم، فخرج إليه رجل من الأوس يقال له: أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبا بن كلده بن عوف «١» بن عمرو بن بن عوف بن مالك بن الأوس، وخرج إليه من يهود بنيامن القرظي، فقال له أحيحة: أيها الملك نحن قومك، وقال بنيامن: أيها الملك هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها لو جهدت بجميع جهدك، فقال: ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء، يبعثه الله
﷿ من قريش، وجاء تبعًا مخبر خبره عن اليمن أنه بعث [الله] عليها نارًا تحرق كل ما مرت به، فخرج سريعًا، وخرج معه بنفر من يهود فيهم بنيامن وغيره، وهو يقول:
إني نذرت يمينًا غير ذي خلف ... ألا أجوز وبالحجاز مخلد
حتى أتاني من قريظة عالم ... حبر لعمرك في اليهود مسود «٢»
(١) جاء في حاشية الأصل: كذا قال، انما هو: ابن كلفة بن عوف.
(٢) انظر التيجان في ملوك حمير المنسوب لوهب بن منبه ص ١١٢ مع بعض الخلاف، ويشكل خبر تبع هذا قسما من أخبار الرواة عن اليمن قبل الاسلام، فيها تأثير قصة ذي القرنين القرآنية كما فيها رواسب تاريخية لحملات بعض ملوك حمير النصارى، قبل ذي نواس، على يثرب ومناطق سكنى اليهود في شمال شبه الجزيرة.
ألقى إلي نصيحة كي أزدجر ... عن قرية محجورة «١» بمحمد
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان بالدف من جمدان، من مكة على ليلتين أتاه ناس من هذيل بن مدركة، وتلك منازلهم، فقالوا: أيها الملك ألا ندلك على بيت مملوء ذهبًا وياقوتًا وزبرجدًا تصيبه وتعطينا منه؟ فقال: بلى، فقالوا: هو بيت بمكة، فراح تبع وهو مجمع لهدم البيت، فبعث الله
﷿ عليه ريحًا فقفعت يديه ورجليه، وشجت جسده، فأرسل إلى من كان معه من يهود، فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني؟
فقالوا: أأحدثت شيئا؟ فقال: وما أحدثت؟ فقالوا أحدثت نفسك بشيء؟
قال: نعم جاءني نفر من أهل هذا المنزل الذي رحنا منه، فدلوني على بيت مملوء ذهبًا وياقوتًا وزبرجدًا، ودعوني إلى تخريبه وإصابة ما فيه، على أن أعطيهم منه شيئًا، فرأيت لهم بذلك، فرحت، وأنا مجمع لهدمه، فقال النفر الذين كانوا معه من يهود: ذلك بيت الله الحرام، ومن أراده هلك، فقال: ويحكم فما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك أن تطوف به كما يصنع به أهله وتكسوه وتهدي له، فحدث نفسه بذلك، فأطلقه الله
﷿ وقال في شعره:
بالدف من جمدان فوز مصعد ... حتى أتاني من هذيل أعبد
ذكروا إلي البيت، قالوا كنزه ... در وياقوت وفيه زبرجد
فأردت أمرًا حال ربي دونه ... والرب يدفع عن خراب المسجد
ثم سار حتى دخل مكة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فأري في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف، وكان أول من كساه، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافري، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك، فكساه الوصائل، وصائل اليمن، وأقام بمكة ستة أيام- فيما ذكر لي- ينحر
(١) في حاشية الاصل: كذا قال: وانما هي مجحورة.
بها للناس، ويطعم من كان بها من أهلها ويسقيهم للعسل، قال: فكان تبع فيما ذكر لي أول من كساه وأوصى به ولاته من جرهم، وأمرهم بتطهيره، ولا يقربوه ميتة، ولا دمًا ولا مئلانا- وهو الحائض- وجعل له بابًا ومفتاحًا، وقال تبع في الشعر:
ونحرنا بالشعب ستة ألف ... ترى الناس نحوهن ورودا
وكسونا البيت الذي حرم الله ... ملاء معضدًا وبرودا
وأقمنا بها من الشهر ستا ... وجعلنا لبابه اقليدا
وأمرنا به الجرهمين خيرا ... وكانوا لحافتيه شهودا
وأمرنا ألا يقربن مئلانا ... ولا ميتًا «١» ولا دما مفصودا
ثم سرنا نؤم قصد سهيل ... قد رفعنا لواءنا معقودا «٢»
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما أراد الشخوص إلى اليمن، أراد أن يخرج حجر الركن، فيخرج به معه، فاجتمعت قريش «٣» إلى خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فقالوا: ما دخل علينا يا خويلد أن ذهب هذا بحجرنا، قال: وما ذاك؟ قالوا: تبع يريد أن يأخذ حجرنا يحمله إلى أرضه، فقال خويلد: الموت أحسن من ذلك، ثم أخذ السيف، وخرج وخرجت معه قريش بسيوفهم حتى أتوا تبعًا، فقالوا: ماذا تريد يا تبع إلى الركن؟ فقال: أردت أن أخرج به إلى قومي، فقالت قريش: الموت أقرب من ذاك، ثم خرجوا حتى أتوا الركن، فقاموا عنده، فحالوا بينه وبين ما أراد من ذلك، فقال خويلد في ذلك شعرا:
(١) في حاشية الاصل: له جراحه.
(٢) أي نحو الجنوب الى اليمن لأن سهيل يمان.
(٣) كذا، وسبق أن ذكر في الفقرة السابقة أن سكان مكة آنئذ كانوا من جرهم، وتبعا للروايات أجلت خزاعة جرهم عن مكة ثم أجلى قصي بن كلاب خزاعة عن مكة وأسكنها قومه من قريش.
دعيني أم عمرو ولا تلومي ... ومهلًا عاذلي لا تعذليني
دعيني لا أخذت الخسف منهم «١» ... وبيت الله حتى يقتلوني
فما عذري وهذا السيف عندي ... وعضب نال قائمة يميني
ولكن لم أجد عنها محيدًا ... وإني راهق ما أرهقوني
حدثنا أحمد قال: حدثنا يونس عن ابن إسحق، قال: ثم خرج متوجهًا إلى اليمن بمن معه من جنوده، حتى إذا قدمها، وكان لأهل اليمن مدينتان يقال لاحداهما مأرب، والأخرى ظفار، وكان منزل الملك في مأرب مبنيًا بصفائح الذهب، وكان منزله في ظفار مبنيًا بالرخام، وكان إذا شتى، شتى في مأرب، وإذا صاف، صاف في ظفار، وكانت مأرب بها ينشأ أبناء الملوك ويتعلمون الكلام، وكان ابن الحميري إذا بلغ قال: أرسلوا به إلى مأرب يتعلم المنطق، وكان في ظفار اصطوان من البلد الحرام مكتوب في أعلاها بكتاب من الكتاب الأول: لمن الملك، ظفار، لحمير الأخيار، لمن الملك ظفار لفارس الأخيار، لمن الملك ظفار، لقريش التجار، فلما قدمها تبع، نشرت يهود التوراة، وجعلوا يدعون الله
﷿ على النار حتى أطفأها الله ﷿.
وكان لأهل اليمن شيطان يعبدونه، قد بنوا له بيتًا من ذهب، وجعلوا بين يديه حياضًا، فكانوا يذبحون له فيها، فيخرج، فيصيب من ذلك الدم، ويكلمهم، ويسألونه، فكانوا يعبدونه فلما أطفأت يهود النار قالوا لتبع: إن ديننا هذا الذي نحن عليه خير من دينك، فلو أنك تابعتنا على ديننا، فقد رأيت أن إلهك هذا لم يغن عنك شيئًا، ولا عن قومك عند الذي نزل بكم، فقال تبع: فكيف نصنع به ونحن نرى منه ما ترون من الأعاجيب؟ قالوا:
أفرأيت إن أخرجناه عنك تتبعنا على ديننا؟ قال: نعم، فجاءوا إلى باب ذلك البيت، فجلسوا عليه بتوراتهم ثم جعلوا يذكرون أسماء الله
﷿، فلما
(١) في حاشية الاصل: قال العطاردي: دعيني لا آخذ الخسف.
سمع ذلك الشيطان، لم يثبت وخرج جهارًا حتى وقع في البحر، وهم ينظرون، وأمر تبع ببيته الذي كان فيه، فهدم، وتهود بعض ملوك حمير، ويزعم بعض الناس أن تبعًا قد كان تهود.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن زكريا بن يحيى المدني قال: حدثنا عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: لا يشبهن عليكم أمر تبع، فإنه كان مسلمًا.
مقتل تبع
حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال:
لما فعل تبع ما فعل، غضبت ملوك حمير، وقالوا: ما كان يرضى أن يطيل غزونا، ويبعدنا في المسير من أهلينا حتى طعن أيضًا في ديننا وعاب آباءنا، فاجتمعوا على أن يقتلوه، ويستخلفوا أخاه من بعده، فاجتمع رأي الملوك على ذلك كلهم إلا ذا غمدان فإنه أبى أن يماليهم على ذلك، فثاروا به، فأخذوه ليقتلوه فقال لهم: أتراكم قاتلي؟ قالوا: نعم، قال: اما أنا فإذا قتلتموني فادفنوني قائمًا، فإنه لن يزال لكم ملك قائم ما دمت قائمًا، فلما قتلوه، قالوا:
والله لا يملكنا حيًا وميتا، فنكسوه على رأسه، فقال في ذلك ذو غمدان، في الذي كان من أمره:
إن تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
ألا من يشتري سهرًا بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
وقال في ذلك عبد كلال بعد قتل أخيه واستخلافهم إياه حين قتل وجوه حمير:
شفيت النفس ممن كان أمسى ... قرير العين قد قتلوا كريمي
فلما أن فعلت أصاب قلبي ... بما قد جئت من قتل رغيم
أشاروا لي بقتل أخ كريم ... وليس لذي الضرائب باللئيم
فعدت كأن قلبي في جناح ... بعيش ليس يرجع في نعيم
وعاد القلب كالمجنون ينمي ... إلى الغايات ليس بذي حميم
فلما أن قتلت به كراما ... وصاروا كلهم كالمستليم
رجعت إلى الذي قد كان مني ... كأن القلب ليس بذي كلوم
جزى رب البرية ذار عين ... جزاء الخلد من داع كريم
فإني سوف أحفظه وربي ... وأعطيه الطريف مع القديم
وقال عبد كلال أيضًا يرثى أخاه:
أطعت القوم إذ غشوا جميعًا ... وقد اتهمت في غش النصيح
ولو طاوعت في رأيي رعينا ... لقلت له وقولي ذو ندوح
فلم أرفع بقوله لي كلاما ... وعدت كأنني عبد أسيح
فلما أن قبلت القول منه ... على الأرواح من حق الفضوح
فمن أمسى يطاوعني فإني ... سأجهد في المقال به أبوح
فلما أن لقيتهم أقامت ... لذاك النفس في هم مريح
ثم استخفلوا أخا له، يقال له عبد كلال، فزعموا أنه كان لا يأتيه النوم بالليل، فأرسل إلى من كان ثم من يهود، فقال: ويحكم، ما ترون شأني؟
فقالوا: إنك غير نائم حتى تقتل جميع من مالأك على قتل أخيك، فتتبعهم، فقتل رؤوس حمير ووجوههم، ثم خرج ابن لتبع يقال له دوس، حتى أتى قيصر، فهو مثل في اليمن يضرب بعد: «لا كدوس ولا كمعلق رحله» فلما انتهى إلى قيصر، دخل عليه، فقال له: إني ابن ملك العرب، وإن قومي عدوا على أخي فقتلوه، فجئت لتبعث معي من يملك لك بلادي، وذلك لأن ملكهم الذي ملكهم بعد أبي قد قتل أشرافهم ورؤوسهم، فدعا قيصر بطارقته فقال: ما ترون في شأن هذا؟ قالوا: لا نرى أن تبعث معه أحدًا إلى بلاد العرب، وذلك لأنا لا نأمن هذا عليهم ليكون إنما جاء ليهلكهم، فقال قيصر:
فكيف أصنع به وقد جاءني مستغيثًا؟ قالوا: اكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة، وملك الحبشة يدين لملك الروم.
فكتب له إليه، وأمره أن يبعث معه رجالًا إلى بلاده، فخرج دوس بكتاب قيصر حتى أتى به النجاشي، فلما قرأه نخر وسجد له، وبعث معه ستين ألفًا، واستعمل عليهم روزبه، فخرج في البحر، حتى أرسى إلى ساحل اليمن،
فخرج عليهم هو وقومه، فخرجت عليهم حمير- وحمير يومئذ فرسان أهل اليمن- فقاتل أهل اليمن قتالًا شديدًا على الخيل، فجعلوا يكردسونهم كراديس، ثم يحملون عليهم، فكلما مضى منهم كردوس تبعه آخر، فلما رأى ذلك روزبه قال لدوس: ما جئت بي ههنا إلا لتجزرني قومك، فلأبدأن بك فلأقتلنك قبل أن أقتل، قال: لا تفعل أيها الملك، ولكن أشير عليك فتقبل مني، قال:
نعم فأشر علي، قال له دوس: أيها الملك، إن حمير قوم لا يقاتلون إلا على الخيل، فلو أنك أمرت أصحابك، فألقوا بين أيديهم ترسهم ودرقهم، ففعلوا ذلك، فجعلت حمير تحمل عليهم فتزلق الخيل على الترسة والدرق، فتطرح فرسانها، فيقتل الآخرون، فلم يزالوا كذلك حتى دقوا، وكثرهم الآخرون، وإنهم ساروا حتى دخلوا صنعاء، فملكوها وملكوا اليمن، وكان في اصحاب روزبة رجل يقال له أبرهة بن الأشرم، وهو أبو يكسوم، فلما ملكوا اليمن، قال أبرهة لروزبة: أنا أولى بهذا الأمر منك، فقال الآخر: وكيف، والملك بعثني؟ قال: وإن كان الملك بعثك، فأنا أولى بهذا الأمر منك، ففاته الآخر، واتبع أبرهة ناس من قومه، فخرجوا للقتال، فلما تواقفوا ليقتتلوا، قال أبرهة لروزبة: ما لك ولأن نفني الحبشة، فيذهب ملكنا من هذه البلاد، اخرج، فأينا قتل صاحبه كان الملك، فقال الآخر: نعم، وكان روزبة رجلًا جسيما، وكان أبرهة رجلًا حادرًا قصيرًا، فقال أبرهة لغلام له: إذا خرجت إليه لأبارزه، فائته من خلفه فاقتله، فإن أصحابه لن يزيدوا على أن يفروا، ولك عندي ما سألتني من ملكي، فلما خرجا سل روزبه على أبرهة سيفه، فضربه ضربة وسط رأسه بالسيف، وضربه غلام أبرهة من خلفه فقطعه باثنتين، فاحتمله أصحابه، واحتمل هذا أصحابه، ثم إنهم اصطلحوا على أبرهة، ولم يكن فيهم بعد صاحبهم مثله، وبلغ ذلك النجاشي، فكتب إليه يتهدده، فحلق أبرهة رأسه، وأخذ ترابًا من تراب أرضه، فبعث به إليه وقال: أيها الملك، هذا رأسي وتراب أرضي، فهو تحت قدميك، وإنما كنت أنا وروزبه
عبديك، فرأيت أني أقوى على أمر الملك منه، فلذلك فعلت ما فعلت، فكتب إليه النجاشي بالرضى، وأقره على ملكه.
ثم إن أبرهة بن الأشرم، وهو أبو يكسوم، بني كعبة باليمن وجعل عليها قبابًا من ذهب، وأمر أهل مملكته بالحج إليها، يضاهي بذلك البيت الحرام «١» .
(١) تحوي هذه الرواية سودا مختصرا، جاء في غاية الاضطراب، محشوا بالأخطاء، فقد أعطي اليهود دورا معاكسا لما هو معروف، ذلك أن المشهور والمتداول تبعا للروايات العربية والسريانية، أن عبد كلال كان أول من تنصر من بين ملوك حمير، فظلت النصرانية نشطة في جنوب اليمن وازداد مع نشاط رجالاتها نفوذ الامبراطورية البيزنطية، لذلك قام أحد أمراء حمير بانقلاب داخلي واتخذ اليهودية وحارب النصرانية، وكانت أشهر حملاته تلك ضد نصارى نجران التي عرفت باسم مذابح الاخدود التي ذكرها القرآن الكريم، وإثر هذه المذابح حاولت بيزنطة التدخل مباشرة ضد اليمن، فوجدت ذلك متعذرا، وقامت بيزنطة وهي متعظة بالحملة الرومانية لعام ٢٥ ق. م ضد اليمن التي قادها اليوس جللوس، قامت بالايعاز لدولة الحبشة النصرانية بغزو اليمن، وقدمت لها المساعدات البحرية والعتاد، ونجح الأحباش باحتلال اليمن، لكن ما لبث أحد أمراء اليمن ويعرف بسيف بن ذي يزن أن قام بطرد الأحباش بمعونة الفرس. وظلت اليمن تحت سيادة فارسية حتى قام الاسلام ودخلت فيه، ومعروف أن روزبه الوارد في النص اسم فارسي حمله قائد الحملة الفارسية أو أحد كبار القادة في حين أن اسم أبرهة هو حبشي.
حديث الفيل
حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس عن ابن اسحق قال:
وإن رجلا من بني ملكان بن كنانة، وهو من الحمس «١»، خرج حتى قدم أرض اليمن، فدخلها «٢»، فنظر إليها، ثم قعد فخري فيها؛ فدخلها أبرهة، فوجد تلك العذرة فيها، فقال: من اجترأ علي بهذا؟ فقال له أصحابه: هذا رجل من أهل ذلك البيت الذي يحجه العرب، قال: فعلي اجترأ بهذا، ونصرانيتي، لأهد من ذلك البيت ولأخربنه حتى لا يحجه حاج أبدًا، فدعا بالفيل، وأذن في قومه بالخروج، ومن اتبعه من أهل اليمن، وكان أكثر من تبعه من عك، والأشعريون، وخثعم، فخرجوا وهم يرتجزون:
إن البلد لبلد مأكول ... يأكله عك والأشعريون والفيل
فخرج يسير، حتى إذا كان ببعض طريقه، بعث رجلًا من بني سليم، ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه، فتلقاه أيضًا رجل من الحمس، من بني كنانة، فقتله، فازداد بذلك- لما بلغه- حنقًا وحردا، وأحث السير
(١) الحمس غير الحل، وأهل الحل غير اهل الحرم هم من قريش الذين ميزوا أنفسهم عن سواهم خاصة بالنسبة لمراسم الحج قبل انتصار الاسلام، لكن يظن أن هذا التقسيم حدث بعد عام الفيل ونتيجة له لا قبل ذلك انظر ما سيأتي ص- ٩٨- ١٠٢.
(٢) أي دخل كعبة اليمن، والمقصود بها الكنيسة التي بناها أبرهة، وتعلل هذه القصة سبب حملة أبرهة على مكة، وهو تعليل ليس له قيمة تاريخية، فالحملة استهدفت نشر النصرانية في جميع أنحاء شبه الجزيرة، وأراد الأحباش السيطرة على ثروات وتجارة مكة، ومن جهة أخرى الضغط على الامبراطورية الساسانية التي كانت في صراع شديد مع الامبراطورية البيزنطية، إلى غير ذلك من الاسباب.
والانطلاق، حتى إذا أشرف على وادي وج من الطائف، خرجت إليه ثقيف، فقالوا: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، وليست ربتنا هذه بالتي تريد- يعنون اللات، صنمهم، وليست بالتي تحج إليها العرب، وإنما ذلك بيت قريش، الذي تجىء إليه العرب، قال: فابغوني دليلًا يدلني عليه، فبعثوا معه رجلا من هذيل، يقال له نفيل «١»، فخرج بهم يهديهم، حتى إذا كانوا بالمغمس، نزلوا المغمس من مكة على ستة أميال، فبعثوا مقدماتهم إلى مكة، فخرجت مكة عباديد في رؤوس الجبال، وقالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء القوم، فلم يبق بمكة أحد إلا عبد المطلب بن هاشم، أقام على سقايته؛ وغير شيبة بن عثمان ابن عبد الدار، أقام على حجابة البيت، فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب، ثم يقول:
اللهم إن المرء يمن ... ع حله فامنع حلالك
لا يغلبوا بصليبهم ... ومحالهم غدرا محالك
أن يدخلوا البلد الحرام ... غدا فأمر ما بدا لك
يقول: أي شى ما، بدا لك، لم تكن تفعله بنا، ثم إن مقدمات أبرهة، أصابت نعمًا لقريش، فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، فلما بلغه ذلك، خرج حتى أنتهى إلى القوم، وكان حاجب أبرهة رجلًا من الأشعريين، وكانت له بعبد المطلب معرفة قبل ذلك، فلما انتهى إليه عبد المطلب، قال له الأشعري: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أن تستأذن لي على الملك، فدخل عليه حاجبه، فقال له: أيها الملك، جاءك سيد قريش الذي يطعم أنيسها في السهل، ووحوشها في الجبل، فقال: ائذن له، وكان عبد المطلب رجلًا جسيمًا جميلًا، فأذن له، فدخل عليه، فلما أن رآه أبو يكسوم، أعظمه أن يجلسه تحته، وكره أن يجلسه معه على سريره، فنزل من سريره، فجلس على الأرض، وأجلس عبد المطلب معه، ثم قال: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي مائتا بعير، أصابتها
(١) اسمه لدى بعض الرواة: أبو رغال.
مقدمتك، لي، فقال أبو يكسوم: والله لقد رأيتك فأعجبتني، ثم تكلمت، فزهدت فيك، فقال له: ولم أيها الملك؟ قال: لأني جئت إلى بيت هو منعتكم من العرب، وفضلكم في الناس، وشرفكم عليهم، ودينكم الذي تعبدون، فجئته لأكسره، وأصيبت لك مائتا بعير، فسألتك عن حاجتك، فكلمتني في إبلك، ولم تطلب إلي في بيتكم! فقال له عبد المطلب: أيها الملك، إنما أكلمك في مالي، ولهذا البيت رب هو يمنعه، لست أنا منه في شيء، فراع ذلك أبا يكسوم، وأمر برد إبل عبد المطلب عليه، ورجع عبد المطلب.
وأمسوا في ليلتهم تلك، فأمست ليلة كالحة، نجومها كأنما تكلمهم كلاما، لاقترابها منهم، وأحست أنفسهم بالعذاب، وخرج دليلهم حتى دخل الحرم، وتركهم، وقام الأشعريون وخثعم، فكسروا رماحهم وسيوفهم، وبرئوا إلى الله تعالى أن يعينوا على هدم البيت، فباتوا كذلك باخبث ليلة، ثم أدلجوا بسحر، فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا مكة، فوجهوه إلى مكة، فربض، فضربوه فتمرغ، فلم يزالوا كذلك حتى كادوا يصبحون، ثم إنهم أقبلوا على الفيل، فقالوا: لك الله ألا نوجهك إلى مكة، فجعلوا يقسمون له، ويحرك أذنيه، يأخذ عليهم، حتى إذا أكثروا من القسم، انبعث، فوجهوه إلى اليمن راجعًا، فتوجه يهرول، فعطفوه حين رأوه منطلقًا، حتى إذا ردوه إلى مكانه الأول، ربض وتمرغ، فلما رأوا ذلك، أقسموا له، وجعل يحرك أذنيه يأخذ عليهم، حتى إذا أكثروا، انبعث، فوجهوه إلى اليمن، فتوجه يهرول، فلما رأوا ذلك ردوه، فرجع معهم حتى إذا كان في مكانه الأول، ربض فضربوه، فتمرغ، فلم يزالوا كذلك، فعالجوه، حتى كان مع طلوع الشمس، طلعت عليهم الطير معها، وطلعت عليهم طير من البحر أمثال اليحاميم سود، فجعلت ترميهم وكل طائر في منقاره حجر، وفي رجليه حجران، فإذا رمت بتلك مضت، وطلعت أخرى، فلا تقع حجرة من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقته، ولا عظم إلا أوهاه ونقبه.
وثار أبو يكسوم راجعًا، قد أصابته بعض الحجارة، فجعل كلما قدم أرضًا انقطع منه فيها أرب، حتى إذا انتهى إلى اليمن، ولم يبق منه شيء إلا اباده، فلما قدمها انصدع صدره، وانشق بطنه، فهلك، ولم يصب من الأشعريين وخثعم أحد.
ولما فزعوا إلى دليلهم ذلك، يسألون عنه، فجعلوا يقولون: يا نفيل، يا نفيل، وقد دخل نفيل الحرم، ففي ذلك يقول نفيل:
ألا ردي جمالك يا ردينا ... نعمناكم مع الاصباح عينا
فإنك لو رأيت، ولن تريه ... إلى جنب المحصب ما رأينا
إذا لخشيته وفزعت منه ... ولم تأسي على ما فات عينا
خشيت الله لما رأيت طيرا ... وقذف حجارة ترمي علينا
وكلهم يسائل عن نفيل ... كأن علي للحبشان دينا
وقال المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:
أنت حبست الفيل بالمغمس ... أهلكت أبا يكسوم والمغلس
كردستهم وأنت غير مكردس ... تدعسهم وأنت غير مدعس
وقال عبد المطلب، وهو يرتجز ويدعو على الحبشة:
يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا ... إنهم لن يقهروا قواكا
وقال عبد المطلب حين انصرفوا:
منعت الأرض التي حميت ... من اللئام فلم تخلق لهم دارا
منعت مكة منهم إنني رجل ... ذو أسرة لم نكن في الحب غدارا
إذ قلت يا صاحب الحبشان إن لنا ... من دون أن يهدم المعمور أخطارا
فسار في جيشه بالفيل مقتدرا ... وسرت مستبسلا للموت صبارا
في فتية من قريش ليس ميتهم ... بمورث حيهم شينا ولا عارا
حدثنا أحمد، نا يونس بن بكير، عن عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله بن عباس في قوله: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبابِيلَ «١»»، قال: طير لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب.
حدثنا أحمد قال: نا أبي، ويونس جميعًا، عن قيس بن الربيع، عن جابر ابن عبد الرحمن بن أسباط، عن عبيد بن عمير: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبابِيلَ» قال: طيرًا أقبلت من قبل البحر كانها رجال الهند «تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ» أصغرها مثل رؤوس الرجال، وأعظمها مثل الإبل الهزل، ما رمت أصابت، ما أصابت قتلت، وزاد فيه أبي: الأبابيل المتتابعة، ما أرادت أصابت، وما أصابت قتلت.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة زوج النبي ﷺ قالت: لقد رأيت قائد الفيل، وسائسه أعميين مقعدين، يستطعمان بمكة.
حدثنا أحمد، نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة ابن الأخنس قال: حدثت أنه أول ما رؤي في أرض العرب: الحصبة، والجدري، ومرائر الشجر من العشر والحرمل وأشباه ذلك، عام الفيل.

سفر أم الرسول به إلى المدينة ووفاتها.
حدثنا أحمد: نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: قدمت آمنة بنت وهب، أم رسول الله ﷺ، برسول الله ﷺ على أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة، ثم رجعت به، حتى إذا كانت بالأبواء هلكت بها، ورسول الله ﷺ ابن ست سنين.
حدثنا أحمد: نا يونس، عن ابن إسحق، قال: وكان رسول الله ﷺ مع جده عبد المطلب، فحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله
(١) سورة الفيل: ٢
قال: كان يوضع لعبد المطلب جد رسول الله ﷺ فراش في ظل الكعبة، فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، وكان رسول الله ﷺ يأتي حتى يجلس عليه، فيذهب أعمامه يؤخرونه، فيقول جده عبد المطلب: دعوا ابني، فيمسح على ظهره، ويقول: إن لبني هذا شأنا

وفاة عبد المطلب بن هاشم.
فتوفي عبد المطلب، ورسول الله ﷺ ابن ثماني سنين، بعد الفيل بثماني سنين.

كشف قبر عبد الله بن الثامر.
حدثنا أحمد: نا يونس، عن ابن اسحق قال: نا عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: ذهب رجل بصنعاء يحفر خربة من خربها لبعض ما ينتفع به الناس، فكشف عن عبد الله بن التامر، قاعدًا يده على شجة برأسه موضوعة، إذا أخروا يده عنها، نبعت دمًا، وإذا أرسلوها ردها فوضعها عليها، في يده خاتم، نقشه «ربي الله»، فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب أن: ارددوا عليه ما كان عليه، وأقروه- حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال:
وكان على دين عيسى
.

كشف جثة دانيال النبي.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار قال:
نا أبو العالية قال: لما فتحنا تستر، وجدنا في بيت مال الهرمزان «١» سريرًا عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب، فدعا له كعبًا، فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثلما أقرأ القرآن هذا، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ فقال: سيرتكم وأموركم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال:
حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبرًا متفرقة، فلما كان الليل دفناه، وسوينا القبور كلها، لنعميه على الناس، لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عليهم، برزوا بسريره فيمطرون، قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال، فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال:
(١) هزم الهرمزان إثر معركة نهاوند في خلافة عمر بن الخطاب، وجيىء بالهرمزان الى المدينة حيث بقي فيها، وهناك من يرى أنه شارك في مؤامرة اغتيال عمر.
منذ ثلاثمائة سنة «١»، قلت: ما كان تغير بشيء؟ قال: لا، إلا شعيرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض، ولا تأكلها السباع.

زعامة مكة بعد وفاة عبد المطلب.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: لما حضرت عبد المطلب الوفاة، قال لبناته: ابكين حتى أسمع كيف تقلن، وكن ست نسوة، وهن: أميمة، وأم حكيم، وبرة، وعاتكة، وصفية، وأروى، فقالت أميمة:
ألا هلك راعي العشيرة ذو العقد ... وساقي الحجيج المحامي عن الحمد
ومن يؤلف الجار الغريب لبيته ... إذا ما سماء البيت تبخل بالرعد
وقالت عاتكة:
أعيني جودا ولا تبخلا ... بدمعكما بعد نوم النيام
أعيني واسحو فزا واسكبا ... وشوبا بكاء كما بالندام
على الجحفل الغمر في النائبا ... ت كريم المساعي وفي الذمام
على شيبة الحمد واري الزناد ... وذي مصدق بعد ثبت المقام
وقالت صفية:
أرقت لصوت نائحة بليل ... على رجل بقارعة الصعيد
ففاضت عند ذلكم دموعي ... على خدي كمنحدر الفريد
على الغياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير وارث كل جود
طويل الباع أروع شيظمي ... مطاع في عشيرته حميد
عظيم الحلم من نفر كرام ... خضارمة ملاوثة أسود
وقالت البيضاء أم حكيم، والبيضاء جدة عثمان بن عفان، أم أمه، وكانت البيضاء عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فولدت له عامرًا وأروى:
ألا يا عين جودي واستهلي ... وبكي ذا الندى والمكرمات
(١) كذا والأقرب الى الصحة ابدال المئة بألف.
ألا يا عين ويحك أسعفيني ... بدمع من دموع هاطلات
فبكى خير من ركب المطايا ... أباك الخير تيار الفرات «١»
طويل الباع شيبة ذا المعالي ... كريم الخيم محمود الهبات
وصولًا للقرابة هبرزيا ... وغيثًا في السنين الممحلات
فبكيه ولا تسمى بحزن ... وبكى ما بكين الباكيات
وقالت بره:
أعيني جودا بدمع درر ... على طيب الخيم والمعتصر
على ماجد الجد واري الزنا ... د جميل المحيا عظيم الخطر
على شيبة الحمد ذي المكرما ... ت وذي المجد والعز والمفتخر
وذي الفضل والحلم في النائبا ... ت كثير المكارم جم الفخر
له فضل مجد على قومه ... مبين يلوح كضوء القمر
أتته المنايا فلم تسوءه ... بصرف الليالي وريب القدر
وقالت أروى:
بكت عيني وحق لها البكاء ... على سمح سجيته الحياء
على سهل الخليفة أبطحي ... كريم الجد نيته العلاء
على الغياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أملس شيظمى ... أغر كأن غرته ضياء
ومعقل مالك وربيع فهر ... وفاصلها إذا التبس القضاء
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ومات عبد المطلب، ورسول الله ﷺ ابن ثماني سنين، فلم يبك أحد كان قبله بكاه.
وولي زمزم والسقاية من بني عبد المطلب بعده العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ أحدث إخوته سنا، فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده، فأقرها
(١) جاء في حاشية الأصل قال العطاردي: تيار الترات.
رسول الله ﷺ على ما مضى، فهي إلى آل العباس بولاية العباس إياها إلى هذا اليوم.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ولما هلك عبد المطلب، كانت الرئاسة بعده والشرف والسن في قومه بني عبد مناف لحرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فأطعم الناس، وحاط العشيرة، وشرف قومه، ونصب قبة بمكة للضيف، يطعم فيها من جاءه، وكان عبد المطلب- فيما يزعمون- يوصي أبا طالب برسول الله ﷺ، وذلك أن عبد الله وأبا طالب لأم، فقال عبد المطلب- فيما يزعمون- فيما يوصيه به، واسم أبي طالب عبد مناف:
أوصيك يا عبد مناف بعدي ... بموحد بعد أبيه فرد
فارقه وهو ضجيع المهد «١» ... فكنت كالأم له في الوجد
تدنيه من أحشائها والكبد ... حتى إذا خفت مداد الوعد
أوصيت أرجى أهلنا للتوفد ... بابن الذي غيبته في اللحد
بالكره مني ثم لا بالعمد ... فقال لي والقول ذو مرد
ما ابن أخي ما عشت في معد ... إلا كأدنى ولدي في الود
عندي أرى ذلك باب الرشد ... بل أحمد قد يرتجى للرشد
وكل أمر في الأمور ود ... قد علمت علام أهل العهد
ان ابني سيد أهل نجد ... يعلو على ذي البدن الأشد
وقال عبد المطلب أيضًا:
أوصيت من كنيته بطالب ... عبد مناف وهو ذو تجارب
بابن الذي قد غاب غير آئب ... بابن أخ والنسوة الحبائب
بابن الحبيب أقرب الأقارب ... فقال لي كشبه المعاتب
لا توصني ان كنت بالمعاتب ... بثابت الحق علي واجب
(١) تبعا لبعض الروايات الشاذة ولد النبي ﷺ قبل وفاة أبيه بعدة أشهر.
محمد ذو العرف والذوائب ... قلبي إليه مقبل وائب
فلست بالآيس غير الراغب ... بأن يحق الله قول الراهب
فيه وأن يفضل آل غالب ... إني سمعت أعجب العجائب
من كل حبر عالم وكاتب ... هذا الذي يقتاد كالجنائب
من حل بالأبطح والأخاشب ... أيضًا ومن ثاب إلى المثاوب
من ساكن للحرم أو مجانب
آخر الجزء الأول من كتاب المغازي لابن إسحق- يتلوه في الثاني إن شاء الله حديث بحيرا الراهب والحمد لله حق حمده، وصلواته على محمد خير خلقه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الجزء الثاني من كتاب المغازي «١» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره
رواية الشيخ أبي الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز عن أبي طاهر المخلص عن رضوان عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس «٢» .
أجمعين.
(١) في ع (أي نسخة الخزانة العامة في الرباط): الجزء الثاني من السير والمغازي للامام رئيس أهل المغازي والسير الشيخ محمد بن إسحق المطلبي، المتوفى سنة ١٥١ هـ، وكتب السنة رقما هكذا (١٥١) مما يدل على حداثة النسخة.
(٢) في ع: عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحق
أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله

حديث بحيرا الراهب «١»
أخبرنا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: قرىء على أبي الحسين رضوان بن أحمد وأنا أسمع قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: وكان أبو طالب هو الذي أضاف أمر رسول الله ﷺ إليه بعد جده، فكان إليه ومعه.
ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرًا، فلما تهيأ للرحيل، وأجمع السير «٢» صب «٣» له رسول الله ﷺ فأخذ بزمام ناقته وقال: يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أم؟ فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدًا؛ أو كما قال.
فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة
(١) في ع: بسم الله الرحمن الرّحيم- وصلى الله على سيدنا محمد وآله. وليس فيها العنوان.
(٢) في الروض ١/ ٢٠٥- المسير.
(٣) جاء في حاشية الأصل خ هب والذي أثبته ابن هشام وشرحه السهيلى في الروض ١/ ٢٠٦ هو نفس ما جاء هنا حيث قال: «الصبابه رقة الشوق» هذا وذكر السهيلى بأن البعض قد رواها «ضبث به رسول الله أي لزمه» .
قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيهم «١» فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا مما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريبًا من صومعته، فصنع لهم طعامًا كثيرًا، وذلك- فيما يزعمون- عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب، حين أقبلوا وغماما تظله من بين القوم، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة، وتهصرت «٢» أغصان الشجرة على رسول الله ﷺ حتى «٣» استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا إن لك اليوم لشأنًا ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيرا فما [٢] شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا: صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم صغيركم [وكبيركم] «٤»، فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله ﷺ من بين القوم- لحداثة سنه- في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، قال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، قالوا له:
يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا، تخلف في رحالهم، قال: فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل مع القوم من قريش: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا، يتخلف
(١) أثبت في حاشية ع: فيها.
(٢) الهصر: الجذب والامالة والكسر والدفع والادناء وعطف شيء رطب كالغصن ونحوه وكسره من غير بينونة أو عطف اي شيء.
(٣) سقطت من ع.
(٤) زيدت من ع.
ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا! ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله ﷺ قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئًا، فو الله ما أبغضت شيئًا قط بغضهما، فقال له بحيرا: فبالله إلا أخبرتني عما أسلك عنه، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله: من نومه، وهيئته، وأموره، فجعل رسول الله ﷺ يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده «١»، فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له:
ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًا، قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟
قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرًا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن فأسرع به إلى بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعًا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام.
فزعموا فيما يتحدث «٢» الناس أن زبيرا «٣» وتمامًا، ودريسا، وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله ﷺ في ذلك السفر الذي كان
(١) من اجل خاتم النبوة وصفاته انظر الروض: ١/ ٢٠٦.
(٢) في ع: يحدث.
(٣) في الروض: ١/ ٢٠٦ «زريرا» .
فيه مع عمه أبي طالب- أشياء، فأرادوه، فردهم عنه بحيرا «١»، وذكرهم الله
﷿، وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، أنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه، حتى عرفوا ما قال لهم، وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا، فقال أبو طالب في ذلك من الشعر، يذكر مسيره برسول الله ﷺ وما أرادوا منه- أولئك النفر «٢» - وما قال لهم فيه بحيرا:
إن ابن آمنة النبي محمدًا ... عندي بمثل منازل الأولاد
لما تعلق بالزمام رحمته ... والعيس قد قلصن «٣» بالأزواد
فارفض من عيني دمع ذارف ... مثل الجمان مفرق الأفراد
راعيت فيه قرابة موصولة ... وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومة ... بيض الوجوه مصالت أنجاد
ساروا لأبعد طية «٤» معلومة ... فلقد تباعد طية المرتاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا ... لاقوا على شرك من المرصاد
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا ... عنه ورد معاشر الحساد
قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى ... ظل الغمام وعز ذي الأكياد
ساروا لقتل محمد فنهاهم ... عنه وأجهد أحسن الإجهاد
(١) أورد السهيلي في الروض: ١/ ٢٠٥ خلاصة المادة الاخبارية العربية حول شخصية بحيرا الراهب، هذا وتحوي مدينة بصرى بين خرائبها بقايا كنيسة كبيرة يعتقد الأهلون انها بقايا كنيسة بحيرا، كل هذا في حين ان غالبية علماء السيرة لهذا العصر ينفون وجود شخصية بحيرا تاريخيا، ويرون ان الاخبار حولها مخترعة، املاها مجاراة ما جاء في سير حياة الانبياء الكتابيين وغيرهم من نبوءات وبشائر.
(٢) لعل عبارة اولئك النفر كانت في الاصل حاشية شارحة ثم ادمجت من قبل الرواة والنساخ في المتن، ومثل هذا يكثر وقوعه في كتب الاخبار والأدب ولعله المسؤول عن تفاوت نصوص نسخ الأصول الواحدة، كما يبدو أنه سبب تصخم المادة الاخبارية المتأخرة حول حوادث وردت في المصادر القديمة مختصرة.
(٣) اي وثبن.
(٤) الطية الوطن، المنزل، والثنية.
فثنى زبيرًا بحيرا فانثنى ... في القوم بعد تجادل وبعاد
ونهى دريسا فانتهى عن قوله ... حبر يوافق أمره برشاد
وقال أبو طالب أيضًا:
ألم ترني من بعد هم هممته ... بفرقة «١» حر الوالدين كرام
بأحمد لما أن شددت مطيتي ... برحلي وقد «٢» ودعته بسلام
بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا ... وأخذت بالكفين فضل زمام
ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة ... تجود من العينين ذات سجام
فقلت: تروح راشدا في عمومة ... مواسين في البأساء غير لئام
فرحنا مع العير التي راح أهلها ... شآمي الهوى والأصل غير شآمي
فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا ... لنا فوق دور ينظرون جسام
فجاد بحيرا عند ذلك حاشدا ... لنا بشراب طيب وطعام [٤]
فقال: اجمعوا أصحابكم لطعامنا ... فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيم، فقال: ادعوه إن طعامنا ... كثير، عليه اليوم غير حرام
فلما رآه مقبلا نحو داره ... يوقيه حر الشمس ظل غمام
حنا رأسه شبه السجود وضمه ... إلى نحره «٣» والصدر أي ضمام
وأقبل ركب يطلبون الذي رأى ... بحيرا من الأعلام وسط خيام
فثار إليهم خشية لعرامهم ... وكانوا ذوي دهى معا وعرام
دريسًا وتماما وقد كان فيهم ... زبيرًا وكل القوم غير نيام
فجاءوا وقد هموا بقتل محمد ... فردهم عنه بحسن خصام
بتأويله التوراة حتى تفرقوا ... وقال لهم: ما أنتم بطغام
فذلك من أعلامه وبيانه ... وليس نهار واضح كظلام
(١) في ع لفرقة.
(٢) في ع لترحل اذ.
(٣) في ع نجده.
وقال أبو طالب أيضًا:
بكى طربًا لما رآنا محمد ... كأن لا يراني راجعا لمعاد
فبت يجافيني تهلل دمعه ... وقربته من مضجعي ووسادي
فقلت له: قرب قعودك وارتحل ... ولا تخشى مني جفوة ببلادي
وخل زمام العيس وارتحلن بنا ... على عزمة من أمرنا ورشاد
ورح «١» رائحًا في الراشدين مشيعًا ... لذي رحم في القوم غير معاد
فرحنا مع العير التي راح ركبها ... يؤمون على غوري أرض إباد
فما رجعوا حتى رأوا من محمد ... أحاديث تجلو غم كل فؤاد
وحتى رأوا حبار كل مدينة ... سجودا له من عصبة وفراد
زبيرا وتماما وقد كان شاهدًا ... دريسًا وهموا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا ... له بعد تكذيب وطول بعاد
كما قال للرهط الذين تهودوا ... وجاهدهم في الله كل جهاد
فقال ولم يملك له النصح: رده ... فإن له أرصاد كل مضاد
فإني أخاف الحاسدين وإنه ... أخو الكتب مكتوب بكل مداد
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فشب رسول الله ﷺ يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعائبها لما يريد به من كرامته ورسالته، وهو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارا، وأعظمهم خلقا، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش [٥] والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين، لما جمع الله
﷿ فيه من الأمور الصالحة، وكان رسول الله ﷺ، فيما ذكر لي، يحدث عما كان يحفظه الله ﷿ به في صغره وأمر جاهليته.
(١) في ع وراح.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فحدثني والدي إسحق بن يسار عمن حدثه عن رسول الله ﷺ أنه قال فيما يذكر من حفظ الله
﷿ إياه: إني لمع غلمان هم أسناني قد جعلنا أزرنا على أعناقنا لحجارة ننقلها نلعب بها إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال: أشدد عليك إزارك.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن عمرو بن ثابت عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: حدثني أبي العباس بن عبد المطلب قال: كنا ننقل الحجارة حين بنت «١» قريش البيت، فأفردت قريش رجلين رجلين، وكان النساء ينقلن الشيد، وكان الرجال ينقلون الحجارة، فكنت أنقل أنا وابن أخي، فكنا نحمل على رقابنا وأزرنا تحت الحجارة، فإذا غشينا الناس ائتزرنا، فبينا أنا أمشي ومحمد ﷺ قدامي ليس عليه شيء، إذ خر محمد فانبطح، فألقيت حجري وجئت أسعى وهو ينظر إلى السماء فوقه، فقلت:
ما شأنك؟ فقام فأخذ ازاره ونهاني أمشي عريانًا، فلبثت أكتمها الناس مخافة أن يقولوا مجنون، حتى أظهر الله
﷿ نبوته.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن عبد الله ابن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي ابن أبي طالب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله
﷿ فيهما: قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا، فقلت لصاحبي:
أتبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما يسمر الفتيان؟ فقال بلى، قال: فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفًا بالغرابيل والمزامير، فقلت: ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر، وضرب الله
﷿ على أذني، فو الله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت
(١) في ع: بات.
إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما [٦] فعلت شيئًا ثم أخبرته بالذي رأيت، ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة، فسألت فقيل:
فلان نكح فلانة فجلست أنظر، وضرب الله
﷿ على أذني، فو الله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت:
لا شيء، ثم أخبرته الخبر، فو الله ما هممت ولاعدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله
﷿ بنبوته.
حديث خديجة ابنة خويلد
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت خديجة ابنة خويلد إمرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانت قريش قومًا تجارًا، فلما بلغها عن رسول الله ﷺ ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله منها رسول الله ﷺ، وخرج في مالها ذلك، ومعه غلامها ميسرة، حتى قدم الشام، فنزل رسول الله ﷺ في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان، فاطلع الراهب على ميسرة، فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.
ثم باع رسول الله ﷺ سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلًا إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة فيما يزعمون، إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس، وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به، فأضعف، أو قريبا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه، وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله
﷿ بها من كرامته.
فلما أخبرها ميسرة عما «١» أخبرها به (٧) بعثت إلى رسول الله ﷺ،
(١) في ع: بما.
فقالت له- فيما يزعمون-: يا ابن عم أني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وسطتك «١» فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالًا، كل قومها قد كان حريصًا على ذلك منها لو يقدر على ذلك.
وهي خديجة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وأمها فاطمة ابنة زيد بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن عبد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها فلانة ابنة سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، وأمها عاتكة ابنة عبد العزى بن قصي، وأمها ريطة ابنة كعب بن سعد ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وأمها قيلة ابنة حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، وأمها أميمة ابنة عامر بن الحارث بن فهر، وأمها ابنة سعد بن كعب بن عمرو، من خزاعة، وأمها فلانة ابنة حرب بن الحارث بن فهر، وأمها سلمى بنت غالب بن فهر، وأمها ابنة محارب بن فهر.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما قالت لرسول الله ﷺ ما قالت، ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على أسد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها رسول الله ﷺ، فولدت له قبل أن ينزل عليه الوحي ولده كلهم: زينب، وأم كلثوم، ورقية، وفاطمة والقاسم، والطاهر والطيب، فأما القاسم، والطاهر والطيب فهلكوا قبل الإسلام، وبالقاسم كان يكنى ﷺ، فأما بناته فأدركن الإسلام، وهاجرن معه، واتبعنه، وآمن به
.
(١) اي لعلو نسبك فيهم، انظر الروض ١/ ٢١٢- ٢١٣.
قصة الأحبار
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت الأحبار والرهبان أهل (٨) الكتابين هم أعلم برسول الله ﷺ قبل مبعثه وزمانه الذي يترقب فيه من العرب، لما يجدون في كتبهم من صفاته، وما أثبت فيها عندهم من اسمه، وبما أخذ عليهم من الميثاق له في عهد أنبيائهم وكتبهم في اتباعه، فيستفتحون به على أهل الأوثان من أهل الشرك، ويخبرونهم أن نبيًا مبعوثًا بدين إبراهيم اسمه أحمد، كذلك يجدونه في كتبهم وعهد أنبيائهم، يقول الله
:
«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ» إلى قوله:
(أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) «١» وقال الله
: (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ) «٢» الآية كلها، وقال (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) «٣» الآية كلها، وقوله: (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى قوله: (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) «٤» .
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت العرب أميين لا يدرسون كتابًا، ولا يعرفون من الرسل عهدًا، ولا يعرفون جنة ولا نارًا، ولا بعثًا ولا قيامة إلا شيئًا يسمعونه من أهل الكتاب، لا يثبت في صدورهم، ولا يعملون به شيئًا من أعمالهم.
فكان فيما بلغنا من حديث الأحبار والرهبان عن رسول الله ﷺ قبل أن يبعثه الله
﷿ بزمان.
(١) الأعراف: ١٥٧.
(٢) الصف ٦.
(٣) الفتح: ٢٩.
(٤) البقرة: ٨٩- ٩٠.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال حدثني أشياخ منا قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله ﷺ منا، كان معنا يهود، وكانوا آهل كتاب، وكنا أصحاب وثن، فكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبيا مبعوثًا الآن قد أظل زمانه نتبعه، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله اتبعناه وكفروا به، ففينا والله وفيهم أنزل الله
﷿ «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ» «١» الآية.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال:
حدثني من شئت من رجال قومي «٢» عن حسان بن ثابت قال: والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ابن ثماني سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديًا وهو [٩٦] على أطمه «٣» بيثرب، يصرخ: يا معشر يهود، فلما اجتمعوا إليه قالوا:
ويلك مالك؟ قال: طلع نجم أحمد، الذي يبعث به، الليلة.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن إبراهيم عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان بين أبياتنا يهودي، فخرج على نادي قومي بني عبد الأشهل ذات غداة، فذكر البعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان، فقال ذاك لأصحاب وثن لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت، وذلك قبيل مبعث رسول الله ﷺ، فقالوا: ويلك يا فلان، وهذا كائن، إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار «٤» فيها جنة ونار، يجزون من أعمالهم؟ قال:
نعم والذي يحلف به، لوددت أن حظي من تلك النار، أن توقدوا أعظم تنور
(١) - البقرة: ٨٩. ومعلوم ان عاصم بن عمر بن قتادة كان مدنيا اصله من الأنصار
(٢) - في ع: قول.
(٣) - الأطم: حصن مبني بحجارة، وقيل هو كل بيت مربع مسطح.
(٤) في ع: ذات.
في داركم فتحمونه، ثم تقذفوني فيه، ثم تطينون على، وإني أنجو من النار غدًا، فقيل: يا فلان فما علامة ذلك؟ قال: نبي يبعث من ناحية هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمنء قالوا: فمتى تراه؟ فرمى بطرفه فرآني وأنا مضطجع بفناء باب أهلي، فقال- وأنا أحدث القوم- إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه، فما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله
﷿ رسوله ﷺ وإنه لحي بين أظهركم- فآمنا به، وصدقناه، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا له: يا فلان ألست الذي قلت ما قلت، وأخبرتنا؟ قال: ليس به.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: هل تدري عما كان إسلام أسيد «١» وثعلبة ابني سعية، وأسد «٢» بن عبيد، نفر من هذيل «٣»، لم يكونوا من بني قريظة ولا النضير، كانوا فوق ذلك؟ فقلت: لا، قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان، فأقام عندنا، والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه، فقدم علينا قبل مبعث رسول الله ﷺ بسنين، فكنا إذا قحطنا «٤»، وقل علينا المطر نقول: يابن الهيبان اخرج فاستسق لنا، فيقول لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة، فنقول: كم؟ فيقول: صاعًا من تمر، أو مدين من شعير، فنخرجه، ثم نخرج إلى ظاهر حرتنا، ونحن معه فيستسقي، فو الله ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب «٥»، قد فعل ذلك غير [١٠] مرة ولا مرتين، ولا ثلاثة، فحضرته الوفاة، فاجتمعنا إليه فقال: يا معشر يهود ما ترونه
(١) - ضبط في الأصل بضم الألف، هذا وذكر السهيلي في الروض: ١/ ٢٤٧ انه هكذا ورد ضبطها عن ابن إسحق في حين أن كل من يونس بن بكير والدارقطني قد ضبطاها بالفتح.
(٢) - في ع: واسيد، وهو تصحيف فقد ورد في الروض: ١/ ٢٤٦- ٢٤٧ مثلما جاء في الأصل هنا.
(٣) في الروض: ١/ ٢٤٦ «هدل» وهو تصحيف.
(٤) في ع: تحطنا.
(٥) في الروض: ١/ ٢٤٦ (حتى تمر السحابة ونسقى) .
أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قالوا: أنت أعلم، قال: فإنما أخرجني، أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلاد مهاجرة، فأتبعه، فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه، ثم مات؛ فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة، قال أولئك الفتية الثلاثة، وكانوا شبابا أحداثا:
يا معشر يهود والله إنه الذي كان ذكر ابن الهيبان، فقالوا: ما هو به، قالوا:
بلى والله إنه لصفته، ثم نزلوا فأسلموا، وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم.
نا أحمد: قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: كانت أموالهم في الحصن مع المشركين، فلما فتح رد ذلك عليهم.
نا أحمد: نا يونس عن قيس بن الربيع عن يونس بن أبي مسلم عن عكرمة أن ناسا من أهل الكتاب آمنوا برسلهم، وصدقوهم، وآمنوا بمحمد ﷺ قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به، فذلك قوله
: (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) «١» وكان قوم من أهل الكتاب آمنوا برسلهم وبمحمد ﷺ قبل أن يبعث، فلما بعث محمد آمنوا به فذلك قوله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) «٢» .
(١) آل عمران: ١٠٦.
(٢) محمد: ١٧.
إسلام سلمان الفارسي

نا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلًا من أهل فارس من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي «١»، وكان أبي دهقان أرضه، وكان يحبني حبًا شديدًا، لم يحبه شيئًا من ماله ولا ولده، فما زال به حبه إياي «٢» حتى حبسني في البيت كما يحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئًا إلا ما أنا فيه حتى بنى أبي بنيانًا له، وكانت له ضيعة فيها بعض العمل، فدعاني فقال: أي بني إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه، ولا بد لي من اطلاعها، فانطلق إليهم فمرهم بكذا وكذا ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني شغلتني عن كل شيء، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة النصارى، فسمعت أصواتهم [١١] فيها، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: هؤلاء النصارى يصلون، فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم، فو الله ما زلت جالسًا عندهم حتى غربت الشمس، وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت، ولم أذهب إلى ضيعته، فقال: أي بني أين كنت، ألم أكن قلت لك؟! فقلت يا أبتاه
(١) - اسم مدينة ناحية اصبهان، وكانت تدعى ايام ياقوت بشهرستان، وعرفت عند العرب وخاصة المحدثين منهم باسم المدينة واليها ينسب المديني العالم المشهور.
(٢) - سقطت من ع.
مررت بأناس يقال لهم (النصارى) فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم، فجلست أنظر كيف يفعلون، فقال: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت:
لا والله ما هو بخير من دينهم، هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له، ونحن إنما نعبد نارًا نوقدها بأيدينا، إذا تركناها ماتت، فخافني، فجعل في رجلي حديدا وحبسني في بيت عنده، فبعثت إلى النصارى فقلت لهم: أين أهل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ فقالوا: بالشام، فقلت: فإذا قدم عليكم من هناك أناس فآذنوني، فقالوا: نفعل، فقدم عليهم نامن من تجارهم، فبعثوا إلي: إنه قد قدم علينا تجار من تجارنا، فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني بهم، قالوا: نفعل، فلما قضوا حوائجهم، وأرادوا الرحيل بعثوا إلي بذلك، فطرحت الحديد الذي في رجلي، ولحقت بهم، فانطلقت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف صاحب الكنيسة، فجئته فقلت له: إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأعبد الله فيها معك، وأتعلم منك الخير؟ قال:
فكن معي، فكنت معه، وكان رجل سوء، كان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله، فلم ينشب أن مات، فلما جاءوا ليدفنوه، قلت لهم: إن هذا رجل سوء، كان يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين، فقالوا: وما علامة ذلك؟ فقلت: أنا أخرج لكم كنزه، فقالوا: فهاته فاخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا «١»، فلما راوا ذلك، قالوا: والله لا يدفن أبدًا فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فلا والله يابن عباس ما رأيت رجلا قط لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، أشد اجتهادا، ولا أزهد في الدنيا، ولا أدأب
(١) اي فضة.
ليلا ولا نهارًا منه، ما أعلمني أحببت شيئًا قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله
﷿ وإني والله ما [١٢] أحببت شيئًا قط حبك، فماذا تأمرني، وإلى من توصيني؟ قال:
أي بني والله ما أعلمه إلا رجلًا بالموصل، فاتيه فإنك ستجده على مثل حالي، فلما مات وغيب، لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهاد في الدنيا، فقلت له: إن فلانًا أوصاني إليك أن آتيك، وأكون معك، قال: فأقم أي بني فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة، فقلت له: إن فلانًا أوصاني إليك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من؟ قال: والله ما أعلمه أي بني إلا رجلًا بنصيبين هو على مثل ما نحن عليه، فالحق به، فلما دفناه لحقت بالآخر فقلت له: يا فلان إن فلانًا أوصاني إلى فلان وفلان أوصاني إليك، قال: فأقم أي بني، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، وقد كان فلان أوصاني إلى فلان وأوصاني فلان إلى فلان، وأوصاني فلان إليك، فإلى من؟ قال: أي بني والله ما أعلم أحدأ على مثل ما نحن عليه إلا رجلًا بعمورية من أرض الروم فاتيه فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه، فلما واريته خرجت حتى قدمت على صاحب عمورية فوجدته على مثل حالهم، فأقمت عنده، واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقرات، ثم حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان إن فلانًا كان أوصاني إلى فلان، وفلان إلى فلان، وفلان إليك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصيني؟ قال: أي بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة «٢»، يأكل الهدية،
(٢) - جاء في حاشية: نا العطاردي: نا يحيى بن آدم قال: الذي يختم به هو خاتم، والنبي
خاتم.
ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل فإنه قد أظلك زمانه، فلما واريناه أقمت على خير، حتى مر بي رجال من تجار العرب، من كلب، فقلت لهم تحملوني معكم حتى تقدموني أرض العرب وأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبدًا من رجل من يهود بوادي القرى، فو الله لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي، وما حقت عندي حتى قدم رجل (١٣) من بني قريظة من يهود وادي القرى، فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده، فخرج بي حتى قدم المدينة فو الله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفت نعته، فأقمت في رقي مع صاحبي، وبعث الله
﷿ رسول الله ﷺ بمكة، لا يذكر لي شيء من أمره مما أنا فيه من الرق حتى قدم رسول الله ﷺ قباء «١»، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له، فو الله إني لفيها إذ جاء ابن عم له، فقال: فلان، قاتل الله بني قيلة «٢»، والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي، فو الله ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني العرواء- يقول الرعدة- حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول ما هذا الخبر، ما هو؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة وقال: ما لك ولهذا، أقبل قبل عملك، فقلت: لا شيء إنما سمعت خبرًا، فأحببت أعلمه، فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله ﷺ، وهو بقباء، فقلت: إني بلغني أنك رجل صالح، إن معك أصحابًا لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد به، فها هو هذا فكل منه، فأمسك رسول الله ﷺ يده وقال لأصحابه: كلوا ولم يأكل، فقلت في نفسي: هذه خلة مما ووصف لي صاحبي، ثم رجعت، وتحول رسول
(١) - خارج المدينة، قدمها النبي يوم الهجرة.
(٢) اي الأوس والخزرج، انظر الروض: ١/ ٢٤٩.
الله ﷺ إلى المدينة، فجمعت شيئًا كان عندي، ثم جئته به، فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة، فأكل رسول الله ﷺ، وأكل أصحابه، فقلت هذه خلتان، ثم جئت رسول الله ﷺ وهو يتبع جنازة، وعلي شملتان لي وهو في أصحابه، فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره، فلما رآني رسول الله ﷺ استدبر عرف أني استثبت من شيء قد وصف لي، فوضع رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي، فأكببت عليه أقبله، وأبكي، فقال: تحول يا سلمان هكذا، فتحولت، فجلست بين يديه، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه، فحدثته يابن عباس كما حدثتك، فلما فرغت قال رسول الله ﷺ: كاتب يا سلمان، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له، وأربعين أوقية، فأعانني أصحاب رسول الله ﷺ بالنخلة ثلاثين ودية (١٤) عشر، كل رجل منهم على قدر ما عنده، فقال لي رسول الله ﷺ: فقر لها فإذا فرغت فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي، ففقرتها وأعانني أصحابي- يقول حفرت لها حيث توضع- «١» حتى فرغنا منها، ثم جئت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله قد فرغنا منها، فخرج معي حتى جاءها، فكنا نحمل إليه الودي فيضعه بيده ويسوي عليه، فو الذي بعثه بالحق ما ماتت منها ودية واحدة.
وبقيت علي الدراهم، فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب، فقال رسول الله ﷺ: أين الفارسي المسلم المكاتب؟ فدعيت له، فقال: خذ هذه يا سلمان فأد بها ما عليك، فو الذي نفس سلمان بيده لو زنت لهم منها أربعين أوقية، فأديتها إليهم، - وعتق سلمان- وكان الرق قد حبسني حتى فاتتني مع رسول الله ﷺ بدر وأحد، ثم عتقت فشهدت الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد.
(١) أوضح السهيلي في الروص: ١/ ٢٥٠- ٢٥١، أسماء النخلة وأعمال غرسها في مختلف الأوقات، فلينظر.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال:
حدثني من سمع عمر بن عبد العزيز، وحدث هذا من حديث سلمان، فقال:
حدثت عن سلمان أن صاحب عمورية قال لسلمان، حين حضرته الوفاة: إئت غيضيتين من أرض الشام فإن رجلًا يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كل سنة ليلة، يعترضه ذوو الأسقام، فلا يدعو لأحدبه مرض إلا شفي، فسله عن هذا الدين الذي تسلني عنه، عن الحنيفية دين إبراهيم، فخرجت حتى أقمت بها سنة، حتى خرج تلك الليلة من إحدى الغيضيتين إلى الأخرى، وإنما كان يخرج مستجيزا، فخرج وغلبني عليه الناس حتى دخل في الغيضة التي يدخل فيها حتى ما بقي إلا منكبه، فاخذت به فقلت: رحمك الله أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم؟ فقال: إنك لتسأل عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم، قد أظلك [زمان] «١» نبي يخرج عند هذا البيت، بهذا الحرم، يبعث بسفك الدم، فلما ذكر ذلك سلمان لرسول الله ﷺ قال: لئن كنت صدقت يا سلمان لقد رأيت عيسى بن مريم
.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن رجل من عبد القيس عن سلمان قال: لما أعطاني رسول الله ﷺ ذلك الذهب فقال: اقض به عنك، فقلت يا رسول الله، وأين تقع [١٥] هذه مما علي؟ فقلبها رسول الله ﷺ على لسانه، ثم قذفها إلي، ثم قال: إنطلق بها فإن الله
﷿ سيؤدي بها عنك، فانطلقت فوزنت لهم منها حتى أوفيتهم منها أربعين أوقية.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن أبي ليلى قال: نا عتاب البكري قال: كنا نجالس أبا سعيد الخدري فيبسط له على بابه بساط ثم يجعل عليه وسادة، ويتكىء على الوسادة ونحن حوله نحدق به، فسألته عن الخاتم الذي كان بين
(١) زيدت من ع.
كتفي رسول الله ﷺ ما كان؟ قال فأشار أبو سعيد بالسبابة ووضع الإبهام على أول مفصل أسفل من ذلك. قال يونس: أخرج المفصل كله، قال: كانت بضعة ناشزة بين كتفي رسول الله ﷺ.
نا أحمد: نا يونس قال: قال ابن اسحق: وكانت قريش يعظمون الكعبة ويطوفون بها ويستغفرون عندها مع تعظيم الأوثان والشرك في ذبائحهم، ويحجون، ويقفون المواقف.
أثر الكعبة
نا أحمد: نا يونس عن سعيد بن ميسرة البكري قال: حدثني أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: كان موضع البيت في زمن آدم شيرًا «١» أو أكثر علمًا، فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم، ثم حج آدم فاستقبلته الملائكة، فقالوا:
يا آدم من أين جئت؟ قال حججت البيت، قالوا: قد حجته الملائكة قبلك.
نا أحمد نا يونس عن ثابت بن دينار عن عطاء قال: أهبط آدم بالهند، فقال:
يا رب مالي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟ فقال له:
بخطيئتك يا آدم، فانطلق فابن لي بيتا فتطوف به كما رأيتهم يتطوفون، فانطلق حتى أتى مكة فبنى البيت، فكان موضع قدمى آدم قرى وأنهار وعمارة، وما بين خطاه مفاوز، فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة.
نا أحمد: نا يونس عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن مجاهد قال: لما قيل لابراهيم: «أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» قال يا رب كيف أقول؟ قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم، فصعد الجبل فنادى أيها الناس أجيبوا ربكم، فأجابوه لبيك اللهم لبيك، فكان هذا أول التلبية.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني وهب بن سنان قال: سمعت عائذ ابن عمير الليثي يقول: لما آمر إبراهيم بدعاء الناس إلى الحج استقبل المشرق، فدعا إلى الله
﷿ فأجيب لبيك لبيك، ثم استقبل المغرب فدعا إلى الله ﷿ فأجيب: لبيك لبيك، ثم استقبل الشام فدعا إلى الله ﷿ فأجيب
(١) - في حاشية الأصل وع: نشزا.
لبيك (١٦) لبيك، ثم استقبل اليمن فدعا إلى الله
﷿ فأجيب لبيك لبيك.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني ثقة من أهل المدينة عن عروة بن الزبير أنه قال: ما من نبي إلا وقد حج البيت، إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح، فلما كان من الأرض ما كان من الغرق أصاب «١» البيت ما أصاب الأرض، فكان البيت روثة حمراء، فبعث الله تعالى هودًا، فتشاغل بأمر قومه، حتى قبضه الله
﷿ إليه، فلم يججه حتى مات، ثم بعث الله تعالى صالحًا فتشاغل بأمر قومه، فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله ﷿ لإبراهيم حجه، ثم لم يبق نبي إلا حجه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق عن عطاء بن أبي رباح عن كعب الحبر قال:
شكت الكعبة إلى ربها
﷿، وبكت إليه فقالت: أي رب، قل زواري، وجفاني الناس، فقال الله ﷿ لها: إني محدث لك إنجيلا، وجاعل لك زوارًا يحنون إليك حنين الحمامة إلى بيضاتها.
نا أحمد قال: حدثني أبي قال: نا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: خلق البيت قبل الأرض بألفي عام، ثم دحيت الأرض منه.
نا أحمد: نا يونس عن الأسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال: خرج آدم من الجنة معه حجر في يده وورق في الكف الأخرى «٢»، فبث الورق بالهند فمنه ما ترون من الطيب، وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها، فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لإسماعيل: إئتني بحجر من الجبل، فقال: غير هذا، فرده مرارًا لا يرضى بما يأتيه، فذهب مرة، وجاءه جبريل بالحجر من الهند الذي أخرج به آدم من الجنة فوضعه، فلما جاءه اسماعيل قال: من جاءك بهذا؟ قال: من هو أنشط منك.
(١) في ع: واصاب.
(٢) في ع: الآخر.
نا أحمد: نا يونس عن السري بن إسماعيل عن عامر عن عمر بن الخطاب أنه قال: الحجر الأسود من أحجار الجنة أهبط إلى الأرض وهو أشد بياضًا من الكرسف «١»، فما اسود إلا من خطايا بني آدم، ولولا ذلك ما مسه أبكم ولا أصم ولا أعمى إلا برأ.
نا أحمد: نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن رجل عن علي أنه قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان وهي في ذلك ريح هفافة.
نا أحمد: نا يونس عن إبراهيم بن اسماعيل عن يزيد الرقاشي عن ابيه عن أبي موسى الأشعري ان رسول الله ﷺ قال: لقد مر بالصخرة من الروحاء سبعون نبيًا حفاه عليهم العبأ يؤمون بيت الله العتيق منهم موسى
.
نا أحمد: نا يونس عن [١٧] سعيد بن ميسرة عن أنس بن مالك إن رسول الله ﷺ قال: كان الحجر من ياقوت الجنة فمسحه المشركون فاسود من مسحهم إياه.
نا أحمد نا يونس عن وهب بن عقبة عن عطية العوفي عن ابن عباس قال: إن الحجر الأسود من حجارة الجنة، كان أشد بياضًا من اللبن فاسواد مما مسحه بنو آدم من ذنوبهم.
نا أحمد نا يونس عن مسلمة بن عبد الله القرشي عن عبد الكريم أبي أمية قال: كان البيت ياقوتة من ياقوتات الجنة، فلما كان زمن الطوفان رفع إلى السماء الدنيا، فلو وقع الآن وقع على موضع البيت، يطوف به كل ليلة سبعون ألف ملك، واستودع جبريل أبا قبيس «٢» الحجر، وهو ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة، فلما بنى إبراهيم البيت أتاه جبريل، فاخرج له الحجر، فوضعه في قواعد البيت؛ وهو يوم القيامة أعظم من أحد له لسان يشهد به.
نا أحمد: نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن سعيد بن أبي
(١) القطن
(٢) - جبل خارج مكة.
بردة الأشعري عن عبد الله بن عمر أنه قال لأبيه أبي بردة: اتدري ما كان قومك يقولون في الجاهلية إذا طافوا بالبيت؟ قال: وما كانوا يقولون؟ قال: كانوا يقولون:
اللهم هذا واحد إن تما ... أتمه الله وقد أتما
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
نا أحمد نا يونس عن قيس بن الربيع عن منصور عن مجاهد قال: كان أهل الجاهلية يقولون حين يطوفون بالبيت:
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
نا أحمد نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لم يكن أحد يطوف بالكعبة عليه ثياب إلا الحمس، وكان بقية الناس الرجال والنساء يطوفون عراة، إلا أن تحتسب عليهم الحمس فيعطون الرجل أو المرأة الثوب يلبسه.
نا أحمد: نا يونس عن أبي معشر المديني عن محمد بن قيس قال: كان أهل الجاهلية من لم يكن من الحمس، فإن طابت نفسه أن يرمي بالثوب الذي عليه إلى الكعبة إذا طاف بالبيت أو وجد عارية من أهل مكة، طاف فيه، فإن لم تطب نفسه بالثوب الذي عليه، ولم يجد عارية من أهل مكة طاف عريانا، فقالوا:
وجدنا آباءنا عليها، والله أمرنا بها حتى بلغ «خالصة يوم القيامة»؛ قال محمد بن قيس: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا يشركهم فيها الكفار، فإذا كان يوم القيامة خلص بها المؤمنون.
نا أحمد: نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كانت قريش ومن يدين دينها، وهم الحمس، يقضون عشية عرفة بالمزدلفة يقولون: [١٨] نحن قطن البيت، وكان بقية الناس والعرب يقفون بعرفات، فأنزل الله تعالى:
«ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ» «١» فتقدموا فوقفوا مع الناس بعرفات.
(١) البقرة: ١٩٩.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير بن مطعم قال: لقد رأيت رسول الله ﷺ، وهو على دين قومه، وهو يقف على بعير له بعرفات، من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من الله
﷿ له. «١»
نا أحمد: نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون عن عمر قال: كان المشركون بجمع «٢» يقولون: أشرق ثبير «٣» كيمانغير، قال: فكانوا لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، فنهانا رسول الله ﷺ عن ذاك. قال زكريا: فنفر رسول الله ﷺ قبل أن تطلع الشمس.
نا أحمد: نا يونس عن يوسف بن ميمون عن الحسن قال: كان الناس في الجاهلية إذا أتوا المعرف «٤» قام الرجل فوق جبل فقال: أنا فلان بن فلان، فعلت كذا، وفعل أبي كذا، وفعل جدي كذا فأنزل الله
﷿: «فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا» «٥» يقول: كما كنتم تذكرون آباءكم في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ حين نزلت هذه الآية: يا أيها الناس، إن الله قد رفع عنكم هذه النخوة والتفاخر في الآباء، فنحن ولد آدم، وخلق آدم من تراب، وقال الله ﷿: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى» إلى قوله: «أَتْقاكُمْ» «٦» .
نا أحمد: نا يونس عن يوسف بن ميمون التميمي عن عطاء بن أبي رباح أن إنسانًا سأله عن السعي بين الصفا والمروة فقال: إن هاجر لما وضعها آبراهيم هي وابنها إسماعيل أصابها عطش شديد حتى أريت أن اسماعيل سيقتله العطش، فلما خشيت
(١) انظر الروض: ١/ ٢٢٩- ٢٣٣، ففيه تفاصيل وشروح أوفى حول مسألة الخمس، وسترد هذه التفاصيل بعد صفحات هنا.
(٢) سقطت من ع، وجمع هي المزدلفة.
(٣) الجبل المشرف على مكة.
(٤) مكان الوقوف بعرفة.
(٥) البقرة: ٢٠٠.
(٦) الحجرات: ١٣.
ذلك منه، وضعته في موضع البيت، وانطلقت حتى أتت الصفا، فصعدت فوقه تنظر هل مات بعد أم لا، فجعلت تدعو الله تعالى له، ثم نزلت حتى أتت بطن الوادي فسعت فيه ثم خرجت تمشي حتى أتت المروة، فصعدت فوقها تنظر هل مات بعد أم لا، وكانا حجرين إلى البيت، ففعلت ذلك سبع مرات، فهذا أصل السعي بين الصفا والمروة.
نا أحمد نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه، في هذه الآية: «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» «١» [١٩] الآية، فقلت لعائشة: لو أن انسانًا حج فلم يطف بين الصفا والمروة ما ظننت أن عليه برحًا، قالت: فاتل علي، فتلوت عليها:
«فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» «٢» فقالت: لو كان كما تقول كان: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، وإنما نزلت هذه الآية في أناس من قريش كانوا يحرمون لمناة ولا يحل في دينهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما أسلموا قالوا لرسول الله ﷺ:
«إنا كنا نحرم لمناة فلا يحل لنا في ديننا أن نطوف بين الصفا والمروة» فأنزل الله
﷿ الآية: «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» فقالت عائشة: هما من شعائر الله، فما أتم الله حج من لم يطف بهما.
نا أحمد نا يونس عن يوسف بن ميمون عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن رمي الجمار فقال: إن إبراهيم أتى البيت الحرام فصلى به، ثم راح حتى أتى منى في بعض الليل فانطلق حتى أتى الشجرة فعرض له الشيطان، فرماه إبراهيم بسبعة أحجار، يكبر مع كل حجر، فذهب عنه، ثم مضى حتى أتى مكان الجمرة التي يليها عرض له الشيطان، فرماه بسبعة أحجار، يكبر «٣» مع كل حجر، فذهب عنه، ثم مضى حتى أتى موضع الجمرة الثالثة عرض له الشيطان، فرماه بسبعة أحجار يكبر مع كل حجر، فذهب عنه، فلما بعث الله
﷿ نبيه ﷺ اقتص ما صنع إبراهيم فصنع مثله.
(١) البقرة: ١٥٨.
(٢) البقرة: ١٥٨.
(٣) في ع فكبر.
نا أحمد: نا يونس عن أبي بكر الهذلي قال: نا الحسن قال: كان الناس في الجاهلية إذا ذبحوا لطخوا بالدماء وجه الكعبة، وشرحوا اللحوم فوضعوها على الحجارة، وقالوا لا يحل لنا نأكل شيئًا جعلناه لله
﷿ حتى تأكله السباع والطير، فلما جاء الإسلام جاء الناس رسول الله ﷺ فقالوا له: شيئًا كنا نصنعه في الجاهلية ألا نصنعه الآن، فإنما هو لله ﷿، فأنزل الله ﷿:
«فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا» «١» فقال رسول الله ﷺ: لا تفعلوا فإن ذلك ليس لله
﷿. قال الحسن: فلم يعزم عليهم الأكل، فإن شئت فكل وإن شئت فدع.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: سألت ابن أبي نجيح عن قول رسول الله ﷺ «إن الزمان قد استدار حتى صار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» فقال: كانت قريش يدخلون في كل سنة شهرًا، وإنما كانوا يوافقون ذا الحجة في كل اثنتي عشرة سنة مرة، فوفق الله تعالى لرسوله [٢٠] في حجته التي حج ذا الحجة فحج رسول الله ﷺ فيها، فقال رسول الله ﷺ: «إن الزمان قد استدار حتى صار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» فقلت لابن أبي نجيح: فكيف بحجة أبي بكر وعتاب بن أسيد؟ فقال: على ما كان الناس يحجون عليه، ثم فسر ابن أبي نجيح فقال: كانوا يحجون في ذي الحجة ثم العام المقبل في المحرم ثم صفر حتى يبلغوا اثني عشر شهرًا.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن أبي ليلى وابن أبي أنيسة عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ﷺ قال: نزل جبريل على إبراهيم صلى الله عليهما، فراح به فصلى به الصلوات بها، قال يحيى: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. ثم اجتمعا، فبات به حتى صلى الفجر ثم سار به يوم عرفة حتى نزل به المنزل الذي ينزل الناس، فصلى به الصلاتين- «قال
(١) الحج: ٣٦.
يحيى: جميعًا» - ثم اجتمعا، قال: فسار حتى وقف به في الموقف حتى كان كأعجل ما يصلى أحد من المسلمين صلاة المغرب، ثم أفاض حتى أتى به «جميعًا» فصلى به الصلاتين، قال يحيى: المغرب والعشاء جميعًا. قالا: ثم بات بها حتى إذا كان كأعجل ما يصلى أحد من المسلمين صلاة الفجر أفاض به حتى أتى به الجمرة فرماها، ثم ذبح وحلق تم أتى به البيت فطاف به- قال ابن أبي ليلى:
ثم رجع به إلى منى فأقام فيها تلك الأيام، ثم أوحى الله
﷿ إلى محمد ﷺ أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا.
نا أحمد نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي اسحق عن زيد بن يثيع عن علي قال: بعثني رسول الله ﷺ حين نزلت «براءة» «١» ألا يطوف بالبيت عريان.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت قريش- لا أدري قبل بناء الكعبة أو بعده- ابتدعت رأي الحمس، رأيًا رأوه وأداروه بينهم، فقالوا:
نحن بنو إبراهيم وأهل الحرم، وولاة البيت، وقاطنو مكة وسكانها، فليس لأحد من العرب مثل حقنا، ولا مثل منزلتنا، ولا يعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظموا شيئًا من الحل كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب حرمتكم، وقالوا: قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم، فتركوا الوقوف على عرفة والإضافة منها، وهم يقرون ويعرفون أنها من المشاعر «٢» [٢١] والحج ودين إبراهيم
، فيرون «٣» لسائر العرب أن يقفوا عليها وأن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا نحن أهل الحرم فليس ينبغي لنا أن نخرج «٤» من الحرمة ولا نعظمن «٥» غيرها كما يعظمها الحمس، والحمس أهل الحرم، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل والحرم مثل الذي لهم
(١) انظر سورة التوبة.
(٢) في ع: الشعائر.
(٣) في ع: فيأذنون.
(٤) في ع: يخرج.
(٥) في ع: نعظم.
بولادتهم إياهم، يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك، ثم ابتدعوا في ذلك أمورًا لم تكن، فقالوا: لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط، ولا يسلوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتًا من شعر ولا يستظلوا إلا في بيوت الأدم ما داموا حرامًا، ثم رفعوا في ذلك فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا جاءوا حجاجًا أو عمارًا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس، فإن لم يجدوا شيئًا منها طافوا بالبيت عراة، فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة لم يجد ثوبًا من ثياب الحمس، فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل، ألقاها إذا فرغ من طوافه، لم ينتفع بها، ولم يمسها، ولا أحد غيره أبدًا، وكانت العرب تسمى تلك الثياب اللقى، فحملوا العرب على ذلك فدانت به، ووقفوا على عرفات، وأفاضوا منها، فأطافوا بالبيت عراة، وأخذوا بها شرعوا لهم من ذلك، فكان أهل الحل يأتون حجاجًا وعمارًا، فإذا دخلوا الحرم وضعوا أزوادهم التي جاءوا بها، وابتاعوا من طعام الحرم والتمسوا ثيابًا من ثياب الحرم إما عارية وإما بإجارة، فطافوا فيها، فإن لم يجدوا طافوا عراة، أما الرجال فيطوفون عراة، وأما النساء فتضع احداهن ثيابها كلها إلا درعًا تطرحه عليها، ثم تطوف فيه، فقالت امرأة من العرب وهي كذلك تطوف:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها ألقاها فلم ينتفع بها هو ولا غيره، فقال قائل من العرب يذكر شيئًا تركه لا يقر به وهو يحبه:
كفى حزنًا كري عليه كأنه ... لقى بين أيدي الطائفين حريم
يقول: لا تمس. فكانوا كذلك حتى بعث الله
﷿ نبيه ﷺ «١» .
(١) جاء في حاشية الأصل: آخر الجزء الأول من المغازي، سمع من ... الى هنا-
حديث بنيان الكعبة [٢٢]
حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: فأقامت قريش في كل قبيلة منها أشراف، فليس بينها اختلاف ولا نائرة «١» . ثم إن قريشًا أجمعوا على بنيان الكعبة، وكانوا يهمون بذلك فيهابون هدمها، وإنما كانت رضمًا فوق القامة «٢»، فأرادوا رفعها وتسقيفها وذلك أن نفرا من قريش سرقوا كنز الكعبة، وكان يكون في بئر جوف الكعبة. وكان الذي وجد عنده الكنز دويل- أو دويد، شك أبو عمر- مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة، فقطعت قريش يده من بينهم، وكان ممن اتهم في ذلك الحارث بن عامر بن نوفل، وكان أخا الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف لأمه أبو وهب بن عبد المطلب، فهو الذي تزعم قريش أنهم وضعوا كنز الكعبة حين أخذوه عند دويل- أو دويد- فلما أتتهم قريش دلوهم على دويل- أو دويد- فقطعوه، ويقال: إنهم وضعوه عنده، وذكروا أن قريشًا حين استيقنوا بأن ذلك كان عند الحارث بن عامر ابن نوفل بن عبد مناف، فخرجوا به إلى كاهنة من كهان العرب، فسجعت عليه
حم ... من ... الجزء الأول من الا ... وهم.... الأول. هذا وقد قام السهيلي وقبله ابن هشام بشرح بعض ما استغلق معناه من خبر الحمس، انظر الروض: ١/ ٢٢٩- ٢٣٣. ويمكن للباحث في التاريخ الاسلامي أن يرى في خبر الحمس قيام قريش باعادة بناء دينها بعدما تلقته من تحديات كان أبرزها الغزو الحبشي، ويمكن له أيضا أن يرى في هذه العملية حرص قريش على تسخير العقيدة في سبيل مصالحها المالية والتجارية البحتة.
(١) النائرة: الفتنة.
(٢) الرضم: أن تنضد الحجارة بعضها على بعض من غير ملاط.
من كهانتها بأن لا يدخل مكة عشر سنين بما استحل من حرمة الكعبة، فزعموا أنهم أخرجوه من مكة، فكان فيما حولها عشر سنين.
وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من الروم فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار، فتهيأ لهم في أنفسهم في بعض ما يصلحها. وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها مما يهدي لها كل يوم، فتشرق على جدار الكعبة، وكانت مما يهابون، وذلك أنهم زعموا فلما كان يتقرب من بئر الكعبة أحد إلا احزألت وكشت، وفتحت فاها فكانوا يهابونها، فبينما هي يومًا تشرق على جدار الكعبة كما كانت تصنع، بعث الله
﷿ عليها طائرًا لا يدرون ما هو فاختطفها «١» من متشرقها، فذهب بها، فقالت قريش: إنا نرجو أن يكون الله ﷿ قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق، وعندنا الخشب، وقد ذهب الله تعالى بالحية، وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة، ورسول الله ﷺ إذ ذاك ابن خمس وثلاثين سنة.
فلما أجمعوا أمرهم على هدمها وبنائها قام أبو وهب عامر بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم [٢٣] فتناول من الكعبة حجرًا، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه- فيما يزعمون- فقال: يا معشر قريش لا تدخلن في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ولا تدخلن فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة من أحد من الناس، وينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح أنه حدث عن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه رأى ابنًا لجعدة بن هبيرة بن أبي وهب ابن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم يطوف بالبيت فسأل عنه، فقيل هذا ابن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فقال عبد الله بن صفوان: إن جده يعني أبا وهب هو الذي أخذ من الكعبة حجرًا حين أرادت قريش هدمها فوثب من
(١) في الروض: ١/ ٢٥٥- أن الطائر كان عقابا.
يده حتى رجع إلى موضعه، فقال عند ذلك: يا معشر قريش لا تدخلوا فيها من كسبكم إلا طيبا، لا تدخلوا مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة لأحد من الناس، وأبو وهب خال رسول الله ﷺ، وكان شريفًا، وله يقول شاعر من العرب:
لو بأبي وهب أنخت مطيّتي ... لرحت وراحت رحلها غير خائب
وأبيض من فرعي لؤي بن غالب ... إذا حصلت أنسابه للذوائب
أبي لأخذ الضيم يرتاح للندى ... توسط جداه فروع الأطايب
عظيم رماد القدر يملا جفانه ... من الخبز يعلوهن مثل السبائب «١»
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم تجزأت قريش الكعبة، فكان شق الباب لبني عبد مناف، وبني زهرة، وكان مما بين الركنين الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش ضموا إليهم، وكان ظاهرها لسهم وجمع، وكان شق الحجر، وهو الحطيم، لبني عبد الدار بن قصي، ولبني أسد ابن عبد العزى بن قصي، وبني عدي بن كعب، ثم إن الناس هابوا هدمها، وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبوؤكم في هدمها، فأخذ المعول، فقام عليها، ثم قال: اللهم لا تردع، اللهم إنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننظر ماذا يصيبه، فإن أصيب لم نهدم منها شيئًا ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله
﷿ ما صنعنا، فأصبح غاديًا يهدم وهدم الناس معه فلما انتهى الهدم إلى أس الكعبة اتبعوه حتى انتهوا إلى [٢٤] حجارة خضر كالأسنة آخذ بعضها بعضًا.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثت أن رجالا من قريش ممن كان يهدمها قالوا أدخل رجل بين حجرين منها العثلة ليقلع إحداهما، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها، فهابوا عند ذلك تحريك ذلك الأس.
(١) انظر الشعر في الروض: ١/ ٢٢٦ ففي الرواية بعض من الاختلاف.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: حدثت أنهم وجدوا في أس الكعبة أو في بعضها شيئًا من صفر «١» مثل بيض النعام مكتوب في احداهما: هذا بيت الله
﷿ الحرام رزق أهله من كذا، لا يحله أول من أهله، وفي الأخرى: براءة لبني فلان حي من العرب، من حجة لله حجوها.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وحدثت أن قريشًا وجدت في الركن، أو في بعض المقام كتابًا بالسريانية لم يدروا ما هو حتى قرأه عليهم رجل من يهود: «أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصنعت الشمس والقمر، وحففتهما بسبعة أملاك حنفاء لا يزولون حتى تزول أخاشبها، «٢» مبارك لأهلها في الماء واللبن» .
وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه: «مكة الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، لا يحلها أول من أهلها» .
نا أحمد: نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: حدثني من قرأ في أسفل المقام أو في تختجة «٣» في سقف البيت: أنا الله ذو بكة، بنيته على وجوه سبعة أملاك حنفاء، باركت لأهله في اللحم، والماء، وجعلت رزقهم من ثلاثة سبل، ولا يستحل حرمتها أول من أهلها.
نا أحمد. نا يونس عن المنذر بن ثعلبة عن سعيد بن حرب قال: شهدت عبد الله بن الزبير وهو يقلع القواعد التي أسس إبراهيم ﷺ لبناء البيت فأتوا على
(١) أي من نحاس.
(٢) في ابن هشام، الروض: ١/ ٢٢٧- أخشباها أي جبلاها، ونص رواية ابن هشام فيه خلاف لما جاء هنا.
(٣) لعلها مشتقة من لفظة تخت، وهي فارسية معربة تعني المكان الذي تحفظ فيه الثياب والأشياء، ومن العبارات الدارجة حتى الآن «تختية، وتتخيتة» وتطلق على المستودعات الصغيرة داخل البيوت والتي هي قريبة من السقف.
تربة صفراء عند الحطيم، فقال ابن الزبير: هذا قبر اسماعيل
فواراه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم جمعت القبائل من قريش لبنائها كل قبيل تجمع على جدتها «١» ثم بنوا حتى بلغ البناء موضع الركن فاختصموا في رفع الركن، كل قبيلة تريد أن ترفعه دون الأخرى، فقالت كل قبيلة نحن نرفعه حتى تحازبوا «٢» أو تحالفوا، وأعدوا القتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة فملؤوها دمًا، ثم تحالفوا هم وبنو عدي بن كعب على الموت، فأدخلوا أيديهم في تلك الجفنة فغمسوها في الدم، فقال في ذلك عكرمة بن عامر بن هاشم [٢٥] بن عبد مناف بن عبد الدار:
والله لا نأتي الذي قد أردتم ... ونحن جميع او نخضب بالدم
ونحن ولاة البيت لا تنكرونه ... فكيف على علم البرية نظلم
لنبغي به الحمد الذي هو نافع ... ونخشى عقاب الله في كل محرم
فكيف ترومونا وعز قناتنا ... له مكسر صلب على كل معلم
فهيهات أنى يقرب الركن سالم ... ونحن جميع عنده حين يقسم
فإما تخلونا وبيت حجابنا ... وإما تنوؤا ذلك الركن بالحرم
فأجابه وهب بن عبد مناف:
أبلغ قريشًا إذا ما جئت أكرمها ... أنّا أبينا فلا نؤتيكم غلبا
إنا أبينا إلي الغصب ظاهرة ... إنا وجدك لا نؤتيكم سلبا
نحن الكرام فلا حي يقاربنا ... نحن الملوك ونحن الأكرمون أبا
وقد أرى محدثًا في حلفنا طهرا ... كما ترى في حجاب الملك محتجبا
أبا لنا عزنا ماذا أراد بنا ... قوم أرادوا بنا في حلفهم عجبا
(١) كذا في الأصل وع ولعلها مشتقة من الجد والنشاط، وفي ابن هشام، الروض: ١/ ٢٢٧ «على حده» وهو أقوم.
(٢) صحفت في ابن هشام، الروض: ١/ ٢٢٧ الى «تحاوروا وتحالفوا» .
قوم أرادوا بنا خسفًا لنقبله ... كلا وربك لا نؤتيهم غضبا «١»
حدثنا احمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فمكثت قريش اربع ليال، أو خمسا، بعضهم من بعض، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا، وتناصفوا، فزعم بعض أهل العلم والرواية أن أبا أمية، وكان كبيرًا، وسيد قريش كلها، قال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل عليكم من باب المسجد، فلما توافقوا على ذلك، ورضوا به، دخل رسول الله ﷺ، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا بما قضى بيننا، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر، فقال: هلموا ثوبا، فأتوه به، فوضع رسول الله ﷺ الركن فيه بيديه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوا جميعًا، فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه رسول الله ﷺ بيده، ثم بنى عليه، فكان رسول الله ﷺ يسمى في الجاهلية الأمين قبل أن يوحى إليه.
نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: كنت جالسًا مع أبي جعفر محمد بن علي «٢» فمر بنا عبد الرحمن الأعرج، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فدعاه فجاءه [٢٦] فقال: يا اعرج ما هذا الذي تحدث به أن عبد المطلب هو الذي وضع حجر الركن في موضعه؟ فقال: أصلحك الله حدثني من سمع عمر ابن عبد العزيز يحدث أنه حدث عن حسان بن ثابت يقول: حضرت بنيان الكعبة، فكأني أنظر إلى عبد المطلب جالسًا على السور شيخ كبير قد عصب له حاجباه حتى رفع إليه الركن، فكان هو الذي وضعه بيديه، فقال: انفذ راشدًا، ثم اقبل علي أبو جعفر فقال: إن هذا الشيء ما سمعنا به قط، وما وضعه إلا رسول الله ﷺ بيده، اختلفت فيه قريش فقالوا: أول من يدخل عليكم من باب المسجد فهو بينكم، فدخل رسول الله ﷺ، فقالوا: هذا
(١) لم يرد هذا الشعر عند ابن هشام.
(٢) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
الأمين، فحكموه، فأمر بثوب فبسط، ثم أخذ الركن بيديه، فوضعه على الثوب، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة من الثوب بناحية، وارفعوا جميعًا، فرفعوا جميعًا، حتى إذا انتهوا به إلى موضعه أخذه رسول ﷺ فوضعه في موضعه بيده ثم بنى عليه. «١»
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ورسول الله ﷺ يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة، ونزل عليه الوحي بعد بناء الكعبة بخمس سنين، وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاثة عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم سقفت فكان ذلك أول ما سقفت الكعبة، فلما فرغوا من البنيان وبنوها على ما ارادوا قال الزبير «٢» بن عبد المطلب فيما كان من أمر الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها، فقال:
عجبت لما تصوبت العقاب ... إلى الثعبان وهي لها اضطراب
وقد كانت يكون لها كشيش ... واحيانًا يكون لها وثاب
إذا قمنا إلى البنيان شدت ... تهيبنا البناء وقد تهاب
فلما أن خشينا الرجز جاءت ... عقاب قد يظل لها الضباب
فضمتها إليها ثم خلت ... لنا البنيان ليس له حجاب
فقمنا حاشدين على بناء ... لنا منه القواعد والتراب
غداة نرفع التأسيس منه ... وليس على مساوينا ثياب
(١) لم أقف على هذه الرواية في مصدر آخر، ويمكن لبعض النقاد أن يأخذ بها ويفضلها على الرواية السابقة، على أساس أنه واضح أن تلك الرواية أريد بروايتها بشكل أساسي القول بأن قريشا كانت تدعو النبي قبل الاسلام بالأمين، يضاف الى هذا أنه من المنطقي أن تكون قريش قد أعادت بناء الكعبة إثر الغزو الحبشي إما لأنها تصدعت أو أن ذلك جاء ضمن اعادة بناء العقيدة القرشية كلها.
(٢) يقوم البعض بضبط هذا الاسم بفتح الزاي، وهذا ما أورده الوزير المغربي في كتابه الايناس في علم الأنساب (نسخة تشستر بيتي- مصورة في مكتبتي) .
أعزّ به المليك بني لؤي ... فليس لأصله منهم ذهاب
وقد حشدت هناك بنو عدي ... ومرة قد تقدمها كلاب
فبوأنا المليك بذاك عزا ... وعند الله يلتمس الثواب «١» [٢٧]
وقال الزبير بن عبد المطلب في ذلك أيضًا:
لقد كان في أمر العقاب عجيبة ... ومخطفها الثعبان حين تدلت
فكان مدى الأبصار آخر عهدنا ... بها بعد ما باتت هناك وطلت
إذا جاء قوم يرفعون عماده ... من البيت شدت نحوهم واحزألت
فما برحت حتى ظننا جماعة ... بأن علينا لعنة الله حلت
فقلنا جميعًا قد علمنا «٢» خطية ... فعسى لنا والحلم منا أضلت
وقال الوليد بن المغيرة في بنيان الكعبة وشأن الحية:
لقد كان في الثعبان يا قوم عبرة ... ورأي لمن رام الأمور على ذعر
غداة هوى النسر المحلق «٣» يرتمي ... به غير حمد منكم يا بني فهر
على حين ما ضلت حلوم سراتكم ... وخفتم بأن لا ترفعوا آخر الدهر «٤»
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وأنزل الله
﷿ على نبيه محمد ﷺ حين أحكم أمره، وشرع له سنن حجه «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ» «٥» . الآية. يعني قريشًا والناس العرب في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها، والإفاضة منها، وأنزل الله تعالى فيما كانوا حرموا على الناس من طعامهم ولباسهم عند البيت حين طافوا عراة وحرموا ما جاءوا به من الطعام من الحل: «يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
(١) الشعر في ابن هشام، الروض: ١/ ٢٢٨- ٢٢٩، مع بعض اختلاف.
(٢) في حاشية ع: لعله عملنا، ولم يرد الشعر في ابن هشام.
(٣) في ع: النشر الملحق، ولم يرد الشعر في ابن هشام.
(٤) ليس في ابن هشام.
(٥) البقرة: ١٩٩.
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ «١»» إلى آخر الآية. فوضع الله تعالى امر الخمس وما كانت قريش ابتدعت من ذلك على الناس في الأسلام حين بعث الله
﷿ رسوله محمدا ﷺ.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم «٢» عن أبيه جبير بن مطعم أنه قال: لقد رأيت رسول الله ﷺ يقف على بعير له بعرفات من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من الله
﷿ له.

حديث الأحبار والرهبان والكهان عن النبي.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق، قال وكانت الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى، والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله ﷺ قبل مبعثه لما تقارب من زمانه. أما الأحبار من يهود، والرهبان من النصارى فيما وجدوا من صفته في كتبهم وصفة زمانه لما كان في عهد انبيائهم اليهم [٢٨] فيه، وأما الكهان من العرب فتأتيهم به الشياطين من الجن فيما يسترقون من السمع إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة من العرب لا يقع منهما ذكر بعض امره لا تلقى العرب فيه بالًا حتى بعثه الله
﷿، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون، فعرفوها، فلما تقارب أمر رسول الله ﷺ، وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع، وحيل بيتها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها فرموا بالنجوم، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من الله ﷿ في العباد يقول الله تعالى لنبيه حين بعثه، وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع، فعرفوا ما عرفوا وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا: «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ» إلى قوله: «أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا «٣» .
(١) الأعراف: ٣١- ٣٢.
(٢) سقطت «عن أبيه عن جبير بن مطعم» من ع.
(٣) سورة الجن: ١- ١٠.
فلما سمعت الجن القول «١» عرفت انما منعت من السمع قبل ذلك له لأن لا يشاكل الوحي شيء من خبر السماء، فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله
﷿ وقطع الشبه، فآمنوا وصدقوا [ثم] «٢» «وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.
قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتابًا «٣»» إلى آخر الآية.

من أخبار الجن.
وكان قول الجن «أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقًا» «٤» انه كان رجال من العرب، من قريش وغيرهم، إذا سافر الرجل فنزل ببطن واد من الأرض ليبيت به قال اني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة، من شر ما فيه.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم يقال لها العيطالجه كانت كاهنة في الجاهلية جاءها صاحبها ليلة من الليالي فانقض تحتها فقال: إذن من أذن يوم عقر ونحر «٥»، فقالت قريش حين بلغها ذلك: ما يريد؟ ثم جاءها ليلة اخرى، فانقض تحتها فقال: شعوب ما لشعوب تصرع فيه كعب لجنوب، فلما بلغ ذلك قريشًا قالوا: ماذا يريد؟
إن هذا لأمر هو كائن، فانظروا ما هو، فما عرفوا حتى كانت واقعة بدر وأحد بالشعب، فعرفوا أنه كان الذي جاء به إلى صاحبته.
نا أحمد: نا الحسن عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن ابراهم في قوله «٦» تعالى: «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقًا» قال: كانوا إذا نزلوا واديًا قالوا: إنا نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه [٢٩] قال: فيقول الجنيون تتعوذون بنا نحن لا نملك لأنفسنا ضرًا ولا نفعا! قال: «فَزادُوهُمْ رَهَقًا» قال: فازدادوا عليهم جرأة.
(١) في ع: القرآن.
(٢) زيدت من ابن هشام، الروض: ١/ ٢٣٥.
(٣) سورة الأحقاف: ٢٩- ٣٠.
(٤) سورة الجن: ٦.
(٥) في ع: وغير.
(٦) في ع: وقوله.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان هذا الحي من الانصار يتحدثون مما كانوا يسمعون من يهود من ذكر رسول الله ﷺ، أن أول ذكر وقع بالمدينة، قبل مبعث رسول الله ﷺ، أن فاطمة ام النعمان بن عمرو، اخي بني النجار- وكانت من بغايا الجاهلية- وكان لها تابع، فكانت تحدث أنه كان إذا جاءها اقتحم البيت الذي هي فيه، اقتحامًا على من فيه حتى جاءها يومًا، فوقع على الجدار ولم يصنع كما كان يصنع، فقالت له: ما لك اليوم؟ قال: بعث نبي بتحريم الزنا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يعقوب بن عقبة بن المغيرة بن الأخنس عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه حدثه: إن رجلا من ثقيف يقال له عمرو بن أمية، وكان من ادهى العرب، وكان يضن برأيه على الناس؛ قال يعقوب: فلما رمي بالنجوم، كان أول حي فزع لها من الناس ثقيف، فجاءوا إلى عمرو بن أمية فقالوا له: هل علمت بهذا الحدث الذي كان؟ فقال:
وما هو؟ فقالوا: نجوم السماء يرمى بها، قال: ويحكم انظروا فإن كانت هي المعالم التي يهتدي بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الشتاء والصيف لصلاح معايش الناس، فهو والله فناء الدنيا، وفناء هذا الخلق، وأن كان غيرها، فهو لأمر حدث أراد الله
﷿ به هذا الخلق، فانظروا ما هو؟
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري عن علي بن حسين عن ابن عباس قال: حدثني رهط من الأنصار قالوا: بينا نحن جلوسًا مع رسول الله ﷺ ذات ليلة، إذ رأى كوكبًا، فقال ما تقولون في هذا الكوكب الذي رمي به؟ فقلنا: يولد مولود، يهلك هالك، يملك ملك، فقال رسول الله ﷺ:
ليس كذلك، ولكن الله
﷿ إذا قضى امرًا في السماء سبح بذلك كله العرش فيسبح لتسبيحهم من يليهم ممن تحتهم من الملائكة، فما يزالون كذلك حتى ينتهي التسبيح إلى السماء الدنيا فيقول أهل السماء الدنيا لمن يليهم من
الملائكة مم سبحتم؟ فيقولون: ما ندري، سمعنا من فوقنا «١» من الملائكة سبح فسبحنا الله
﷿ لتسبيحهم، ولكنا نسل، فيسلون من فوقهم، فما يزالون كذلك حتى ينتهي إلى حملة العرش، فيقولون: قضى الله ﷿ كذا وكذا، فيخبرون «٢» به من يليهم حتى ينتهوا إلى أهل السماء الدنيا [٣٠] فيسترق الجن ما يقولون، فينزلون به إلى أوليائهم من الإنس فيلقونه على ألسنتهم، بتوهم منهم فيخبرون الناس، فيكون بعضه حقًا، وبعضه كذبا، فلم يزل الجن كذلك حتى رموا بهذه الشهب.
نا أحمد: نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: إن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء، فيستمعون الكلمة من الوحي، فيهبطون بها إلى الأرض، فيزيدون معها تسعًا، فيجد أهل الأرض تلك الكلمة حقًا والتسع باطلًا، فلم يزالوا بذلك حتى بعث الله
﷿ محمدًا ﷺ، فمنعوا تلك المقاعد، فذكروا ذلك لإبليس، فقال: حدث في الأرض حدث، فبعثهم، فوجدوا رسول الله ﷺ يتلو القرآن بين حبلي نخل، فقالوا: هذا والله الحدث، وإنهم ليرمون فإذا توارى النجم عنكم فقد أدركه لا يخطىء أبدا، ولكنه لا يقتله، يحرق وجهه وجنبه ويده.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقد كانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد، وكان ابن عمها، وكان نصرانيا قد تبع الكتب، وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب، وما كان يرى منه، إذ كان الملكان يظلانه، فقال ورقة: لئن كان هذا حقًا يا خديجة، إن محمدا لنبي هذه الأمة، قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه- أو كما قال.
فجعل ورقة يستبطىء الأمر ويقول: حتى متى، فكان فيما يذكرون
(١) في ع: قومنا.
(٢) في ع: فتخبرون.
يقول أشعارا يستبطىء فيها خبر خديجة، ويتريث ما ذكرت له، فقال ورقة ابن نوفل:
أتبكر أم أنت العشية رائح ... وفي الصدر من اضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم ... كأنك عنهم بعد يومين نازح
وأخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح
فتاك الذي وجهت يا خير حرة ... بغوري والنجدين حيث الصحاصح
إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت ... وهن من الأحمال قعص دوالح
فخبرنا عن كل حبر بعلمه ... وللحق أبواب لهن مفاتح
بأن ابن عبد الله أحمد مرسل ... إلى كل من ضمت عليه الأباطح
وظني به أن سوف يبعث صادقا ... كما أرسل العبدان هود وصالح
وموسى وإبراهيم حتى يرى له ... بهاء ومنشور من الذكر واضح [٣١]
ومتبعه حيًا لؤي جماعة ... شبابهم والأشيبون الجحاجح
فإن أبق حتى يدرك الناس دهره ... فإني به مستبشر الود فارح
وإلا فإني يا خديجة فاعلمي ... عن أرضك في الأرض العريضة سائح

خبر الحنيفية.
حدثنا أحمد: نا يونس عن محمد بن إسحق قال: وكانت قريش حين رفعوا بنيان الكعبة وسقوفها يترافدون على كسوتها كل عام، تعظيمًا لحقها، وكانوا يطوفون بها، ويستغفرون الله عندها، ويذكرونه مع تعظيم الأوثان والشرك في ذبائحهم ودينهم كله، وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وعثمان بن الحارث «١» بن أسد بن عبد العزى، وعبد الله بن جحش بن رئاب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حليف بني أمية، حضروا قريشًا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، وقالوا:
(١) كذا في الأصل، والمعروف أنه ابن الحويرث- انظر الروض: ١/ ٢٥٣.
تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، فقال قائلهم: تعلمون والله ما قومكم على شيء لقد أخطأوا دين إبراهيم
وخالفوه، ما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع، فابتغوا لأنفسكم، فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصارى والملل كلها، الحنيفة دين إبراهيم .
فأما ورقة بن نوفل فتنصر، فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، حتى علم علمًا كثيرًا من أهل الكتاب.
فلم يكن فيهم أعدل أمرًا، ولا أعدل شأنًا من زيد بن عمرو بن نفيل، اعتزل الأوثان وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين إبراهيم يوحد الله
﷿ ويخلع من دونه، ولا يأكل ذبائح قومه، باداهم بالفراق لما هم فيه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري، ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على راحته.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض آل زيد بن عمرو بن نفيل أن زيدًا كان إذا دخل الكعبة قال: لبيك حقا حقا تعبدًا ورقًا، عذت بما عاذ به إبراهيم، وهو قائم، إذ قال: أنفي لك عان راغم (٣٢) مهما تجشمني فإني جاشم، البر أبغي لا الخال- يقول: لا الفخر- ليس مهجر كمن قال. «١»
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني هشام بن عروة قال: رواني
(١) انظر الروض: ١/ ٢٦٢ مع فوارق كبيرة.
عروة بن الزبير إن زيد بن عمرو بن نفيل قال:
أربًا واحدًا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا عزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمرو أدير
ولا غنمًا أدين وكان ربا لنا ... في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي معجبات ... وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالًا ... كثيرًا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم ... فيربك منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوما ... كما يتروح الغصن النضير
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضًا:
أسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرًا ثقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبًا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة ... أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الريح تصرف حالا فحالا
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان الخطاب بن نفيل قد آذى زيد ابن عمرو بن نفيل حتى خرج عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء، مقابل مكة، ووكل به الخطاب شبابًا من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم، فقال: لا تتركوه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرًا منهم، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب، فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم، وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم، وكان الخطاب عم زيد، وأخاه لأمه، وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعده، فولدت له زيد بن عمرو، وكان الخطاب عمه وأخوه لأمه مع سنه، فكان يعاتبه على فراق دين قومه حتى آذاه، فقال زيد بن عمرو وهو يعظم حرمته على من استحل من قومه ما استحل:
اللهم إني محرم لا أحلة ... وإن بيتي أوسط المحلة
عند الصفا ليس بذي مظلة
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: فحدثت أن رسول الله ﷺ قال وهو يحدث عن زيد بن عمرو بن نفيل: إن كان لأول (٣٣) من عاب علي الأوثان، ونهاني عنها، أقبلت من الطائف ومعي زيد بن حارثة حتى مررت بزيد بن عمرو وهو بأعلى مكة وكانت قريش قد شهرته بفراق دينها حتى خرج من بين أظهرهم، وكان بأعلى مكة، فجلست إليه ومعي سفرة لي فيها لحم يحملها زيد بن حارثة من ذبائحنا على أصنامنا، فقربتها له، وأنا غلام شاب، فقلت: كل من هذا الطعام أي عم، قال: فلعلها أي ابن أخي من ذبائحكم هذه التي تذبحون لأوثانكم؟
فقلت: نعم، فقال: أما إنك يا ابن أخي لو سألت بنات عبد المطلب أخبرنك أني لا آكل هذه الذبائح، فلا حاجة لي بها، ثم عاب علي الأوثان ومن يعبدها ويذبح لها، وقال: إنما هي باطل لا تضر ولا تنفع، أو كما قال.
قال؛ قال رسول الله ﷺ: فما تحسست بوثن منها بعد ذلك على معرفة بها، ولا ذبحت لها حتى أكرمني الله
﷿ برسالته «ﷺ» .
نا أحمد: نا يونس عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه قال: مر زيد بن نفيل على رسول الله ﷺ وعلى زيد بن حارثة، فدعواه إلى سفرة لهما، فقال زيد:
يا ابن أخي إني لا آكل ما ذبح على النصب، قال: فما رئي رسول الله ﷺ بعد ذلك اليوم يأكل شيئًا ذبح على النصب. «١»
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقد كان زيد أجمع على الخروج من مكة يضرب في الأرض، يطلب الحنيفية دين إبراهيم، فكانت إمرأته صفية ابنة الحضرمي كلما أبصرته قد نهض إلى الخروج وأراده، آذنت به الخطاب بن نفيل، فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول دين إبراهيم،
(١) لم أقف على هذا الخبر في مصدر آخر.
ويسأل عنه، فلم يزل في ذلك حتى أتى الموصل، أو الجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى الشام، فجال فيها حتى أتى راهبا ببيعته من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم النصرانية، فيما يزعمون، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم، فقال الراهب:
إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، لقد درس علمه، وذهب من يعرفه، ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم، الحنيفية، فعليك ببلادك فإنه مبعوث الآن، هذا زمانه، وقد كان شام «١» اليهودية والنصرانية، فلم يرض شيئًا منهما فخرج سريعا- حين قال له الراهب ما قال- يريد مكة، حتى إذا كان بأرض لخم، عدوا عليه فقتلوه فقال ورقة بن نوفل، وكان قد اتبع مثل أثر زيد، ولم يفعل في ذلك (٣٤) ما فعل، فبكاه ورقه فقال:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا
بدينك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض ستين واديًا
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن عمر بن الخطاب، وسعيد ابن زيد قالا: يا رسول الله نستغفر لزيد؟ فقال: نعم، فاستغفروا له، فإنه يبعث أمة وحده.
نا أحمد: نا يونس عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه أن جده سعيد بن زيد سأل رسول الله ﷺ عن أبيه زيد بن عمرو فقال: يا رسول الله إن أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت، وكما بلغك، فلو أدركك آمن بك، فأستغفر له؟ قال: نعم، فاستغفر له فإنه يجيء يوم القيامة أمة وحده، وكان فيما ذكروا يطلب الدين، فمات وهو في طلبه.
(١) أي اختبر.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان حين أراد الله
﷿ كرامة نبيه ﷺ، ورحمة العباد به واتخاذ الحجة عليهم، والعرب على أديان مختلفة متفرقة، مع ما يجمعهم من تعظيم الحرمة، وحج البيت، والتمسك بما كان بين أظهرهم من آثار إبراهيم ﷺ، وهم يزعمون أنهم على ملته، وكانوا يحجون البيت على اختلاف من أمرهم فيه.
فكانت الحمس: قريش وكنانة، وخزاعة، ومن ولدت قريش من سائر العرب يهلون بحجهم، فمن اختلافهم أن يقولوا: لبيك، لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك. فيوحد فيه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده- يقول الله
﷿ لمحمد ﷺ: «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ «١»» ولا يخرجون من الحرم ولا يدفعون من المزدلفة، يقولون: نحن أهل الحرم، فلا نخرج منه، وكانوا يسكنون البيوت إذا كانوا حرمًا، وكان أهل نجد من مضر يهلون إلى البيت ويقفون على عرفة.

أول ما ابتدىء به رسول الله من النبوة.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: أول ما ابتدىء به رسول الله ﷺ من النبوة حين أراد الله
﷿ كرامته ورحمة العباد به ألا يرى شيئًا إلا جاءت كفلق الصبح. (٣٥) فمكث على ذلك ما شاء الله ﷿ أن يمكث، وحبب الله ﷿ إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، وكان واعية، عن بعض أهل العلم إن رسول الله ﷺ حين أراد الله
﷿ كرامته، وابتدأه بالنبوة، كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، فيلتفت رسول الله ﷺ خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة وهي تحييه بتحية النبوة: السلام
(١) سورة يوسف: ١٠٦.
عليك، رسول الله، فكان رسول الله ﷺ يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة ينسك فيه، وكان من نسك في الجاهلية من قريش يطعم من جاءه من المساكين، حتى إذا انصرف من مجاورته وقضاه لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة حتى إذا كان الشهر الآخر الذي أراد الله
﷿ ما أراد من كرامته من السنه التي بعثه فيها، وذلك شهر رمضان، فخرج رسول الله ﷺ كما كان يخرج لجواره، وخرج معه بأهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله ﷿ فيها برسالته، ورحم العباد به جاءه جبريل بأمر الله تعالى، فقال رسول الله ﷺ:
جاءني وأنا نائم «١» فقال: إقرأ، فقلت: وما اقرأ «٢»؟ حتى ظننت أنه الموت، ثم كشطه عني فقال: إقرأ، فقلت وما أقرأ؟ فعاد لي بمثل ذلك ثم قال: إقرأ، فقلت: وما أقرأ؟ وما أقولها إلا تنجيا أن يعود لي بمثل الذي صنع بي فقال:
«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» ثم انتهى فانصرف عني، وهببت من نومي، وكأنما صور «٣» في قلبي كتاب، ولم يكن في خلق الله
﷿ أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أنظر إليهما، فقلت: إن الأبعد- يعني نفسه، ﷺ لشاعر أو مجنون، ثم قلت: لا تحدث قريش عني بهذا أبدًا، لأعمدن إلى حالق من الجبل، فلأطرحن نفسي منه، فلأقتلنها، فلأستريحن، فخرجت ما أريد غير ذلك، فبينا أنا عامد لذلك سمعت مناديًا ينادي من السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه، وشغلني عن ذلك وعما أريد، فوقفت ما أقدر على أن (٩٣) أتقدم ولا أتأخر ولا أصرف وجهي في
(١) زاد الطبري: ٢/ ٣٠١ في روايته عن ابن إسحق «بنمط من ديباج فيه كتاب» .
(٢) زاد الطبري «فغتني حتى ...» أي عصر في عصرا شديدا.
(٣) في رواية الطبري «وكأنما كتب في..» .
ناحية من السماء إلا رأيته فيها، فما زلت واقفا ما أتقدم ولا أتأخر حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي حتى بلغوا مكة ورجعوا، فلم أزل كذلك حتى كاد النهار يتحول، ثم انصرف عني، وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفًا إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا، فقلت لها: إن الأبعد لشاعر أو مجنون، فقالت: أعيذك بالله يا أبا القاسم من ذلك، ما كان الله
﷿ ليفعل بك ذلك مع ما أعلم من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وحسن خلقك، وصلة رحمك، وما ذاك يا ابن عم، لعلك رأيت شيئًا أو سمعته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: أبشر يا بن عم، واثبت له، فو الذي تحلف به إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم قامت فجمعت ثيابها عليها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل- وهو ابن عمها، وكان قد قرأ الكتب، وكان قد تنصر، وسمع التوراة والانجيل، فاخبرته الخبر، وقصت عليه ما قص عليها رسول الله ﷺ أنه رأى وسمع، فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة، إنه لنبي هذه الأمة، وإنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، فقولي له فليثبت، ورجعت إلى رسول الله ﷺ فأخبرته ما قال لها ورقة، فسهل ذلك عليه بعض ما هو فيه من الهم بما جاءه فلما قضى رسول الله ﷺ جواره صنع كما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة وهو يطوف بالكعبة، فقال: يا ابن أخ أخبرني بالذي رأيت وسمعت، فقص عليه رسول الله ﷺ خبره، فقال ورقة: والذي نفس ورقة بيده إنه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى ، وإنك لنبي هذه الأمة، ولتؤذين، ولتكذبن، ولتقاتلن، ولتنصرن، ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرنك نصرًا يعلمه الله، ثم أدنى إليه رأسه فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله ﷺ إلى منزله وقد زاده الله ﷿ من قول ورقة ثباتًا، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم.
نا أحمد: نا يونس عن قرة بن خالد قال: حدثني أبو رجاء العطاردي قال: أول سورة نزلت على محمد ﷺ: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» .
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقد قال ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي فيما كانت ذكرت (٣٧) له خديجة من أمر رسول الله ﷺ، فيما يزعمون:
إن يك حقا يا خديجة فاعلمي ... حديثك إيانا فأحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من الله وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز فيها بتوبة ... ويشقى به العاتي الغوي المضلل
فريقان منهم فرقة في جنانه ... وأخرى بأحواز الجحيم تغلل
إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت ... مقامع في هاماتهم ثم من عل
فسبحان من تهوي الرياح بأمره ... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل
ومن عرشه فوق السموات كلها ... وأقضاؤه في خلقه لا تبدل
وقال ورقة في ذلك أيضًا:
يا للرجال لصرف الدهر والقدر ... وما لشيء قضاه الله من غير
حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... وما لها بخفي الغيب من خبر
جاءت لتسألني عنه لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس من أخر «١»
فخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر والعصر
بأن أحمد يأتيه فيخبره ... جبريل أنك مبعوث إلى البشر
فقلت عل الذي ترجين ينجزه ... لك الإله فرجى الخير وانتظري
وأرسليه إلينا كي نسائله ... عن أمر ما يرى في النوم والسهر
فقال حين أتانا منطقا عجبا ... يقف منه أعالي الجلد والشعر
إني رأيت أمين الله واجهني ... في صورة أكملت في أهيب الصور
(١) في حاشية ع: لعله أحد.
ثم استمر فكاد الخوف يذعرني ... مما يسلم ما حولي من الشجر
فقلت ظني وما أدري أيصدقني ... أن سوف يبعث يتلو منزل السور
وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم ... من الجهاد بلا من ولا كدر
حدثنا أحمد: نا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن أبي جعفر قال: كان رسول الله ﷺ تصيبه العين بمكة، فتسرع إليه قبل أن ينزل عليه الوحي فكانت خديجة ابنة خويلد تبعث إلى عجوز بمكة ترقيه، فلما نزل عليه القرآن فأصابه من العين نحو مما كان يصيبه، فقالت له خديجة: يا رسول الله ألا أبعث إلى تلك العجوز فترقيك؟ فقال: أما الآن فلا.
نا أحمد: نا يونس عن هشام بن عروة إن رسول الله ﷺ قال: ما من نبي إلا وقد رعى الغنم، فقيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا.
نا أحمد: نا يونس عن يونس بن (٣٨) عمرو عن أبيه عن عبيدة النصري قال: تفاخر رعاء الإبل ورعاء الغنم عند رسول الله ﷺ فأوطأهم رعاء الإبل غلبة، فقالوا: ما أنتم يا رعاء النقد، هل تحمون أو تصيدون، ورسول الله ﷺ جالس، فتكلم فقال: بعث موسى
وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت أنا، وأنا راعي غنم أهلي بأجياد، فغلبهم رسول الله ﷺ.
نا أحمد: نا يونس عن عبيد بن عتيبة العيذي عن وهب بن كعب بن عبد الله بن سور الأزدي عن سلمان الفارسي أنه سأل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إنه ليس من نبي إلا وله وصي وسبطان «١»، فمن وصيك وسبطاك؟ فسكت رسول الله ﷺ لم يرجع شيئًا، فانصرف سلمان يقول: يا ويله، يا ويله كلما لقيه ناس من المسلمين قالوا: مالك سلمان الخير؟ فيقول سألت رسول الله ﷺ عن
(١) في ع وشيطان، وهو تصحيف.
شيء، فلم يرد علي، فخفت أن يكون من عضب، فلما صلى رسول الله ﷺ الظهر قال: أدن يا سلمان، فجعل يدنو ويقول: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فقال: سألتني عن شيء لم يأتني فيه أمر، وقد أتاني أن الله
﷿ قد بعث أربعة آلاف نبي، وكان أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط، فو الذي نفسي بيده لأنا خير النبيين، وإن وصيي لخير الوصيين، وسبطاي خير الأسباط.
آخر الجزء الثاني- يتلوه في الثالث إن شاء الله: نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم بعث الله
﷿ محمدا ﷺ رحمة للعالمين، وكافة للناس.
والحمد لله حق حمده وصلواته على محمد سيد المرسلين وعلى أله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل «١» .
(١) يتبع هذا ورقة عليها سماعات متنوعة بعضها تم سنة ست وخمسين وأربعمائة للهجرة.
الجزء الثالث من كتاب المغازي رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق
بعث النبي ﷺ.
بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله «١» «٢» أخبرنا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد النقور البزاز- قراءة عليه وأنا أسمع- قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: قرىء على أبي الحسين رضوان بن أحمد وأنا أسمع قال: نا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: نا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال:
ثم بعث [الله
﷿ محمدًا] [ﷺ] «٣» رحمة للعالمين، وكافة للناس، وكان الله قد أخذ له ميثاقًا على كل «٤» نبي بعثه قبله، بالإيمان به، والتصديق له، والنصر له على من خالفه، وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم، فأدوا من ذلك ما كان عليهم من الحق فيه، يقول الله لمحمد ﷺ: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ» «٥» إلى آخر الآية. فأخذ الله ميثاق النبيين جميعا
(١) زاد في ع صفحة عنوان كاملة جاء فيها: الجزء الثالث من السير والمغازي، للإمام رئيس أهل المغازي والسير الشيخ محمد بن إسحق المطلبي، المتوفي سنة ١٥١. رواية الشيخ أبي الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز عن أبي طاهر المخلص عن رضوان عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحق
أجمعين.
(٢) زاد في ع: العنوان التالي: «بعث النبي ﷺ» .
(٣) زيادة من آخر الورقة الماضية.
(٤) سقطت «كل» من ع.
(٥) سورة آل عمران: ٨١.
بالتصديق له والنصر له على من خالفه، فأدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابين، فبعثه الله بعد بنيان الكعبة بخمس سنين، ورسول الله ﷺ يومئذ ابن أربعين سنة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فابتدىء رسول الله ﷺ بالتنزيل في شهر رمضان. بقول الله
: «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ «١»» إلى آخر الآية، وقال الله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ «٢»» إلى آخر السورة، وقال: «حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ «٣»»، وقال: «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ «٤»» وذلك «التقى» رسول الله ﷺ والمشركين ببدر.

اليوم الذي وقعت فيه معركة بدر.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين إن رسول الله ﷺ التقى هو والمشركون يوم بدر صبيحة الجمعة لسبع عشرة من شهر رمضان.
نا أحمد: نا يونس عن أسباط بن اسماعيل بن عبد الرحمن قال: كان يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة من شهر رمضان.
نا أحمد: نا يونس عن أسباط بن إسماعيل بن عبد الرحمن قال: كان يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة من شهر رمضان.
نا أحمد: نا يونس عن قرة بن «٥» خالد قال: سألت عبد الرحمن بن قاسم عن ليلة القدر، فقال: كان زيد بن ثابت يعظم سابعة عشر ويقول: هي وقعة بدر.
نا أحمد: نا يونس عن بسر بن أبي حفص الكندي الدمشقي قال: نا مكحول أن رسول الله ﷺ قال لبلال: ألا لا يغادرك صيام الإثنين، وأوحي
(١) سورة البقرة: ١٨٥.
(٢) سورة القدر: ١.
(٣) سورة الدخان: ١- ٣. وفي الأصل وع: منزلين.
(٤) سورة الأنفال: ٤١.
(٥) في ع: عن، وهو تصحيف أنظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: ٢- ٣- ١٣٠.
إلى يوم الإثنين، وهاجرت يوم الإثنين، وأموت يوم الإثنين.
نا أحمد بن عبد الجبار قال: نا محمد بن فضيل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال: كنت عند عمر بن الخطاب
وعنده أصحابه، فسألهم فقال: أرأيتم قول رسول الله ﷺ في ليلة القدر: التمسوها في العشر [٤٦] الأواخر وترًا، أي ليلة ترونها؟ فقال بعضهم: ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال بعضهم: ليلة خمس، وقال بعضهم: ليلة سبع، وأنا ساكت، فقال: مالك لا تتكلم؟ فقلت: إنك أمرتني ألا أتكلم حتى يتكلموا، فقال: ما أرسلت إليك إلا لتكلم، فقال: إني سمعت الله «١» يذكر السبع فذكر «سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» «٢»، وخلق الإنسان من سبع، ونبات الأرض من سبع، فقال عمر: هذا، أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم قولك نبات الأرض من سبع؟ قال: قلت: قال الله: «شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا. وَحَدائِقَ غُلْبًا» «فالحدائق غلبًا» الحيطان من النخل والشجر، «وَفاكِهَةً وَأَبًّا» «٣»، قال: الأب ما أنبتت الأرض مما تأكل الدواب والأنعام ولا يأكله الناس، فقال عمر لأصحابه:
أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع له شؤون رأسه، والله إني لأرى القول كما قال.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: تتام الوحي إلى رسول الله ﷺ وهو مؤمن بالله ومصدق لما جاءه، قد تقبله بقول وتحمل منه ما حمله الله على رضا العباد وسخطهم، وللنبوة أثقالًا ومؤونة لا يحملها ولا يستطيعها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله وتوفيقه لما يلقون من الناس، وما يرد عليهم مما جاء به من عند الله تعالى.
(١) سقطت «الله» من ع.
(٢) سورة الطلاق: ١٢.
(٣) سورة عبس: ٢٦- ٣١.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت ابن منبه «١» وهو في مسجد منى، وذكر له يونس النبي
فقال: كان عبدًا صالحًا وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوة- ولها أثقال، فلما حملت عليه تفسخ تحتها تفسخ الربع «٢» تحت الحمل الثقيل، فألقاها عنه وخرج هاربًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدق ما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسول الله ﷺ، لا يسمع شيئًا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رحمها الله.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أول ما ابتدىء به رسول الله ﷺ من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به لا يرى شيئًا إلا جاءت كفلق الصبح، يمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، وحبب إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده.
نا أحمد: نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبي ميسرة عمر بن شرحبيل أن رسول الله ﷺ قال لخديجة: إني إذا خلوت [٤٧] وحدي أسمع نداء، وقد والله خشيت أن يكون هذا الأمر، فقالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل بك ذلك فو الله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث، فلما دخل أبو بكر
. وليس رسول الله ﷺ، ثم ذكرت خديجة حديثه له، فقالت: يا عتيق اذهب مع محمد إلى ورقة، فلما دخل رسول الله ﷺ أخذ أبو بكر بيده: فقال: انطلق بنا إلى ورقة، فقال: ومن أخبرك؟ قال:
خديجة، فانطلقا إليه فقصا عليه، فقال: إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي:
(١) أي وهب بن منبه المؤرخ المعروف.
(٢) الجمل الذي بلغ السابعة.
يا محمد، يا محمد، فانطلق هاربًا في الأرض، فقال له: لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل «١»: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» حتى بلغ «وَلَا الضَّالِّينَ» قل: لا إله إلا الله، فأتى ورقة فذكر ذلك له، فقال له ورقة: أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر بك ابن مريم، وأنك على مثل نا موسى موسى، وأنك نبي مرسل، وأنك ستؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، ولئن أدركني ذلك لأجاهدن معك؛ فلما توفي ورقة قال رسول الله ﷺ: لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني- يعني ورقة.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ساب أخ لورقة، فتناول الرجل ورقة فسبه، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فقال لأخيه: هل علمت أني رأيت لورقة جنة أو جنتين، فنهى رسول الله ﷺ عن سبه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني اسماعيل بن أبي حكيم، مولى الزبير، انه حدث عن خديجة بنت خويلد أنها قالت لرسول الله ﷺ، فيما تثبتته به، فيما أكرمه الله به من نبوته: يا ابن عم هل تستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم، فقالت: إذا جاءك فأخبرني، فبينا رسول الله ﷺ عندها يومًا، إذ جاء جبريل، فرآه رسول الله ﷺ، فقال: يا خديجة هذا جبريل قد جاءني، فقالت أتراه الآن، فقال نعم، قالت: فاجلس إلى شقي الأيسر فجلس، فقالت هل تراه الآن؟ قال: نعم، قالت: فاجلس إلى شقي الأيمن، فتحول فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟
قال: نعم، قالت: فتحول فاجلس في حجري، فتحول رسول الله ﷺ فجلس، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: نعم، فتحسرت فألقت خمارها ورسول الله ﷺ جالس في حجرها، فقالت: هل تراه الآن؟ قال: لا، قالت: ما هذا الشيطان، إن هذا لملك يا بن عم فاثبت، وأبشر، ثم آمنت به، وشهدت أن الذي جاء به الحق.
(١) في ع قال
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فحدثت [٤٨] عبد الله بن الحسن هذا الحديث، فقال: قد سمعت فاطمة بنت الحسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة، إلا أني سمعتها تقول: أدخلت رسول الله ﷺ بينها وبين درعها، فذهب عند ذلك جبريل
.
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: سئل رسول الله ﷺ متى استنبئت؟ فقال: بين خلق آدم ونفخ الروح فيه.
نا يونس عن إبراهيم بن اسماعيل بن مجمع الأنصاري عن رجل عن سعيد ابن المسيب قال: نزل الوحي على رسول الله ﷺ وهو ابن ثلاث وأربعين، فأقام بمكة عشرًا، وبالمدينة عشرًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ونزل الوحي على رسول الله ﷺ وهو ابن أربعين سنة، فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وأمر رسول الله ﷺ بالصبر لله على رسالته وتبليغ ما أمر به.
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية:
«فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ» «١»: نوح، وهود، وإبراهيم، فأمر رسول الله ﷺ أن يصبر كما صبر هؤلاء، وكانوا ثلاثة ورسول الله ﷺ رابعهم،
ورحمة الله، قال نوح: «يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ «٢»» إلى آخرها، فأظهر لهم المفارقة، وقال هود حين قالوا: «إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ» «٣» فأظهر لهم المفارقة، وقال إبراهيم: «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ «٤»» إلى آخر الآية، فاظهر لهم المفارقة، وقال محمد:
(١) سورة الأحقاف: ٣٥.
(٢) سورة يونس: ٧١.
(٣) سورة هود: ٥٤.
(٤) سورة الممتحنة: ٤.
«إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «١»» فقام رسول الله ﷺ عند الكعبة، فقرأها على المشركين فأظهر لهم المفارقة.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم فتر الوحي عن النبي ﷺ فترة مل ذلك حتى شق عليه وأحزنه، ثم قال في نفسه مما أبلغ ذلك منه: لقد خشيت أن يكون صاحبي قد قلاني وودعني، فجاء جبريل بسورة «والضحى»، يقسم له به، وهو الذي أكرمه «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» فقال: «وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» يقول: «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» ما صرمك وتركك، وما قلى: ما أبغضك منذ أحبك، «وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى» أي ما عندي من مرجعك إلي خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا، «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» من الفتح في الدنيا والثواب في الآخرة، «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى» يعرفه ما ابتدأه به من كرامته في عاجل أمره ومنه عليه في يتمه [٤٩] وعيلته وضلالته، واستنقاذه من ذلك كله برحمته «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ» لا تكون جبارًا ولا متكبرًا ولا فاحشًا فظًا على الضعفاء من عباد الله «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» أي بما جاءك من الله من كرامته ونعمته من النبوة، فحدث اذكرها وادع إليها، يذكره ما أنعم الله به عليه وعلى العباد من النبوة.
نا أحمد: نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن خديجة أنها قالت: لما أبطأ على رسول الله ﷺ الوحي جزع من ذلك جزعًا شديدًا، فقلت له مما رأيت من جزعه: لقد قلاك ربك مما يرى من جزعك، فأنزل الله «ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» .
نا يونس عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال لجبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فانزل الله تعالى:
(١) سورة الأنعام: ٥٦. وسورة غافر: ٦٦.
«وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا» إلى قوله: «ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» «١» .
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم أن جبريل أتى رسول الله ﷺ حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبة في ناحية الوادي فانفجرت منه عين ماء مزن، فتوضأ جبريل
، ومحمد ينظر إليه، فوضأ وجهه ومضمض واستنشق ومسح برأسه وأذنيه ورجليه إلى الكعبين، ونضح فرجه، ثم قام فصلى ركعتين، وسجد أربع سجدات على وجهه، ثم رجع النبي ﷺ قد أقر الله عينه وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من الله، فأخذ بيد خديجة حتى أتى بها العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة، ثم كان هو وخديجة يصليان سرًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن كيسان عن عروة ابن الزبير عن عائشة أن الصلاة أول ما افترضت ركعتين، ثم أكملت أربعًا، وأثبتت للمسافر. قال: فحدثت ذلك عمر بن عبد العزيز، فقال لعروة:
حدثتني أن عائشة كانت تصلي في السفر أربعًا، فجاء عروة فقلت في نفسي لا يكون هذا بي، فسألته عن الحديث، فحدثه، فقال عمر: ما أدري ما أحاديثكم هذه! ثم حول وركه ونزل عن سريره ودخل.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: أول ما افترضت الصلاة ركعتين فأثبت للمسافر وأكملت للمقيم أربعًا.
نا يونس عن سالم مولى أبي المهاجر قال: سمعت ميمون بن مهران يقول: كان أول الصلاة مثنى مثنى مثنى، ثم صلى رسول الله ﷺ أربعًا فصارت سنة، وأقرت الركعتين للمسافر وهي تمام.
(١) سورة مريم: ٦٤.
اسلام علي بن أبي طالب

نا أحمد: حدثي يونس عن ابن إسحق قال: ثم [٥٠] إن علي بن أبي طالب جاء بعد ذلك بيومين فوجدهما يصليان، فقال على: ما هذا يا محمد؟ فقال النبي ﷺ: دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحده، وإلى عبادته، وكفر باللات والعزى، فقال له علي: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم فلست بقاض أمرًا حتى أحدث أبا طالب، فكره رسول الله ﷺ أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره، فقال له: يا علي إذا لم تسلم فاكتم، فمكث علي تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب علي الآسلام، فأصبح غاديًا إلى رسول الله ﷺ حتى جاءه فقال: ما عرضت علي يا محمد؟ فقال له رسول الله ﷺ: تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد، ففعل علي وأسلم، ومكث علي يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم علي إسلامه ولم يظهر به.
وأسلم زيد بن حارثة فمكث قريبًا من شهر يختلف علي إلى رسول الله ﷺ، وكان مما أنعم الله به على علي أنه كان في حجر رسول الله ﷺ قبل الإسلام.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح- قال:
أراه عن مجاهد- قال: أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث الكندي- من اهل الكوفة- قال: حدثني اسماعيل بن اياس بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف أنه قال: كنت امرءًا تاجرًا فقدمت أيام منى، أيام الحج، وكان
العباس بن عبد المطلب امرءًا تاجرًا، فأتيته أبتاع منه وأبيعه؛ قال فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء يصلي فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة، فقامت تصلي معه، وخرج غلام، فقام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين، إن هذا الدين ما ندري ما هو؟ فقال العباس: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امراته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به؛ قال العفيف: فليتني آمنت يومئذ وكنت أكون ثانيًا.
نا يونس عن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة قال: أول الرجال إسلامًا علي بن أبي طالب ثم الرهط الثلاثة: أبو ذر، وبريدة، وابن عم لأبي ذر.
اسلام أبي بكر الصديق

نا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم إن أبا بكر لقي رسول الله ﷺ فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءنا؟ فقال رسول الله ﷺ: يا أبا بكر إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى [٥١] الله بالحق، فو الله إنه للحق أدعوك، إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا يعبد غيره، والموالاة على طاعته أهل طاعته، وقرأ عليه القرآن، فلم يفر، ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله ﷺ قال: ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عتم حين ذكرته له، وما تردد فيه.
نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: فابتدأ أبو بكر أمره، وأظهر إسلامه، ودعا الناس، وأظهر علي وزيد بن حارثة «١» إسلامهما فكبر ذلك على قريش.
وكان أول من اتبع رسول الله ﷺ خديجة بنت خويلد، زوجته، ثم كان أول ذكر آمن به علي، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر الصديق
.
(١) لم يورد خبر اسلام زيد بن حارثة مع أن هشام فعل ذلك انظر الروض/ ٦٨٢، وقد جعله قبل اسلام أبي بكر.
فلما أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلًا مآلفًا لقومه، محببا «١» سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير أو شر، وكان رجلًا تاجرًا، ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعهم أبو بكر، فانطلقوا حتى أتوا رسول الله ﷺ، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام، وبما وعدهم الله من كرامة فآمنوا، وأصبحوا مقرين بحق الإسلام، فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام فصلوا وصدقوا رسول الله ﷺ، وآمنوا بما جاء من عند الله تعالى.
(١) في ع مجيبا.
اسلام أبي ذر

نا يونس عن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة قال: انطلق أبو ذر وبريدة معهم ابن عم لأبي ذر يطلبون رسول الله ﷺ، وهو بالجبل مكتتم بطائفة من مكة، وأتوه وهو نائم في الجبل مسجًا بثوبه، خارجة قدميه «١»، وكان رسول الله ﷺ من أحسن الناس قدمًا، فقال أبو ذر: إن كان نبي بهذه البلاد فهو هذا النائم، فمشوا حتى قاموا عليه، ومع أبي ذر عصًا يتوكأ عليها، فقال أبو ذر: أنائم الرجل، وكان رسول الله ﷺ نائمًا، فلم يجبه رسول الله ﷺ، ثم نادى أبو ذر: أنائم الرجل فلم يجبه، ثم أعاد عليه أبو ذر: أنائم الرجل وغمز «٢» بعصاه في باطن قدم رسول الله ﷺ [٥٢] فاستيقظ رسول الله ﷺ فقعد، فقال له أبو ذر: يا محمد أتيناك لنسمع ما تقول، وإلى ما تدعو، فقال رسول الله ﷺ: أقول: لا إله إلا الله وأني رسول الله، فآمن به أبو ذر وصاحباه وكان علي
في حاجة لرسول الله ﷺ أرسله فيها.
نا يونس عن جعفر بن حيان عن الحسن أن رسول الله ﷺ قال: أنتم توفون بسبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن ثابت بن شرحبيل عن أم الدرداء قالت: قلت لكعب الحبر: كيف تجدون صفة رسول الله ﷺ في التوراة؟ قال: نجده محمد رسول الله، اسمه المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، وأعطي المفاتيح ليبصر الله به أعينًا عورًا، ويسمع به
(١) في حاشية ع: الظاهر قدماه.
(٢) في ع: فرمز.
آذانا وقرأ، «١» ويقيم به ألسنًا معوجة، حتى تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعين المظلوم ويمنعه.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال سمى لنا رسول الله ﷺ نفسه أسماء منها ما حفظنا، قال: أنا محمد، وأحمد والمقضي، والحاشر، ونبي التوبة والملحمة.
نا يونس عن يونس بن عمرو عن العيزار بن حريث عن عائشة
قالت: لرسول الله ﷺ مكتوب في الإنجيل، لا فظ، ولا غليظ، ولا سخاب بالاسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن زياد مولى مصعب عن الحسن قال:
قال رسول الله ﷺ: مضت تسع وستون أمة وأنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: أخبرني الزهري عن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول لي خمسة أسماء، أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا العاقب، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه.
(١) الوقر ثقل في الأذن، وقيل هو أن يذهب السمع كله. انظر سورة فصلت: ٥.
اسلام المهاجرين

نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم انطلق أبو عبيدة بن الحارث، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعبد الله بن الأرقم المخزومي، وعثمان بن مظعون حتى أتوا رسول الله ﷺ فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، فأسلموا وشهدوا أنه على هدى ونور.
ثم أسلم ناس من قبائل العرب منهم: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أخو بني عدي بن كعب، وامرأته فاطمة بنت الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، أخت عمر بن الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة، وقدامة بن مظعون، وعبد الله بن مظعون الجمحيان، وخباب بن الأرت حليف بني زهرة، وعمير بن أبي وقاص الزهري [٥٣] وعبد الله بن مسعود حليف بني زهرة، ومسعود بن القاري وسليط بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي، وعياش ابن أبي ربيعة المخزومي وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخرمة التميمي، وخنيس ابن حذافة السهمي، وعامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب، وعبد الله بن جحيش الأسدي، وأبو أحمد بن جحش، وجعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث الجمحي وامرأته أسماء بنت المحلل أخت بني عامر بن لؤي، والخطاب بن الحارث وامرأته فكيهة «١» بنت يسار، ومعمر بن الحارث بن معمر الجمحي، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطالب بن أزهر ابن عبد عوف الزهري وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبير بن سعد بن سهم،
(١) في ع: فاكهة، وورد عند ابن هشام مثلما جاء في الأصل، انظر الروض: ١/ ٢٩١.
والنحام واسمه نعيم بن أسد أخو بني عدي بن كعب، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق، وخالد بن سعيد بن العاصي وامرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة من خزاعة، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس أخو بني عامر بن لؤي، وأبو حذيفة بن عقبة «١» بن ربيعة، وواقد بن فائد بن عبد الله بن عزيز بن ثعلبة التميمي حليف بني عدي بن كعب، وخالد بن البكير، وعامر بن البكير، وعاقل بن البكير، وإياس بن البكير بن عبد الله بن ناشب من بني سعد بن ليث، حلفاء بني عدي بن كعب، وعمار بن ياسر حليف بني مخزوم، وصهيب بن سنان حليف بني تميم.
ثم دخل الناس في الأسلام أرسالا من النساء والرجال حتى فشا ذكر الإسلام وتحدث به، فلما أسلم هؤلاء النفر وفشا أمرهم بمكة أعظمت ذلك قريش، وغضبت له، وظهر فيهم لرسول الله ﷺ البغي والحسد، وشخص له منهم رجال فبادوه العداوة، وطلبوا له الخصومة منهم: أبو جهل بن هشام، وأصحابه وأبو لهب، وعبيد بن عبد يغوث، وعمرو بن الطّلاطلة، والوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وأمية بن خلف، وأبيّ بن خلف، وهو الذي أصاب وجه رسول الله ﷺ بمكة، وأبو قيس بن الفاكة بن المغيرة، وأبو قيس بن الأسلت والحضين أو الحضير بن الحارث بن سعيد بن الحجاج وهو زهير بن أبي أمية بن المغيرة والسائب بن صيفي بن عائذ، والأسود بن عبد الأسد، والعاصي بن سعيد، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وأبو العاصي بن هشام، وعقبة بن أبي معيط، وأبو الأصد الهذلي، نطحته أروى «٢» فسقط فتقطع، والحكم بن أبي العاصي، وعدي بن جبر الثقفي، وزمعة بن الأسود.
وكان الذين يؤذونه: أبو لهب، وعقبة بن أبي معيط، والحكم بن أبي العاصي، وعدي بن جبر الثقفي، ورجل آخر.
(١) في ع: عقبة، وجاء عند ابن هشام مثلما ورد في الأصل هنا، انظر الروض: / ٢٩٣.
(٢) انثى الوعل.
قوله
﷿: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» «١» [٥٤]
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان الذي تنتهي إليه عداوة رسول الله ﷺ، ويجتمع إليه فيها أبو جهل، حسدًا وبغيًا، لما خص الله به رسوله ﷺ من كرامته.
ثم أن الله تعالى أمر رسوله ﷺ أن يصدع بما جاء به، وأن ينادي الناس بامره، وأن يدعو إلى الله تعالى، وكان ربما أخفى الشيء، واستسر به إلى أن أمر بإظهاره، فلبث سنين من مبعثه، ثم قال الله تعالى: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ» «٢» . وقال: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ» «٣» .
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني من سمع عبد الله بن الحارث ابن نوفل واستكتمني اسمه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب
قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله ﷺ: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ.
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «قال رسول الله ﷺ: عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره، فصمت عليها، فجاءني جبريل فقال:
يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرك ربك تعالى عذبك ربك، قال علي: فدعاني رسول الله ﷺ فقال: يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فعرفت أني إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره، فصمت عن ذلك حتى
(١) سورة الشعراء: ٢١٤.
(٢) سورة الحجر: ٩٤.
(٣) سورة الشعراء: ٢١٤. ٢١٦.
جاءني جبريل فقال: يا محمد إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك، فاصنع لنا يا علي رجل شاة على صاع من طعام؛ وأعد لنا عس لبن، ثم اجمع بني عبد المطلب ففعلت، فاجتمعوا له وهم يومئذ أربعون رجلًا أم ينقصون؛ فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الكافر الخبيث، فقدمت إليهم تلك الجفنة فأخذ منها رسول الله ﷺ حذية فشقها بأسنانه، ثم رمى بها في نواحيها، ثم قال: كلوا باسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه، فما رؤي إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله ﷺ: اسقهم يا علي، فجئت بذلك القعب فشربوا حتى نهلوا جميعًا، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله ﷺ إن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال:
لهد، «١» ما سحركم صاحبكم! فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله ﷺ، فلما كان الغد قال رسول الله ﷺ يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما قد سمعت قبل أن أكلم القوم، ففعلت، ثم جمعهم له، فصنع رسول الله ﷺ كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهلوا عنه، ثم «٢» سقيتهم فشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وأيم الله إن الرجل منهم ليأكل مثلها، ويشرب مثله، ثم قال رسول الله ﷺ: (٥٥) يا بني عبد المطلب، والله ما أعلم شابًا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة.

صورة نزول الوحي على النبي.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
قالت: سأل الحارث بن هشام رسول الله ﷺ فقال: كيف ينزل عليك الوحي؟ فقال رسول الله ﷺ: كل ذلك يأتيني الملك أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، وهو أشقه «٣»
(١) اللهد: داء يصيب الناس في أرجلهم وأفخادهم: وهو الضرب والصدمة الشديد في الصدر ولهده لهدا أي دفعه.
(٢) سقطت من ع.
(٣) في حاشية الأصل: وأشد.
علي، فيفصم عني قد وعيته، ويتمثل لي الملك أحيانًا في صورة رجل فيكلمني فأعي ما يقول.
نا يونس عن عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان إذا نزل علي رسول الله ﷺ الوحي ثقل عليه، وتربد له جلده، وأمسك الناس عن كلامه.
نا يونس عن عمر بن ذر عن مجاهد قال: كان إذا نزل القرآن على رسول الله ﷺ قرأه على الرجال ثم على النساء.
نا يونس عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: يا بني عبد المطلب، يا فاطمة بنت محمد، يا صفية عمة رسول الله اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ما شئتم، واعلموا أن أول آت «١» يوم القيامة المتقون، فإن تكونوا يوم القيامة مع قرابتكم فذاك وإياي لا يأتون الناس بالأعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على أعناقكم فأصد وجهي عنكم، فتقولون: يا محمد، فأقول هكذا- فصرف وجهه-، فتقولون يا محمد فأقول هكذا- وصرف وجهه إلى الشق الآخر.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا صلوا ذهبوا إلى الشعاب، واستخفوا بصلاتهم عن قومهم، فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله ﷺ في شعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، واقتتلوا، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلًا من المشركين بلحى بعير فشجه، فكان أول دم اهريق في الإسلام، فلما رأت قريش رسول الله ﷺ لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم، ورأوا عمه أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه فلم يسلمه لهم، مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب
(١) في ع: أمه.
فيهم: عتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبو سفيان، وأبو البختري، والأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل، والعاصي بن وائل، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، أو من مشى فيهم، فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه فنكفيكه وإنك على مثل ما نحن عليه من [٥٦] خلافه، فقال أبو طالب قولًا رفيقًا، ورد ردًا جميلًا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله ﷺ على ما هو عليه يظهر دين الله، ويدعو إليه، ثم إن قريشا تآمروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله ﷺ الذين أسلموا، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، ومنع الله منهم رسوله بعمه أبي طالب، وقد قال أبو طالب، حين رأى قريشًا تصنع ما تصنع في بني هاشم وبني المطلب، دعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله ﷺ والقيام دونه، فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوا إلى ما دعاهم إليه من دفع عن رسول الله ﷺ إلا ما كان من أبي لهب، وهو يحرض بني هاشم، وإنما كانت بنو المطلب تدعى لهاشم إذا دعوا بالحلف الذي كان بين بني هاشم وبين بني المطلب دون بني عبد مناف، فقال:
حتى متى نحن على فتنة ... يا هاشم والقوم في محفل
يدعون بالخيل على رقبة «١» ... منا لدى الخوف وفي معزل
كالرحبة السوداء يعلو بها ... سرعانها في سبسب مجفل
عليهم النزك على رعله ... مثل القطا الشارب المهمل
يا قوم ذودوا عن جماهيركم ... بكل مفضال على مسبل
وقد شهدت الحرب في فتية ... عند الوغا في عثير القسطل
فلما اجتمعت بنو هاشم وبنو المطلب معه ورأى أن قد امتنع بهم وأن
(١) في ع: رقفة.
قريشا لن يعادوه معهم قال أبو طالب، وبادى «١» قومه بالعداوة، ونصب لهم الحرب «٢» فقال:
منعنا الرسول رسول المليك ... ببيض تلألأ كلمع البروق
بضرب بزبر دون التهاب ... حذار البوادر كالخنفقيق «٣»
أذب وأحمي رسول المليك ... حماية حام «٤» عليه شفيق
وما أن أدب لأعدائه ... دبيب البكار «٥» حذار الفنيق «٦»
ولكن أزئر لهم ساميًا ... كما زأر ليث بغيل مضيق
فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره من جدهم معه، وحدبهم عليه جعل يمدحهم ويذكر قديمهم، ويذكر فضل رسول اللَّه ﷺ فيهم، ومكانه منهم، ليشتد لهم رأيهم فيه، وليحدبوا معه على أمرهم، فقال أبو طالب:
إذا اجتمعت يومًا قريشًا لفخر ... فعبد مناف سرها وصميمها [٥٧]
وإن حصلت أشراف عبد منافها ... ففي هاشم أشرافها وقديمها
وإن فخرت يومًا فإن محمدًا ... هو المصطفى من سرها وكريمها
تداعت قريش غثها وسمينها ... علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
وكنا قديمًا لا نقر ظلامة ... إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها
ونحمي حماها كل يوم كريهة ... ونضرب عن أحجارها من يرومها «٧»
(١) في الأصل: «بادوا» وفي ع «تادوا» وهو تصحيف لعل الصحيح ما أثبتناه.
(٢) في ع: الحارث.
(٣) في الأصل «الجنفقيق»، وفي ع: الجنففيق» ولم أعثر لأي منهما على معنى أو ذكر في معاجم وكتب العربية مثل اللسان والقاموس والمخصص والمعرب، ولعلهما تصحيف لكلمة «الخنفقيق» أي الداهية كما جاء في اللسان.
(٤) في ع: دام.
(٥) جمع بكرة، أي اناث الجمال.
(٦) الجمل الفحل.
(٧) انظر الأبيات وشروحها في الروض: ٢/ ١٠.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم أقبل أبو طالب على أبي لهب حين ظافر عليه قومه، ونصب لعداوة رسول الله ﷺ مع من نصب له، وكان أبو لهب للخزاعية، وكان أبو طالب وعبد الله أبو رسول الله والزبير لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، فغمزه أبو طالب بأم له يقال له اسماحيج، وأغلظ له في القول:
مستعرض الأقوام يخبرهم ... عذري وما إن جئت من عذر
فاجعل فلانة وابنها عوضًا ... لكرائم الأكفاء والصهر
واسمع نوادر من حديث صادق ... تهوين مثل جنادل الصخر
إنا بنو أم الزبير وفحلها ... حملت بنا للطيب والطهر
فحرمت منا صاحبًا ومؤازرًا ... وأخًا على السراء والضر
قال: فلما مضى أبو طالب على أمره من خلاف قومه فيما أراد رسول الله ﷺ، واجتمعت قريش على عدوانه وخلافه، قال أبو طالب في ذلك:
ما إن جنينا من قريش عظيمة ... سوى أن منعنا خير من وطىء التربا
أخاثقة للنائبات مورًا «١» كريمًا ... ثناه لا لئيمًا ولا ذربا
فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... فإياكما أن تسعرا بيننا حربا
وإن تصبحوا من بعد ود وإلفة ... أحابيش فيها كلكم يشتكي النكبا
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس ... ورهط أبي يكسوم إذ ملأ والشعبا
فو الله لولا الله لا شيء غيره ... لأصبحتم لا تملكون لنا سربا «٢»

الوليد بن المغيرة وما نزل فيه
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير، أو عكرمة عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم، فقال: يا معشر إنه قد حضر الموسم،
(١) أي سريع الاجابة.
(٢) وردت أشطر من هذه الأبيات في قصيدة أثبتها ابن هشام وشرحها السهيلي في الروض: ٢/ ١٨- ١٩.
وإن وفود العرب ستقدم عليكم (٥٨) وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فاجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قول بعضكم بعضا، فقالوا: فأنت يا (أبا) «١» عبد شمس فقل وأقم لنا رأيًا نقوم به، فقال: بل أنتم؛ قولوا أسمع، فقالوا: نقول: كاهن، فقال: ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسجعه فقالوا: نقول مجنون، فقال:
ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو تخنقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته، فقالوا: نقول: شاعر، فقال ما هو بشاعر قد عرفنا «٢» الشعر برجزه «٣» وقريضه، ومقبوضه، ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالوا: فنقول:
ساحر، قال: ما هو بساحر، قد رأينا السحار وسحرهم، ما هو بنفثه ولا عقده، قالوا: فما نقول [يا أبا عبد «٤»] شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، إن أصله لغدق، وإن فرعه لجنًا، فما أنتم بقائلين من هذا «٥» شيئًا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا: ساحر، فقولوا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وبين أخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون يسألون الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره، فانزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة، وفي ذلك من قوله: «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا» إلى قوله: «سَأُصْلِيهِ سَقَرَ»، «٦» وأنزل الله
﷿ في النفر الذين كانوا معه يصنفون «٧» له القول في رسول الله ﷺ وفيما جاء به من عند الله
(١) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام، الروض: ٢/ ١١.
(٢) في ع: وعرفنا.
(٣) كتب في الحاشية «هزجه» ولم توضع أية اشارة لا دخالها في النص، هذا وجاء في ابن هشام، الروض: ٢/ ١١ «برجزه وهزجه وقريضه» .
(٤) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام، الروض: ٢/ ١٢، ذلك أن مكانه جاء مطموسا في الأصل، وفراغا في ع.
(٥) في ع: هنا.
(٦) سورة المدثر: ١١- ٢٦.
(٧) في ع: يصنعون.
تعالى: «الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ» أي أصنافًا «فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ» «١» أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول الله ﷺ لمن لقوا من الناس، وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله ﷺ، وانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.
نا يونس عن أبي معشر عن محمد بن قيس في قوله: «وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ» «٢» قال: قالت قريش لرسول الله ﷺ: إن ما تقول حق، فو الله إن قلوبنا لفي أكنة منه ما نعقله، وفي آذاننا وقر فما نسمعه، ومن بيننا وبينك حجاب فما ندري ما تقول.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم إن قريشا حين عرفت أن أبا طالب أبي خذلان رسول الله ﷺ، وإسلامه، وإجماعه لفراقهم في ذلك، وعدوانهم، مشوا إليه ومعهم عمارة بن الوليد بن المغيرة، فقالوا له فيما بلغنا: يا أبا طالب قد جئناك بفتى قريش عمارة بن الوليد جمالا، وشبابًا، ونهادة، فهو لك نصره وعقله، فاتخذه ولدًا لا تنازع فيه، وخل بيننا وبين ابن أخيك هذا (٥٩) الذي فارق دينك ودين آبائك، وفرق جماعة قومه، وسفّه أحلامهم، فإنما رجل كرجل لنقتله، فإن ذلك أجمع للعشيرة، وأفضل في عواقب الأمور مغبة، فقال لهم أبو طالب: والله ما أنصفتموني، تعطوني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابن أخي تقتلونه «٣»، هذا والله لا يكون أبدًا، أفلا تعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لم تحن إلى غيره، فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: لقد أنصفك قومك يا أبا طالب؛ وما أراك تريد أن تقبل ذلك منهم، فقال أبو طالب للمطعم بن عدي: والله ما أنصفتموني ولكنك قد أجمعت على خذلاني ومظاهرة القوم علي، فاصنع ما بدا لك، أو كما قال أبو طالب، فحقب «٤»
(١) سورة الحجر: ٩١- ٩٢.
(٢) سورة فصلت: ٥.
(٣) في ع يقتلونه.
(٤) أي اشتد، وفي ع: خفت.
الأمر عند ذلك، وجمعت «١» للحرب، وتنادى القوم، وبادى «٢» بعضهم بعضا، فقال أبو طالب عند ذلك- وإنه يعرض بالمطعم- ويعم من خذله من بني عبد مناف، ومن عاداه من قبائل قريش، ويذكر ما سألوه فيما طلبوا منه وما تباعد من أمرهم.
ألا ليت حظي من حياطتكم بكر «٣» ... يرش على الساقين من بوله قطر
من الخور حبحاب «٤» كثير رغاؤه ... إذا ما علا الفيفاء «٥» تحسبه وبر
أرى أخوينا من أبينا وأمنا ... إذا سئلا قالا إلى غيرنا الأمر
بل لهما أمر ولكن ترجما ... كما ترجمت «٦» من رأس ذي الفلق الصخر
هما أغمزا للقوم في أخويهما ... وقد أصبحا منهم أكفهما صفر
أخص خصوصًا عبد شمس ونوفلا ... هما نبذانا مثل ما نبذ «٧» الجمر
فأقسمت لا ينفك منهم مجاور ... يجادرنا ما دام من نسلنا شفر «٨»
هما أشركا في المجد من لا أخاله ... من الناس إلا أن يرش له ذكر
وليدًا أبوه كان عبدًا لجدنا ... إلى علجة زرقاء جاش بها البحر
وتيم ومخزوم وزهرة منهم ... وكانوا لنا مولى إذا ابتغى النصر
وقد سفهت أحلامهم وعقولهم ... وكانوا كجفر شرها ضغطت «٩» جفر
(١) في ع رجعت.
(٢) في ع: ونادوا في، وفي ابن هشام الروض ٢/ ٥: وحميت الحرب، وتنابذ القوم.
(٣) البكر: الفتى من الابل، وأراد بقوله: إن بكرا من الإبل أنفع لي منكم.
(٤) الخور: الضعف، والحبحاب: الصغير.
(٥) الفيفاء: الصحراء، وشبه البكر بالوبر لصغره.
(٦) من رجم أي رمى وقذف، وفي ع وابن هشام، الروض: ٢/ ٩ «تجرجما كما جرجمت» .
(٧) في ع وابن هشام، الروض: ٢/ ٩: ينبذ.
(٨) في ع: شعر هذا وتباينت رواية ابن هشام، الروض: ٢/ ٩ عما ورد تباينا شديدا.
(٩) الضغاطة: الجهل والضعف في الرأي، وفي ع: خفيطت، وفي ابن هشام، الروض ٢/ ٩، صنعت.
باب ما نال أصحاب رسول الله ﷺ من البلاء والجهد
ثم إن قريشا مشوا إلى أبي طالب تارة أخرى فكلموه «١»، وقالوا: ما نحن يا أبا طالب، وإن كنت فينا ذا منزلة بسنك وشرفك وموضعك، بتاركي ابن أخيك على هذا حتى نهلكه أو يكف عنا ما قد أظهر بيننا من شتم آلهتنا، وسب آبائنا، وعيب (٦٠) ديننا، فإن شئت فاجمع لحربنا، وإن شئت فدع، فقد أعذرنا إليك، وطلبنا التخلص من حربك وعداوتك فكل ما نظن أن ذلك مخلصًا، فانظر في أمرك، ثم اقض إلينا قضاك.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن قريشا حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله ﷺ فقال له: يابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا: كذا وكذا، للذي قالوا له، وآذوني قبل، فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، واكفف عن قومك ما يكرهون من قولك هذا الذي فرق بيننا وبينهم، فظن رسول الله ﷺ أنه قد قدا لعمه فيه بداء، وأنه خاذله ومسلمه؛ وضعف عن نصرته والقيام معه، فقال رسول الله ﷺ: يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه، ثم استعبر رسول الله ﷺ فبكى، فلما ولى قال له- حين رأى ما بلغ الأمر برسول الله ﷺ: أقبل يا ابن أخي، فأقبل عليه، فقال: امض على أمرك وافعل ما أحببت، فو الله لا نسلمك بشيء أبدًا.
(١) في ع: وكلموه.
نا يونس عن طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن موسى بن طلحة قال:
أخبرني عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا، فانهه عنا، فقال يا عقيل انطلق فائتيني بمحمد- ﷺ، فانطلقت إليه، فاستخرجته من خيس «١»، يقول بيت صغير، فجاء به في الظهيرة في شدة الحر، فجعل يطلب الفيء يمشي فيه من شدة الحر الرحض «٢»، فلما أتاهم قال أبو طالب: إن بني عمك هؤلاء قد زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم، فانته عن «٣» أذاهم، فحلق رسول الله ﷺ ببصره إلى السماء فقال أترون هذه الشمس؟ قالوا:
نعم، قال: فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة فقال أبو طالب: والله ما كذبنا ابن أخي فارجعوا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق: ثم قال أبو طالب من شعر قاله حين أجمع لذلك من نصرة رسول الله ﷺ، والدفاع عنه على ما كان من عداوة قومه وفراقهم له:
والله لن يصلوا إليه بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
إمضي لأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذاك منك عيونًا
ودعوتني وعلمت أنك ناصح ... فلقد صدقت وكنت قديمًا «٤» أمينا
وعرضت دينًا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البر دينا (٦١)
لولا الملامة أو حذاري سبة ... لوجدتني سمحًا لذاك مبينا
فلما قالت قريش: لقد سفه أحلامنا، وعاب ديننا، وسب آباءنا، فو الله لا نقر بهذا أبدًا، وقام أبو طالب دون رسول الله ﷺ، وكان أحب الناس إليه، فشمر في شأنه، ونادى قومه، قال قصيدة تعوذ فيها منهم، وبأدأهم في آخرها، فقال:
(١) الخيس بيت الأسد، انظر كتاب التلخيص في أسماء الأشياء: ٢/ ٧٢٨ وجاء في ع: جيش
(٢) رحض الرجل: عرق حتى كأنه غسل جسده.
(٣) في ع: على.
(٤) مطموسه في ع.
لما رأيت القوم لا ود بينهم ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى ... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
وقد حالفوا قومًا علينا أظنة ... يعطون غيظًا خلفنا بالأنامل
صبرت لهم نفسي بصفراء «١» سمحة ... وأبيض غضب من سيوف المقاول
وأحضرت عند البيت رهطي وأسرتي ... وأمسكت من أثوابه بالوصائل
عكوفًا معًا مستقبلين وتاره ... لدى حيث يقضي حلفه كل نافل
وحيث ينيخ الأشعريون ركابهم ... بمفضى السيول بين ساف «٢» ونائل

خبر صحيفة المقاطعة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما مضى رسول الله ﷺ على الذي بعث به، وقامت بنو هاشم، وبنو المطلب دونه، وأبوا أن يسلموه، وهم من خلافه على مثل ما قومهم عليه، إلا أنهم أنفوا أن يستذلوا، ويسلموا أخاهم لمن فارقه من قومه، فلما فعلت ذلك بنو هاشم، وبنو المطلب، وعرفت قريش أنه لا سبيل إلى محمد ﷺ معهم، اجتمعوا على أن يكتبوا فيما بينهم على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا ينكحوا إليهم، ولا يبايعونهم ولا يبتاعون منهم، فكتبوا صحيفة في ذلك، وكتب في الصحيفة عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وعلقوها بالكعبة، ثم عدوا على من أسلم فأوثقوهم، وآذوهم، واشتد البلاء عليهم، وعظمت الفتنة فيهم وزلزلوا زلزالًا شديدًا، فخرج أبو لهب عدو الله يظاهر عليهم قريش، وقال: قد نصرت اللات والعزى يا معشر قريش، فأنزل الله
﷿: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ» إلى آخرها.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقالت صفية بنت عبد المطلب:
ألا من مبلغ عني قريشًا ... ففيم الأمر فينا والإمار
لنا الأمر المقدم قد علمتم ... ولم توقد لنا بالغدر نار
(١) في ع: بسمراء.
(٢) في ع: اساف، ومن اجل اساف ونائلة، انظر الروض: ١/ ١٠٥.
مجازيل العطا إذا وهبنا ... وأيسار إذا ابتغى اليسار [٦٢]
وكل مناقب الخيرات فينا ... وبعض الأمر منقصة وعار
فلا والعاديات «١» غداه جمع ... بايديها إذا سطع الغبار
لنصطبرن لأمر الله حتى ... يبين ربنا أين القرار
وقال إبو طالب:
الا أبلغا عني على ذات نأيها ... لؤيًا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدًا ... نبيا كموسى خط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة ... ولا خير فيمن خصه الله بالخب
وأن الذي أضفتم في كتابكم ... لكم كائن نحسا كراغبة السقب «٢»
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الثرى ... ويصبح من لم يجن ذنبًا كذي الذنب
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا ... أياصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربًا عوانا وربما ... أمر على من ذاقه حلب الحرب
ولسنا ورب البيت نسلم أحمدا ... على الحال «٣» من عض الزمان ولا كرب
أليس أبونا هاشم شد أزره ... وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا ... ولا نتشكى ما ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفاظ والنهى ... إذا طار أرواح الكماة من الرعب
وقال أبو طالب:
الا أبلغا عني لؤيا رسالة ... بحق وما تغني رسالة مرسل
بني عمنا الادنين تيما نخصهم ... وأخوتنا من عبد شمس ونوفل
أظاهرتم قومًا علينا ولاية ... وأمر غوي من غواة وجهل
يقولون إن قد قتلنا محمدا ... أقرت نواصي هاشم بالتذلل
كذبتم ورب الهدي «٤» تدمى نحورها ... بمكة والركن العتيق المقبل
(١) في ع: العارات.
(٢) السقب: ولد الناقة.
(٣) في ع العزاء.
(٤) الهدي ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر.
تناولونه أو تعطلون لقتله صوارم ... تفري كل عظم ومفصل
وتدعو بويل أنتم إن ظلمتم ... مقابله في يوم أغر محجل
فمهلا ولما تنجح الحرب بكرها ... ويأتي تماما أو بآخر معجل
وانا متى ما نمرها بسيوفنا ... تجلجل «١» وتعرك من نشا بكلكل
ويعلو ربيع الأبطحين محمد ... على ربوة من راس عنقاء عيكل «٢»
ويأوي إليها هاشم إن هاشمًا ... عرانين كعب آخر بعد أول [٦٣]
فإن كنتم ترجون قتل محمد ... فروموا بما جمعتم نقل يدبل «٣»
فإنا سنمنعه بكل طمرة «٤» ... وذي ميعة «٥» نهد المراكل هيكل «٦»
وكل رديني طمى كعوبة «٧» ... «٨» وغصب كما ماض الغمامة مفصل
بأيمان شم من ذوابة هاشم ... مغاوير بالأبطال في كل محفل
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما سمعت قريش بذلك، ورأوا منه الجد وأيسوا منه، فأبدوا لبني عبد المطلب الجفاء، فانطلق بهم أبو طالب فقاموا بين أستار الكعبة، فدعوا الله على ظلم قومهم لهم، وفي قطيعتهم أرحامهم واجتماعهم على محاربتهم، وبتأولهم سفك دمائهم، فقال أبو طالب: اللهم إن أبي قومنا إلا النصر علينا، فعجل نصرنا، وحل بينهم وبين قتل إبن أخي، ثم أقبل إلى جمع قريش وهم ينظرون إليه وإلى أصحابه، فقال أبو طالب: ندعو
(١) في ع: تخلخل.
(٢) العنقا، طائر اسطوري دعاه العرب باسم عنقاء، مغرب، والعيكل ظهر الكثيب أو العظيم من الرمال.
(٣) جبل مشهور الذكر بنجد.
(٤) الفرس الجواد.
(٥) في ع: نيعه.
(٦) في ع يكل، ويصف هذا الشطر الفرس وجودتها.
(٧) الرمح الرديني منسوب الى ردينة، وهي امرأة كانت تعمل الرماح، وطمى غطى، الكعوب ما بين الانبوبتين من القصب.
(٨) العضب: الحسام القاطع.
برب هذا البيت على القاطع المنتهك للمحارم، والله لتنتهن عن الذين تريدون، أو لينزلن الله بكم في قطيعتنا بعض الذي تكرهون، فأجابوه إنكم يا بني عبد المطلب لا صلح بيننا وبينكم ولا رحم إلا على قتل هذا الصبي السفيه.
ثم عمد أبو طالب فأدخل الشعب إبن أخيه وبني أبيه ومن اتبعهم من بين مؤمن، دخل لنصرة الله، ونصره رسول الله ﷺ، ومن بين مشرك يحمي، فدخلوا شعبهم، وهو شعب في ناحية من مكة، فلما قدم عمرو- عمرو بن العاصي- وعبد الله بن أبي ربيعة إلى قريش «١» وأخبروهم بالذي قال النجاشي لمحمد ﷺ وأصحابه، اشتد وجدهم، وآذوا النبي ﷺ وأصحابه أذى شديدًا وضربوهم في كل طريق وحصروهم في شعبهم وقطعوا عنهم المادة من الأسواق، فلم يدعوا أحدا من الناس يدخل عليهم طعامًا ولا شيئًا مما يرفق بهم، وكانوا يخرجون من الشعب إلى الموسم، وكانت قريش تبادرهم إلى الأسواق فيشترونها ويغلونها عليهم، ونادى منادي الوليد بن المغيرة في قريش: أيما رجل وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه.
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن الربيع بن أنس قال: نزلت في الوليد بن المغيرة: «عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ» «٢» قال: فاحش مع ذلك لئيم.
نا أحمد: نا يونس عن إبن إسحق في حديثه عن الوليد: فمن رأيتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه، وحولوا بينهم وبينه [٦٤] ومن لم يكن عنده نقد فليشتر «٣» وعلي النقد، ففعلوا ذلك ثلاث سنين حتى بلغ القوم الجهد الشديد، وحتى سمعوا أصوات صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب، وكان المشركون يكرهون ما فيه بنو هاشم من البلاء، حتى كره عامة قريش ما أصاب بني هاشم، وأظهروا لكراهيتهم لصحيفتهم القاطعة الظالمة الذي تعاهدوا فيها على
(١) سيأتي خبر الهجرة إلى الحبشة وما صنعته قريش تجاه ذلك بعد قليل.
(٢) سورة القلم: ١٣.
(٣) سقطت الواو من ع.
محمد ﷺ ورهطه، وحتى أراد رجال منهم أن يبرءوا منها، وكان أبو طالب يخاف أن يغتالوا رسول الله ﷺ ليلًا أو سرًا، فكان رسول الله ﷺ إذ أخذ مضجعه أو رقد بعثه أبو طالب عن «١» فراشه وجعله بينه وبين بنيه خشية أن يقتلوه؛ وتصبح قريش فيسمعوا من الليل أصوات صبيان بني هاشم الذين في في الشعب يتضاغون من الجوع، فإذا أصبحوا جلسوا عند الكعبة فيسأل بعضهم بعضًا، فيقول الرجل لصاحبه: كيف بات أهلك البارحة؟ فيقول: بخير، فيقول: لكن اخوانكم هؤلاء الذين في الشعب بات صبيانهم يتضاغون من الجوع حتى أصبحوا، فمنهم من يعجبه ما يلقى محمد ﷺ ورهطه، ومنهم من يكره ذلك، فقال أبو طالب، وهو يذكر ما طلبوا من محمد ﷺ، وما حشدوهم في كل موسم يمنعونهم أن يبتاعوا بعض ما يصلحهم، وذكر في الشعر:
ألا من لهم آخر الليل معتم ... طواني وأخرى النجم لم يتقحم
طواني وقد نامت عيون كثيرة ... وسائر أخرى ساهر لم ينوم «٢»
لأحلام أقوام أرادوا محمدًا ... بسوء ومن لا يتقي الظلم يظلم
سعوا سفها واقتادوهم سوء رأ ... يهم على قائل من رأيهم غير محكم
رجا أمور لم ينالوا نظامها ... وإن حشدوا في كل نفر وموسم
يرجون أن نسخا بقتل محمد ... ولم تختضب سمر العوالي من الدم
يرجون منا خطة «٣» دون نيلها ... ضراب وطعن بالوشيج المقوم
كذبتم وبيت الله لا تقتلونه ... جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
وتقطع أرحام وتنسى «٤» حليلة ... حليلها «٥» ونغشًا محرمًا بعد محرم
وينهص قوم في الدروع إليكم ... يذبون عن أحسابهم كل مجرم
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق: فأقامت قريش على ذلك من أمرهم في
(١) في ع: على.
(٢) في ع: تنوم.
(٣) في ع: ساخطة.
(٤) في ع: وتسبي.
(٥) في ع: جليلة.
بني هاشم وبني المطلب [٦٥] سنتين أو ثلاثًا، حتى جهد القوم جهدًا شديدًا لا يصل إليهم شيء إلا سرًا، أو مستخفًا ممن أراد صلتهم من قريش، فبلغني أن حكيم بن حزام خرج يومًا ومعه انسان يحمل طعامًا إلى عمته خديجة ابنة خويلد، وهي تحت رسول الله ﷺ، ومعه في الشعب، إذ لقيه أبو جهل فقال: تذهب بالطعام إلى بني هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك عند قريش، فقال له أبو البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد: تمنعه أن يرسل إلى عمته بطعام كان لها عنده، فأبى أبو جهل أن يدعه، فقام إليه أبو البختري بساق بعير فشجه ووطئه وطئًا شديدًا، وحمزة بن عبد المطلب قريبًا يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله ﷺ وأصحابه فيشمتوا بهم، فقال أبو البختري بن هاشم «١» في ذلك:
ذق يا أبا جهل لقيت غمًا ... كذلك الجهل يكون ذما
سوف ترى عودي إن ألما ... كذلك اللوم يعود ذما
تعلم أنا نفرج المهما ... ونمنع الأبلج «٢» أن يطما
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم إن الله
﷿ برحمته أرسل على صحيفة قريش التي كتبوا فيها تظاهرهم على بني هاشم، الأرضه، فلم تدع فيها اسم هو لله ﷿ إلا أكلته، وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان، فأخبر الله ﷿ بذلك رسول الله ﷺ، فأخبر أبا طالب، فقال أبو طالب: يا ابن أخي من حدثك هذا، وليس يدخل إلينا أحد ولا تخرج أنت إلى أحد، ولست في نفسي من أهل الكذب، فقال له رسول الله ﷺ أخبرني ربي هذا، فقال له عمه: إن ربك لحق، وأنا أشهد أنك صادق، فجمع أبو طالب رهطه ولم يخبرهم بما أخبره به رسول الله ﷺ كراهية أن يفشوا ذلك الخبر فيبلغ المشركين، فيحتالوا للصحيفة الخبث والمكر، فانطلق أبو طالب برهطه حتى
(١) حقطت «ابن هشام» من ع.
(٢) الأمر الأبلح: الأمر الواضح، وطمى: غطى.
دخلوا المسجد، والمشركون من قريش في ظل الكعبة، فلما أبصروه تباشروا به، وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله ﷺ فيقتلوه، فلما انتهى إليهم أبو طالب ورهطه رحبوا بهم وقالوا: قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم، وفي حياته فرقتكم وفسادكم! فقال أبو طالب: قد جئتكم في أمر لعله يكون فيه صلاح [٦٦] وجماعة فاقبلوا «١» ذلك منا، هلموا صحيفتكم التي فيها تظاهركم علينا، فجاءوا بها، ولا يشكون إلا أنهم «٢» سيدفعون رسول الله ﷺ إليهم إذا نشروها، فلما جاءوا بصحيفتهم قال أبو طالب: صحيفتكم بيني وبينكم، وإن ابن أخي قد خبرني- ولم يكذبني- أن الله
﷿ قد بعث على صحيفتكم الأرضة، فلم تدع لله فيها إسمًا إلا أكلته وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان، فإن كان كاذبا فلكم علي أن أدفعه إليكم تقتلونه، وإن كان صادقًا فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا؟ فأخذ عليهم المواثيق، وأخذوا عليه، فلما نشروها فإذا هي كما قال رسول الله ﷺ، وكانوا هم بالغدر أولى منهم، واستبشر أبو طالب وأصحابه، وقالوا: أينا أولى بالسحر والقطيعة والبهتان؟
فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وهشام بن عمرو، أخو عامر بن لؤي بن حارثة، فقالوا: نحن براء من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة، ولن نمالىء أحدًا في فساد أنفسنا وأشرافنا، وتتابع على ذلك ناس من أشراف قريش، فخرج أقوام من شعبهم وقد أصابهم الجهد الشديد «٣»، فقال أبو طالب في ذلك من أمر محمد ﷺ وما أرادوا من قتله:
(١) في ع: فاقبوا.
(٢) في ع: ولا يشركون إلا بهم.
(٣) يفهم القارىء أن الحصار قد انتهى بهذه الحادثة، لكن ابن اسحق يتابع الحديث موحيا بأن الحصار قد استمر، ومن فحص بقية الخبر يبدو أن هذه البقية تشكل متن رواية جديدة، وعلى هذا نرى بأن ابن اسحق كان يدمج الروايات.
تطاول ليلي بهم وصب ... ودمع كسح السقاء السرب
للعب قصي بأحلامها ... وهل يرجع الحلم بعد اللعب
ونفي قصي بني هاشم ... كنفي الطهاة لطاف الحطب
وقول لأحمد أنت امرء ... خلوف الحديث ضعيف النسب
وإن كان أحمد قد جاءهم ... بحق ولم يأتهم بالكذب
على أن أخوتنا وازروا ... بني هاشم وبني المطلب
هما أخوان كعظم اليمين ... أمر علينا كعقد الكرب
فيا لقصي ألم تخبروا بما ... قد مضى من شؤون العرب
فلا تمسكن بأيديكم ... بعد الأنوف بعجب الذنب
علام علام تلافيتم ... بأمر مزاح وحلم عزب
ورمتم بأحمد ما رمتم ... على الأصرات وقرب النسب
فأنى وما حج من راكب ... لكعبة مكة ذات الحجب [٦٧]
تنالون أحمدًا وتصطلوا ... طبات الرماح وحد القضب
وتغترفوا بين أبياتكم ... صدور العوالي وحبل «١» عصب
تراهن من بين صافي السبيب ... قصير الحزام طويل اللبب
وجرداء كالطير سمحوجة ... طواها المقانع بعد الحلب
عليها صناديد من هاشم ... هم الأنجبون مع المنتجب
وقال أبو طالب في شأن الصحيفة حين رأى قومه لا يتناهون وقد رأوا فيها العلم من العلم ما رأوا:
ألا من لهم آخر الليل منصب ... وشعب العصا من قومك المتشعب
وحرب أبينا من لؤي بن غالب ... متى ما تزاحمها الصحيفة تحرب
إذا ما مشير قام فيها بخطة ... الذؤابة ذنبًا وليس بمذنب
(١) في ع: حب.
وما ذنب من يدعو إلى البر والتقى ... ولم يستطع أن يا رب الشعب يأرب
وقد جربوا فيما مضى غب أمرهم ... وما عالم أمرًا كمن لم يجرب
وقد كان في أمر الصحيفة عبرة ... متى ما يخبر غائب القوم يعجب
محى الله منها كفرهم وعقوقهم ... وما نقموا من باطل الحق معرب
فأصبح ما قالوا من الأمر باطلًا ... ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقًا ... على سخط من قومنا غير معتب
فلا تحسبوا يا مسلمين محمدًا ... لذي عربة منا ولا متغرب
ستمنعه منا يد هاشمية ... مركبها في الناس خير مركب
فلما باداهم أبو طالب بالعداوة، وباداهم بالحرب، عدت قريش على من أسلم منهم فأوثقوه وآذوه واشتد البلاء عليهم، وعظمت الفتنة فيهم، وزلزلوا زلزالًا شديدًا. وعدت بنو جمح على عثمان بن مظعون، وفر أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم إلى أبي طالب ليمنعه، وكان خاله فجاءت بنو مخزوم ليأخذوه، فمنعهم، فقالوا: يا أبا طالب منعتنا ابن أخيك، أتمنع منا ابن أخينا؟! فقال أبو طالب: أمنع ابن اختي مما أمنع ابن أخي، فقال أبو لهب- ولم يتكلم بكلام خير قط، ليس يومئذ-: صدق أبو طالب لا يسلمه إليكم، فطمع فيه أبو طالب حين سمع منه ما سمع، ورجا نصره والقيام معه، فقال شعرًا استجلبه بذلك [٦٨]:
وإن امرءًا أبو عتيبة عمه ... لفي روضة من أن يسام المظالما
أقول له وأين مني نصيحتي «١» ... أبا معتب ثبت سوادك قائمًا
ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة ... تسب بها لما «٢» هبطت المواسما
وحارب فإن الحرب نصف ولن ترى ... أخا الحرب يعطي الضيم إلا مسالما
(١) في ع: متى.
(٢) في حاشية الأصل: أيما، وفي ابن هشام- الروص: ٢/ ١٢١ «إما» .
وولي سبيل العجز غيرك منهم ... فإنك لن تلحق على العجز لازما
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم إنه قلم في نقض الصحيفة التي تكاتبت قريش على بني هاشم، وبني المطلب، نفر من قريش، ولم يبل أحد فيها بلاء أحسن بلاء «١» من هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن خزيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وذلك أنه كان ابن نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه، وكان عمرو ونضلة أخوين لأم، وكان هشام لبني هاشم واصلًا، وكان ذا شرف في قومه، وكان فيما بلغني يأتي بني المغيرة وبني هاشم وبني المطلب في الشعب ليلًا، قد أوقر حملًا طعامًا، حتى إذا أقبله «٢» في الشعب حل خطامه من رأسه ثم ضرب جنبه، فدخل الشعب عليهم، ويأتي به قد أوقره برًا أو بزا «٣» فيفعل به مثل ذلك.
ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب، فقال لزهير: قد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء، واخوانك حيث قد علمت لا يباعون ولا يباع «٤» منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، ولا يأمنون ولا يؤمن عليهم، أما إني أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدًا، قال: ويحك فما أصنع أنا رجل واحد؟! قال: فقال: قد وجدت ثانيًا، قال: ومن هو؟ قال: أنا أقوم معك فقال له زهير: أبغنا ثالثا؛ قال: وذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم قد رضيت أن تهلك بطن من بني عبد مناف وأنت شاهد على ذلك موافق عليه، أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها سراعا
(١) في ع: فيها بأحسن بلاء من.
(٢) في ع: أقبل به.
(٣) كذا في الأصل وعند ابن هشام ولعل الأصح أن يكون «تمرا» .
(٤) في ع: يبتاع.
ًمنكم، فقال: ويحك فما أصنع إنما أنا رجل واحد؟! فقال: قد وجدت ثانيًا، قال: فمن هو؟ قال أنا، قال: فابغنا ثالثًا، قال: قد فعلت، قال:
ومن هو؟ قال: زهير بن أبي أمية، قال: فابغنا رابعًا يتكلم معنا، قال:
فذهب إلى أبي البختري بن هشام فذكر قرابتهم وحقهم، فقال: هل من أحد يعين على هذا؟ قال: نعم، المطعم بن عدي، وزهير بن أبي أمية، فقال: ابغنا خامسًا، فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد فكلمه، وذكر له قرابتهم وحقهم، فقال له زمعة: هل معك على هذا الأمر الذي تدعوني إليه [٦٩] من أحد؟ فقال: نعم ثم سمى له القوم، فتواعد عند خطم الجحون ليلًا بأعلى مكة، فاجتمعوا هناك وأجمعوا أمرهم، وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها، فقال زهير: أنا أبدؤ فأكون أولكم.
فلما أصبحوا غدوا على أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أمية في حلة له فطاف بالبيت سبعًا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام ونشرب الشراب، ونلبس الثياب، وبنو هاشم بنوا المطلب هلكى لا يباعون ولا يباع «١» منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، والله لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة، فقال أبو جهل. كذبت والله- وهو في ناحية المسجد- لا تشق هذه الصحيفه، فقال زمعة ابن الأسود: بل أنت والله أكذب، ما رضينا كتابها حين كتبت، فقال أبو البختري: صدق زمعة بن الأسود، لا نرضى بما كتب فيها ولا نعرفه، فقال المطعم بن عدي صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله
﷿ منها ومما كتب فيها، وقال هشام بن عمرو مثل ما قالوا في نقضها وردها، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل تشور فيه- يعني بغير هذا المكان- وأبو طالب جالس في ناحية المسجد يرى ما يصنع القوم، ثم إن المطعم بن عدي قام إلى الصحيفة فشقها فوجد
(١) في ع: يبتاع.
الأرضة قد أكلها «١» إلا بسمك اللهم وكان الذي كتب الصحيفة منصور بن عكرمة ابن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار فشلت يده فيما يزعمون، والله أعلم.
فلما مزقت وبطل ما فيها قال أبو طالب في ذلك مما كان في أمر أولئك النفر في نقضها يمدحهم:
ألا هل أتى الأعداء رأفة ربنا ... على نأيهم والله بالناس أرود
فيخبرهم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله مفسد
تداعى لها إفك وسحر مجمع ... ولم يلف سحر آخر الدهر يصعد
تداعى لها من ليس فيها بقربة ... فطائرها في وسطها يتردد
ألم تك حقًا وقعة صيلمية ... ليقطع «٢» فيها ساعد ومقلد
ويظعن أهل ماكثون فيهربوا ... فرائصهم من خشية الموت ترعد «٣»

وفد قريش إلى الحبشة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقد كان عمارة بن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن العاص بعد مبعث رسول الله ﷺ، ومشي قريش بعمارة إلى أبي طالب قد خرجا تاجرين إلى أرض الحبشة، وكانت لقريش ملجأ ووجهًا، وهما على شركهما، وكلاهما كان شاعرًا غازيًا فاتكا، وكان عمارة رجلًا جميلًا وسيمًا، يفتن النسا،، صاحب محادثة، فركب البحر، ومع عمرو بن العاص إمرأته حتى إذا سارا في البحر لياليًا أصابا من خمر معهما، فلما انتشى عمارة بن الوليد قال لامرأة عمرو قبليني، فقال عمرو: قبلي ابن عمك، فقبلته، فألقاها عمارة بن الوليد فجعل يريدها عن نفسها، فامتنعت منه ثم إن عمرًا قعد على منجاف «٤»
(١) في ع: أكلتها.
(٢) في حاشية الأصل: المقطع.
(٣) انظر الروض: ٢/ ١٢٤ فرواية ابن هشام تتفاوت مع هذه طولا ومعنى.
(٤) قيل بأن المنجاف هو سكان السفينة أي ذنبها الذي تعدل به. انظر النهاية لابن الأثير: ٤/ ٣٦٣، ٥/ ٢٢. وانظر مادة نجف في لسان العرب.
السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر، فلما وقع فيه سبح حتى أخذ بمنجاف السفينة، فقال له عمارة: أما والله لو عرفت يا عمرو أنك تسبح ما طرحتك، ولكن كنت أظنك لا تحسن السباحة، فلما قال ذلك عمارة لعمرو ضغن عليه عمرو في نفسه، وعرف أنه قد أراد قتله ومضيا في وجههما حتى قدما أرض الحبشة كتب عمرو إلى أبيه العاصي بن وائل أن اخلعني وتبرأ من جريرتي إلى بني المغيرة وجميع بني مخزوم، وخشي على أبيه أن يتبع بجريرته، فلما قدم الكتاب على العاصي مشى إلى رجال من بني مخزوم، ورجال من بني المغيرة فقال: إن هذين الرجلين قد خرجا حيث قد علمتم، وكلاهما فاتك صاحب شر، غير مأمونين على أنفسهما: ولا أدري ما يكون، إني أتبرأ إليكم من عمرو وجريرته فقد خلعته، فقالت له عند ذلك بنو المغيرة ورجال من بني مخزوم: وأنت تخاف عمرًا على عمارة ونحن قد خلعنا عمارة وتبرأنا إليك من جريرته، فخل بين الرجلين، فقال: قد فعلت، فخلعوهما وتبرأ كل واحد من صاحبهم، ومما جر عليهم.
فلما اطمأنا لم يلبث عمارة أن دب لإمرأة النجاشي، وكان رجلًا جميلًا وسيمًا، فأدخلته فاختلف إليها، وجعل إذا رجع من مدخله ذلك يحدث عمرًا بما كان من أمره، فجعل عمرو يقول: ما أصدقك إنك قدرت على هذا، شأن المرأة أرفع من هذا! فلما أكثر عليه عمارة، وكان عمرو قد صدقه وعرف أنه قد دخل عليها، ورأى من هيئته «١» وما يصنع به والذهاب إذا أمسى وبيتوتته عنه حتى يأتي من السحر ما عرف به في ذلك، وكانا في منزل واحد، ولكنه كان يريد أن يأتيه بشيء لا يستطيع دفعه إن هو رفع شأنه إلى النجاشي، فقال له في بعض ما يذكر له من أمرها: إن كنت صادقًا أنك بلغت منها ما تقول، فقل لها فلتدهنك من دهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره، فإني أعرفه، وائتني منه بشيء حتى أصدقك بما تقول، قال: (٧١) أفعل، قال: فجاءه في بعض
(١) في ع: هيبته.
ما يدخل عليها، فدهنته وأعطته منه شيئًا في قارورة، فلما شمه عمرو عرفه، وقال له عند ذلك أشهد أنك قد صدقت، ولقد أصبت شيئًا ما أصاب أحد من العرب مثله «١»، امرأة الملك، ما سمعنا مثل هذا، وكانوا أهل جاهلية، وكان ذلك في أنفسهم فصلًا لمن أصابه وقدر عليه، ثم إنه سكت عنه حتى إذا اطمأن دخل عمرو على النجاشي فقال: أيها الملك معي سفيه من سفهاء قريش، وقد خشيت أن يعزى عندك أمره، وقد أردت أن أرفع إليك شأنه ولم أعلمك ذلك حتى استثبت أنه قد دخل على بعض نسائك فأكثر، وهذا دهنك قد أعطته وادهن به، فلما شم النجاشي الدهن، قال: صدقت هذا دهني الذي لا يكون إلا عند نسائي، ثم دعي بعمارة بن الوليد، ودعا بالسواحر فجردنه من ثيابه ثم أمرهن فنفخن في احليله، ثم خلى سبيله فخرج هاربًا في الوحش، فلم يزل بأرض الحبشة حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب
، فخرج إليه رجال من بني المغيرة منهم عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة، وكان اسم عبد الله قبل أن يسلم بجير، فلما أسلم سماه رسول الله ﷺ عبد الله، فرصده بأرض الحبشة بماء كان يرده مع الوحش، فذكروا أنه أقبل في حمر من حمر الوحش يرد معها، فلما وجد ريح الأنس هرب حتى أجهده العطش، فورد فشرب حتى إذا امتلأ خرجوا في طلبه، قال عبد الله بن أبي ربيعة: فسبقت إليه فالتزمته، فجعل يقول: أي بجير أرسلني فإني أموت إن أمسكتني، قال عبد الله: فضبطته فمات في يدي مكانه، فواريته ثم انصرفنا، وكان شعره فيما يزعمون قد غطى كل شيء منه، فقال عمرو، وهو يذكر ما صنع به وما أراد من امرأته:
تعلم عمار إن من شر شيمة ... لمثلك أن يدعا ابن عم لكائن ما
أإن كنت ذا بردين أحوى مرحلا ... فلست ترأى لابن عمك محرما
إذا المرء لم يترك طعامًا يحبه ... ولم ينه قلبًا غاويًا حيث يمما
(١) في ع: ما له.
قضى وطرًا منها يسيرًا فأصبحت ... إذا ذكرت أمثاله تملأ الفما
أصبت من الأمر الدقيق جليله ... وعيشًا إذا لاقيت من قد تلوما (٧٢)
ألا فارفع عن مطامع خشية ... وعالج أمر المجد لا يتندما
فليس الفتى ولو نمت عروقه ... بذي كرم إلا بأن يتكرما «١»
(١) لهذا الخبر روايات عدة منها ما ورد في الأغاني وفي أنساب الأشراف.
اسلام حمزة بن عبد المطلب

نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فحدثني رجل من أسلم، وكان واعية أن أبا جهل اعترض رسول الله ﷺ عند الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف له، فلم يكلمه رسول الله ﷺ، ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي لقريش عند الكعبة، فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب إن أقبل متوشحًا قوسه، راجعًا من قنص له، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على نادي من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، وكان يومئذ مشركًا على دين قومه، فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله ﷺ فرجع إلى بيته، فقالت له:، أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك من أبي الحكم آنقًا قبيل، وجده هاهنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله
﷿ به من كرامته، فخرج سريعًا لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، معدا لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر اليه جالسًا في القوم، فأقبل نحوه حتى قام من رأسه، رفع القوس وضربه بها ضربه شجه بها شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت؟! فقال حمزة: وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسول الله، وأن الذي يقول حق، فو الله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبًا قبيحا، وتم حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه رسول الله
ﷺ من قوله، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله ﷺ قد عز وامتنع (٧٣) وأن حمزه سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه، فقال في ذلك شعرًا ضرب أبا جهل وأسلم:
ذق يا أبا جهل بما عسيت ... من أمرك الظالم إذ «١» «٢» مشيت
ستسعط الرغم بما أتيت ... تؤذي رسول الله إذ نهيت
عن أمرك الظالم إذ عتيت ... لو كنت ترجو الله ما شقيت
ولا تركت الحق إذ دعيت ... ولا هويت بعد ما هويت
تؤذي رسول الله قد غويت ... ما كنت حبًا بعد ما غدرت
فحتى تذوق الخزي قد لقيت ... فقد شفيت النفس وأشفيت
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشيطان فقال أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابىء، وتركت دين آبائك، للموت كان خير لك مما صنعت فأقبل على حمزة بثه فقال: ما صنعت اللهم، إن كان رشدًا فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجًا، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان وتزيينه حتى أصبح، فغدا على رسول الله ﷺ فقال: يابن أخي إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه وإقامة مثلى على ما لا أدري ما هو أرشدًا هو أم غي شديدة؟ فحدثني حديثًا فقد اشتهيت يا بن أخي أن تحدثني، فأقبل رسول الله ﷺ فذكره ووعظه وخوفه وبشره، قال: فألقى الله
﷿ في نفسه الإيمان بما قال رسول الله ﷺ، فقال أشهد أنك صادق، شهادة الصدق العارف، فأظهر يا بن أخي دينك، فو الله ما أحب أن لي ما أظلته السماء وأني على ديني الاول فكان حمزة ممن أعز الله به الدين.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقال حمزة بن عبد المطلب:
(١) في ع: إذا.
(٢) في ع: بها.
حمدت الله حين هدى فؤادي ... إلى الاسلام والدين الحنيف
لدين جاء من رب عزيز ... خبير بالعباد بهم لطيف
إذا تليت رسائله علينا ... تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء أحمد من هداها ... بآيات مبينات الحروف
وأحمد مصطفى فينا مطاع ... فلا تغشوه بالقول العنيف (٧٤)
فلا والله نسلمه لقوم ... ولما نقضي فيهم بالسيوف
ونترك منهم قتلى بقاع ... عليها الطير كللورد العكوف
وقد خبرت ما صنعت ثقيف ... به فجزى القبائل من ثقيف
إله الناس شر جزاء قوم ... ولا أسقاهم صوب الخريف «١»
(١) انظر الروض الأنف: ٢/ ٤٩.
ما جاء في هجرة اصحاب رسول الله ﷺ إلى ارض الحبشة «١»
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ومنع الله بأبي طالب رسوله ﷺ، فلما رأى رسول الله ﷺ أصحابه وما يصيبهم من البلاء والشدة، وأن الله تعالى قد أعفاه من ذلك، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم من قومهم، وأنه ليس في قومهم من يمنعهم كما منعه عمه أبو طالب، أمرهم بالهجرة إلى أرض الحبشة، وقال لهم:
إن بها ملكًا لا يظلم الناس ببلاده في أرض صدق فتحرزوا عنده يأتيكم الله
﷿ بفرج منه، ويجعل لي ولكم مخرجًا، فهاجر رجال من أصحابه إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفروا إلى الله ﷿ بدينهم، واستخفى آخرون بإسلامهم.
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله
﷿: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ» الآية، فمكث رسول الله ﷺ بمكة عشر سنين بعد ما أوحي إليه خائفًا هو وأصحابه يدعون الله ﷿ سرًا وعلانية، ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة، وكانوا بها خائفين يمسون ويصبحون في السلاح، فقال رجل من أصحاب رسول الله ﷺ: يا رسول الله أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال رسول الله ﷺ: لن تعبروا إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم ليس فيه حديد، فأنزل الله ﷿ هذه الآية: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ»
(١) جاء في حاشية الأصل: ح. نا يونس بن بكير قال: قال معاوية بن أبي سفيان: أيها الناس اطلبوا حوائجكم دوننا فإن مطالبنا بعيد. ليس من الرواية.
إلى آخر الآية، لقول الرجل ولقول رسول الله ﷺ، وقوله: «وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» «١» قال: ومن كفر بهذه النعمة، ليس يقول: من كفر بالله، وكانوا كذلك حتى قبض الله
﷿ رسوله ﷺ، ثم كانوا كذلك في إمرة أبي بكر، وعمر، وعثمان ثم غيروا فغير ما بهم، كفروا «٢» بهذه النعمة فأدخل الله ﷿ عليهم الخوف الذي كان قد وضعه عنهم (٧٥) .
نا يونس عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله ﷺ على ثلاث فرق: فرقة بالمدينة، وفرقتين بمكة، فرقة كانوا يؤذون بمكة عشر سنين فيعفون عن المشركين، وفرقة كانوا إذا أوذوا انتصروا منهم، فأنزل الله
﷿ عليهم جميعًا، فقال: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ» وهو الشرك «وَالْفَواحِشَ» وهو الزنا «وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ» هؤلاء الذين كانوا لا ينتصرون من المشركين «وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ» الذين كانوا بالمدينة لم يكن عليهم أمير، كان رسول الله ﷺ بمكة وهم بالمدينة، يتشاورون في أمرهم «وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ» هؤلاء الذين انتصروا «وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» الذين عفوا، ولمن انتصر بعد ظلمه، إلى قوله: «فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ» المشركين الذين كانوا يظلمون الناس المسلمين «لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «٣» .
(١) سورة النور: ٥٥.
(٢) في ع: فكفروا.
(٣) سورة الشورى: ٣٦- ٤٢.
تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة من مكة
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة، قبل هجرة جعفر وأصحابه من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف:
عثمان بن عفان معه إمرأته رقية ابنة رسول الله ﷺ، وأبو حذيفة بن عتبة بن عبد شمس معه امرأته سهلة ابنة سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل، ولدت هناك محمد بن أبي حذيفة.
ومن حلفائهم: عبد الله بن جحش بن رئاب.
ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان بن جابر، حليف لهم من قيس عيلان.
ومن بني اسد بن عبد العزى بن قصي: الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد.
ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.
ومن بني عبد بن قصي: طليب بن عمير بن وهب بن أبي كثير بن عبد ابن قصي.
ومن بني زهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة، وعبد الله بن مسعود، حليف لهم، والمقداد، حليف لهم.
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة: أبو سلمة بن عبد الأسد معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وسلمة بن هشام بن المغيرة، حبس بمكة فلم يقدم إلا بعد بدر، وأحد، والخندق، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة هاجر معه إلى المدينة ولحق به أخواه لأمه: أبو جهل بن هشام (٧٦) والحارث بن هشام فرجعا به إلى مكة فحبساه بها حتى مضى بدر وأحد والخندق.
ومن حلفائهم: عمار بن ياسر- يشك فيه أكان خرج إلى الحبشة أم لا، ومعتب بن عوف بن عامر بن خزاعه من بني عدي بن كعب بن لؤي بن عامر بن ربيعة، حليفًا لهم، مع امرأته ليلى ابنة أبي حثمة بن غانم.
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص: عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وابنه السائب، وقدامة بن مظعون.
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب: خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي، وهشام بن العاصي بن وائل.
ومن بني عامر بن لؤي: حاطب بن عمرو بن عبد شمس، وهو أول من هاجر، فيما يقال، وسليط بن عمرو بن عبد شمس، معه امرأته أم يقظة بنت علقمة، ولدت له، ثم سليط بن سليط، والسكران بن عمرو بن عبد شمس، معه امرأته سودة بنت زمعة بن قيس، مات بمكة قبل هجرة رسول الله ﷺ إلى المدينة، فخلف رسول الله ﷺ على امرأته سودة ابنة زمعة.
ومن حلفائهم: سعيد بن خولة.
ومن بني الحارث بن فهر بن مالك: أبو عبيدة بن الجراح، وسهيل بن بيضاء، وعمرو بن أبي شريح بن ربيعة، وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فأقاموا حتى بلغهم أن أهل مكة قد أسلموا وسجدوا، وذلك أن سورة النجم أنزلت على رسول الله ﷺ، فقرأها رسول الله ﷺ، فأنصت لها كل مسلم ومشرك، حتى انتهى إلي قوله:
«أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى» فأصاخوا له والمؤمنون يتصدقون «١» وارتد ناس حين سمعوا سجع الشيطان، فقال: والله لنعبدهن ليقربونا إلى الله زلفا، وعلم
(١) في ع: مصدقون. وخلاصة الخبر أن النبي بعد ما قرأ من سورة النجم «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى» ألقى الشيطان في أمنيته، أي في تلاوته ... «إنهم لهم الغرانقة العلى. وإن شفاعتهم لترتجى» . انظر الروض: ٢/ ١٢٦.
الشيطان بتيك «١» الآيتين كل مشرك وذلت بها ألسنتهم، وكبر ذلك على رسول الله ﷺ حتى أتاه جبريل
، فشكا إليه هاتين الآيتين وما لقي من الناس فيهما، فتبرأ جبريل منهما وقال: لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله ﷿، وقلت ما لم يقل لك، فحزن رسول الله ﷺ حزنًا شديدًا، وخاف، فأنزل الله ﷿ تعزية له: «٢» «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ» إلى قوله «عَلِيمٌ حَكِيمٌ» «٣» .
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما بلغ من بالحبشة من المسلمين سجود أهل مكة مع رسول الله ﷺ أقبلوا، أو من شاء الله
﷿ منهم، وهم يرون أنهم قد تابعوا رسول الله ﷺ [٧٧] فلما دنوا من مكة بلغهم الأمر فثقل عليهم أن يرجعوا إلى أرض الحبشة، وتخوفوا أن يدخلوا مكة بغير جوار، فمكثوا على ذلك حتى دخل كل رجل منهم بجوار من بعض أهل مكة، وقدم عثمان بن مظعون بجوار من الوليد بن المغيرة، وأبو سلمة بن عبد الأسد بجوار من أبي طالب، وكان خاله، وأم أبي سلمة برة بنت عبد المطلب.
فأما عثمان بن مظعون فكان من خبره أن يونس بن بكير: نا عن محمد بن إسحق قال: فحدثني صالح عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عمن حدثه قال: لما رأى عثمان ما يلقى رسول الله ﷺ وأصحابه من الأذى، وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة قال عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل بيتي يلقون من البلاء والأذى في الله
﷿ ما لا يصيبني لنقص كثير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة وهو
(١) في ع: تلك.
(٢) سقطت «تعزية له» من ع.
(٣) سورة الحج: ٥٢.
في المسجد، فقال: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، قد كنت في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه إلى رسول الله ﷺ، ولي به وبأصحابه أسوة، قال الوليد:
فلعلك يا ابن أخي أوذيت، أو انتهكت؟ فقال: لا ولكني أرضي بجوار الله تعالى ولا أريد أن أستجير بغيره، قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية، فقال: انطلق قال: فخرجا حتى أتيا المسجد فقال الوليد: هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد علي جواري، فقال عثمان: صدق، وقد وجدته وفيًا كريم الجوار، وقد أحببت ألا أستجير بغير الله، وقد رددت عليه جواره، ثم انصرف عثمان بن مظعون ولبيد بن ربيعة ابن جعفر بن كلاب القيسي في مجلس قريش، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد وهو ينشدهم:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل............... ..
فقال عثمان: صدقت، فقال لبيد:
وكل نعيم لا محالة زائل
فقال عثمان: كذبت، فالتفت إليه القوم وقالوا للبيد: أعد علينا، فأعاد لبيد، وعاد له عثمان بتصديقه مرة وتكذيبه مرة، وإنما يعني عثمان إذ قال: كذبت، يعني نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: والله يا معشر قريش ما كانت مجالسكم هكذا! فقام سفيه منهم إلى عثمان ولطم عينه فاخضرت، فقال له من حوله: والله يا عثمان لقد كنت في ذمة منيعة، وكانت عينك غنية عما لقيت! فقال عثمان: جوار الله آمن وأعز، وعيني الصحيحة فقيرة إلى ما لقيت أختها [٧٨] ولي برسول الله ﷺ أسوة، وبمن معه أسوة، فقال الوليد:
هل لك في جواري؟ قال عثمان: لا إرب لي في جوار أحد إلا جوار الله، ثم قال عثمان في ذلك:
لا إرب لي يا ابن المغيرة في الذي ... تقول ولكني بأحمد واثق
رسول عظيم الشان يتلو كتابه ... له كل من يبغي التلاوة وامق
محب عليه كل يوم طلاوة وإن ... قال قولًا فالذي قال صادق
فيا رب إني مؤمن لمحمد وجبريل ... إذ جبريل بالوحي طارق
وما نزل الرحمن من كل آية لها ... كل قلب حين يذكر خافق
من الخوف مما ينذر الله خلقه ... إذا صد عن آيات ذي العرش وامق
ترى الناس ضلالًا وقد ضل سعيه ... وبالخير مغبون وبالشر سابق «١»
(١) لم يرو الشعر عند ابن هشام الروض: ٢/ ١٢٠- ١٢٧.
اسلام عمر بن الخطاب

نا أحمد: نا يونس عن محمد بن إسحق قال كان اسلام عمر بن الخطاب بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله ﷺ إلى ارض الحبشة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عبد العزيز بن عبد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه ليلى قالت: كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في اسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشة، جاءني عمر بن الخطاب وأنا على بعيري نريد ان نتوجه، فقال: اين يا أم عبد الله؟ فقلت له: آذيتمونا في ديننا فنذهب إلى أرض الله
﷿ حيث لا نؤذى في عبادة الله، فقال: صحبكم الله، فذهب، ثم جاءني زوجي عامر ابن ربيعة، فأخبرته بما رأيت من رقة عمر فقال: أترجين يسلم؟ فقلت: نعم، فقال: والله لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم إن قريشًا بعثت عمر بن الخطاب- وهو يومئذ مشرك- في طلب رسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ في دار في أصل الصفا، ولقيه النحام وهو نعيم بن عبد بن أسد، أخو بني عدي بن كعب، قد اسلم قبل ذلك، وعمر متقلد سيفه، فقال: يا عمر اين تراك تعمد؟
فقال: اعمد إلى محمد هذا الذي سفه احلام قريش، وسفه آلهتها، وخالف جماعتها، فقال له النحام: والله لبئست الممشى مشيت يا عمر، ولقد فرطت، واردت هلكة بني عدي بن كعب، او تراك تنفلت من بني هاشم، وبني زهرة وقد قتلت محمدا- ﷺ؟! [٧٩] فتحاورا حتى ارتفعت
أصواتهما، فقال له عمر: إني لأظنك قد صبأت، ولو اعلم ذلك لبدأت بك، فلما رأى النحام انه غير منته قال: فإني اخبرك، إن اهلك واهل ختنك قد أسلموا وتركوك وما انت عليه من ضلالتك، فلما سمع عمر تلك المقالة يقولها قال: فأيهم؟ قال: ختنك وابن عمك واختك، فانطلق عمر حتى اتى اخته.
وكان رسول الله ﷺ إذا اتته الطائفة من اصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى اولى السعة فيقول: عندك فلان فليكن إليك، فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج اخته سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فدفع إليه رسول الله ﷺ خباب بن الأرت، مولى ثابت بن ام انمار حليف بني زهرة، وقد أنزل الله
﷿ «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى» وكان رسول الله ﷺ دعا ليلة الخميس فقال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام، فقال ابن عم عمرو واخته: نرجو ان تكون دعوة رسول الله ﷺ لعمر، فكانت.
فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب اخته ليغير عليها ما بلغه من اسلامهما، فإذا خباب بن الآرت عند اخت عمر يدرس عليها طه، ويدرس عليها إذا الشمس كورت، وكان المشركون يدعون الدراسة الهينمة، فدخل عمر فلما ابصرته اخته عرفت الشر في وجهه فخبأت الصحيفة، وراغ خباب فدخل البيت، فقال عمر لأخته:
ما هذه الهينمة في بيتك؟ قالت: ما عدا حديثًا نتحدث به بيننا، فعذلها وحلف الا يخرج حتى تبين شأنها، فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: إنك لا تستطيع ان تجمع الناس على هواك يا عمر وإن كان الحق سواه، فبطش به عمر فوطئه وطئًا شديدًا وهو غضبان، فقامت إليه اخته تحجره عن زوجها فنفحها عمر بيده فشجها، فلما رأت الدم قالت: هل تسمع يا عمر، أرأيت كل شيء بلغك عني مما يذكر من تركي آلهتك وكفري باللات والعزى فهو حق، اشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فائتمر
امرك، واقض ما انت قاض، فلما رأى ذلك عمر سقط في يديه، فقال عمر لأخته: أرأيت ما كنت تدرسين اعطيك موثقًا من الله لا امحوها حتى اردها إليك، ولا اريبك فيها، فلما رأت ذلك اخته، ورأت حرصه على الكتاب رجت ان تكون دعوة رسول الله ﷺ له، فقالت: إنك نجس (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «١»، ولست آمنك على ذلك، فاغتسل غسلك من الجنابة، واعطني موثقًا (٨٠) تطمئن إليه نفسي ففعل عمر، فدفعت إليه الصحيفة، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقرأ «طه» حتى إذا بلغ «إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى» إلى قوله «فَتَرْدى» «٢» وقرأ «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» حتى بلغ «عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ «٣»» فأسلم عند ذلك عمر، فقال لأخته، وختنه: كيف الاسلام؟ قالا: تشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وتخلع الآنداد، وتكفر باللات والعزى، ففعل ذلك عمر، وخرج خباب، وكان في البيت داخلًا، فكبر خباب وقال: أبشر يا عمر بكرامة الله فإن رسول الله ﷺ قد دعا لك أن يعز الله الاسلام بك، قال عمر:
فدلوني على المنزل الذي فيه رسول الله ﷺ فقال له خباب بن الأرت: أنا أخبرك، فأخبره أنه في الدار التي في أصل الصفا، فأقبل عمر، وهو حريص على أن يلقى رسول الله ﷺ، وقد بلغ رسول الله ﷺ أن عمر يطلبه ليقتله ولم يبلغه اسلامه، فلما انتهى عمر إلى الدار استفتح، فلما رأى أصحاب رسول الله ﷺ عمر متقلدا بالسيف، أشفقوا منه، فلما رأى رسول الله ﷺ وجل القوم قال: افتحوا له فإن كان الله
﷿ يريد بعمر خيرًا اتبع الاسلام وصدق الرسول، وإن كان يريد غير ذلك لم يكن قتله علينا هينا، فابتدره رجال من أصحاب رسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ يوحى إليه، فخرج
(١) سورة الواقعة: ٧٩.
(٢) سورة طه: ١- ١٦.
(٣) سورة التكوير: ١- ١٤.
رسول الله ﷺ حين سمع صوت عمر، وليس عليه رداء، حتى أخذ بمجمع قميص عمر، ورداءه فقال له رسول الله ﷺ: ما أراك منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الرجز ما أنزل بالوليد بن المغيرة، ثم قال: اللهم اهد عمر، فضحك عمر، فقال: يا نبي الله أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فكبر أهل الإسلام تكبيرة واحدة سمعها من وراء الدار والمسلمون يومئذ بضعة وأربعون رجلًا واحدى عشرة امرأة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق: قال: قال عمر حين أسلم:
الحمد لله ذي المن الذي وجبت ... له علينا أيادي ما لها غير
وقد بدأنا فكذبنا فقال لنا ... صدق الحديث نبي عنده الخبر
وقد ظلمت ابنة الخطاب ثم هدى ... ربي عشية قالوا قد صبا عمر
وقد ندمت على ما كان من زلل ... بظلمها حين تتلى عندها السور
لما دعت ربها ذا العرش جاهدة ... والدمع من عينها عجلان يبتدر [٨١]
أيقنت أن الذي تدعوه خالقها ... فكاد «١» يسبقني من عبرة درر
فقلت أشهد أن الله خالقنا ... وأن أحمد فينا اليوم مشتهر
نبي صدق أتى بالحق من ثقة ... وافى الأمانة ما في عوده خور
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحاق قال: قال عمر عند ذلك: والله لنحن بالاسلام أحق أن ننادي «٢» منا بالكفر، فليظهرن لمكة دين الله، فإن أراد قومنا بغيًا علينا ناجزناهم، وإن قومنا أنصفونا قبلنا منهم، فخرج عمر وأصحابه، فجلسوا في المسجد، فلما رأت قريش إسلام عمر سقط في أيديهم.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني نافع عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب قال: أي أهل مكة أنقل للحديث؟ قالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج عمر، وخرجت وراء أبي وأنا غليم أعقل كلما رأيت، حتى أتاه، فقال: يا جميل هل علمت أني أسلمت؟ فو الله ما راجعه الكلام
(١) في ع: فعاد.
(٢) في ع: ينادى.
حتى قام يجر رداءه، وخرج عمر معه، وأنا مع أبي، حتى إذا قام على باب المسجد الكعبة صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش إن عمر قد صبا، فقال عمر:
كذبت ولكني أسلمت، فبادروه فقاتلهم وقاتلوه حتى قامت الشمس على رؤوسهم وبلح «١»، فجلس وعرشوا على رأسه قيامًا وهو يقول: اصنعوا ما بدا لكم فأقسم بالله لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم، فبينا هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبره وقميص قومسي «٢»، فقال:
مه؟ فقالوا: خيرًا، عمر بن الخطاب صبا، فقال فمه؟! رجل اختار لنفسه دينًا أترون بني عدي بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟! عن الرجل فو الله لكأنها كان ثوب كشف عنه، فلما قدمنا المدينة قلت: يا أبه من الرجل صاحب الحلة الذي «٣» صرف القوم عنك؟ قال: ذاك العاص بن وائل السهمي.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني المنكدر أن أعرابيًا من بني الدئل قال حيث بلغه أمر رسول الله ﷺ وظهوره واختلاف الناس بها قال: فما فعل الأصلع الطوال الأعسر، مع أي الحزبين هو، فو الله ليملأنها «٤» غدًا خيرًا أو شرًا، يعني عمر بن الخطاب.
نا يونس عن النضر أبي عمر عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال:
اللهم أيد الاسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب، فأصبح عمر فغدا على رسول الله ﷺ فأسلم، ثم خرج فصلى في المسجد ظاهرًا.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم عن عبد الله (٨٢) بن مسعود أنه قال: كان اسلام عمر بن الخطاب فتحًا، وهجرته نصرًا، وإمارته رحمة، وما استطعنا أن نصلي ظاهرين عند الكعبة حتى أسلم عمر
.
(١) أي انقطع من الاعياء فلم يقدر على التحرك.
(٢) الحبرة ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط، وقميص قومسي لعله نسبة الى قومس التي قال غنها ياقوت بأنها كانت كورة كبيرة واسعة تشتمل على مدن وقرى ومزارع في ذيل جبل طبرستان، وجاء في ابن هشام، الروض: ٢/ ٩٥- ١٠٠ «قميص موشى» .
(٣) في الأصل وع: التي وهو تصحيف.
(٤) في ع: ليملأ بها.
ما جاء في أول من جهر بالقرآن بمكة
نا يونس عن محمد بن إسحق قال: حدثني يحيى بن عروة بن الزبير بن العوام عن أبيه قال: كان أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله ﷺ عبد الله بن مسعود، اجتمع يومًا أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا، قالوا: إنا نخشاهم عليك إنما نريد رجلًا له عشيرة تمنعه من القوم إن آذوه، فقال: دعوني فإن الله
﷿ سيمنعني، فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في انديتها حتى قام عند المقام فقال رافعًا صوته: بسم الله الرحمن الرحيم «الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ «١»» فاستقبلها فقرأها، فتأملوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد، ثم قالوا: إنه يتلو بعض ما جاء به محمد- ﷺ فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن المطعم قال: كان أول من أفشى القرآن بمكة وعذب «٢» في رسول الله ﷺ عبد الله بن مسعود
.
آخر الجزء الثالث يتلوه إن شاء الله من عذب في الله بمكة من المؤمنين وحسبنا الله وصلى الله على سيدنا النبي محمد وآله وسلم. [٨٣]
(١) سورة الرحمن: ١.
(٢) في ع: من.
الجزء الرابع من كتاب المغازي رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق
بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله «١»

من عذب في الله بمكة من المؤمنين
أنا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: قرىء على أبي الحسين رضوان بن أحمد وأنا أسمع قال: نا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: نا يونس بن بكير عن ابن اسحق قال: نا الزهري قال:
حدثت أنا أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن الشريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله ﷺ وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسًا ليستمع فيه، وكلا لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يسمعون له حتى إذا أصبحوا أو طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا «٢» وقال بعضهم لبعض لا تعودون لو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثلما قالوا أول
(١) في ع: صفحة عنوان جاء فيها: الجزء الرابع من السير والمغازي للامام رئيس أهل المغازي والسير الشيخ محمد بن إسحق المطلبي المتوفى سنة ١٥١ هـ، رواية الشيخ أبي الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز عن أبي طاهر المخلص عن رضوان عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحق
أجمعين.
(٢) في ع: فتلاقوا.
مرة، ثم انصرفوا، فلما كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصا ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: حدثني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وأشياء ما أعرف معناها ولا ما يراد بها، فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت له «١»، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم: ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا «٢» على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى تدرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبدًا، ولا نصدقه؛ فقام عنه الأخنس بن شريق.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم عدوا على من أسلم واتبع رسول الله ﷺ من أصحابه، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يعذبونهم.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال:
كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب على الاسلام، وهو يقول أحد، أحد، فيقول ورقة: أحد، أحد والله يا بلال لن تفنى، ثم يقبل على من يفعل «٣» ذلك به من بني جمح وعلى أمية [٨٦] فيقول: أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا «٤» .
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فبلغني أن عمار بن ياسر قال: وهو
(١) في ع: به.
(٢) في ع: تحاذينا.
(٣) في ع: لن تعنا ثم تقبل على ما يفعل.
(٤) أي لأتخذن قبره منسكا ومسترحما، روض: ٢/ ٧٨- ٧٩.
يذكر بلال بن رباح، وأمه حمامه وأصحابه، وما كانوا «١» فيه من البلاء، وعتاقة أبي بكر
إياهم، فقال:
جزى الله خيرًا عن بلال وصحبه ... عتيقًا وأخزى فاكهًا وأبا جهل
عشية هموا «٢» في بلال بسوءة ... ولم يحذروا ما يحذر المرء ذو العقل
بتوحيده رب الأنام وقوله: ... شهدت بأن الله ربي على مهل
فإن تقتلوني تقتلوني ولم أكن ... لأشرك بالرحمن من خيفة للقتل «٣»
فيا رب إبراهيم والعبد يونس ... وموسى وعيسى نجني ثم لا تملي
لمن ظل يهوى الغي من آل غالب ... على غير بركان منه ولا عدل
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه إن أبا بكر أعتق ممن كان يعذب في الله
﷿ سبعة، أعتق: بلالًا، وعامر بن فهيرة، والزنيرة، وجارية بني «٤» عمرو بن مؤمل «٥»، والهندية وابنتها، وأم عبيس، وذكر أنه مر بالنهدية ومولاتها تعذبها، تقول والله لا أعتقك حتى تعتقك حياتك، فقال أبو بكر:
أجل يا أم فلان، قالت: فاعتقها إذًا فإنها على دينك، قال أبو بكر فبكائن؟ «٦» قالت: بكذا وكذا، فقال: قد أخذتها وأعتقتها، ردي عليها طحينها، قالت:
دعني أطحنه لها.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: ذهب بصر الزنيرة، وكانت ممن تعذب في الله
﷿ على الإسلام، فتأبى إلا الإسلام، فقال المشركون: ما أصاب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذا؟! والله ما هو كذلك، فرد الله علها بصرها.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني أبو عبد الله عن أبي عتيق عن
(١) في ع: خانوا.
(٢) في ع: هما.
(٣) في ع: القتل.
(٤) في الأصل وع: بن والتقويم من الروض: ٢/ ٦٨.
(٥) في ع: نوفل، وهو تصحيف.
(٦) في ع: فبكم هي.
عامر بن عبد الله بن الزبير قال: لما جعل أبو بكر يعتق أولئك الضعفاء بمكة قال له قحافة: أي بني لو أنك إذا أعتقت أعتقت رجالًا جلدًا يمنعونك ويقومون معك، فقال له: يا أبه إنما أريد ما أريد [لله
﷿ قال:] «١» فيحدث «٢» أن هذه الآيات نزلن «٣» في أبي بكر: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) «٤» إلى آخر السورة.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: فحدثني رجال من آل عمار بن ياسر أن سمية أم عمار عذبها هذا الحي من بني المغيرة بن عبد الله بن مخزوم على الاسلام وهي تأبى غيره حتى قتلوها، وكان رسول الله ﷺ يمر بعمار وبأمه وهم يعذبون بالأبطح [٨٧] في رمضاء مكة، فيقول: صبرًا آل ياسر موعدكم الجنة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان ياسر عبدًا لبني بكر من بني الأشجع بن ليث فاشتروه منهم، فزوجوه سمية أم عمار، فولدت عمار، وكانت سمية أمة لهم، فأعتقوا سمية، وعمارًا، وياسرًا.
نا يونس عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين قال: مر رسول الله ﷺ بعمار بن ياسر وهو يبكي بذلك عينيه فقال له رسول الله ﷺ: مالك، أخذك الكفار، فغطوك في الماء، فقلت كذا، وكذا، فإن عادوا لك فقل كما قلت.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: يا أبا «٥» عباس أكان المشركون يبلغون من المسلمين في العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟ فقال: نعم والله إن كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسًا من شدة الضر الذي به حتى أنه ليعطيهم ما سألوه من الفتنة وحتى يقولوا: أاللات والعزى
(١) زيادة من الروض: ٢/ ٦٨.
(٢) في ع: فيتحدث.
(٣) في ع: نزلت.
(٤) سورة الليل: ٥- ٧.
(٥) في ع: يابن.
إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، وحتى أن الجعل ليمر بهم فيقولون أهذا الجعل إلهك من دون الله؟ فيقول: نعم، إفتداء منهم لما يبلغون من جهده.
نا يونس عن العيزار بن حريث قال: مر خالد بن الوليد على اللات والعزى فقال:
كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
ثم مضى.
نا يونس عن حبيب بن حسان الأسدي عن مسلم بن صبيح قال: قال أصحاب رسول الله ﷺ: أنا قد كثرنا، فلو أمرت كل عشرة منا فأتوا رجلًا من صناديد قريش ليلًا وأخذوه فقتلوه، فتصبح البلاد لنا؟ فسر النبي ﷺ بذلك حتى رؤي في وجهه، فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله أبناءنا، آباءنا، إخواننا، فما زال عثمان يردد ذلك حتى سلم «١» رسول الله ﷺ قولهم الأول ورؤي في وجهه، حتى رفض ذلك، وأخذنا المشركون حين أمسينا فما من أحد من أصحاب رسول الله ﷺ الا قد «٢» أعطى الفتنة غير بلال فإنه قال:
الأحد الأحد.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا قومًا يصيبنا صلف العيش بمكة مغ رسول الله ﷺ وشدته، فلما أصابنا البلاء اعترفنا لذلك، وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإسلام جهدًا شديدا حتى لقد رأيت جلده يتحشف [٨٨] تحشف جلد الحية عنها حتى أن كنا لنعرضه على قسينا فنحمله مما به من الجهد، وما يقصر عن شيء بلغناه، ثم أكرمه الله
﷿ بالشهادة يوم أحد.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب
(١) كذا في الأصل وع ولعل الصواب: سئم.
(٢) في ع: وقد.
القرظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب
يقول: إنا لجلوس مع رسول الله ﷺ في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، قال: فلما رآه رسول الله ﷺ بكى للذي كان فيه من النعمة وما لهو هو «١» فيه اليوم، فقال رسول الله ﷺ: كيف بك إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة، ووضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى، وسترقم جدر بيوتكم كما تستر الكعبة، فقالوا: يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم نتفرغ للعبادة ونكفى المؤنة؟ فقال رسول الله ﷺ: أنتم اليوم خير منكم يومئذ.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني مع رسول الله ﷺ بمكة فخرجت من الليل أبول فإذا أنا أسمع قعقعة شيء تحت بولي فنظرت فإذا قطعه جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فرضضتها بين حجرين ثم استففتها، فشربت عليها من الماء، فقويت عليها ثلاثًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثني من سمع علي بن أبي طالب
يقول: خرجت في يوم شاتي من بيت رسول الله ﷺ ولقد أخذت إهابًا «٢» معطونا فخويت وسطه فأدخلته في عنقي، وشددت وسطي وحزمته بخوص النخل، وإني لشديد الجوع فلو كان في بيت رسول الله ﷺ طعام لطعمت منه، فخرجب ألتمس شيئًا، فمررت بيهودي في مال له وهو يستقي ببكرة له، فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط فقال: مالك يا عربي، هل لك في كل دلو بتمرة؟ فقلت: نعم، فافتح حتى أدخل، ففتح فدخلت فأعطاني دلوه فلما نزعت دلوًا أعطاني تمرة،
(١) في ع: هو.
(٢) الاهاب هو الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ.
حتى إذا امتلت كفي أرسلت الدلو وقلت: حسبي، فأكلتها، ثم نزعت في الماء فشربت، ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله ﷺ.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان ضجاع رسول الله ﷺ [٨٩] أدمًا حشوه ليف.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق عن الزهري عن عبيد الله بن أبي ثور عن عمر بن الخطاب
قال: دخلت على رسول الله ﷺ وهو مضطجع على خصفة «١» وإن بعضه لفي التراب، متوسدًا وسادة أدم محشوة ليفًا، فوق رأسه إهاب معطون «٢» معلق في سقف العلية، وفي زاوية شيء من قرط «٣» .
نا يونس عن أبي معشر المدني عن سعيد المقبري قال: كان لرسول الله ﷺ حصير يفرشه بالنهار حتى إذا كان الليل احتجره في المسجد فصلى فيه.
نا يونس عن المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: اضطجع رسول الله ﷺ ذات يوم على حصير فقام وقد أثر بجلده، فلا استيقظ جعلت أمسح عنه وأقول: ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئًا يقيك منه، فقال رسول الله ﷺ: وما أنا والدنيا، ما أنا والدنيا، إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الملك بن أبي سفيان الثقفي قال: قدم رجل من إراش بإبل له مكة، فابتاعها منه أبو جهل بن هشام فمطله «٤» بأثمانها، وأقبل الإراسيّ حتى وقف على نادي قريش ورسول الله ﷺ جالس في ناحية المسجد فقال: يا معشر قريش من رجل يؤديني على أبي الحكم بن
(١) الجلّة تعمل من الخوص للتمر والثوب الغليظ جدا.
(٢) أي نتن غير مدبوغ.
(٣) ورق السّلم يدبغ به، وقيل قشر البلوط.
(٤) في ع: فما طله.
هشام فإني غريب ابن سبيل، وقد غلبني على حقي، وأنا غريب ابن سبيل؟
فقال أهل المجلس: ترى ذلك الرجل- وهم يهزؤون به، إلى رسول الله ﷺ، لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- إذهب إليه فهو يؤديك عليه، فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله ﷺ فقال: يا عبد الله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله، وأنا غريب ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه، يأخذ لي حقي منه فأشاروا لي إليك، فخذ لي حقي منه، رحمك الله؛ فقال رسول الله ﷺ: إنطلق إليه، وقام معه، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: إتبعه فانظر ماذا يصنع «١»، فخرج رسول الله ﷺ حتى جاءه، فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ فقال: محمد فاخرج إلي، فخرج إليه وما في وجهه رائحة، قد امتقع لونه، فقال له: أعط هذا الرجل حقه، فقال:
نعم، لا يبرح حتى أعطيه الذي له، فدخل، فخرج إليه بحقه فدفعه إليه، ثم انصرف رسول الله ﷺ وقال للإراشي: الحق بشأنك
فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه الله [٩٠] خيرًا فقد أخذ الذي لي، وجاء الرجل الذي بعثوا معه، فقالوا له: ويحك ماذا رأيت؟
فقال: عجبًا من العجب «٢»، والله إلا أن ضرب عليه بابه فخرج وما معه روحه فقال: أعط هذا الرجل حقه، قال: نعم لا يبرح حتى أخرج إليه حقه، فدخل فأخرج إليه حقه فأعطاه إياه؛ ثم لم يلبث أن جاء أبو جهل فقالوا له:
ويلك ما لك فو الله ما رأينا مثل ما صنعت؟! قال: ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب على بابي وسمعت صوته فملئت رعبًا ثم خرجت إليه وإن فوق رأسي لفحل من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيايه لفحل قط، والله لو أبيت لأكلني.
(١) في حاشية ع: وفي رواية: ماذا يقول.
(٢) في الروض: ٢/ ١٣٣- ١٣٤ «ما هو إلا» .
حديث النبي ﷺ حيث خاصمه المشركون
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني شيخ من أهل مكة قديم منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس أن عتبة وشيبة إبني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث أخا بني عبد الدار، وأبا البختري أخا بني أسد، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أمية، وأمية بن خلف، والعاصي ابن وائل، ونبيه ومنبه ابني الحجاج السهميين اجتمعوا، أو من اجتمع منهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم رسول الله ﷺ سريعًا وهو يظن أن قد بدا لهم في أمره بداء، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم فقالوا له: يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا والله ما نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، ولقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح إلا جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا سودناك علينا، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك به رئى «١» تراه قد غلب عليك- وكانوا
(١) أنظر الروض: ٢/ ٤٩.
يسمون التابع من الجن رئى، فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر «١» فيك، فقال لهم رسول ﷺ: ما أدري ما تقولون [٩١] ما جئتكم بما جئتكم به لطلب «٢» أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم «٣»، ولكن الله بعثني إليكم رسولًا وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوا علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، أو كما قال رسول الله ﷺ.
فقالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فإنك قد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادًا ولا أقل ماء، ولا أشد عيشًا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليجري فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا فيهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخًا صدوقًا، نسلهم عما تقول أحق هو أم باطل، فإن صنعت لنا ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله، وأنه بعثك رسولًا كما تقول، فقال لهم رسول الله ﷺ: ما بهذا بعثت إنما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أرسلت به فإن تقبلوا مني فهو حظكم من الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم.
فقالوا فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث معك ملكًا يصدقك بها تقول ويراجعنا عنك وسله فليجعل لك جنانا وكنوزًا وقصورًا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، وحتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولًا كما
(١) في ع: يعذر.
(٢) في ع: أطلب.
(٣) في ع: فيكم.
تزعم، فقال لهم رسول ﷺ: ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسل ربه هذا ولا بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم.
قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل، فقال رسول الله ﷺ: ذلك إليه إن شاء فعل ذلك بكم؛ قالوا:
يا محمد فاعلم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب، فيتقدم إليك فيعلمك ما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدًا فقد أعذرنا إليك يا محمد، وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى تهلك [٩٢] أو تهلكنا، وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهن بنات الله، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلًا، فلما قالوا له ذلك قام رسول الله ﷺ عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو ابن عمته، ابن عاتكة بنت عبد المطلب، فقال له: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورًا ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل، ثم أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب، فو الله لا أومن بك أبدًا حتى تتخذ إلى السماء سلمًا ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، ثم تأتي معك بصك منشور ومعك أربعة من الملائكة يشهدون أنك كما تقول، وإيم الله أن أن لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك، ثم انصرف عن رسول الله ﷺ، وانصرف رسول الله ﷺ إلى أهله حزينًا آسفًا لما فاته مما كان فيه يطمع من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه فلما قام عنهم رسول الله ﷺ قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا، وسب آلهتنا، وإني أعاهد الله لأجلسن له غدا
بحجر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت «١» به رأسه، فأسلموني عند ذلك وامنعوني «٢» فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم ثم جلس لرسول الله ﷺ ينتظره، وغدا رسول الله ﷺ كما كان يغدوا، وكان رسول الله ﷺ بمكة وقبلته إلى الشام وكان إذا صلى صلى بين الركنين الأسود واليماني، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله ﷺ يصلي وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول الله ﷺ احتمل الحجر، ثم أقبل نحوه، حتى إذا دنا منه رجع متهيبًا منتقعا قد تغير لونه مرعوبًا قد يبست يده على حجره حتى قذف الحجر من يده، وقامت إليه رجال قريش فقالوا: ما لك يا أبا الحكم؟ فقال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، ولما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهم بأن يأكلني.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فذكر لي أن رسول الله ﷺ قال:
ذلك جبريل لو دنا لأخذه.
نا يونس قال: ثم رجع الحديث [٩٣] إلى الأول قال: فلما قال له ذلك أبو جهل قام النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فقال: يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما اشلتم «٣» له نبله بعد، لقد كان محمد فيكم غلاما حدثًا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم قلتم،
(١) فضخه: كسره، ولا يكون إلا في شيء أجوف.
(٢) كذا في الأصل وفي ع ولعل الصواب «أو امنعوني» كما جاء في ابن هشام، الروض: ٢/ ٣٨.
(٣) أي نزل بكم أمر لم تقدروه حق قدره ولم تحتاطوا له بما يلزم، وجاء عند ابن هشام، الروض: ٢/ ٣٨ «نزل بكم أمر ما آتيتم له بحيلة بعد» .
ساحر، ولا والله ما هو بساحر، قد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم:
كاهن، ولا والله ما هو بكاهن، وقد رأينا الكهنة وحالهم وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، ولا والله ما هو بشاعر ولقد روينا الشعر وأصنافه كلها هزجه ورجزه وقريضه، وقلتم: مجنون، ولا والله ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه، يا معشر قريش انظروا في شأنكم، فإنه والله قد نزل بكم أمر عظيم.
وكان النضر من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله ﷺ، وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك فارس، وأحاديث رستم وأسفندباذ وكان رسول الله ﷺ إذا جلس مجلسًا يذكر فيه بالله ويحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة «١» الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم يقول:
أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثًا منه، فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم «٢» عن ملوك فارس ورستم وأسفندباذ، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثًا مني.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني رجل من أهل مكة عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: أنزل الله في النضر ثماني آيات، قول الله تعالى:
«إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» «٣» وكل ما ذكر فيه الأساطير من القرآن «٤» .
فلما قال النضر ذلك بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا لهما: سلوهم عن محمد، وصفوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله،
(١) في ع: نعمه.
(٢) في ع: فيحدثهم، وعن رستم وأسفندباذ، أنظر الروض: ٢/ ٥٢- ٥٣.
(٣) سورة المطففين: ١٣.
(٤) أنظر سور: الأنعام ٢٥. الأنفال: ٣١. النحل: ٢٤. المؤمنون: ٨٣. الفرقان: ٥. النمل: ٦٨. الأحقاف: ١٧. القلم: ١٥.
فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله ﷺ، ووصفوا لهم أمره، وأخبروهم ببعض قوله، وقالوا لهم: إنكم أهل التوراة فقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث يأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا «١» فيه رأيكم، سلوه عن [٩٤] فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان بناؤه، وسلوه عن الروح ما هو، فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.
فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله ﷺ فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول الله ﷺ: أخبركم عما سألتم عنه غدًا، ولم يستثن فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله ﷺ خمس عشرة ليلة لا يحدث الله تعالى إليه في ذلك وحيًا، ولا يأتيه جبريل
حتى أرجف أهل مكة وقالوا:
وعدنا محمد غدًا واليوم خمس عشرة وقد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشىء مما سألناه عنه، حتى حزن رسول الله ﷺ مكث الوحي عنه، وشق عليه ما تكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، يقول الله تعالى:
«وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» . «٢»
(١) أي اعملوا فيه رأيكم.
(٢) سورة الاسراء: ٨٥.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فبلغني إن رسول الله ﷺ افتتح السورة فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) يعني محمدًا إنك رسول مني، تحقيقًا لما سألوه عنه من نبوته (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، قَيِّمًا أي معتدلًا لا اختلاف فيه (لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ «١») قال: عاجل عقوبة في الدنيا، وعذابه في الآخرة من عند ربك الذي بعثك رسولًا.
(١) سورة الكهف: ١- ٢.
باب احاديث الاحبار واهل الكتاب بصفة النبي ﷺ
نا يونس عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله قال كنت مع رسول الله ﷺ فهو يمشي في حرث ومعه عسيب «١» يتوكأ عليه فمر على ناس من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسلوه، فقام إليه بعضهم فقال: أخبرنا يا محمد عن الروح ما هو؟ فقام رسول الله ﷺ ساكتًا لا يتكلم، فعرفت أنه يوحى إليه، وكنت وراءه فتأخرت، ثم تكلم رسول الله فقال: [٩٥] (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي «٢») إلى قوله (قَلِيلًا) فقالوا: أليس قد نهيناكم أن تسألوه؟!
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني رجل بمكة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أحبار يهود قالوا لرسول الله ﷺ بالمدينة: يا محمد أرأيت قولك (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول الله ﷺ: كلا، فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء؟ فقال رسول الله ﷺ: إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه، فأنزل الله
﷿ فيما سألوه عنه من ذلك: (وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) إلى قوله: (ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ «٣») إني أرى التوراة في علم الله قليل.
(١) العسيب جريدة من النخل مستقيمة نحي عنها خوصها.
(٢) سورة الاسراء: ٨٥.
(٣) سورة لقمان: ٢٧.
نا يونس عن بسام مولى علي بن أبي الطفيل قال: قام علي بن أبي طالب على المنبر فقال: سلوني قبل ألا تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي؛ فقام ابن الكواء «١» فقال: يا أمير المؤمنين ما ذو القرنين، أنبي أو ملك؟ فقال: ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبدًا صالحًا أحب الله فأحبه وناصح الله بنصحه فضرب على قرنه الأيمن فمات ثم بعثه، ثم ضرب على قرنه الأيسر فمات وفيكم مثله.
نا يونس عن عمرو بن ثابت عن سماك بن حرب عن رجل من بني أسد قال:
سأل رجل عليًا: أرأيت ذا القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب؟
فقال: سخر له السحاب ومد له في الأسباب وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما جاءهم رسول الله ﷺ بما عرفوا من الحق وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءهم به من علم الغيوب حين سألوه عما سألوه عنه، فحال الحسد منهم له بينهم وبين أتباعه وتصديقه، فعتوا على الله وتركوا أمره عيانًا، ولجوا فيما هم عليه من الكفر فقال قائلهم:
(لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) «٢»، أي اجعلوه لعبًا وباطلًا، واتخذوه هزوًا، أي لعلكم تغلبون، تغلبوه بذلك، فإنكم إن وافقتموه وناصفتموه غلبكم، فلما قال ذلك بعضهم لبعض جعلوا إذا جهر رسول الله ﷺ بالقرآن وهو يصلي يتفرقون عنه ويأبون أن يسمعوا له، وكان الرجل منهم إذا أراد أن يسمع من رسول الله ﷺ بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلي استتر واستمع دونهم، فرقًا منهم، فإن رأى أنهم عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم ولم يستمع، وإن خفض رسول الله ﷺ صوته فظن الذين يستمعون أنهم [٩٦]
(١) هو عبد الله بن عمرو بن النعمان اليشكري، وعرف بابن الكواء، وكان خارجيا وكان كثير المسائلة لعلي بن أبي طالب
، وكان يسأله تعنتا. انظر الاشتقاق: ٣٤٠. جمهرة أنساب العرب لابن حزم: ٣٠٨.
(٢) سورة فصلت: ٣٦.
لم يسمعوا من قراءته شيئًا وسمع هو دونهم أشاح «١» له ليستمع منه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله ﷺ إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يستمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله ﷺ بعض ما يتلو وهو يصلي يسترق السمع دونهم فرقًا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم ولم يستمع، وإن خفض رسول الله ﷺ صوته فظن الذي يستمع أنهم لم يسمعوا شيئًا من قراءته وسمع من دونهم أشاح «٢» له يستمع، فأنزل الله تعالى: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) فيتفرقوا عنك «وَلا تُخافِتْ بِها» فلا يسمع من أراد أن يستمعها ممن يسترق ذلك دونهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فيقتنع به «وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا» . «٣»
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قالت: نزلت في الدعاء.
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن رجل عن مجاهد في قول الله تعالى: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ «٤») قال: أمر رسول الله ﷺ أن يجهر بالقرآن بمكة.
نا يونس عن يونس بن عمرو الهمداني عن أبيه عن سعد بن عياض اليماني قال، كان رسول الله ﷺ من أقل «٥» الناس منطقا، فلما أمر بالقتال شمر، فكان من أشد الناس بأسًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن زياد مولى بني هاشم عن محمد بن كعب قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيدًا حليمًا قال ذات يوم
(١) كذا في الأصل ولعل المقصود منها الالتفات نحو رسول الله ﷺ والحرص الشديد على الاستماع، وجاء في ع وعند ابن هشام، الروض: ٢/ ٤٧ «أصاخ» .
(٢) كذا في الأصل ولعل المقصود منها الالتفات نحو رسول الله ﷺ والحرص الشديد على الاستماع، وجاء في ع وعند ابن هشام، الروض: ٢/ ٤٧ «أصاخ» .
(٣) سورة الاسراء: ١١٠.
(٤) سورة الحجر: ٩٤.
(٥) في حاشية ع: خ- أول.
وهو جالس في نادي قريش ورسول الله ﷺ جالس وحده في المسجد: يا معشر قريش ألا أقوم إلى هذا فأكلمه أمورًا لعله أن يقبل بعضها فنعطه أيها شاء ويكف عنا، وذلك حين أسلم حمزة بن عبد المطلب، ورأوا أصحاب رسول الله ﷺ يزيدون ويكثرون؟ فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم فكلمه، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله ﷺ فقال: يابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة «١» في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك أن تقبل منها بعضها، فقال رسول الله ﷺ. قل يا أبا الوليد أسمع، فقال يابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالًا جمعنا من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تريد شرفًا شرفناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك، وإن كان [٩٧] هذا الذي يأتيك رئيًا تراه ولا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، ولعل هذا الذي تأتي به شعر جاش به صدرك، فإنكم لعمري يا بني عبد المطلب تقدرون منه على ما لا يقدر عليه أحد، حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله ﷺ يستمع منه قال رسول الله ﷺ:
أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: أفعل، فقال رسول الله ﷺ: بسم الله الرحمن الرحيم «حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا» «٢» فمضى رسول الله ﷺ يقرأها عليه، فلما سمعها عتبة أنصت له، وألقى بيده خلف ظهره معتمدًا عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله ﷺ إلى السجدة فسجد فيها، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد
(١) علو المكانة والنسب.
(٢) سورة فصلت: ١- ٣.
جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به، فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: ورائي، إني والله قد سمعت قولًا ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين «١» هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصيبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، فقال: هذا رأي لكم فاصنعوا ما بدا لكم.
نا أحمد: نا يونس عن بن إسحق قال: ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة حتى كثر في الرجال والنساء، وقريش تحبس من قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من الناس، فقال أبو طالب يمدح عتبة بن ربيعة حين رد على أبي جهل، فقال: ما تنكر أن يكون محمد نبيًا؟!
عجبت لحلم يا ابن شيبة ... وأحلام أقوام لديك سخاف
يقولون شايع من أراد محمد ... بسوء وقم في أمره بخلاف
فلا تركبن الدهر مني ظلامة ... وأنت امرؤ من خير عبد مناف
ولا تتركنه ما حييت لمطمع ... وكن رجلًا ذا نجدة وعفاف
تدور العدى عن دورة هاشمية ... ألا فهم في الناس خير آلاف
فإن له قربًا لديك قريبة ... وليس بذي حلف ولا بمضاف [٩٨]
ولكن من هاشم في صميمها ... إلى أبحر فوق البحور صواف
وزاحم جميع الناس فيه وكن له ... ظهيرًا على الأعداء غير مجاف
فإن غضبت فيه قريش فقل لهم ...: بني عمنا ما قومكم بضعاف
فما بالكم تغشون منا ظلامة ... وما بال أحلام هناك خفاف
وما قومنا بالقوم يغشون ظلمنا ... وما نحن فيما ساءهم بخفاف
ولكنا أهل الحفاظ والنهى ... وعز ببطحاء الحطيم مواف
(١) سقطت «بين» من ع.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: إن رسول الله ﷺ قال: يا معشر قريش اتبعوني وأطيعوا أمري فإنه الهدى ودين الحق يعززكم ويمنعكم من الناس (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) «١» فقالت قريش: (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا)، فانزل الله تعالى: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا) إلى قوله: (أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) «٢» .
نا يونس عن يونس بن عمرو عن العيزار بن حريث قال: كان رسول الله ﷺ يقول: اللهم أني أدعو قريشًا لتملك بتلك برًا وبحرًا، وقد جعلوا طعامي كطعام الحجلة، يا معشر قريش أطيعوني يطأ الناس أعقابكم إلى يوم القيامة، قال أبو جهل: والله لئن بايعناك يابن أخي لا تبايعك مضر ولا ربيعة، قال: بلى والله طوعًا وكرها، وفارس والروم.
نا يونس عن محمد بن أبي حميد المديني عن محمد بن المكندر قال: أتى رسول الله ﷺ فقيل له: إن قريشًا يتواعدونك ليقتلوك، فخرج رسول الله ﷺ من باب الصفا حتى وقف عندها فأتاه جبريل
فقال له يا محمد أن الله قد أمر السماء أن تطيعك، والأرض أن تطيعك، وأمر الجبال أن تطيعك، فإن أحببت فمر السماء أن تنزل عليهم عذابًا منها، وإن أحببت فمر الأرض أن تخسف بهم، وإن أحببت فمر الجبال أن تنضم عليهم، فقال رسول الله ﷺ:
أوخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم.
نا أحمد بن عبد الجبار قال: نا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي المنهال عن سعيد وعبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال: لما أتى موسى قومه فأمرهم بالزكاة جمعهم قارون فقال: هذا جاءكم بالصوم والصلاة وأشياء تحملونها، أفتحتملون أن تعطوه أموالكم؟ قالوا: ما نحتمل أن نعطيه أموالنا فما ترى؟
قال: أرى أن ترسلوا إليه بغي بني اسرائيل فتأمروها أن ترميه بأنه أرادها على نفسها، فرمت موسى على رؤوس الناس بأنه قد أرادها على نفسها، فدعا
(١) سورة نوح ١١.
(٢) سورة القصص: ٥٧.
الله عليهم، فأمر الله الأرض ان تطيعه، فقال للأرض: خذيهم فأخذتهم إلى [٩٩] أعقابهم فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى حجزهم «١» فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم فغيبتهم فيها، فأوحى الله إليه أن يا موسى سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم، لو إياي دعوا لأجبتهم.
نا يونس عن هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن المغيرة بن شعبة قال: إن أول يوم عرفت فيه رسول الله ﷺ، إني أمشي أنا وأبو جهل بن هشام في بعض أزقة مكة إذ لقينا رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ وسلم لأبي جهل:
يا أبا الحكم هلم إلى الله وإلى رسوله، إني أدعوك إلى الله، فقال أبو جهل: يا محمد هل أنت منته عن سب آلهتنا، هل تريد إلا أن تشهد أن قد بلغت، فنحن نشهد أن قد بلغت، فو الله لو أني أعلم أن ما تقول حقا ما تبعتك، فانصرف رسول الله ﷺ وأقبل علي فقال: والله إني لأعلم أن ما يقول حق ولكن بني قصي قالوا: فينا الحجابة، فقلنا: نعم؛ قالوا: فينا الندوة، قلنا: نعم؛ قالوا:
فينا اللواء، قلنا: نعم؛ قالوا: فينا السقاية: قلنا: نعم؛ ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب قالوا: منا نبي فلا والله لا أفعل.
نا يونس عن المبارك بن فضالة عن الحسن أن رسول الله ﷺ قال: إن لكل أمة فرعون، فإن فرعون هذه الأمة أبو جهل.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني حكيم بن حكيم عن عباد بن حنيف عن عكرمة عن ابن عباس أنه تلا «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ «٢»» قال: يقول المذمومة نزلت في أبي جهل بن هشام.
(١) أي إلى أوساطهم (معقدتكك سراويلهم) .
(٢) سورة الاسراء: ٦٠.
نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن عمرو بن ميمون الأودي قال: نا عبد الله بن مسعود قال بينا رسول الله ﷺ يصلي عند المقام، فقال أبو جهل لأصحابه، وهم جلوس عنده: من يذهب فيأتينا بسلي الجزور عند بني فلان، فقام غاو منهم فجاء به فقيل له: إذا رأيت محمدًا ساجدًا فضعه بين كتفيه، فلما سجد رسول الله ﷺ وضعه بين كتفية، فلم يتحلل حتى فرغ من سجوده، وبلغ فاطمة فجاءت وهي جارية فأخذته وجعلت تمسح عن ظهر رسول الله ﷺ ثم أقبلت عليهم تشتمهم واستضحكوا حتى صرعوا فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته استقبل الكعبة ورفع يديه فدعا عليهم: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة وعمارة بن الوليد، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، قال عبد الله بن مسعود: [١٠٠] وأنا يومئذ غلام غير ذي منعة في القوم، فو الذي أنزل الكتاب على محمد لقد رأيتهم صرعى في الطوي طوي بدر.
نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: وقد قال عمر بن الخطاب فيما يزعمون بعد اسلامه يذكر ما رأت قريش من العبرة فيما كان أبو جهل هم به من رسول الله ﷺ، وقائل يقول قالها أبو طالب، فالله أعلم بمن قالها:
أفيقوا بني غالب وانتهوا ... عن البغي في بعض ذا المنطق
وإلا فإني إذًا خائف ... بوائق في داركم تلتقي
تكون لغابركم عبرة ... ورب المغارب والمشرق
كما ذاق من كان من قبلكم ... ثمود وعاد فمن ذا بقي
غداة أتاهم بها صرصرًا ... وناقة ذي العرش إذ تستقي
فحل عليهم بها سخطة من الله ... في ضربة الازرق
غداة يعض بعرقوبها حسام ... من الهند ذو رونق
وأعجب من ذاك من أمركم ... عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام من حينه ... إلى الصابر الصادق المتقي
فأيبسه الله في كفه ... على رغم ذا الخائن «١» الأحمق
أحيمق مخزومكم إذ غوى ... بغي الغواة ولم يصدق
نا يونس عن المبارك بن فضالة عن الحسن أن رسول ﷺ قال: أيها الناس انظروني وقريشًا فإن غلبوني فسترون ذاكم، وإن غلبهم الله لي فانتظروا، فكف ناس وقالوا: صدق إن غلب قريشًا فما ذاك إلا من الله ليس من هذا فكفوا عن قتاله، وأبى آخرون فهلكوا.
نا يونس عن قيس بن الربيع عن حكيم بن الديلم عن الضحاك بن مزاحم عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى: «وَأَنْتُمْ سامِدُونَ «٢»» قال: كانوا يمرون على رسول الله ﷺ وهو يصلي ألم تر إلى البعير يكون في الابل فتراه يخطر بذنبه شائحا.
(١) جاء في الحاشية: الجائر.
(٢) سورة النجم: ٦١.
حديث الهجرة الاولى إلى الحبشة
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما اشتد البلاء وعظمت الفتنة تواثبوا على أصحاب رسول الله ﷺ وكانت الفتنة الآخرة التي أخرجت من كان هاجر من المسلمين بعد الذين كانوا خرجوا قبلهم إلى أرض الحبشة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني [١٠١] الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة زوج النبي ﷺ إنها قالت: لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله ﷺ وفتنوا ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم وأن رسول الله ﷺ لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله ﷺ في منعة من قومه وعمه لا يصل إليه شىء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله ﷺ: إن بأرض الحبشة ملكًا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أرسالًا حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنًا على ديننا، ولم نخش منه ظلمًا.
فلما رأت قريش أن قد أصبنا دارًا وأمنًا أجمعوا على أن يبعثوا إليه فينا ليخرجنا من بلاده وليردنا عليهم، فبعثوا عمرو بن العاصي، وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يدعوا منهم رجلًا إلا هيأوا له هدية على ذي حده، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثم ادفعوا إليه هداياه، وإن استطعتم أن يردهم عليكما قبل أن يكلمهم فافعلا.
فقدما عليه، فلم يبق بطريق من بطارقته إلا قدموا له هديته وكلموه وقالوا
له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا فارقوا أقوامهم في دينهم ولم يدخلوا في دينكم، فبعثنا قومهم فيهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل، ثم قدما إلى النجاشي هداياه، وكان أحب ما يهدى إليه من مكة الأدم «١»، فلما أدخلوا عليه هداياه قالوا له:
أيها الملك إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجأوا الى بلادك، فبعثنا إليك فيهم عشائرهم:
آباؤهم، وأعمامهم، وقومهم لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم عينًا، فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم عينًا، فإنهم لم يدخلوا في دينك فتمنعهم بذلك، فغضب ثم قال: لا لعمر الله لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجأوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ولم أخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عينًا.
فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم ولم يكن شيء [أبغض] «٢» إلى عمرو بن العاصي وعبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول [١٠٢] النجاشي اجتمع القوم فقالوا: ماذا تقولون؟ فقالوا: وماذا نقول، نقول والله ما نعرف، وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا كائن في ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه، فارقتم دين قومكم، ولا تدخلوا في يهودية ولا «٣» نصرانية، فما هذا الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك كنا قومًا على الشرك: نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحل
(١) الجلد المدبوغ خاصة ما كان لونه أحمرا، وكثرة الاشارات الى «الأدم» في كتب السيرة وتواريخ مكة توحي أنه كانت للمكيين مدابغ، لعلهم كانوا يستفيدون فيها من جلود الأضاحي.
(٢) زيد ما بين الحاصرتين من ع.
(٣) كرر كلمة ر لا في الأصل.
المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئًا ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبيًا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلي ونصوم، ولا نعبد غيره، فقال: هل معك شيء مما جاء به- وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله-؟ فقال جعفر: نعم، قال: هلم فاتل علي ما جاء به، فقرأ عليه صدرًا من «كهيعص «١»» فبكا والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة الذي جاء بها موسى «٢»، انطلقوا راشدين، لا والله أردهم عليكم ولا أنعمكم عينًا، فخرجا من عنده، وكان أتقى الرجلين فينا عبد الله بن أبي ربيعة، فقال له عمرو بن العاصي: والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم، لأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد- عيسى بن مريم- عبد، فقال له عبد الله بن ربيعة: لا تفعل فإنهم وإن كانوا خالفونا فإن لهم رحمًا ولهم حقًا، فقال:
والله لأفعلن.
فلما كان الغد دخل عليه فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم فسلهم عنه، فبعث إليهم، ولم ينزل بنا مثلها، فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟ فقالوا:
نقول والله الذي قاله فيه، والذي أمرنا نبينا أن نقوله فيه، فدخلوا عليه، وعنده بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر:
نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض فأخذ عويدًا بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى ابن مريم مما قلت هذا العود [١٠٣] فتناخرت بطارقته، فقال: وإن تناخرتم والله، إذهبوا فأنتم شيوم بأرضي، والشيوم: الآمنون، ومن سبكم غرم،
(١) سورة مريم: ١.
(٢) في ابن هشام، روض: ٢/ ٨٨ «عيسى» .
ومن سبكم غرم، ومن سبكم غرم، ثلاثًا، ما أحب أن لي دبيرًا، وأني آذيت رجلًا منكم، والدبير بلسانهم الذهب، فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه، ردوا عليهما هدايا هما فلا حاجة لنا بها، واخرجا من بلادي، فخرجا مقبوحين مردود عليهما ما جاءا به.
فأقمنا مع خير جار في خير دار، فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فو الله ما علمنا حزنًا قط كان أشد منه، فرقًا أن يظهر ذلك الملك عليه فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرف، فجعلنا ندعوا الله ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائرًا، فقال أصحاب رسول الله ﷺ بعضهم لبعض: من رجل يخرج فيحضر الوقعة حتى ينظر على من تكون فقال الزبير- وكان من أحدثهم سنًا-: أنا، فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره ثم خرج يسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة، فهزم الله ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه، فجاءنا الزبير فجعل يليح إلينا بردائه ويقول: ألا أبشروا فقد أظهر الله النجاشي، فو الله ما علمنا فرحنا بشىء قط فرحنا بظهور النجاشي، ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعًا إلى مكة، وأقام من أقام.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: قال الزهري: فحدثت بهذا الحديث عروة بن الزبير عن سلمة،، فقال عروة: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه؟ فقال الزهري: لا، ما حدثني ذاك أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أم سلمة، فقال عروة: فإن عائشة حدثتني أن أباه كان ملك قومه، وكان له أخ من صلبه اثنا عشر رجلًا، ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا: لو إنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإن له
اثنى عشر رجلا من صلبه فيتوارثوا الملك لبقيت الحبشة عليهم دهرًا طويلًا لا يكون بينها اختلاف، فغدوا عليه فقتلوه وملكوا أخاه، فدخل النجاشي لعمه حتى غلب عليه فلا يدير أمره غيره، وكان لبيبًا فلما رأت الحبشة (١٠٤) مكانه من عمه قالوا: لقد غلب هذا الغلام على أمر عمه، فما نأمن أن يملكه علينا، وقد عرف أنا قتلنا أباه وجعلناه مكانه، وإنا لا نأمن أن يملكه علينا فيقتلنا، فإما أن نقتله وإما أن نخرجه من بلادنا، فقال: ويحكم قتلتم أباه بالأمس، وأقتله اليوم! بل أخرجوه من بلادكم، فخرجوا به فوقفوه بالسوق فباعوه من تاجر من التجار، فقذفه في سفينته، بستمائة درهم أو سبعمائة «١» درهم، فانطلق به، فلما كان العشي هاجت سحائب الخريف، فخرج عمه يتمطر «٢» تحتها فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعوا إلى ولده فإذا هم محمقون ليس في أحد منهم خير، فمرج على الحبشة أمرهم، فقال بعضهم لبعض: تعلمن والله إن ملككم الذي لا يصلح أمركم غيره للذي بعتم الغداة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب، فخرجوا في طلبه حتى أدركوه فردوه فعقدوا عليه تاجه وأجلسوه على سريره وملكوه، فقال التاجر ردوا علي مالي كما أخذتم مني غلامي، فقالوا: لا نعطيك، فقال: إذا والله أكلمه، فقالوا: وإن؛ فمشى إليه فقال: أيها الملك إني ابتعت غلاما فقبض مني الذين باعوه ثمنه، ثم عدوا على غلامي فنزعوه من يدي ولم يردوا علي مالي، فكان أول ما اختبر من صلابة حكمه وعدله أن قال: لتردن عليه ماله أو ليجعلن غلامه يده في يده فليذهبن به حيث شاء؟ فقالوا: بل نعطه ماله، فأعطوه إياه، فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رشوة فآخذ الرشوة فيه حين رد إلى ملكي، ولا أطاع الناس في فأطيعهم فيه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن رومان عن عروة
(١) في ابن هشام، الروض: ٢/ ٨٩- بمائة درهم.
(٢) في ع: يستمطر.
ابن الزبير قال: إنما كان يكلم النجاشي عثمان بن عفان.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وليس كذلك، إنما كان يكلمه جعفر بن أبي طالب.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض أهل العلم أن فتية من الحبشة قد رأوا رقية بنت رسول الله ﷺ وهي هناك مع زوجها عثمان بن عفان، وكانت فيما يقال أجمل وأحسن البشر، وكانوا يقفون إليها ينظرون إليها ويدر كلون لها إذا رأوها عجبًا منها حتى آذاها ذلك من أمرهم، وهم يتقون أن يؤذون أحدًا منهم للغربة، ولما رأوا من حسن جوارهم، فلما سار النجاشي إلى عدوه، ساروا معه فقتلهم الله جميعًا لم يفلت منهم أحد (١٠٥) .
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم قدم على رسول الله ﷺ وهو بمكة عشرون رجلًا أو قريبا من ذلك من النصارى، حين ظهر خبره من الحبشة فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه فكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألتهم رسول الله ﷺ عما أرادوا، دعاهم رسول الله ﷺ وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا: خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمأن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم، فصدقتموه بما قال لكم، ما نعلم ركبًا أحمق منكم، أو كما قالوا لهم؛ فقالوا:
سلام عليكم لانجاهلكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، لا نألوا أنفسنا خيرًا، ويقال إن النفر النصارى من أهل نجران، فالله أعلم أي ذلك كان، ويقال- والله أعلم- أن فيهم نزلت هؤلاء الآيات: «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ» إلى قوله: «لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» «١» .
(١) سورة القصص: ٥٢- ٥٥.
نا يونس عن أسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن قال:
بعث النجاشي إلى رسول الله ﷺ اثني عشر رجلًا يسألونه ويأتونه بخبره، فقرأ عليهم رسول الله ﷺ القرآن، فبكوا وكان فيهم سبعة رهبان وخمسة قسيسين، أو خمسة رهبان وسبعة قسيسين، ففيهم أنزل الله: «وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ «١»» إلى آخر الآية.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: سألت الزهري عن الآيات: «ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ» إلى قوله: «مَعَ الشَّاهِدِينَ «٢»» وقوله: «وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلامًا «٣»»؟ فقال: ما زلت أسمع علماءنا يقولون نزلت في النجاشي وأصحابه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: خرج بنا رسول الله ﷺ إلى المصلى، فصفنا خلفه، وكبر بنا أربعًا، فلما انصرف قلنا: يا رسول الله علي من صليت؟ فقال على أخيكم النجاشي، مات اليوم.
نا يونس عن عبد الله بن عمر عن شهاب قال: كبر رسول الله ﷺ على النجاشي أربعًا.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني (١٠٦) يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها قالت: ما كان يزال يرى على قبر النجاشي نور.
نا يونس عن ابن إسحق قال: كان اسم النجاشي أصحمه «٤» وهو بالعربية
(١) سورة المائدة: ٨٢- ٨٣.
(٢) سورة المائدة: ٨٢- ٨٣.
(٣) سورة الفرقان: ٦٣.
(٤) في الأصل «مضخحه» وفي ع «مضحفه» وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه وفقا لما سيأتي في كتاب النبي ﷺ إليه ص ٢٢٨ واعتمادا علي ما جاء في الروض: ٢/ ٧٩ وفي القاموس مادة «نجش» .
عطية، وإنما النجاشي اسم الملك، كقولك كسرى وهرقل.
نا أحمد: نا يونس عن يونس الإيلي عن الزهري قال: قال ابن عمر لرجل جالس معه تمنه فقال: لا أفعل، فقال ابن عمر: لكني لوددت أن لي مثل أحد ذهبًا أحصي وزنه وأودي زكاته.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربه
﷿.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني والدي إسحق بن يسار قال: رأيت أبا نيزر ابن النجاشي فما رأيت رجلًا قط عربيًا ولا عجميا أعظم ولا أطول ولا أوسم منه، وجده علي بن أبي طالب مع تاجر بمكة فابتاعه منه وأعتقه مكافأة للنجاشي لما كان ولي من أمر جعفر وأصحابه، فقلت لأبي:
أكان (أبا) «١» نيزر أسود كسواد الحبشة؟ فقال: لو رأيته لقلت رجل من العرب.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن الحسن أن أمه فاطمة بنت الحسين حدثته قالت: قدم على أبي نيزر بن النجاشي- وكان علي أعتقه- ناس من الحبشة فأقاموا عنده شهرًا ينحر لهم علي بن أبي طالب ويصنع لهم الطعام، فقالوا له: إن أمر الحبشة قد مرج عليهم، فانطلق معنا نملكك عليهم، وإنك ابن من قد علمت، فقال: أما إذ أكرمني الله بالإسلام ما كنت لأفعل، فلما أيسوا منه رجعوا وتركوه، وكان أيما رجل غير أنه كان رجلًا يتلمز ويصيب الخمر «٢» .
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان مما قيل في الحبشة من الشعر أن عبد المطلب بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، حين أمنوا
(١) زيد ما بين الحاصرتين حتى يستقيم الكلام.
(٢) في ع: يتمزر ونصيب وهو تصحيف، ويتلمز من اللمز وهو العيب ورجل لمّاز أي عيّاب.
بأرض الحبشة وحمدوا جوار النجاشي، وعبدوا الله لا يخافون على دينهم أحدًا، وكان قد أحسن النجاشي جوارهم حين نزلوا به فقال:
الا أبلغا عني مغلغلة من كان ... يرجو بلاغ الله والدين
كل امرىء من عباد الله مضطهد ... ببطن مكة مقهور ومفتون
أنا وجدنا بلاد الله واسعة تنجي ... من الذل والمخزاة والهون
فلا تقيموا على ذل الحياة ولا خزي ... الممات وعيب غير مأمون
إنا تبعنا رسول الله فاطرحوا ... قول النبي وغالوا في الموازين
فاجعل عذابك في القوم الذين بغوا ... وعائذيك أن يعلوا فيطغوني [١٠٧]
وقال أيضًا يذكر نفي قريش إياهم من بلادهم ويعاتب بعض قومهم في ذلك فقال:
أبت كبدي لا أكذبنك قتالهم ... علي وتأباه علي أناملي
وكيف قتالي معشر يأدبونهم «١» ... على الحق ألا يأشبوه بباطل
نفيتم عباد الله من حر أرضهم ... فأضحوا على أمر كثير البلابل
فإن تك كانت في عدي أمانة ... عدي بن كعب من يفى ويواسل
فقد كنت أحسب أن ذلك فيكم ... بحمد الذي لا يطبى بالجعائل
فبدلت شبلا شبل كل كتيبة بذي ... فخرها مأوى الضعاف الأرامل
وقال أبو طالب حين رأى ذلك من رأيهم، وما نشبوا فيه، أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم فقال:
ألا ليت شعري كيف في النأي جعفر ... وزيد وأعداء العدو الأقارب
وهل نال أفعال النجاشي جعفرا ... وأصحابه أم عاق ذلك شاغب
تعلم- أبيت اللعن- أنك ماجد ... كريم فلا يشقى لديل المجانب
تعلم بأن الله زادك بسطة ... وأسباب خير كلها بك لازب
(١) في ع: يأدبونكم.
فانك فيض ذو سجال غزيرة ... ينال الأعادي نفعها والأقارب
وقال أبو طالب أيضًا:
تعلم خيار الناس إن محمدا ... وزير لموسى والمسيح بن مريم
أتى بهدي مثل الذي أتيا به ... وكل بأمر الله يهدي ويعصم
وأنكم تتلونه في كتابكم ... بصدق حديث لا حديث الترجم
وأنك ما يأتيك منا عصابة ... لفضلك إلا أرجعوا بالتكرم
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي عن أسماء بنت عميس أنها انطلقت إلى «١» رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله أن ناسا من المهاجرين يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين، فقال رسول الله ﷺ: لكم هجرتان: هاجرتم إلى أرض الحبشة ونحن مدهنون بمكة، وهاجرتم بعد، وكانوا قدموا عليه خيبر.
نا يونس عن ابراهيم بن اسماعيل عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن أبي سلمة بن عبد الأسد، وكان ابن عمة رسول الله ﷺ، وأول من هاجر بظعينته إلى أرض الحبشة ثم (١٠٨) إلى المدينة، وكانت تحته أم سلمة التي هاجر بها، فلما توفي عنها تزوجها رسول الله ﷺ بعده.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: كنا نسير مع عثمان بن عفان في طريق مكة إذ رأى عبد الرحمن بن عوف فقال: ما يستطيع «٢» أحد أن يعيد على هذا الشيخ فضلًا في الهجرتين جميعًا- يعني هجرته إلى الحبشة وهجرته إلى المدينة.
(١) كرر إلى في الأصل.
(٢) كرر في الأصل قوله: فقال ما يستطيع أحد.
تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: هذه تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة من أصحاب رسول الله ﷺ من شهد بدرًا، ومن تخلف حتى قدوم بعد بدر منهم، ومن تخلف حتى بعث فيهم رسول الله ﷺ عمرو بن أمية الضمري، فجعلهم في سفينة ثم بعث بهم إليه فقدموا عام الحديبية سنة سبع؛ وكان من قدم عليه وشهد معه بدرًا من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف:
عثمان بن عفان، ضرب له رسول الله ﷺ في بدر بسهمه وأجره، وكان يخلف على رقية بنت رسول الله ﷺ، وكانت معه بأرض الحبشة، وله عقب. وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، قتل يوم اليمامة «١» شهيدًا، وكانت معه امرأته بأرض الحبشة سهلة بنت سهيل بن عمرو أخي بني عامر بن لؤي، ولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة، لا عقب له.
ومن بني أسد بن عبد العزى: الزبير بن العوام.
ومن بني عبد الدار بن قصي: مصعب بن عمير.
ومن بني زهرة: عبد الرحمن بن عوف.
ومن بني مخزوم: أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية.
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص: عثمان بن مظعون.
ومن بني عدي بن كعب: عامر بن ربيعة حليف آل الخطاب، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة «٢» .
(١) أشهر أيام حروب الردة في بداية خلافة أبي بكر.
(٢) في ع: خيثمة، وهو تصحيف، انظر الروض: ٢/ ٧٤.
ومن بني عامر بن لؤي: أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى، ويقال:
بل هو أبوه «١» حاطب بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك، ويقال: بل هو كان أول من قدمها.
ومن بني الحارث بن فهر: سهيل بن بيضاء، وهو سهيل بن ربيعة بن هلال ابن أهيب، وكانوا هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة، فيما بلغني.
ثم جعفر بن أبي طالب.
ومن بني نوفل بن عبد مناف بن قصي: عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب، حليف لهم، رجل، ولهم عقب.
ومن بني عبد الدار: سويبط بن [سعد بن حرملة بن مالك بن عميلة بن السباق بن عبد الدار، وجهم بن قيس بن عبد بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف ابن عبد الدار، معه امرأته أم] «٢» حرملة بنت الأسود بن خزيمة بن أقيش بن (١٠٩) عامر بن بياضة بن تبيع «٣» بن خعثمة بن خزاعة، وابناه عمرو بن جهم، وأبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة ابن عبد مناف بن عبد الدار.
ومن بني عبد بن قصي: طليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد بن قصي، رجل لا عقب له.
ومن بني زهرة بن كلاب: عبد الرحمن بن عوف له عقب، وعلقمة بن أبي وقاص، ووقاص، وأبو وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة،
(١) كذا في الأصل وفي ع والذي جاء عند ابن هشام الروض: ٢/ ٧٤ «حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود» وهذا ما ورد عند ابن سعد أيضا: ١/ ٢٠٤.
(٢) حدث سقط في الأصل وفي ع مر به النساح مع الذين تملكوا النسخة وقرأوها دونما انتباه، وقد تم تدارك ذلك من سيرة ابن هشام- انظر الروص الأنف: ٢/ ٧٢. وانظر طبقات ابن سعد ط. بيروت ٣/ ١٢٠، والاصابة ترجمة رقم (٣٥٩١) .
(٣) في ع: بليغ، وهو تصحيف.
والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة، ولدت له بأرض الحبشة عبد الله بن المطلب ومن حلفائهم: عبد الله بن مسعود وأخوه عتبة بن مسعود.
ومن بهراء: المقداد بن عمرو، وكان يقال المقداد بن الأسود بن عبد يغوث ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة، وذلك أنه كان تبناه، وحالفه، ستة نفر.
ومن بني مخزوم شماس بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرم بن عمر بن مخزوم، وكان اسم شماس عثمان، ولا عقب له، وهبار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال، وأخوه عبد الله بن سفيان، وهشام بن أبي حذيفة. ومن حلفائهم: معتب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف، وهو الذي يدعى عيهلة، بن فليت بن سلول بن كعب بن خزاعة.
ومن بني عامر بن لؤي: عبد الله بن سهيل بن عمرو، وله عقب، أبو سبرة بن أبي رهم معه امرأته أم كلثوم ابنة سهيل بن عمرو، وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود، وسليط بن عمرو بن عبد شمس ابن عبد ود، وأخوه السكران بن عمرو، معه امرأته سودة بنت زمعة، ومالك ابن ربيعة بن قيس بن عبد شمس بن لؤي، ومعه امرأته عمرة بنت السعدي، وسعيد حليف لهم.
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص: عثمان بن مظعون، وابنه السائب ابن عثمان، لا عقب لهما، وأخوه قدامة بن مظعون، له عقب، وحاطب بن الحارث بن المغيرة بن حبيب بن حذافة، معه امرأته فاطمة بنت المحجل بن عبد الله، وابناه محمد بن حاطب، والحارث بن حاطب وهما لابنه المحجل، وابنه الحارث بن حاطب معه امرأته فكيهة بنت يسار، وسفيان بن معمر بن حبيب، معه أبناءه جابر بن سفيان، وجنادة بن سفيان، ومعه امرأته حسنة، وهي أمهما، وأخوهما من أمهما شرحبيل بن حسنة، وعثمان «١» بن ربيعة بن أهبان، أحد عشر رجلا.
(١) في ع: عمر، وهو تصحيف، انظر الروض: ٢/ ٧٣.
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص: خنيس بن حذافة، قتل يوم بدر شهيدًا، لم يكن له عقب إلا امرأته، وكانت عنده حفصة بنت عمر بن الخطاب، خلف عليها رسول الله ﷺ [١١٠] بعده، وعبد الله بن الحارث بن قيس، وهشام بن العاصي بن وائل، وأبو قيس بن الحارث، والحجاج بن الحارث، ومعمر بن الحارث، وأخ له من أمه من بني تميم يقال له سعيد بن عمرو، وسعيد بن الحارث بن قيس، والسائب بن الحارث بن قيس، وعمران بن رئاب «١» بن حذيفة؛ ومحمية بن جزء حليف لهم من بني زبيد، اثنا عشر رجلا.
ومن بني الحارث بن فهر: أبو عبيدة، وهو عامر بن عبد الله بن الجراح، هلك بعمواس «٢» من أرض الشام أميرًا لعمر بن الخطاب، لا عقب له. وسهيل ابن بيضاء، وهو سهيل بن بيضاء بن سهيل بن وهب، والبيضاء أمه- كذا في الأصل- وهو سهيل بن وهب بن ربيعة، ولا عقب له، ولكن أمه غلبت على نسبه، فهو ينسب إليها وهي دعد بنت جحدم بن أمية بن ضرب، وكانت تدعى البيضاء، قتل يوم بدر شهيدا، وعياض بن زهير بن أبي شديد بن ربيعة، لا عقب له، ويقال ابن ربيعة بن هلال بن مالك، والحارث بن عبد قيس بن عامر بن أمية، وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال، ثمانية نفر.
ثم تتابع المسلمون حتى اجتمعوا بارض الحبشة، فكانوا بها منهم من خرج بنفسه وأهله معه. من بني هاشم بن عبد مناف: جعفر بن أبي طالب، قتل يوم مؤته شهيدًا، أميرًا لرسول الله ﷺ، له عقب، وكان يقال إنه أول من عقر من المسلمين دابته له عند الحرب، معه امرأته أسماء بنت عميس بن كعب بن مالك بن قحافة من خثعم، ولدت له بأرض الحبشة عبد الله بن جعفر، رجل.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن
(١) في ع: رباب.
(٢) طاعون عمواس سنة ١٨ هـ
الزبير عن أبيه عباد عن رجل من بني مرة بن رباب، ويقال ابن ذبيان، قال:
كأني أنظر إلى جعفر حين لحمته «١» الحرب عقر فرسًا له شقراء، ثم قاتل حتى قتل.
ومن بني أمية بن عبد شمس: خالد بن سعيد بن العاصي، معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة، من بني سبيع بن خثعمة من خزاعة، ولدت له بأرض الحبشة سعيد بن خالد، وأمه ابنة خالد، فتزوج أمة الزبير بن العوام، فولدت له عمرو بن الزبير، وخالد بن الزبير، قتل خالد يوم مرج الصفر «٢» بأرض الشام، وعمرو بن سعيد بن العاصي، معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن شفي بن محرب ابن شفي الكناني، قتل يوم أجنادين «٣»، ولعمرو يقول أبو سعيد:
بكيت بشعري عنك يا عمرو ... سائلًا إذا شب واشتدت بدماه تبلجا
أتترك أمر القوم فيه بلابل ... وتكشف غيظًا كان في الصدر موهجا
ومن حلفائهم من بني اسد بن خزيمة: عبد الله بن جحش، معه امرأته بركة بنت يسار، [١١١] ومعيقب بن أبي فاطمة، وهو أبوه سعيد بن العاصي، وله عقب «٤» .
ومن بني عبد الدار بن قصي: جهم من قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم ابن عبد مناف بن عبد الدار، وعمرو بن جهم، وأبو الروم بن عمير بن وهب.
ومن بني عبد بن قصي: طليب بن عمير بن أبي كبير، لا عقب له «٥» .
ومن بني اسد بن عبد العزى بن قصي: الأسود بن نوفل بن خويلد
(١) كتب فوقها في الأصل: نحمته، وفي القاموس: الانتحام- الاعتزام.
(٢) سنة ١٣ هـ.
(٣) من أيام فتوح بلاد الشام سنة ١٣ هـ.
(٤) كذا في الأصل وفي ع وزاد عند ابن هشام، الروض: ٢/ ٧١ «وهؤلاء آل سعيد ابن العاص، سبعة نفر» .
(٥) قد تقدم ذكر غالبية هؤلاء.
ومن بني زهرة بن كلاب: عامر بن أبي وقاص، وهو مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وله عقب؛ وعتبة بن مسعود بن الحارث.
ومن بني تيم بن مرة: الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن ربيعة ابن تيم بن مرة، معه امرأته ريطة بنت الحارث من بني تميم، ولدت له بأرض الحبشة: موسى بن الحارث، وعائشة بنت الحارث، وزينب بنت الحارث، وعمرو بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم، رجلان.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم، أو ولدوا بها نيفًا وثمانين رجلًا، إن كان عمار بن ياسر فيهم، وهو يشك فيه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق فقالت هند بنت عتبة، تهجو أبا حذيفة حين أسلم:
الأحول الأبلق المقلوب كليته ... أبو حذيفة شر الناس في الدين
ماذا جزيت أبا ربّاك من صغر ... ثمت غذاك غذا عبر محجون «١»
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وهذا كتاب النبي ﷺ إلى النجاشي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من محمد النبي إلى النجاشي الأصحم، عظيم الحبشة.
سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسوله، فأسلم تسلم، و«يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضًا أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ» «٢» فإن أبيت فعليك إثم النصارى قومك.
(١) محجون- معوج.
(٢) سورة آل عمران: ٦٤.
نا يونس عن ابن إسحق قال: فقال عبد الله بن الحارث السهمي يذكر نفي قريش إياهم:
تلك قريش تجحد الله حقه ... كما جحدت عاد ومدين والحجر
فإن أنا لم أبرق فلا يسعني ... من الأرض بر ذو فضاء ولا بحر
بأرض بها عبد الإله محمد ... أبين ما في النفس إذ بلغ الثغر «١» [١١٢]

حديث ما لقي رسول الله ﷺ من أذى قومه
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يحيى بن عروة عن أبيه عروة ابن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاصي: ما أكثر ما رأيت قريشًا أصابت من رسول الله ﷺ فيما كانت تظهر من عدوانه؟ فقال لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يومًا في الحجر فقالوا فذكروا رسول الله ﷺ فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط: سفه أحلامنا وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعاتنا، وسب آلهتنا، وصبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قال؛ فبيناهم في ذلك طلع رسول الله ﷺ فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت، فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله ﷺ، فمضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفتها في وجهه، فمضى، ثم مر الثالثة فغمزوه بمثلها فوقف ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح، فأخذت القوم كلمته حتى ما من رجل إلا ولكأنما على رأسه طائر واقع، وحتى أن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك لتلقاه بأحسن ما يجد من القول، حتى أنه ليقول: إنصرف يا أبا القاسم راشدًا، فو الله ما أنت بجهول، فانصرف رسول الله ﷺ حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما
(١) انظر الروض ٢/ ٧٥ مع بعض الخلاف.
بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه، فبينا هم على ذلك طلع رسول الله ﷺ، فوثبوا إليه وثبة رجل، وأحاطوا به يقولون أنت الذي يقول كذا وكذا، لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول رسول الله ﷺ:
نعم، أنا الذي أقول ذلك، فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ بمجامع ردائه، وقام أبو بكر الصديق دونه يبكي ويقول: ويلكم (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) «١»؟! ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأكثر ما رأيت قريشًا بلغت منه قط.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض آل أم كلثوم بنت أبي بكر أنها كانت تقول: لقد رجع أبو بكر ذلك اليوم، ولقد صدعوا فرض رأسه بما جبذوه، وكان رجلًا كثير الشعر.
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن [١١٣] الربيع بن أنس البكري قال: كان رسول الله ﷺ يصلي فلما سجد جاءه أبو جهل فوطىء عنقه، فأنزل الله فيه: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى. عَبْدًا إِذا صَلَّى) أبو جهل (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) محمدًا (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أبو جهل (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) أبو جهل (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) «٢» قال: هم تسعة عشر خزنة النار، فقال رسول الله ﷺ: والله لئن عاد لتأخذنه الزبانية، فانتهى فلم يعد.
نا يونس عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال: بات جهلة قوم رسول الله ﷺ عامة ليلة يقولون له: يا محمد، تكفر آباءك وتراد أمرهم، وتفعل وتفعل، فأنزل الله تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) إلى قوله: (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) «٣» .
نا يونس عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال: كان رسول الله ﷺ جالسا وعنده عتبة بن ربيعة، وابن أم مكتوم «٤» الأعمى، فقال: يا رسول الله علمني
(١) سورة غافر: ٢٨.
(٢) سورة العلق: ٩- ١٨.
(٣) سورة الزمر: ٦٤- ٦٦.
(٤) في ع: «كلثوم» وهو تصحيف.
القرآن، فعبس رسول الله ﷺ في وجهه وصرفه عنه كراهية أن يزهد اقباله عليه عتبة في الإسلام، يقول: إنما يتبع هذا العميان والمساكين، فانزل الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) إلى قوله: (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) عتبة (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى، وَهُوَ يَخْشى) «١» ابن أم مكتوم، فلم يعذر رسول الله ﷺ بمثل ذلك.
نا يونس عن مسعر بن كدام عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من كنانة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا.
(١) سورة عبس: ١- ٩.
قصة النبي لما عرض نفسه على العرب
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فكان رسول الله ﷺ على مثل ذلك من أمره يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام، يعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله تعالى من الهدى والرحمة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري قال: أتى رسول الله ﷺ ناسًا من كندة في مياه لهم، وفيهم سيد لهم فقال له فليح «١»، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، فأبوا أن يقبلوا منه نقمة «٢» عليه.
ثم أتى حيًا من كلب يقال لهم بنو عبد الله، فقال لهم: يا بني عبد الله أن الله قد أحسن اسم أبيكم، فلم يقبلوا، فأعرض عنه «٣» .
نا يونس عن يزيد بن زياد عن أبي الجعدي عن جافع بن شداد عن طارق قال: رأيت رسول الله ﷺ مرتين: رأيته (١١٤) بسوق ذي المجاز وأنا في بياعه لي، فمر وعليه حلة حمراء فسمعته يقول: أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة وقد أدمى كعيه، وهو يقول: يا أيها الناس لا تطيعوا هذا فإنه كذاب، فقلت: من هذا؟ فقيل هذا غلام من بني عبد المطلب، فقلت من هذا الذي يرميه بالحجارة؟ فقيل: عمه عبد العزى، أبو لهب، بن عبد المطلب، فلما أظهر الله الإسلام خرجنا من الربذة ومعنا
(١) في الروض: ٢/ ١٧٤ مليح» وكذا في الطبري. ط. دار المعارف: ٢/ ٣٤٩.
(٢) سقطت من ع.
(٣) أي عن الحي، وكان يحسن أن يقال: فأعرض عنهم، وعند كل من ابن هشام، الروض: ٢/ ١٧٤، والطبري: ٢/ ٣٤٩: «ما عرض عليهم» .
ظعينة لنا حتى نزلنا قريبا من المدينة، فبينا نحن قعودًا إذا أنا برجل عليه ثوبان، فسلم علينا فقال: من أين أقبل القوم؟ فقلت: من الربذة، ومعنا جمل أحمر، فقال: تبيعون الجمل؟ فقلنا: نعم، فقال: بكم؟ فقلنا: بكذا وكذا صاعًا من تمر، فقال: قد أخذنه وما استنقصنا، وأخذ بخطام الجمل فذهب به حتى توارى بحيطان المدينة، فقال: بعضنا لبعض: أتعرفون الرجل؟ فلم يكن منا أحد منا يعرفه، فلام القوم بعضهم بعضًا وقالوا: تعطون جملكم من لا تعرفون! فقالت الظعينة: فلا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر «١» بكم ما رأيت شيئًا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان العشي أتانا رجل فقال: السلام عليكم ورحمة الله، أأنتم الذين جئتم من الربذة؟
فقلنا: نعم، فقال: أنا رسول رسول الله- ﷺ إليكم وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا، فأكلنا من التمر حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا، ثم قدمنا المدينة من الغد، فإذا رسول الله ﷺ قائم يخطب الناس على المنبر، فسمعته يقول: يد المعطي العليا، وأبدًا بمن تعول أمك وأباك واختك وأخاك، وأدناك أدناك، وثم رجل من الأنصار، فقال يا رسول الله هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانا في الجاهلية فخذلنا بثأرنا، فرفع رسول الله ﷺ يده حتى رأيت بياض ابطيه، فقال: لا تجني أم على ولد، لا تجني أم على ولد.
يونس عن يونس بن عمرو عن أبي السفيان سعيد بن أحمد الثوري قال:
بعث أبو طالب إلى رسول الله ﷺ فقال: أطعمني من عنب جنتك، وابو بكر الصديق جالس عند رسول الله ﷺ، فقال أبو بكر: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ» «٢» .
نا يونس قال: قال ابن اسحق: ولما سمع أبو سفيان بإسلام خفاف بن ايماء بن رحضة قال: لقد صبأ الليلة سيد بني كنانة.
(١) في ع: بغرر.
(٢) سورة الأعراف: ٥٠.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يعقوب بن عتبة عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال: جاء رجل (١١٥) من قريش بمكة إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد ألم يبلغني أنك تنهي عن السباء، يقول عن سباء العرب، فقال رسول الله ﷺ: بلى، فتحول الرجل فكشف عن أسته في وجه رسول الله ﷺ، فلعنه رسول الله ﷺ ودعا عليه، فانزل الله تعالى فيه: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «١»» فأسلم الرجل بعد ذلك وحسن إسلامه.
نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه قال: شج غلام من قريش فاطمة بنت رسول الله ﷺ وهي غادية، فنادت يال عبد شمس، فخرج أبو سفيان، وخرج أبو جهل فقال: يا ابا سفيان هذه يدي فرجع «٢» .
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي أنه سئل عن الزنيم «٣»، فقال هو الرجل تكون له الزنمة من الشر يعرف بها، وهو الأخنس بن شريق الثقفي نزلت فيه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني والدي إسحق بن يسار عن رجال من بني سعد بن بكر قال: قدم الحارث بن عبد العزى، أبو رسول الله ﷺ من الرضاعة، على رسول الله ﷺ بمكة، فقالت له قريش حين أنزلت عليه:
ألا تسمع يا حار ما يقول ابنك هذا! قال: وما يقول؟ قالوا: يزعم أن الله يبعث بعد الموت، وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه، ويكرم فيهما من أطاعه، وقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا، فأتاه فقال: أي بني مالك ولقومك يشكونك ويزعمون أنك تقول إن الناس يبعثون بعد الموت، ثم يصيرون إلى جنة ونار؟! فقال رسول الله ﷺ: نعم، أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك
(١) سورة آل عمران: ١٢٨.
(٢) في أنساب الأشراف: ٤/ ١/ ٧ أن الذي لطمها كان أبو جهل.
(٣) انظر سورة القلم: ١٣.
اليوم يا أبة لقد أخذت بيدك حتى أعرفك حديثك اليوم، فأسلم الحارث بعد ذلك، فحسن اسلامه، وكان يقول حين أسلم: لو قد أخذ ابني بيدي فعرفني ما قال لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان لأبي بكر مسجد بفناء داره، فكان إذا صلى فيه وقرأ القرآن بكى بكاء كبيرا، فتجتمع إليه النساء والصبيان والعبيد يعجبون مما يرون من رقته، وقد كان استأذن رسول الله ﷺ في الهجرة حين أوذوا بمكة، فأذن له رسول الله ﷺ فخرج حتى كان من مكة على يومين لقيه ابن الدغنة، رجل من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وكان سيد الأحابيش «١»، فقال له: أين يا أبا بكر؟ فقال: آذاني قومي وأخرجوني من بلادي، فأود أن أؤم بلدًا أكون فيه، أستريح من أذاهم، وآمن منهم، فقال: ولم؟ فو الله إنك لتزين العشيرة، وتعين على النائبة، وتفعل المعروف، وتكسب المعدم، ارجع فأنت في جواري، فرجع، فلما دخل مكة قام (١١٦) فصرخ بمكة: يا معشر قريش إني قد أجرت ابن أبي قحافة، فلا يؤذيه أحد، وكانوا إذا عقدوا فنخ «٢»، وكف عنه هذا الحي من قريش، وكان إذا صلى في مصلاة ذلك بمكة كان من أمره ما وصفت، فمشى إليه رجال من قريش، فقالوا: يا ابن الدغنة إن هذا الرجل الذي أجرت، رجل له حال ما هو لغيره، إنه إذا تلا ما جاء به محمد بكى بكاء لا يبكيه أحد، فيرق لذلك منه ضعفاؤنا ونساؤنا وخدمنا، فمره فليكف عنا، يتخذ مصلى غير هذا في بيته، فمشى إليه ابن الدغنة فقال: يا أبا بكر إني لم أجرك لتؤذي قومك، فاتخذ مصلى غير هذا، فقال أبو بكر:
أو غير ذلك؟ فقال: وما هو؟ قال: أرد عليك جوارك، وأرضى بجوار الله فقال: نعم، فقال أبو بكر: لقد رددت عليك جوارك، فقال ابن الدغنة: يا معشر قريش إن أبا بكر قد رد علي جواري، فشأنكم بصاحبكم.
(١) اختلف في تحديد هوية الأحابيش وأصلهم مع ما كانوا يقومون به من وظائف في مكة، انظر الروض: ٢/ ١٢٣- ١٢٧.
(٢) غلب وقهر.
وفاة أبي طالب وما جاء فيه
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فقال أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والعاصي بن سعيد، وأمية بن خلف: يا معشر قريش أن هذا الأمر يزداد وإن أبا طالب ذو رأي وشرف وسن، وهو على دينكم، وهو اليوم مدنف، فامشوا إليه فأعطوه السواء يأخذ لكم وعليكم في ابن أخيه، فإنكم إن خلوتم بعمر بن الخطاب وبحمزة بن عبد المطلب وقد خالفا دينكم تكون الحرب بينكم وبين قومكم، فأقبلوا يمشون إلى أبي طالب حتى جاءوه فقالوا:
أنت سيدنا وأنصفنا في أنفسنا، وقد رأيت الذي فعل هؤلاء السفهاء مع ابن أخيك، من تركهم آلهتنا وطعنهم في ديننا، وقد فرق بيننا محمد وأكفر آلهتنا وسب آباءنا، فأرسل إلى ابن أخيك، فأنت بيننا عدل.
قال: فأرسل أبو طالب إلى رسول الله ﷺ، فأتاه، فقال: هؤلاء قومك وذووا أسنانهم وأهل الشرف منهم، وهم يعطونك السواء، فلا تمل عليهم كل الميل، فقال رسول الله ﷺ: قولوا أسمع قولكم، فقال أبو جهل بن هشام:
ترفضنا من ذكرك، ولا تلزمنا ولا من آلهتنا، في شيء فندعك وربك، فقال رسول الله ﷺ: إن أعطيتكم ما سألتم، أمعطى أنتم كلمة واحدة لكم فيها خير، تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، فقال أبو جهل، وهو مستهزىء نعم لله أبوك كلمة نعطيكها وعشرة أمثالها، فقال: قولوا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فنفروا من كلامه وخرجوا مفارقينه «١» وقالوا: «امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ. ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا
(١) في ع ففارقنا، وهو تصحيف.
إِلَّا اخْتِلاقٌ. أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ» «١» . وكان ممشاهم إلى أبي طالب لما لقوا من عمر، وسمعوا منه. [١١٧] .
نا أحمد: نا يونس عن محمد بن إسحق قال فلما رأى رسول الله ﷺ تكذيبهم بالحق قال: لقد دعوت قومي إلى أمر ما اشتططت في القول، فقال عمه: أجل لم تشتط، فقال رسول الله ﷺ عند ذلك- وأعجبه قول عمه-: يا عم بك علي كرامة ويدك عندي حسنة، ولست أجد اليوم ما أجزيك به، غير أني أسألك كلمة واحدة تحل لي بها الشفاعة عند ربي، أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تصيب بها الكرامة عند الممات، فقد حيل بينك وبين الدنيا، وتنزل بكلمتك هذه الشرف الأعلى في الآخرة، فقال له عمه: والله يا ابن أخي لولا رهبة أن ترى قريش إنما ذعرني «٢» الجزع، وتعهدك بعدي سبة تكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة لفعلت الذي تقول، وأقررت بها عينك، لما أرى من شدة وجدك ونصحك لي.
ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال: إنكم لن تزالوا بخير ما سمعتم قول محمد واتبعتم أمره، فاتبعوه وصدقوه ترشدوا، فقال له رسول الله ﷺ عند ذلك: تأمرهم بالنصيحة وتدعها لنفسك؟! فقال له عمه: أجل لو سألتني هذه الكلمة وأنا صحيح لها لا تبعتك على الذي تقول، ولكني أكره الجزع عند الموت وترى قريش أني أخذتها عند الموت، وتركتها وأنا صحيح، فأنزل الله تعالى: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» . «٣»
نا يونس عن محمد بن أبي أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال:
لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ فوجد عنده أبا جهل وعبد الله
(١) سورة ص: ٦- ٨.
(٢) في ع دعوتني، وهو تصحيف.
(٣) سورة القصص: ٥٦.
ابن أبي أميه، فقال رسول الله ﷺ لأبي طالب: يا عماه، قل لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة حتى قال له أبو طالب، آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، ويأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله ﷺ: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله في ذلك: «ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ «١»»، وأنزل الله في أبي طالب: «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين» .
نا يونس عن قيس بن الربيع عن حبيب بن أبي ياسر قال: حدثني من سمع ابن عباس يقول في قوله تعالى: «وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ «٢»» نزلت في أبي طالب، كان ينهي عن أذى محمد، وينأى عما يجيء به أن يتبعه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن إسحق قال: لما أتى رسول الله ﷺ أبا طالب (١١٨) في مرضه فقال له: يا عم قل لا إله إلا الله أستحل بها لك الشفاعة يوم القيامة، قال: والله يا ابن أخي لولا أن تكون سبة عليك وعلى أهل بيتك من بعدي، يرون أني قلتها جزعًا حين نزل بي الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها، فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه، فأصغى إليه العباس ليسمع قوله، فرفع العباس عنه فقال: يا رسول الله قد والله الكلمة التي سألته، فقال رسول الله ﷺ: لم أسمع.
نا يونس عن سنان بن اسماعيل الحنفي عن يزيد الرقاشي قال: قيل لرسول الله ﷺ: يا رسول الله، أبو طالب ونصرته لك وحيطته عليك أين منزلته؟
(١) سورة التوبة: ١١٣.
(٢) سورة الأنعام: ٢٦.
فقال رسول الله ﷺ: هو في ضحضاح «١» من نار، فقيل: وإن فيها لضحضاحًا وغمرًا؟ فقال رسول الله ﷺ: نعم، إن أدنى أهل النار منزلة لمن يحذى له نعلان من نار يغلي من وهجهما دماغه حتى يسيل على قوائمه، قال سنان: فبلغني أنه ينادي ترى ألا يعذب أحد عذابه من شدة ما هو فيه؟!
نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن ناجيه بن كعب عن علي بن أبي طالب قال: لما مات أبو طالب أتيت رسول الله ﷺ فقلت: أن أبا طالب، عمك الكافر، قد مات، فقال رسول الله ﷺ اذهب فواره، فقلت: والله لا أواريه، قال: فمن يواريه إن لم تواره، فانطلق فواره ثم لا تحدث شيئًا حتى تأتيني، فانطلقت فواريته ثم «٢» رجعت إلى رسول الله ﷺ فقال انطلق فاغتسل ثم ائتني، ففعلت ثم أتيته، فلما أن أتيته، دعا لي بدعوات ما أحب أن لي بهن ما على الأرض من شيء.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه إن رسول الله ﷺ قال «٣»: ما زالت قريش كأعين «٤» عني حتى مات ابو طالب.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقال علي بن أبي طالب يرثي أباه لما «٥» مات:
أرقت لنوح آخر الليل غرّدا لشيخي بنعي والرئيس المسودا
أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى ... وذا الحلم لا جلفًا ولم يك قعدوا «٦»
أخا الهلك خلا ثلمة سيشدها ... بنو هاشم أو تستباح وتضهدا
(١) في ع: ضخضاخ، وهو تصحيف، والضحضاخ هو الماء اليسير يصل الى الكعبين أو أنصاف السوق وعموما هو كل ماء لا غرق فيه.
(٢) سقطت «ثم» من ع.
(٣) سقطت «قال» من ع.
(٤) كعا جبن والكاعي المنهزم.
(٥) كتب فوقها في الأصل: حين.
(٦) في ع تعدوا. والقعدد: الجبان اللئيم القاعد عن المكارم والخامل.
فأمست قريش يفرحون لفقده ... ولست أرى حيًا لشيء مخلدا
أرادوا أمورًا زينتها حلومهم ... ستوردهم يومًا من الغي موردا
يرجون تكذيب النبي وقتله ... وان «١» يفتروا بهتا عليه وجحدا
كذبتم «٢» وبيت الله حتى نذيقكم ... صدور العوالي والصفح المهندا
ويبدو منا منظر ذو كريهة ... إذا ما تسربلنا الحديد المسردا
فإما تبيدونا وإما نبيدكم ... وإما تروا سلم العشيرة أرشدا
وإلا فإن الحي دون محمد ... بنو هاشم خير البرية محمّدا «٣» (١١٩)
وإن له منكم من الله ناصرا ... ولست بلاق صاحب الله أوحدا
نبي أتى من كل وحي بحظه «٤» ... فسماه ربي في الكتاب محمدا
أغر كضوء الشمس صورة وجهه ... جلا الغيم عنه ضوءه فتعددا
أمين على ما استودع الله قلبه ... وإن قال قولًا كان فيه مسددًا
آخر الجزء الرابع بحمد الله وعونه يتلوه وفاة خديجة بنت خويلد
.
(١) في ع: ولا.
(٢) سقطت «كذبتم» من ع.
(٣) في ع: محمدا.
(٤) جاء في حاشية الأصل: نبي أتى بالوحي من كل حظه.
الجزء الخامس من كتاب المغازي رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق
بسم الله الرحمن الرحيم

وفاة خديجة بنت خويلد

أنا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن «١» النقور البزاز قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: قرىء على أبي الحسين رضوان بن أحمد وأنا أسمع قال: نا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب ماتا في عام واحد فتتابعت على رسول الله ﷺ المصائب بهلاك خديجة وأبي طالب، وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام، كان يسكن «٢» إليها.
نا يونس عن فايد بن عبد الرحمن العبدي عن عبد الله بن أوفى إن رسول الله ﷺ قال: أتاني آت من الله
﷿ يبشر «٣» خديجة ببيت في الجنة من قصب «٤» لا صخب فيه ولا نصب.
نا يونس عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على
(١) سقطت «بن» من ع.
(٢) في الروض: ٢/ ١٦٦» يشكو إليها» وهو تصحيف، وسكن: قر واطمأن وفي التنزيل قوله تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها» سورة الروم: ٢١.
(٣) في ع: بشر.
(٤) القصب هنا لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف.
امرأة لرسول الله ﷺ ما غرت على خديجة مما كنت أسمع من ذكره لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين، ولقد أمر ربه أن يبشرها «١» ببيت في الجنة من قصب لا نصب ولا صخب.
نا يونس عن عبد الواحد بن أيمن المخزومي قال: نا أبو نجيح أبو عبد الله بن أبي نجيح قال: أهدي لرسول الله ﷺ جزورًا ولحم، فأخذ عظمًا منها فناوله الرسول بيده فقال له: اذهب بهذا إلى فلانة، فقالت له عائشة: لم عمرت يدك؟
فقال رسول الله ﷺ: إن خديجة أوصتني بها، فغارت عائشة، وقالت:
لكأنه ليس في الأرض امراة إلا خديجة! فقام رسول الله ﷺ مغضبا، فلبث ما شاء الله، ثم رجع فإذا أم رومان «٢» فقالت: يا رسول الله ما لك ولعائشة إنها حدث وأنت أحق من تجاوز عنها، فأخذ بشدق عائشة وقال: ألست القائلة كأنه ليس على الأرض امراة إلا خديجة؟! والله لقد آمنت بي إذ كفر قومك، ورزقت مني الولد وحرمتموه.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: خير بناتها «٣» مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد «٤» .
نا يونس عن الحسن بن دينار عن الحسن إن رسول الله ﷺ قال: حسبك من نساء العالمين أربع مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة ابنة محمد ﷺ.
نا يونس قال: كل شيء من ذكر أزواج النبي ﷺ فهو إملاء ابن اسحق حرفًا حرفًا.
(١) في ع: بشرها.
(٢) أم رومان هي أمها وكان اسمها زينب بنت عبد دهمان، انظر ابن هشام: ٢/ ٢٩٩.
(٣) في حاشية ع: يعني الدنيا.
(٤) انظر أنساب الأشراف: ١/ ٤٠٦ والمحبر: ٩٩- ١٠٠.
زواج النبي من خديجة وأولاده منها.
نا يونس عن (١٢١) ابن إسحق قال: كان أول امرأة تزوجها رسول الله ﷺ خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وتزوج خديجة قبل رسول الله ﷺ وهي بكر- عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فولدت له امرأة ثم هلك عنها، فتزوجها بعده أبو هالة النباشي بن زرارة أحد بني عمرو بن تميم، حليف بني عبد الدار، فولدت له رجلًا وامرأة، ثم هلك عنها، فتزوجها رسول الله ﷺ فولدت له بناته الأربع: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وولدت بعد البنات: القاسم، والطاهر، والطيب، فذهب الغلمة جميعًا وهم يرضعون.
نا يونس عن ابراهيم بن عثمان بن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال:
ولدت خديجة لرسول الله ﷺ غلامين وأربع نسوة: القاسم، وعبد الله، وفاطمة، وأم كلثوم، وزينب، ورقية.
نا يونس عن أبي عبد الله الجعفي عن جابر عن محمد بن علي قال: كان القاسم ابن رسول الله ﷺ قد بلغ أن يركب الدابة، ويسير على النجيبة؛ فلما قبضه الله
﷿ قال عمرو بن العاص «١»: لقد أصبح محمد أبتر من ابنه، فإنزل الله ﷿: «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» عوضًا، يا محمد من مصيبتك بالقاسم «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» «٢»
نا أحمد عن يونس عن ابن اسحق قال: وعاشت رقية حتى تزوجها عثمان ابن عفان، فلما ماتت زوجة رسول الله ﷺ أم كلثوم، ويزعمون أنه قد ولد له من رقية غلام، فذهب وهو صغير رضيع، وبه كان يكنى عثمان، أبا عبد الله.
أنا أحمد: أنا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت زينب عند أبي العاصي بن
(١) جاء في الحاشية: المعروف العاصي بن وائل. وانظر أيضا ما سيأتي في ص ٢٧٢ تحت عنوان ما عوض النبي ﷺ من ابنه.
(٢) سورة الكوثر: ١- ٣.
الربيع، فولدت «١» له أمامة، وعليًا، فذهب علي وهو غلام، وبقيت أمامة حتى تزوجها علي بعد فاطمة، فتزوجت بعد قتل علي المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فهلكت عنده.

تزويج فاطمة

أنا أحمد: أنا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن علي قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله ﷺ فقالت لي مولاة لي:
هلا سمعت أن فاطمة قد «٢» خطبت إلى رسول الله ﷺ؟ فقلت: لا، قالت:
فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله ﷺ فيزوجك، فقلت: وعندي شيء أتزوج به؟! فقالت: إنك إن جئت رسول الله ﷺ زوجك فو الله ما زالت (١٢٢) ترجيني «٣» حتى دخلت على رسول الله ﷺ، وكان لرسول الله ﷺ جلال وهيبة، فلما قعدت بين يديه أفحمت «٤»، فو الله ما استطعت أن أتكلم، فقال رسول الله ﷺ: ما جاء بك، ألك حاجة؟ فسكت، فقال:
ما جاء بك، ألك حاجة؟ فسكت، فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟
فقلت: نعم، فقال: وهل عندك من شيء تستحلها به؟ فقلت: لا والله يا رسول الله، فقال: ما فعلت درع سلحكتها، فوا الذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما ثمنها أربعة دراهم، فقلت: عندي، فقال: قد زوجتكها فابعث بها إليها فاستحلها بها، فإن كانت لصداق فاطمة ابنة رسول الله ﷺ «٥» .
أنا يونس عن عباد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح قال: لما خطب علي
(١) سقطت «له» من ع.
(٢) في ع: «فاطمة أخطبت» .
(٣) في ع: تروجني.
(٤) في ع: فحمت.
(٥) انظر هذا الموضوع روايات الزهري في مصنف عبد الرزاق: ٥/ ٤٨٥- ٤٩٠.
فاطمة أتاها رسول الله ﷺ فقال: إن عليًا قد ذكرك، فسكتت، فخرج رسول الله ﷺ فزوجها.
أنا أحمد: نا يونس قال: سمعت ابن اسحق قال: فولدت فاطمة لعلي:
الحسن، والحسين، ومحسن، فذهب محسن صغيرًا، وولدت له: أم كلثوم وزينب.
أنا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن هانىء بن هانىء عن علي قال:
لما ولد حسن سميته حربًا، قال: فجاء رسول الله ﷺ فقال: أروني بني، ماذا سميتموه؟ فقلت: سميته حربًا، فقال رسول الله ﷺ: لله عليه، لا ولكن اسمه حسن، فلما ولدت حسينًا سميته حربًا، فجاء رسول الله ﷺ فقال:
أروني ابني ما سميتموه؟ فقلت: سميته حربًا، فقال: لا ولكن أسمه حسين، فلما ولدت الثالث سميته حربًا، فجاء رسول الله ﷺ فقال: أروني ابني ماذا سميتموه؟ فقلنا: سميناه حربًا، فقال: لا ولكن اسمه محسن، ثم قال: إني سميتهم ببني هرون: شبره وشبيرًا «١»، يقول حسن وحسين.
) Shafra () Shafra «١)
تزويج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي

نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وتزوج أم كلثوم ابنة علي من فاطمة ابنة رسول الله ﷺ عمر بن الخطاب، فولدت له زيد بن عمر وامرأة معه، فمات عمر عنها.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال:
خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم، وكانت لفاطمة بنت رسول الله ﷺ، فاعتل علي عليه، وقال: هي صغيرة، فقال عمر: لا والله ما ذاك بك ولكن أردت منعي، فإن كان كما تقول [١٢٣] فابعثها إلي، فرجع علي فدعاها فأعطاها حلة فقال: انطلقي بهذه إلى أمير المؤمنين فقولي:
يقول لك أبي كيف ترى هذه الحلة، فأتته بها، فقالت له ذلك، فأخذ بدرعها «١» فاجتبذتها منه، وقالت: أرسل، فأرسلها وقال: حصان كريم، انطلقي فقولي له: ما أحسنها وأجملها، ليست والله كما قلت، فزوجها إياه.
نا يونس عن خالد بن صالح عن واقد بن محمد بن عبد الله بن عمر عن بعض أهله قال: خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم، وأمها فاطمة بنت رسول الله ﷺ، فقال له علي: إن علي فيها أمراء حتى استأذنهم، فأتى ولد فاطمة، فذكر ذلك لهم فقالوا: زوجه، فدعا أم كلثوم وهي يومئذ صبية فقال: انطلقي إلى أمير المؤمنين فقولي: إن أبي يقرئك السلام ويقول لك: إنا قد قضينا حاجتك التي طلبت، فأخذها عمر فضمها إليه وقال: إني خطبتها إلى أبيها فزوجنيها، فقيل: يا أمير المؤمنين ما كنت تريد إليها وهي صبي صغيرة؟
(١) في حاشية الأصل: ح، بذراعها، ودرع المرأة قميصها.
قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: كل سبب «١» منقطع يوم القيامة إلا سببي «٢»، فأردت أن يكون بيني وبين رسول الله ﷺ سبب «٣» صهر.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني أبو جعفر عن أبيه علي بن الحسين قال: لما تزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم ابنة علي أتى مجلسًا في مسجد رسول الله ﷺ بين القبر والمنبر للمهاجرين لم يكن يجلس فيه غيرهم، فدعوا له بالبركة فقال: أما والله ما دعاني إلى تزويجها إلا أني سمعت رسول الله ﷺ يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا ما كان من نسبي وسببي «٤» .
أنا يونس عن هشام بن سعد القرشي عن عطاء الخراساني عن عمر بن الخطاب أنه قال: لا تغالوا في مهور النساء فإنه لو كان تقوى لله أو مكرمة في الدنيا كان نبيكم أولاكم بذلك، ما أصدق أحدًا «٥» من نسائه ولا أصدق بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية أربعمائة وثمانون درهمًا، ثم أن عمر بن الخطاب بعد خطب أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب فأصدقها أربعين ألفًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما مات عمر بن الخطاب عن أم كلثوم ابنة علي تزوجت عون بن جعفر، فهلك عنها عون ولم يصب منها ولد.
(١) في ع: نسب.
(٢) في ع: نسبي.
(٣) في ع: نسب.
(٤) في حاشية ع: كل حسب ونسب.
(٥) سقطت «أحدا» من ع.
تزويج أم كلثوم عون بن جعفر بن أبي طالب
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني والدي إسحق بن يسار عن حسن بن حسن عن علي بن أبي طالب [١٢٤] أنه قال: لما أيمت أم كلثوم ابنة علي من عمر بن الخطاب دخل عليها حسن وحسين أخواها فقالا لها: إنك من قد عرفت سيدة نساء المسلمين وابنة سيدتهن وإنك والله لئن أمكنت عليا من زمتك لينكحنك بعض أيتامه، ولئن أردت أن تصيبن «٢» بنفسك مالًا عظيمًا لتصيبنه، فو الله ما قاما حتى طلع علي متوكيا على عصاه، فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر منزلتهم من رسول الله ﷺ وقال: قد عرفتم منزلتكم يا بني فاطمة واثرتكم على سائر ولدي لمكانكم من رسول الله ﷺ وقرابتكم منه، فقالوا: صدقت رحمك الله وجزاك عنا خيرًا، فقال: أي بنية أن الله
﷿ قد جعل أمرك بيدك فأنا أحب أن تجعليه بيدي، فقالت: أي أبة، والله إني لامرأة أرغب فيما يرغب فيه النساء، وأحب أن أصيب ما تصيبه النساء من الدنيا، فأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي، فقال: لا والله يا بنية ما هذا من رأيك، ما هو إلا من رأي هذين، ثم قام فقال: والله لا أكلم رجلًا منهما أو تفعلين، فاخذا بثيابه فقالا:
إجلس يا أبة فو الله ما على هجرتك من صبر، اجعلي أمرك بيده، فقالت: قد فعلت، قال: فإني قد زوجتك عون بن جعفر، وإنه لغلام، ثم رجع إلى بيته فبعث إليها بأربعة آلاف، وبعث إلى ابن أخيه فأدخله عليها، قال حسن: فو الله ما سمعت بمثل عشق منها له منذ خلقك الله، فما نشب عون أن هلك، فرجع إليها علي فقال: أي بنية اجعلي أمرك بيدي ففعلت، فزوجها محمد بن جعفر، ثم خرج فبعث إليها بأربعة آلاف درهم ثم أدخله عليها.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فمات عون بن جعفر عن أم كلثوم ابنة علي فتزوجها محمد بن جعفر بن أبي طالب فمات عنها ولم يصب منها.
(٢) في ع: تصيبي.
تزويج زينب بنت علي وأمها فاطمة بنت رسول الله ﷺ
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: كانت زينب ابنة علي تحت عبد الله ابن جعفر «١» بن أبي طالب؛ فولدت له علي بن عبد الله بن جعفر، وأم أبيها، فتزوج أم أبيها عبد الملك بن مروان وطلقها فتزوجها علي بن عبد الله بن عباس «٢» .
نا يونس عن ثابت بن دينار عن أبي جعفر قال: خطب معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن جعفر ابنته من زينب ابنة علي وأمها فاطمة؛ وقال له معاوية: أقضى عنك دينك، فوعده، فقال عبد الله: إن علي أميرًا لست أستطيع أن أزوجها حتى استأمره، فقال له معاوية:
فاستأمره، وأتى حسين بن علي (١٢٥) وقال: إن معاوية خطب إلي ابنتي ووعدني قضاء ديني، وإنما أنت والد، أنت خالها فما ترى؟ قال له: أحب أن تجعل أمرها بيدي، قال: هو بيدك، قال: فدخل حسين بن علي (على) «٣» الجارية فقال: إن أباك قد جعل أمرك بيدي فاجعلي أمرك بيدي، فقالت: هو بيدك، فخرج حسين فقال: اللهم أقدر لها خير من تعلم، فلقي شابًا منهم فقال:
يا فلان اجعل أمرك بيدي، فقال: هو بيدك.
وكتب معاوية إلى مروان بن الحكم، وهو أمير المدينة: إنني خطبت إلى أبي جعفر ابنته فاشترط رضى حسين فادعه إليك حتى يسلم، فجمع مروان
(١) في ع: حصين وهو تصحيف.
(٢) انظر أنساب الأشراف: ٢/ ٥٩- ٦٠.
(٣) زيد ما بين الحاصرتين حتى يستقيم الكلام، وجاء في ع: «فدخل حسين على الجارية» .
الناس وجاء بالدف والسكر، ودعا حسينًا فقال: إن أمير المؤمنين كتب إلي أنه خطب إلى عبد الله بن جعفر، واشترط رضاك، فسلم له، فحمد الله حسين وأثنى عليه ثم قال: أشهدكم أني قد زوجتها فلانًا يعني الشاب الذي لقيه، فقال مروان: أبيتم يا بني هاشم إلا غدرا، فقال له حسين: نشدتك بالله هل تعلم أن الحسن بن علي خطب ابنة عثمان بن عفان فاجتمع الناس مثل اجتماعهم الآن، وحضر الحسن لذلك، فجئت أنت فخطبت ثم زوجتها غيره؟ فقال:
نعم، قال الحسين: فمن الغادر نحن أم أنتم، ثم أعطى حسين عبد الله بن جعفر أرضًا له يقال لها البغيبغة «١» فباعها من معاوية بألفي ألف، وأعطى الشاب الذي زوج أرضًا له أخرى قومت ألفي ألف، وأعطى من صلب ماله قيمة أربعة آلاف الف «٢»
(١) انظر معجم البلدان مادة «بغيبغه» .
(٢) أنظر أنساب الأشراف: ٤/ ١/ ١٢١- ١٢٢.
ما جاء في تزويج عثمان بن عفان

نا يونس عن الحسن بن دينار عن الحسن قال: أتى رسول الله ﷺ على عثمان وهو مهموم، فقال له رسول الله ﷺ: ما لك؟ قال: خطبت إلى عمر فردني، فقال رسول الله ﷺ: أفلا أدلك على ختن خير لك من عمر، وأدل عمر على ختن خير له منك، فتزوج رسول الله ﷺ حفصة ابنة عمر وزوج النبي ﷺ ابنته عثمان بن عفان.
نا يونس عن هشام بن سنبر «١» عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة المخزومي قال: كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن ينكح امرأة من بناته جلس عند خدرها «٢» فقال: إن فلانًا يريد فلانة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني من لا أتهم أن رسول الله ﷺ كان يغار لبناته غيرة شديدة، وكان لا ينكح بناته على ضرة.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عمرو بن عبيد عن الحسن إن «٣» (١٢٦) رسول الله ﷺ قال لامرأة عثمان: أي بنية انها لا امرأة لرجل لم يأتي ما يهوى ودمه في وجهه وإن أمرها أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر، أو من جبل أحمر إلى جبل أسود فاستصلحي زوجك.
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث، فاستأمر رسول الله ﷺ، فقال: عن أي شأنها تسلني، عن حسبها؟ قال: لا ولكن تأمرني بها، فقال: فاطمة مضغة مني ولا احب أن تجزع، فقال: لا آتي شيئًا تكرهه.
(١) في الاصل: شنبر بالشين المعجمة وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه- انظر الاكمال: ٤/ ٣٧٨.
(٢) في ع: جوارها.
(٣) كرر أن في الأصل.
تزويج النبي ﷺ سودة بنت زمعة
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فماتت خديجة بنت خويلد قبل مهاجر النبي ﷺ بثلاث سنين، لم يتزوج رسول الله ﷺ عليها امراة حتى ماتت هي وأبو طالب في سنة، ثم تزوج رسول الله ﷺ بعد خديجة سودة «١» بنت زمعة، وكانت قبله عند السكران بن عمرو، أخي سهيل بن عمرو، وكان ابن عمها تزوجها وهي بكر، فهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدما مكة فمات عنها مسلمًا بمكة. فتزوجها رسول الله ﷺ ولم يصب منها ولدًا حتى مات.
نا يونس عن النعمان بن ثابت عن الهيثم أن رسول الله ﷺ قال لسودة ابنة زمعة:
اعتدي «٢»، فتعرضت له في طريقه فقالت له: نشدتك بالله ألا راجعتني ولك يومي أجعله لأي نسائك شئت فإنما أريد أن أحشر من أزواجك يوم القيامة فراجعها رسول الله ﷺ
(١) في ع: بسودة.
(٢) تدخل المرأة في العدة بعد فراقها لزوجها طلاقا أو وفاة.
تزويج النبي ﷺ عائشة بنت أبي بكر الصديق

نا يونس عن هشام بن عروة عن ابن أبيه عروة بن الزبير قال: لما دخلت سودة في السن جعلت يومها لعائشة فكان رسول الله ﷺ يقسم به لها.
قال ابن اسحق: ثم تزوج رسول الله ﷺ بعد سودة بنت زمعة عائشة بنت أبي بكر وهي بكر، لم يتزوج بكرا غيرها ولم يصب منها ولدًا حتى مات.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال تزوج رسول الله ﷺ عائشة بعد موت خديجة بثلاث سنين، وعائشة يومئذ ابنة ست سنين، وبني بها رسول الله ﷺ وهي ابنة تسع سنين، ومات رسول الله ﷺ وعائشة ابنة ثماني عشرة سنة.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة إن رسول الله ﷺ قال:
أريتك في (١٢٧) المنام مرتين، أرى أن رجلًا يحملك في سرقة «١» حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف فأراك فأقول إن كان هذا من عند الله يمضه.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كانت أمي تعالجني تريد لتسمنني بعض السمن لتدخلني على رسول الله ﷺ فما استقام لها بعض ذلك حتى أكلت التمر بالقثاء، فسمنت عليه كأحسن ما يكون من السمن.
نا يونس قال: تحدث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: إني لألعب مع جواري من الأنصار في ارجوحة بين نخلتين إذ أتت أمي فأخذت بيدي ما
(١) في ع: «مسرته» وهو تصحيف، والسرقة قطعة من جيد الحرير، انظر النهاية لابن الاثير مادة «سرق»
أدري ما تصنع بي فجعلت أضع يدي على بطني لأرد نفسي لكي ترى ما بي، فذهبت بي أمي ونطقتني وأدخلتني على رسول الله ﷺ.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله ابن الزبير عن عائشة قالت: لما قدمنا مهاجرين سلكنا في ثنية صعبة فنفر بي جمل كنت عليه، قوي منكر، فو الله ما أنسى قول أمي: واعروساه، فركب بي رأسه فسمعت قائلا يقول: والله ما أراه ألقى خطامه، فألقيته فقام يستدير عليه كأنما انسان جالس تحته يمسكه.
تزويج النبي ﷺ حفصة بنت عمر

نا أحمد: نا يونس عن محمد بن إسحق قال: ثم تزوج رسول اللَّه ﷺ بعد عائشة حفصة بنت عمر، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة، أحد بني سهم، فمات رسول اللَّه ﷺ ولم يصب منها ولدًا.
نا يونس عن سليمان الأعمش عن أبي صالح عن ابن عمر قال: دخل عمر على أختي حفصة وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك، لعل رسول اللَّه ﷺ طلقك، إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك، واللَّه إن كان طلقك أخرى لا أكلمك كلمة أبدًا
تزويج النبي ﷺ زينب بنت خزيمة

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق: ثم تزوج رسول اللَّه ﷺ بعد حفصة زينب ابنة خزيمة الهلالية، أم المساكين، وكانت قبله عند الحصين بن الحارث أو عند أخيه الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، ماتت بالمدينة، أول نسائه موتًا، ولم يصب رسول اللَّه ﷺ منها ولدًا.
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: قلن «١» النسوة لرسول اللَّه ﷺ: أينا أسرع بك لحوقًا؟ قال: فقال: أطولكن يدًا، فأخذن يتنازعن عن أطولهن يدًا، فلما توفيت زينب علموا أنها كانت أطولهن يدًا في الخير والصدقة.
(١) في ع: قل.
تزويج النبي ﷺ أم حبيبة

نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم تزوج رسول اللَّه ﷺ بعد زينب أم حبيبة بنت أبي سفيان، كانت قبله عند عبيد اللَّه بن جحش بن رئاب، أحد بني أسد أخي عبد اللَّه بن جحش، كان تزوجها وهي بكر، وكان له منها حبيبة ابنة عبيد اللَّه، فمات عنها بأرض الحبشة وقد تنصر بعد اسلامه، وكانت مهاجرة معه بأرض الحبشة، فلم يصب رسول اللَّه ﷺ منها ولدًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني أبو جعفر قال: بعث رسول اللَّه ﷺ عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، فزوجه أم حبيبة ابنة أبي سفيان وساق عنه أربعمائة دينار.
تزويج النبي ﷺ أم سلمة

نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم تزوج رسول اللَّه ﷺ بعد أم حبيبة أم سلمة هند بنت أبي أمية، وكانت قبله عند أبي سلمة عبد اللَّه بن عبد الأسد بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم هاجرًا جميعًا إلى أرض الحبشة، ثم قدما المدينة، فأصابته جراحة بأحد، فمات بها من جراحته، كان «١» تزوجها وهي بكر، فولدت له سلمة، وعمر، ودرة، وزينب، ولم يصب رسول اللَّه ﷺ منها ولدًا.
نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: كان رسول اللَّه ﷺ يخطب أم سلمة يجلس على أسكفه الباب ويضع ثوبه ويتكىء عليه ويقول
: إن كان إنما بك أن أزيدك في الصداق زدتك، وإن أردت أزد النسوة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني والدي إسحق بن يسار قال: كان لرسول اللَّه ﷺ في كل يوم من سعد بن عبادة جفنة طعام يدور بها معه حيث دار، وكان رسول اللَّه ﷺ إذا خطب امرأة عرض عليها ما أراد أن يسمي لها، ثم يقول: وجفنة سعد بن عبادة تأتيك كل غداة.
نا يونس عن أبي معشر المدني عن سعيد المقبري قال: بعث رسول اللَّه ﷺ إلى أم سلمة يخطبها، فقالت: إني في خصال لا أقدر على أن أتزوجك يا رسول اللَّه، إني امرأة كبيرة، وأنا أغار على زوجي وأخاف أن أغار على رسول اللَّه
(١) في الأصل وفي ع: «ثم» وقد ابدلتها بكان حتى يستقيم الكلام.
ﷺ، وأنا امرأة مخسوسة سهمي، وأنا مطفل ذات عيال، فقال رسول اللَّه ﷺ: أما ما تذكرين من الكبر فإنه ليس عليك أن تتزوجي من هو أكبر منك، وأما ما تذكرين من الغيرة فإني أدعو اللَّه
﷿ أن يذهبها عنك، وأما ما تذكرين من السهم، فأنا ادعو اللَّه أن يحسن سهمك، وأما ما تذكرين من العيال، فمن ترك مالًا فلورثته، ومن ترك دينًا أو عيالًا فعلى اللَّه وعلى رسوله فتزوجها رسول اللَّه ﷺ.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، وعبد الرحمن بن الحارث ومن لا أتهم عن عبد اللَّه بن شداد بن الهاد قال: كان الذي زوج رسول اللَّه ﷺ أم سلمة ابنها سلمة «١»، فزوجه رسول اللَّه ﷺ ابنة حمزة وهما صبيان صغيران، فلم يجتمعا حتى ماتا، فقال رسول اللَّه ﷺ: هل جزيت سلمة بتزويجه إياي أمه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الملك بن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه قال: تزوج رسول اللَّه ﷺ أم سلمة في شوال وجمعها في شوال فقالت له: ستع عندي، فقال رسول الله ﷺ إن شئت فعلت وسبعت عند صواحبك، وإن شئت فثلاث ثم أدور عليهن في يومك، فقالت: لا بل ثلاث.
نا يونس عن النعمان بن ثابت عن الهيثم أن رسول اللَّه ﷺ أو لم على أم سلمة بتمر وسويق.
(١) في الأصل وفي ع: «أبو سلمه» وهو خطأ صوابه ما أثبتنا، انظر أنساب الأشراف: ١/ ٤٢٩- ٤٣١.
تزويج زينب ابنة جحش

نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم تزوج رسول اللَّه ﷺ بعد أم سلمة زينب ابنة جحش أخت عبد اللَّه بن جحش إحدى نساء بني اسد بن خزيمة، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، زوجه اللَّه إياها، فمات رسول اللَّه ﷺ، ولم يصب منها ولدًا، وهي أم الحكم.
نا يونس عن أبي سلمة الهمذاني مولى الشعبي عن الشعبي قال: مرض زيد بن حارثة فدخل عليه رسول الله ﷺ يعوده، وزينب ابنة جحش امرأته جالسة عند رأس زيد، فقامت زينب لبعض شأنها، فنظر إليها رسول الله ﷺ، ثم طأطأ رأسه فقال: سبحان اللَّه مقلب القلوب والابصار، فقال زيد:
أطلقها لك يا رسول الله؟ فقال: لا، فانزل اللَّه
﷿: «وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ» إلى قوله: «وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «١»» .
(١) سورة الأحزاب: ٣٧.
تزويج جويرية ابنة الحارث

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: تزوج رسول اللَّه ﷺ بعد زينب بنت جحش (١٣٠) جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار، وكانت قبله عند ابن عم لها يقال له ابن ذي الشفر «١»، فمات رسول اللَّه ﷺ ولم يصب منها ولدا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة أنها قالت: لما قسم رسول اللَّه ﷺ سبايا بني المصطلق «٢» وقعت جويرية ابنة الحارث في السهم لثابت بن قيس ولابن عم له، فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول اللَّه ﷺ تستعينه في كتابتها، قالت عائشة: فو الله ما هو إلا أن رأيتها فكرهتها وقلت: سيرى منها مثلما رأيت، فلما دخلت عليه قالت: يا رسول الله أنا جويرية ابنة الحارث، سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك وقد كاتبت على نفسي فأعني على كتابتي، فقال رسول اللَّه ﷺ: أو خير من ذلك، أودي عنك كتابتك وأتزوجك؟ فقالت: نعم، ففعل رسول الله ﷺ، فبلغ الناس أن رسول اللَّه ﷺ تزوجها، فقالوا: أصهار رسول الله ﷺ، فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق، فلقد أعتق بها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على أهل بيت منها.
(١) في أنساب الأشراف: ١/ ٤٤١ «مسافع بن صفوان بن ذي الشفر» .
(٢) هزم بنو المصطلق يوم المريسع في السنة الخامسة للهجرة، انظر مغازي الواقدي: ١/ ٤٠٤- ٤١٣.
تزويج صفية ابنة حيي

نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: كانت جويرية من ملك يمين رسول اللَّه ﷺ فأعتقها واستنكحها وجعل مهرها عتق كل مملوك من بني المصطلق.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم تزوج رسول الله ﷺ بعد جويرية صفية ابنة حيي، وكانت قبله عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فمات عنها رسول اللَّه ﷺ ولم يصب منها ولدًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني والدي إسحق بن يسار قال لما افتتح رسول اللَّه ﷺ حصن ابن أبي الحقيق «١» أتي بصفية ابنة حيي ومعها ابنة عم «٢» لها حاء بها بلال فمر بهما على قتلى من قتلى يهود، فلما رأتهم التي مع صفية صكت وجهها، وصاحت وحثت التراب على رأسها، فقال رسول اللَّه ﷺ غربوا هذه الشيطانة عني، وأمر بصفية خلفه وغطى عليها ثوبه، فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه، وقال رسول اللَّه ﷺ لبلال، حيث رأى من اليهودية ما رأى: يا بلال نزعت منك الرحمة حين تمر بامرأتين على قتلاهما، وقد كانت صفية رأت قبل ذلك (٣٣١) أن قمرًا وقع في حجرها، فذكرت ذلك لأبيها فضرب وجهها ضربة أثر فيه، وقال: إنك لتمدين عنقك إلى أن تكون عند ملك العرب، فلم يزل الأثر في وجهها حتى أتى بها رسول اللَّه ﷺ، فسألها عنه، فأخبرته خبره.
(١) حدث سقط واضطراب في السطر الأول من رواية ع، وكان أمر ابن أبي الحقيق سنة خمس للهجرة في غزوة بني قريظة، انظر الروض: ٣/ ٢٦٧.
(٢) في انساب الأشراف: ١/ ٤٣٣ «أختها» .
يونس عن هشام بن أبي عبد اللَّه عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك قال: أعتق رسول اللَّه ﷺ صفية وجعل عتقها صداقها.
نا يونس عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه الأزدي عن أنس بن مالك قال: لما تزوج رسول اللَّه ﷺ صفية ابنة حيي دعا الناس على مأدبته وهي يومئذ بالحيس «١» والتمر.
يونس عن سليمان الأعمش قال: بلغني رسول اللَّه ﷺ أو لم على بعض نسائه بقدر من جشيشه «٢» .
(١) الحيس تمر بخلط بسمن (التلخيص في اسماء الاشياء لأبي هلال العسكري: ١/ ٣٧١» .
(٢) نوع من طعام العرب، انظر التلخيص: ١/ ٣٧٤، وفي ع: «شيشة»، وهو تصحيف.
تزويج رسول اللَّه ﷺ ميمونة بنت الحارث الهلالية

نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم تزوج رسول اللَّه ﷺ بعد صفية ميمونة بنت الحارث الهلالية، وكانت قبله عند أبي رهم بن أبي قيس أحد بني مالك بن حسل من بني عامر بن لؤي، مات رسول اللَّه ﷺ ولم يصب منها ولدًا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني ثقة عن سعيد بن المسيب أنه قال: هذا عبد اللَّه بن عباس يزعم أن رسول اللَّه ﷺ نكح ميمونة وهو محرم، وكذب، إنما قدم رسول اللَّه ﷺ مكة فحل، فكان الحل والنكاح جميعًا فشبه ذلك على الناس. «١»
نا يونس عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم قال: تزوج رسول اللَّه ﷺ ميمونة وهو حلال، بعث إليها الفضل بن عباس ورجلًا معه فزوجاها إياه.
نا يونس عن عبد اللَّه بن محرز عن يزيد بن الأصم إن رسول اللَّه ﷺ تزوج ميمونة وهو حلال بسرف، وبنى بها وهو حلال في قبة لها، فماتت فيها «٢» .
(١) انظر انساب الأشراف: ١/ ٤٤٥ فهناك فارق في الروايات. وجاء في حاشية ع: «اظنه فتشابه» .
(٢) اي ماتت فيما بعد بسرف، انظر انساب الأشراف: ١/ ٤٤٦ وفيه «وتوفيت ميمونة بسرف وهي آخر نساء النبي ﷺ موتا» . وسرف موضع على ستة أميال من مكة او أكثر من هذا كما ذكر ياقوت في معجم البلدان.
نا يونس عن عبد اللَّه بن محرز عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال:
تزوج رسول اللَّه ﷺ ميمونة وهو محرم.
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال: تزوج رسول اللَّه ﷺ ميمونة وهو محرم.

تزويج أسماء بنت كعب الجونية وعمرة بنت يزيد
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: كان رسول اللَّه ﷺ تزوج أسماء ابنة كعب الجونية، ولم يدخل بها حتى طلقها، وتزوج عمرة ابنة يزيد إحدى نساء بني كلاب (١٣٢) ثم بني الوحيد، وكانت قبله عند الفضل بن العباس بن عبد المطلب فطلقها رسول اللَّه ﷺ قبل أن يدخل بها.
امرأة من غفار
نا يونس عن أبي يحيى عن حميل بن زيد الطائي عن سعد بن زيد الأنصاري قال:
تزوج رسول اللَّه ﷺ امرأة من غفار، فدخل بها فأمرها فنزعت ثوبها فرأى بها بياضًا من برص عند ثديها فانماز «١» رسول اللَّه ﷺ وقال: خذي ثوبك والحقي بأهلك، وأكمل لها صداقها.
نا يونس عن إبراهيم بن اسماعيل عن عثمان بن كعب القرظي أن أخا لتميمة ابنة وهب ذكر أختًا له لرسول اللَّه ﷺ، وذكر حالها، فقال لها رسول الله ﷺ: أتحبين أن أتزوجك، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال رسول الله ﷺ:
منع اللَّه عائذة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس قال: نظر رسول اللَّه ﷺ إلى أم حبيب ابنة عباس وهي بدر «٢» بين يديه فقال رسول اللَّه ﷺ: لئن بلغت هذه وأنا حي لأتزوجنها، فقبض رسول اللَّه ﷺ قبل أن تبلغ فتزوجها الأسود ابن عبد الأسد أخو أبي سلمة، فولدت له رزق بن الأسود ولبابة ابنة الأسود، سمتها باسمها أم الفضل وكان اسمها لبابة.
(١) في حاشية ع فتأخر. هذا ولم أجد كلمة انماز فيما لدي من معاجم ومصادر، ولعلها تصحيف لكلمة «انحاز» .
(٢) يقال بدر الغلام اذا تم واستدار تشبيها بالبدر في تمامه وكماله.
عدد النسوة اللاتي وهبن أنفسهن
نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال: وهبن لرسول اللَّه ﷺ نساء أنفسهن، فدخل ببعضهن، وأرجأ بعض فلم يقربهن حتى توفي، ولم ينكحن بعده، فيهن أم شريك، فذلك قوله: «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ» . «١»
نا احمد قال: نا أبي عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن أبي رزين في قول اللَّه تعالى: «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ» فكان فيمن أرجأ رسول اللَّه ﷺ سودة، وأم حبيبة، وميمونة، فأراد فراقهن فقلن لا تفارقنا ودعنا على حالنا واقسم لنا ما شئت من نفسك ومالك، قال: فتركهن على حالهن وقسم لهن ما شاء، قال: وكان ممن آوى: عائشة، وأم سلمة، وزينب، وحفصة، وكانت قسمتة من نفسه وماله بينهن سواء.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنت أغار، فقلت لامرأة ممن وهبت نفسها لرسول اللَّه ﷺ: أما تستحي (١٣٣) المراة أن تهب نفسها بغير صداق، وكان رسول اللَّه ﷺ قد اعتزل بعضهن، وكنت على رجاء فلما نزل: «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ» أيست وقلت: إني لأرى ربك يسارع لك في هواك.
نا يونس عن عنبسة بن الأزهر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لم يكن عند رسول اللَّه ﷺ امرأة وهبت نفسها له.
نا يونس عن أبي سلمة الهمذاني عن الشعبي: نزل على رسول اللَّه ﷺ: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها «٢»» إلى آخر الآيتين، فخيرهن رسول اللَّه ﷺ فاخترن اللَّه ورسوله والدار الآخرة، فشكر اللَّه لهن ذلك وأنزل اللَّه عليه: «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ» . «٣»
(١) سورة الأحزاب: ٥١.
(٢) سورة الأحزاب: ٢٨- ٢٩.
(٣) سورة الأحزاب: ٥٢.
ما اتخذه النبي ﷺ من السراري
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ومات رسول الله ﷺ عن التسع من نسائه ولم تمت قبله غير خديجة ابنة خويلد وزينب أم المساكين، ومات عن التسع البواقي، ولم يهاجر منهن إلى أرض الحبشة غيرها ولا الثلاث: أم سلمة، وأم حبيبة وفلانة، ولم يصب الولد إلا من خديجة، وكان عند رسول الله ﷺ في ملك يمينه: ريحانة ابنة عمرو بن حذافة، فلم يصب منها ولدًا حتى مات، ومارية أم ابراهيم القبطية، ولدت له ابراهيم فلم يصب رسول الله ﷺ الولد إلا من خديجة ومارية.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن طلحة عن يزيد بن ركانة قال: مات ابراهيم بن رسول الله ﷺ وهو ابن ثمانية عشر شهرًا، فلم يصل عليه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة بمثله.
نا يونس عن ابراهيم بن عثمان عن الحاكم عن مقسم عن ابن عباس قال:
ولدت مارية القبطية لرسول الله ﷺ ابراهيم، فقال رسول الله ﷺ: إن له لمرضعة في الجنة، ولو بقي لكان صديقًا نبيًا، ولو بقي لأعتق كل قبطي.
نا يونس عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء بن جابر عن عبد الرحمن بن عوف قال: أخذ رسول الله ﷺ بيدي فانطلق بي إلى النخل «١»، فوجد فيه ابراهيم بن النبي ﷺ، فأخذه فوضعه في حجره فذرفت عيناه، ثم
(١) أورد البلاذري هذه الرواية في أنساب الأشراف: ١/ ٤٥١ وزاد فيها «فإذا إبراهيم يجود بنفسه» .
قال يا بني ما أملك لك من الله شيئًا، فقلت له: يا رسول الله تبكي، ألم تنه عن (١٣٤) البكاء؟ فقال: إنما نهيت عن النوح، عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لعب ولهو، ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، خمش وجوه، وشق جيوب ورنة شيطان، وهذا رحمة ومن لا يرحم لا يرحم، يا ابراهيم لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأنها سبيل مأتية «١» لا بد منها حتى يلحق آخرنا أولنا لحزنا عليك حزنًا هو أشد من هذا، وإنا بك لمحزونون، تبكي العين ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب.
نا يونس عن المبارك بن فضالة عن الحسن أن رسول الله ﷺ قال: ولد لي البارحة غلام فسميته باسم أبي ابراهيم.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني ابراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله ﷺ وقد كان كبر على مارية أم إبراهيم في ابن عم لها يزورها ويختلف إليها قبطي، قال:
خذ هذا السيف وانطلق فإن وجدته عندها فاقتله، فقلت يا رسول الله أكون في أمرك كالمشكة «٢» المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أمرتني به، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ فقال رسول الله ﷺ: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فأقبلت متوشحا السيف فأجده عندها، فلما رآني اخترطت سيفي فعرف أني أريده، اشتد في نخلة فرقا فيها حتى إذا كان في نصفها ودنوت منه رمى بنفسه على ظهره، ثم شغر برجله فإذا أنه لأمسح أجب ما له مما للرجال قليل ولا كثير، فغمدت «٣» السيف ثم جئت رسول ﷺ فأخبرته الخبر فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت.
(١) في ع: نأتيه.
(٢) في حاشية الأصل «السكة» .
(٣) في ع: فغررت،
ما عوض النبي ﷺ من ابنه
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال حدثني يزيد بن رومان قال: كان العاصي بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله ﷺ قال: دعوة فإنما هو رجل أبتر لا عقب له، لو قد هلك قد انقطع ذكره، فاسترحتم منه، فأنزل الله
﷿:
«إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» حتى قضى السورة، إنا قد أعطيناك الكوثر ما هو خير لك من الدنيا وما فيها، أو الكوثر العظيم من الأمر، «إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ») «١» العاصي بن وائل.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق: حدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن عبد الله بن مسلم الزهري قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قيل لرسول الله ﷺ: ما الكوثر الذي (١٣٥) أعطاك ربك؟ فقال: نهر كمثل ما بين صنعاء إلى ايلة من أرض الشام، آنيته أكثر من عدد نجوم السماء، يرده طير لها أعناق كأعناق البخت «٢» فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إنها لناعمة؟
فقال رسول الله: أكلها أنعم منها.
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن عبد الله بن أبي نجيح عن أنس بن مالك قال في قول الله
﷿: «إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» قال: نهر في الجنة قال ابن أبي نجيح: وقالت عائشة: هو في نهر في الجنة ليس أحد يدخل اصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر.
نا يونس عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عاصم الجحدري عن علي: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
نا يونس عن فطر بن خليفة «٣» قال: سألت عطاء عن الكوثر قال: نهر في الجنة، «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» قال: أمر أن يصلي الفجر يوم النحر ثم ينحر.
(١) انظر ما سبق
(٢) من أجود أنواع الجمال.
(٣) في الأصل «قطر بن خليفة» وهو تصحيف، انظر التاريخ الكبير للبخاري: ٧/ ١٣٩.
حديث «١» المستهزئين والآيات
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: قام رسول الله ﷺ على أمر الله محتسبًا مؤديًا إلى قومه النصيحة على ما كان فيهم من النائرة «٢» والأذى والاستهزاء، وكان عظماء المستهزئين برسول الله ﷺ كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة أو غيره من العلماء قال: كان المستهزئين برسول الله خمسة: الأسود بن عبد يغوث ابن وهب، والأسود بن المطلب بن أسد، والوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل والحارث بن الطلاطلة أحد [بني] خزاعة، فكانوا يهزئون برسول الله ﷺ ويغمزونه فأتاه جبريل
فوقف به عند الكعبة وهم يطوفون به، فمر به الأسود ابن عبد يغوث فأشار جبريل إلى بطنه فمات حبنًا «٣»؛ ومر به الأسود ابن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي، ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى جرح في كعب رجله قد كان أصابه قبل ذلك بيسير، فانتقض به فقتله، ومر به العاصي بن وائل فأشار إلى أخمص رجله، فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة «٤» فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخض قيحًا حتى قتله، ففيهم أنزل الله ﷿: إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. «٥»
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال حدثني الزهيري عن عكاشة بن عبد الله بن أبي أحمد أنه حدث أن رجالًا من بني مخزوم مشوا إلى هشام بن الوليد (١٣٦) حين أسلم أخوه الوليد بن الوليد وقد كانوا أجمعوا أن يأخذوا فتية منهم كانوا قد أسلموا: سلمة بن هشام. وعياش بن أبي ربيعة، فقالوا له- وخشوا شره:
(١) كتب فوقها في الأصل «قصة» .
(٢) الفتنة.
(٣) داء في البطن يرم كالدمل ويكون له خراج.
(٤) نبات شوكي.
(٥) سورة الحجر: ٩٥.
إن قد اردنا أن نعاقب هؤلاء الفتية على هذا الدين الذي أحدثوا فإنا نأمن بذلك في غيرهم فقال: من فعل هذا فعليكم به [وهذا أخي] «١» فعاقبوه وإياكم نفسه وقال:
ألا لا تقتلوا أخي غبيش ... فيبقى بيننا أبدًا تلاح
احذروا على نفسه، فأقسم بالله لئن قتلتموه لأقتلن أشرفكم رجلًا، فقالوا:
اللهم العنة من يغرر «٢» بهذا الخبيث، فو الله لو أصيب في أيدينا لقتل أشرفنا رجلًا، فتركوه ونزعوا عنه، فكان مما دفع الله به عنهم.
نا يونس عن أبي معشر عن محمد بن كعب قال: كلمت رسول الله ﷺ قريش فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أن ثمود كانت له ناقة، فأتنا ببعض تلك الآيات حتى نصدقك، فقال رسول الله ﷺ: أي شيء تحبون أن آتيكم به قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبًا، قال: فإن فعلت تصدقوني؟
قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين، فقام رسول الله ﷺ يدعو فجاءه جبريل
فقال له: ما شئت إن شئت أصبح ذهبًا، ولكن لم أرسل آية ولم يصدقوا عند ذلك إلا عذبتهم، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فأنزل الله ﷿: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها» إلى قوله: «ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» «٣» .
نا يونس عن عيسى بن عبد الله التميمي عن الربيع بن أنس البكري قال:
قال الناس لرسول الله ﷺ: لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيون، فقال رسول الله ﷺ: إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم، فإن عصيتم هلكتم، يقول: ينزل العذاب، قالوا: لا نريدها.
نا يونس عن أبي معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي قال: كلمت
(١) زيد ما بين الحاصرتين حتى يستقيم الخبر وتم ذلك مما جاء في حاشية الأصل.
(٢) في ع: يغدر.
(٣) سورة الأنعام: ١٠٩- ١١١.
قريش لرسول الله ﷺ فقالوا: يا محمد إنا في واد ضيق قليل الماء فسير عنا بقرآنك هذه الجبال، وأخرج لنا من الأرض ينبوعًا حتى نشرب منه الماء، وأخرج لنا آباءنا نكلمهم فنسألهم: ماذا لقوا، فأنزل الله
﷿: «وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى «١»» يقول يا محمد لو أن قرآنًا (١٣٧) صنعت به هكذا لصنعته بقرآنك.
نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عروة قال: كل شيء نزل على رسول الله ﷺ من القرآن فيه ذكر الأمم والقرون وما يثبت به الرسول فإنما نزل بمكة، وما كان من الفرائض والسنن فإنما نزل بالمدينة.
نا يونس عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: قدم عبد الله الكوفة فرأى أناسًا من الزط ففزع منهم فقال: ما هؤلاء؟ فقيل الزط، فقال: هؤلاء أشبه من رأيت بالجن الذين أقراهم رسول الله ﷺ.
نا يونس عن الأعمش قال: بلغني أن الجن الذين خاطبوا رسول الله ﷺ كانوا تسعة.
(١) سورة الرعد: ٣١.
حديث ركانة بن عبد يزيد
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال. حدثني والدي إسحق بن يسار إن رسول الله ﷺ قال لركانة بن عبد يزيد: أسلم، قال: لو أعلم ما تقول حقًا لفعلت فقال له رسول الله ﷺ وكان ركانة من أشد الناس-: أرأيت إن صرعتك تعلم أن ذلك حق؟ قال: نعم، فقام رسول الله ﷺ فصرعه فقال له: عد يا محمد، فعاد له رسول الله ﷺ، فأخذه الثانية فصرعه، وانطلق ركانة يقول: هذا ساحر، لم أر مثل سحر هذا قط، والله ما ملكت من نفسي شيئًا حتى وضع جنبي إلى الأرض.
أعلام النبوة
نا يونس عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه قال:
سافرت مع رسول الله ﷺ سفرًا، فرأيت منه شيئًا عجبًا، نزلنا منزلًا فقال:
انطلق إلى هاتين الأشاءتين «١» فقل: إن رسول الله يقول لكما أن تجتمعا، فانطلقت فقلت لهما ذلك، فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فمرت كل واحدة إلى صاحبتها فالتقتا جميعًا، فقضى رسول الله ﷺ حاجته من ورائهما ثم قال إنطلق فقل لهما لتعود كل واحدة منهما إلى مكانها، فأتيتهما فقلت ذلك لهما، فمرت كل واحدة حتى عادت إلى مكانها.
وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم «٢» منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين فقال رسول الله ﷺ: أدنيه، فأدنته منه، فتفل في فيه وقال: اخرج عدو الله، أنا رسول الله، ثم قال لها رسول الله ﷺ: إذا رجعنا فاعلمينا ما صنع، فلما رجع رسول الله ﷺ استقبلته (١٣٨) ومعها كبشان وأقط «٣» وسمن، فقال لي رسول الله ﷺ: خذ هذا الكبش، فأخذ منه ما أراد، فقالت: والذي أكرمك ما رأينا به شيئًا منذ فارقنا.
ثم أتاه بعير فقام بين يديه فرأى عينيه تدمعان، فبعث إلى أصحابه فقال:
ما لبعيركم هذا يشكو كم؟ فقالوا: كنا نعمل عليه، فلما كبر وذهب عمله تواعدنا لنحره غدًا، فقال رسول الله ﷺ فلا تنحروه، واجعلوه في الأبل يكون فيها.
(١) صغار النخل.
(٢) به طرف من الجنون أو أصابته من الجن مس.
(٣) لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به.
نا يونس عن الأعمش عن شمر بن عطية عن بعض أشياخه قال:
جاءت امرأة بابن لها إلى رسول الله ﷺ قد تخرس فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا لم يتكلم منذ ولد، فقال رسول الله ﷺ: أدنيه، فأدنته منه، فقال: من أنا فقال: أنت رسول الله.
نا يونس عن اسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجت مع رسول الله ﷺ في سفر، وكان رسول الله ﷺ إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد، فنزلنا منزلًا بفلاة من الأرض ليس فيها علم ولا شجر، فقال لي:
يا جابر خذ هذه الأداوة وانطلق بنا، فملأت الأداوة ماء وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى فإذا شجرتان بينهما أذرع، فقال رسول الله ﷺ: يا جابر انطلق فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول الله الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما ففعلت، فرجعت حتى لحقت بصاحبتها، فجلس خلفها حتى قضى حاجته، ثم رجعنا فركبنا رواحلنا وسرنا كأنما علينا الطير تظلنا، فإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله ﷺ معها صبي تحمله فقالت: يا رسول الله إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول الله ﷺ فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل، فقال رسول الله ﷺ: اخس «١» عدو الله أنا رسول الله، فأعاد رسول الله ﷺ ذلك ثلاث مرات، ثم ناولها إياه فلما رجعنا وكنا بذلك الماء عرضت لنا المرأة معها كبشان تقودهما، والصبي تحمله، فقالت:
يا رسول الله اقبل هديتي، فو الذي بعثك بالحق أن عاد إليه بعد، فقال رسول الله ﷺ: خذوا أحدهما منها وذروا الآخر، ثم سرنا ورسول الله ﷺ بيننا، فجاء جمل باد «٢»، فلما كان بين السماطين خر ساجدًا، فقال رسول الله ﷺ:
من صاحب هذا الجمل؟ فقال فتية من الأنصار: هو لنا يا رسول الله، قال: فما شأنه؟ قال: قالوا: سنونا عليه (١٣٩) منذ عشرين سنة، فلما كبرت سنه
(١) في ع: اخسأ.
(٢) نسبة الى البادية وهو عكس الحاضر.
وكانت عليه شحيمة فأردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا، فقال رسول الله ﷺ:
تبيعونه؟ فقالوا: يا رسول الله هو لك، قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله فقالوا: يا رسول الله نحن أحق أن نسجد لك من البهائم! فقال رسول الله ﷺ:
لا ينبغي لبشر، أن يسجد لبشر ولو كان ذلك، كان النساء لأزواجهن.
نا يونس عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال: خرج رسول الله ﷺ إلى بعض شعاب مكة، وقد دخله من الغم ما شاء الله، من تكذيب قومه، فقال:
رب أرني ما أطمأن إليه ويذهب عني هذا الغم، فأوحى الله
﷿ إليه:
ادع أي أغصان هذه الشجرة شئت، فدعا غصنًا فانتزع من مكانه، ثم خد «١» في الأرض حتى جاء رسول الله ﷺ فقال له رسول الله ﷺ: ارجع إلى مكانك، فرجع الغصن فخد في الأرض حتى استوى كما كان، فحمد رسول الله ﷺ الله
﷿ وطابت نفسه، وقد كان قال المشركون: أيضلل آباءك وأجدادك يا محمد، فأنزل الله ﷿: «أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ» إلى قوله:
«وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ» «٢» .
نا يونس عن مالك بن مغول عن طلحة بن أبي صالح قال: بينا رسول الله ﷺ في مسير له إذ نفذت أزوادهم حتى هم رسول الله ﷺ أن ينحر بعض حمائلهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله لو أمرت ما بقي من أزودة القوم فجمعته، فدعوت الله فيه بالبركة، فجاء صاحب التمر وصاحب البر ببره- قال: وقال مجاهد وذو النوى بنواه، فقلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟
قال: كانوا يمضغونه ويشربون عليه الماء- فدعا الله تعالى فيه بالبركة، فملأ القوم أزودتهم، ثم قال عند ذلك اشهد الا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله من آمن بالله غير شاك فيهما لم يحجب عن الجنة.
نا يونس عن القاسم بن الفضل قال: حدثني أبو نضرة «٣» العبدي عن أبي
(١) أي شق لنفسه طريقا ومنه الأخدود.
(٢) سورة الزمر: ٦٤- ٦٦.
(٣) في الأصل: أبو بصرة، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا. انظر الاكمال: ١/ ٣٢٩- ٣٣٠.
سعيد الخدري أنه حدثهم قال: بينما راع يرعى في الحرة «١» إذ عرض ذئب لشاة من غنمه، فحال بين الذئب وبينها، فأقعى الذئب على ذنبه فقال للراعي: أما تتقي الله، تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي، قال الراعي: عجبًا من ذئب مقعى على ذنبه يكلمني كلام الآدميين! فقال له الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني، رسول الله ﷺ يحدث الناس بأنباء ما قد سبق فساق الراعي شياهه حتى أتى المدينة (١٤٠) فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم دخل على رسول الله ﷺ فحدثه بما قال الذئب فخرج رسول الله ﷺ إلى الناس فقال للراعي حدثهم، فأخبرهم بما قال الذئب فقال رسول الله ﷺ: صدق الراعي، والذي نفسي بيده، إنها من أشراط الساعة كلام السباع الأنس، ولا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الأنس، ويكلمه شراك نعله، ويحدثه سوطه، ويخبره فخذه ما أحدث أهله بعده.
نا يونس عن عبد الحميد بن بهرام الفزاري قال: حدثني شهر بن حوشب عن أبي سعيد أنه قال: بينا «٢» رجل من أسلم في غنيمة له يهش عليها ببيداء ذي الحليفة «٣» إذ غدا عليه الذئب فانتزع شاة من غنمه، فجهجاه الرجل، ورماه حتى استنقذ منه شاته، تم أقبل الذئب حتى أقعى مستقرًا بذنبه مقابل الرجل فقال: أما اتقيت الله، حلت بيني وبين شاة رزقنيها الله، فقال الرجل: تالله ما سمعت كاليوم قط، فقال الذئب: مم تعجب؟ قال أعجب من مخاطبتك إياي! فقال الذئب أعجب من ذلك رسول الله ﷺ بين الحرتين، في النخلات يحدث الناس ما خلا، ويحدثهم بما هو آت، وأنت هاهنا مع غنمك، فلما سمع الرجل قول الذئب ساق غنمه يحوزها حتى إذا أدخلها قباء، قرية الأنصار، فسأل عن رسول الله
(١) الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار، والحرات في بلاد العرب كثيرة ولعله أراد هنا حرة قباء قبلي المدينة.
(٢) كتب فوقها في الأصل: «بينما» .
(٣) قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة.
ﷺ، فصادفه في بيت أبي أيوب، فاخبره بخبر الذئب، فقال رسول الله ﷺ: صدقت، احضر العشية فإذا رأيت الناس قد اجتمعوا فأخبرهم ذلك ففعل، فلما صلى رسول الله ﷺ الظهر واجتمع الناس أخبرهم الاسلمي خبر الذئب، فقال رسول الله ﷺ: صدق، صدق، صدق، تلك الأعاجيب بين يدي الساعة، فرددها ثلاثًا، أما والذي نفس محمد بيده ليوشك الرجل أن يغيب عن أهله الروحة أو الغدوة ثم يخبره سوطه أو عصاه أو نعله بما أحدث أهله من بعده «١» .
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الرحمن الأعرج عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة إن رسول الله ﷺ قال- وحدث عن رجل ركب بقرة فاستحثها يضربها فقالت: يا عبد الله إني لم أخلق لهذا، قال القوم: سبحان الله، فقال رسول الله ﷺ: عجبتم «٢» لذلك؟ قالوا:
نعم يا رسول الله فقال رسول الله ﷺ: فأنا أؤمن به، وأبو بكر، وعمر، وما هما ثم.
ثم قال رسول الله ﷺ: إن ذئبًا عدا على غنم رجل فأخذ منها شاة، فطلبها الرجل حتى نزعها [١٤١] منه، فقال الذئب: هذا أنت منعتها اليوم مني، فمن الذي يمنعها يوم السبع إذ ليس فيها راعي غيري؟! فسبح القوم، فقال رسول الله ﷺ: أتعجبون من هذا؟ قالوا: نعم، قال: فإني أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر وما هما ثم.
نا يونس عن يحيى بن أبي أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: بينما راعي في غنمه، فعدا الذئب فأخذ شاة من
(١) الأحاديث عن هذه العلامات كثيرة متفرقة في مختلف الكتب الاسلامية لمختلف الطوائف ولعل أكثرها كمية موجودة في كتاب الملاحم والفتن لنعيم بن حماد (ت ٢٢٧ هـ) وهو مخطوط قمت بتحقيقه وسأدفعه للطباعة في أقرب فرصة وينصح القارىء بالعودة أيضا إلى كتاب تثبيت دلائل النبوة للقاضي عبد الجبار وكتاب دلائل النبوة لأبي نعيم.
(٢) في ع: عجبت.
غنمه فطلبها الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب فقال له: من لها يوم السبع، يوم ليس راع؟ فقال القوم سبحان الله! فقال رسول الله ﷺ: إني أؤمن بذلك أنا وأبو بكر وعمر.
نا يونس عن ابن أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: بينا رجل يسوق بقرة لنفسه قد حمل عليها، فالتفتت إليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا ولكن خلقت للحرث! فقال الناس: سبحان الله! فقال رسول الله ﷺ: فإني أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر.
نا يونس عن السري بن اسماعيل عن الشعبي قال: كان رسول الله ﷺ في بعض أسفاره فنزل فأتي بأداوة من ماء، فقيل له: يا رسول الله ما معنا ماء غيرها، فسكبها في ركوة، ثم وضع اصبعه في وسط الركوة، غمسها في الماء، فجعل يجيء الناس فيتوضئون، ثم يقولون صدرًا «١»، فأبصر رسول الله ﷺ عقب بعضهم لم يصبه الماء، فقال: اللهم اغفر لأعقابهم.
يونس عن مالك بن مغول عن طلحة عن أبي صالح إن رسول الله ﷺ قال:
متى ألقى اخواني؟ فقيل: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ فقال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم من أمتي لم يروني يؤمنون بي ويصدقوني، فقال رسول الله ﷺ:
أي الخلق أعجب إيمانًا؟ قالوا: ملائكة الله، فقال رسول الله ﷺ: وما لهم ألا يؤمنوا وهم عند ربهم! قالوا: فالنبيون، قال: وما لهم لا يؤمنون وهم موحى إليهم! قالوا: فأصحاب النبيين، فقال رسول الله ﷺ: وما لهم لا يؤمنوا وأنبياء الله
﷿ فيهم! لكن قوم من أمتي لم يدركوني يؤمنون بكتاب من ربهم فيؤمنون به ويصدقونه.
نا يونس عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: تذكروا فضل أصحاب النبي ﷺ فقال عبد الله «٢»: ما كان أبيه فضله «٣» لمن رآه،
(١) في ع: صدوا.
(٢) أي عبد الله بن عمر بن الخطاب، انظر التاريخ الكبير للبخاري: ٦/ ٤٩٩.
(٣) أي فضل النبي ﷺ.
والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن قط أفضل إيمانًا من مؤمن بغيب، ثم تلا عبد الله: «ألم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ» حتى بلغ «أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» «١» .
نا يونس عن إسماعيل بن عبد الملك عن عطاء إن رسول الله ﷺ قال يومًا [١٤٢] لأصحابه وهم مجتمعون حوله: عجب وليس بالعجيب أن رجلًا منكم بعث إليكم فآمن به من آمن منكم، وصدقه من صدقه منكم، فهذا عجب وليس بالعجيب، وعجب وهو العجب العجيب لقوم يؤمنون بي ولم يروني.
نا يونس عن اسماعيل قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مزيد بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: بينا نحن عند رسول الله ﷺ إذ أقبل راكبان من أهل اليمن، فلما رآهما رسول الله ﷺ قال: كنديان، مذحجيان، أتيا رسول الله ﷺ ليبايعاه، فقال أحدهما حين أخذ بيده ليبايعه: يا رسول الله أرأيت من أدركك فآمن بك وصدقك وشهد أن ما جئت به هو الحق ماذا له؟
قال: طوبى له فماسحه ثم انصرف، وأقبل الآخر فقال: يا رسول الله أرأيت من لم يرك وصدقك وشهد أن ما جئت به هو الحق ماذا له؟ قال: فقال رسول الله ﷺ: طوبى له فماسحه ثم انصرف.
نا يونس عن فائد بن عبد الرحمن العبدي قال: نا عبد الله بن أوفى أن رسول الله ﷺ قال: إني لمشتاق إلى إخواني، فقال عمر: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ فقال: لآ أنتم أصحابي، إخواني قوم آمنوا بي ولم يروني، فجاء أبو بكر فأخبره عمر بالذي قال له رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: يا أبا بكر ألا تحب قوما بلغهم أنك تحبني فأحبوك، فأحبهم أحبهم الله.
(١) سورة البقرة: ١- ٥.
إسلام أم شريك الدوسية
نا يونس عن عبد الأعلى بن المساور القرشي عن محمد بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة قال: كانت امرأة من دوس بقال لها أم شريك أسلمت في رمضان، فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله ﷺ، فلقيت رجلا من اليهود فقال:
ما لك يا أم شريك؟ قالت: أطلب رجلًا يصحبني إلى رسول الله ﷺ، قال:
فتعالى أنا أصحبك، قالت: فانتظرني حتى أملأ سقائي ماء، قال: معي ما لا تريدين من ماء فانطلقت معهم فساروا يومهم حتى أمسوا فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشى وقال: يا أم شريك تعالي إلى العشاء، فقالت إسقني من الماء فإني عطشى ولا أستطيع أن آكل حتى أشرب، فقال: لآ أسقيك حتى تهودي، قالت: لا جزاك الله خيرًا غررتني ومنعتني أحمل ماء، قال: لا والله لا أسقيك منه قطرة حتى تهوّدين، فقالت: لا والله لا أتهود أبدًا [١٤٣] بعد إذ هداني الله للإسلام، فأقبلت إلى بعيرها فعقلته ووضعت رأسها على ركبته فنامت، قالت:
فما أيقظني إلا برد دلو قد وضع على جبيني، فرفعت رأسي إلى دلو أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، فشربت حتى رويت، ثم نضحت على سقائي حتى ابتل، ثم ملأته ثم رفع بين يدي وأنا أنظر حتى توارى عني في السماء، فلما أصبحت جاء اليهودي فقال: يا أم شريك، فقلت: قد والله سقاني الله، قال: من أين، أنزل عليك من السماء؟ قلت: نعم والله قد أنزل الله علي من السماء، ثم رفع بين يدي حتى توارى عني في السماء؛ ثم أقبلت حتى دخلت علي رسول الله ﷺ فقصت عليه القصة، فخطب إليها رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله لست أرضي بنفسي لك، ولكن بضعي لك فزوجني من شئت، فزوجها زيدًا، وأمر لها بثلاثين صاعًا، وقال: كلوا ولا تكيلوا، وكان معها عكة سمن هدية لرسول
الله ﷺ، فقالت لجارية لها أبلغي هذه العكة رسول الله ﷺ، وقولي: أم شريك تقرئك السلام وتقول: هذه عكة سمن أهديناها لك، فانطلقت بها، فأخذوها يفرغوها، وقال لها رسول الله ﷺ: علقوها ولا توكوها «١»، فعلقوها في مكانها، فدخلت أم شريك فنظرت إليها مملوءة سمنًا فقالت: يا فلانة أليس أمرتك أن تنطلقي بهذه العكة إلى رسول الله ﷺ؟ فقالت: قد والله انطلقت بها كما قلت ثم أقبلت بها أصوبها ما يقطر منها شيء، ولكنه قال: علقوها ولا توكوها، فعلقتها في مكانها، وقد أوكتها أم شريك حين راتها مملوءة، فأكلوا منها حتى فنيت، ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعًا لم ينقص منه شيء.
(١) أي لا تربطوا فمها.
إسلام أبي هريرة من دوس
نا يونس عن أبي خلدة خالد بن دينار عن أبي العالية قال: لما أسلم أبو هريرة قال رسول الله ﷺ: ممن أنت؟ فقال: من دوس، فوضع رسول الله ﷺ يده على جبينه ثم نفضها، فقال: ما كنت أرى من دوس أحدًا فيه خير.
نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض أصحابي عن أبي هريرة قال: كان اسمي في الجاهلية عبد شمس بن صخر، فتسميت في الإسلام عبد الرحمن، وإنما كناني «١» بأبي هريرة أني كنت أرعى غنما له فوجدت أولاد هرة وحشية فجعلتها في كمي فلما (١٤٤) أرحت عليه غنمه سمع أصواتهن في صفني «٢»، فقال: ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت: أولاد هر وجدتها، قال: فأنت أبو هريرة فلزمتني بعد.
نا يونس قال: قال ابن إسحق: وكان وسيطًا في دوس حيث يحب أن يكون منهم.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن هزان بن سعيد قال: أتيت بيت المقدس فلقيت بها علي بن عبد الله بن العباس فسلمت عليه، فقال لي: من أنت؟
قلت: رجل من أهل الرها «٣»، قال: مرحبًا برجل من قوم أوصى بهم رسول الله ﷺ، ثم قال: قال رسول الله ﷺ: أوصيكم بالرهاويين والدوسيين والداريين خيرا. فزعم عبد الرحمن أن هذه أسماء من قبائل العرب.
(١) أي رسول الله صلى عليه وسلم- هنا وهناك خلاف شديد حول اسمه- انظر طبقات ابن سعد ٤/ ٣٢٥، طبقات خليفة بن خياط ١/ ٢٥٢. الاصابه: ٤/ ٢٠٠، الاستيعاب ٤/ ٢٠٠.
(٢) الصفن: القربة يكون فيها المتاع، وهي أيضا خريطة تكون للراعي فيها طعامه وزناده وما يحتاج إليه، وقد تكون مثل الدلو أو الركوة.
(٣) مدينة أورفا حاليا في تركيه.
إسلام عدي بن حاتم
نا يونس عن عبد الأعلى بن أبي المساور القرشي عن عامر الشعبي عن عدي بن حاتم قال: بعث رسول الله ﷺ بالنبوة وما أعلم أحدا من العرب كان أشد بغضًا ولا كراهية له مني حتى لحقت بالروم، فلما بلغني ما يدعو إليه من الأخلاق الحسنة وما قد اجتمع له من الناس ارتحلت حتى أتيته، فوقفت عليه وعنده صهيب وسلمان وبلال، فرفع رسول الله ﷺ رأسه فنظر إلي فقال: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، فقلت أخ أخ فأنخت، ثم جئت حتى ألصقت ركبتي بركبته فضرب على فخذي وقال يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، فقلت: وما الاسلام؟
قال: تشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله وتؤمن بالأقدار كلها خيرها وشرها، حلوها ومرها يا عدي بن حاتم لا تقوم الساعة حتى تفتح خزائن قيصر وكسرى يا عدي بن حاتم: لا تقوم الساعة حتى تأتي الظعيمة من الحيرة- ولم يكن يومئذ كوفة- فتطوف بهذه الكعبة بغير جوار، يا عدي بن حاتم لا تقوم الساعة حتى يحمل الرجل جراب المال فيطوف به، ولا يجد أحدًا يقربه فيضرب به الأرض، فيقول: ليتك لم تكن لي، ليتك كنت ترابًا.
نا يونس عن سعيد بن عبد الرحمن عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة بن حذيفة ابن اليمان، ولم أر سنه تزيد عليه، وكان يوم رأيته ابن أربعين سنة، عن رجل كان يسمى السمير أنه دخل على عدي بن حاتم فقال: إنه بلغني عنك حديث أحببت أن أكون أنا أسمعه منك: فقال: بعث رسول الله ﷺ، وكنت أشد الناس له كراهية، أو من أشد الناس، فلحقت بأقصى أرض العرب (١٤٥) من قبل الروم، وكرهت مكاني أشد من كراهتي الأمر الأول، فقلت، لآتين هذا الرجل فلئن كان صادقًا لا يخفى على، ولئن كان كاذبًا لا يخفى على أو لا يضرني، شك محمد. فقدمت المدينة فاستشرفني الناس، فقالوا: عدي بن حاتم، فأتيت
رسول الله ﷺ فقال: يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، فقلت: إن لي دينًا، فقال:
أنا أعلم بدينك منك، فقلت: ما يجعلك أعلم بديني مني؟ قال: أنا أعلم بدينك منك، فقلت: ما يجعلك أعلم بديني مني؟ قال: ألست ترأس قومك ألست تأخذ المرباع «١»؟ فقلت: بلى، قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك، فكان ذلك وهنًا في نفسي، فقال: يمنعك أن تسلم خصاصة من ترى، وإنك ترى الناس ألبوا «٢» علينا مأخذًا- أويدًا واحدة، شك محمد- فقلت: أجل فقال: هل أتيت الحيرة؟ فقلت: لا، وقد علت مكانها، فقال: توشك الظعينة أن تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار، وتوشك أن تفتح كنوز كسرى بن هرمز، فقلت: كنوز كسرى بن هرمز؟! فقال: كنوز كسرى بن هرمز، مرتين، ويوشك أن يخرج الرجل الصدقة من ماله فلا يجد من يقبلها، قال: فقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار، وقد كنت في أول جيش أغار على المدائن، وإيم الله لتكونن الثالثة، إنه لقول رسول الله ﷺ.
نا يونس عن ابراهيم بن عبد الرحمن الشيباني عن محمد بن سيرين عن عدي بن حاتم قال: نا رسول الله ﷺ أنه قال: لا تقوم الساعة حتى يفتح القصر الأبيض الذي بالمدائن، ولا تقوم الساعة حتى تسير الظعينة من الحجاز إلى العراق آمنة لا تخاف شيئًا، فقد رأيتهما جميعًا، ولا تقوم الساعة حتى يكون على الناس إمام يحثى المال حثيًا.
نا يونس عن عنبسة بن الأزهر عن سعيد بن مسروق قال: كلم عدي بن حاتم عمر في شيء، فقال له عدي: يا أمير المؤمنين ألا تعرفني؟ قال عمر بلى آمنت اذ كفروا، وصدقت إذ كذبوا، فأعطيت إذ منعوا.

كتاب النبي لبني زهير بن أقيش.
نا يونس عن قرة بن خالد قال: نا يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: بينا نحن بهذا المربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس معه قطعة أديم، أو قطعة جراب فقلنا: كأن هذا ليس على أهل البلد، فقال أجل هذا كتاب كتبه إلى رسول الله
(١) ربع الغنائم.
(٢) فراغ في ع.
ﷺ، فقال القوم: هات، فأخذته فقرأته فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من محمد النبي رسول الله- ﷺ لبني زهير بن أقيش- قال أبو العلاء: وهم حي من عكل- إنكم (١٤٦) إن شهدتم ألا إله إلا الله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وفارقتم المشركين، وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي ﷺ، والصفي- وربما قال: وصفيه- فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله ﷺ.
فقال القوم: هات أصلحك الله حدثنا ما سمعت من رسول الله ﷺ يقول؟
قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهب من وحر «١» الصدر، فقال القوم: أنت سمعت هذا من رسول الله ﷺ يقول؟ فقال: لا أراكم تخافون أن أكون أكذب على رسول الله ﷺ، لا والله لا أحدثكم حديثًا اليوم، ثم «٢» أهوى إلى الصحيفة فانتزعها، ثم انصاع مدبرًا.
نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي تميمة الهجيمي قال: أتى رسول الله ﷺ أعرابي فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعوك إلى من أصابك ضر فدعوته كشف عنك ضرك، وإلى من إن كنت بفلاة من الأرض فأضللت راحلتك فدعوته رد عليك، وإلى من إن أصابتك سنة فأجدبت أنبت لك، فقال الأعرابي: ما أحسن هذا، أوصني، فقال رسول الله ﷺ: أوصيك ألا تغتبط الناس، ولا تزهد في المعروف، والق أخاك حين تلقاه ووجهك منبسط إليه وإن لم يكن لك إلا دلو واحد فسألك أن تفرغ له من دلوك فأفرغ منه، وإياك وإسبال الإزار فإنه من المخيلة، وإن الله
﷿ لا يحب المخيلة.
نا يونس عن يوسف بن ميمون عن الحسن قال: جاء رجل من أشراف أهل
(١) الوحر: الحقد والغيظ، وجاء في ع: وجر، وهو تصحيف.
(٢) سقطت ثم من ع.
البوادي إلى رسول الله ﷺ فقال: يا محمد إلى ما تدعو؟ قال: أدعوك إلى من إن أسنت ثم دعوته أنبت لك، وإن أضللت ثم دعوته رد عليك، وإن أصابك كرب أو هم أو غم ثم دعوته كشف عنك، ثم أسلم، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم قال: يا رسول الله إني أريد الرجوع إلى أهلي فأوصني، فقال رسول الله ﷺ: أوصيك بتقوى الله وأن تصدق، فقال: من أي شيء أتصدق، فقال:
من إبلك، فقال: وكلنا له إبل، قال: فمن غنمك، فقال: وكلنا له غنم، قال: فمن مالك، فقال: وكلنا له مال، فقال رسول الله ﷺ: يا هذا تكف لسانك عن الناس فإنها صدقة عليك حسنة.
إسلام جرير بن عبد الله
نا يونس عن داود بن زيد عن عامر الشعبي عن جرير بن عبد الله أنه حدثه قال: أتيت (١٤٧) رسول الله ﷺ أبايعه فقال رسول الله ﷺ: أرني يدك يا جرير، فقلت: على مه؟ فقال على أن تسلم لله، والنصيحة لكل مسلم، فأدركها جرير، وكان رجلًا فطنًا، فقال: يا رسول الله فيما أطقت، فكانت له وللناس بعد، قال جرير: وسمعت رسول الله ﷺ يقول: بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.
نا يونس عن قيس بن الربيع عن سماك بن حرب وعبد الله بن عمر عن جابر ابن سمرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لتفتتحن أرض كسرى عصابة من المسلمين.
نا يونس عن قيس بن الربيع عن جبلة بن سحيم عن موثر بن غفارة العبدي قال: نزلت بابن الخصاصية «١» في ركب من عبد القيس فقال: بايعني رسول الله ﷺ على الصلوات الخمس، وصيام رمضان، وحج البيت، والزكاة طيبة بها نفسك، والجهاد في سبيل الله، فقلت: يا رسول الله كل هذا لا أستطيع، أما الزكاة فليس لي إلا مال أعيش فيه، وأهل يعتملون عليه وأما الجهاد فإني أخاف أن تخشع نفسي فأفر فأبوء بغضب من الله، فكف يده عني فقال: لا جهاد ولا صدقة، فبم تدخل الجنة؟ فقلت يا رسول الله مد يدك فأبايعك عليهن كلهن، فبسط يده فبايعه.
نا يونس عن يحيى بن أبي حية الكلبي عن زاذان عن جرير بن عبد الله قال:
(١) هو بشير بن الخصاصية له صحبة.
خرجنا مع رسول الله ﷺ على أبل آكله نواء فلما بلغنا إلى الصحراء طلع راكب يوضع نحونا، فقال رسول الله ﷺ إياكم يريد هذا، فلما دنا قال رسول الله ﷺ: من أين أقبلت؟ قال: من مالي وولدي وعشيرتي، فقال: أين تريد؟
قال: أردت رسول الله ﷺ، فقال له: قد أصبت، فقال له: يا رسول الله علمني الاسلام، فلما رأينا رسول الله ﷺ قد أقبل عليه حففنا ببعيره، فقال له: تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قال: أقررت، قال: وتصلي الصلوات المكتوبة، قال: أقررت، قال: وتؤدي الزكاة المفروضة، قال: أقررت، قال: وتحج البيت، قال: أقررت، قال: وتصوم رمضان، قال: أقررت، فقال رسول الله ﷺ: هذا الاسلام، فسار مع رسول الله ﷺ فوقعت رجل بعيره في شبكة جرذان فعثر، فوقع الرجل على رأسه، فقال رسول الله ﷺ أخاكم، فوثب إليه حذيفة وعمار فأسنداه فقالا: يا رسول الله قد مضى الرجل فأعرض (١٤٨) عنه ما شاء الله، ثم أقبل بوجهه فقال: ألم تروني حين أعرضت فإني رأيت ملكين يحشوان في فيه من ثمار الجنة، فعرفت أن الرجل كان جائعًا، فقال رسول الله ﷺ:
عمل قليلًا وأجر كثيرًا، هذا والله من «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ «١»» احملوا أخاكم فاحتملناه فلما انتهينا به إلى الماء قال رسول الله ﷺ: اغسلوه وكفنوه وحنطوه، ففعلنا، ثم صلى عليه، ثم جلس رسول الله ﷺ على شفير القبر فقال: ألحدوا له فإن اللحد لنا والشق لغيرنا.
نا يونس عن عبد الرحمن بن أمين الكناني قال: حدثني محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب؛ وحدثني الزهري، قالا: جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: إن قومي أسلموا فزادهم الاسلام فقرًا، فالتفت رسول الله ﷺ إلى رجل كان دفع إليه نفقه فقال: قد أنفقت ما كان معي، فقال يهودي خلف رسول
(١) سورة الأنعام: ٨٢.
الله ﷺ: هذا رجل يعطيك ورقا «١»، يسلفك في تمر حائط كذا وكذا، فقال رسول الله ﷺ: لا نسمي لك حائطًا ولكن تسلفنا في تمر مسمى في كيل معلوم إلى أجل معلوم، فبايعه اليهودي، ثم حل ورقًا معه فقال رسول الله ﷺ:
ادفعها إلى الأعرابي، الحق فأغث بها قومك، فخرج رسول الله ﷺ في جنازة، فلما وضع الميت في قبره وحثوا عليه، قام اليهودي فقال: يا محمد ألا تقضين تمري، فو الله ما أعلمكم يا بني عبد المطلب إلا تمطلون الناس بحقوقهم، فقال عمر بن الخطاب
: والله لولا مجلسه لوجأت أنفك، وقال الزهري:
لوجأت خطمك، فقال رسول الله ﷺ: يا عمر أنت إلى غير هذا أحوج أن تأمره فيحسن طلبي، وتأمرني فأحسن قضاءه، إنطلق معه إلى حائط كذا وكذا، وهو الذي كان أراد من رسول الله ﷺ فأبى أن يسميه له، فأدخله فقل لفلان يكشف له عن الطعام ليريه إياه، فإن رضيه فمره فليوفه ماله، وكل له كذا وكذا صاعًا بشتمك إياه، فانطلق به عمر، فأراه فرضي فكال له ما أمره به رسول الله ﷺ، فقال اليهودي لعمر: إنه لم يكن بقي شيء مما وجدنا في كتابنا مما وصف لنا موسى
إلا قد رأيناه في محمد ﷺ إلا الحلم فقد رأيناه الآن منه فأنا أشهدك أني اشهد [١٤٩] الا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأشهد أن نصف ما أملك صدقة على من آمن بمحمد ﷺ، فقال له عمر:
إنه قد حقت علي نصيحتك، لا يسعهم كلهم ولكن اجعله لمن مع رسول الله ﷺ، ففعل، ثم إن هذا اليهودي مات فخرج رسول الله ﷺ فحمل سريره على عاتقه الأيمن وحمل علي أيضًا سريره على عاتقه الأيسر.
نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال:
كان عبد الله بن مزينة ذو البجادين بينما هو في حجر عمه، وكان يعطيه، وكان محسنًا إليه، فبلغ عمه أنه قد تابع دين محمد ﷺ، فقال له: لئن فعلت وتبعت
(١) أي فضة وهذا يعني الدراهم.
محمدًا لأنزعن منك كل شيء أعطيتك، فقال: إني مسلم فنزع منه كل شيء أعطاه حتى جرده من ثوبه، فأتى أمه فقطعت له بجادًا «١» لها باثنين، فإئتز نصفًا وارتدى نصفًا، ثم أصبح فصلى مع رسول الله ﷺ الصبح، فلما صلى رسول الله ﷺ تصفح الناس ينظر من أتاه، وكذلك كان يفعل، فرآه رسول الله ﷺ فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد العزى، فقال: بل أنت عبد الله ذو البجادين، فالزم بابي، فكان يلزم باب رسول الله ﷺ، وكان يرفع صوته بالقرآن «٢» والنحيب والتسبيح، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله أمرائي هو؟ قال: دعه عنك فإنه أحد الأواهين «٣» .
(١) البجاد: الكساء الغليظ الجاف، انظر ابن هشام، الروض: ٤/ ١٧٩.
(٢) زاد في ع: «والتكبير» بعد «بالقرآن» وقبل «والنحيب» .
(٣) أورد الواقدي، المغازي: ٣/ ١٠١٣- ١٠١٤ خبره بشكل فيه بعض الزيادات وذكر أنه توفي وهو برفقة النبي في غزوة تبوك.
حديث الاسراء برسول الله ﷺ إلى بيت المقدس ليلة أسري بالنبي ﷺ
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فدعا رسول الله ﷺ قومًا إلى الإسلام وكلمهم وأبلغ إليهم فيما بلغني، قال زمعة: لو جعل معك ملك يحدث معك الناس ويرى معك، قوله تعالى «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ»، قال: ثم إن رسول الله ﷺ أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو بيت المقدس من إيلياء، وقد فشي الإسلام بمكة وفشي في القبائل كلها، وكان مسراه، وما ذكر منه، بلاء وتمحيص، وأمر من الله
﷿ في قدرته وسلطانه، عبرة لأولي الألباب، وهدى ورحمة وبيان، لمن آمن وصدق، وكان من أمر الله على يقين، فأسرى به كيف شاء وكما شاء، ليريه من آياته ما أراد، حتى عاين ما عاين من أمر الله ﷿ وسلطانه العظيم، وقدرته التي صنع بها ما يريد، حتى ذكر من يصدقه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض آل أبي بكر عن عائشة إنها كانت تقول: ما فقد جسد رسول الله ﷺ ولكن (١٥٠) الله
﷿ أسرى بروحه، ثم وصف لأصحابه إبراهيم وعيسى والأنبياء وما أتى به من الماء والخمر واللبن وشربه من آنية جبريل وعيسى بن مريم . وقال:
أريت الجنة والنار وأريت في السماء كذا وكذا، وقال: وفرضت علي الصلاة.
نا يونس عن إبراهيم بن اسماعيل بن مجمع الأنصاري قال: حدثني ابن شهاب الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن رسول الله ﷺ قال: لقيت إبراهيم وموسى وعيسى عند بيت المقدس، فإذا عيسى رجل أحمر كأنما خرج من
ديماس «١»، وإذا موسى رجل شحب «٢» ضرب كأنه من رجال شنوءة، وأنا أشبه ولد ابراهيم به، فأتيت بقدحين، قدح لبن وقدح نبيذ، فاخترت قدح اللبن، فقال جبريل
: هديت للفطرة، لو أخذت قدح النبيذ لغوت أمتك، وحانت الصلاة فأميتهم.
قال ابن شهاب: قال عبد الله بن عمر: ما قال رسول الله ﷺ لعيسى بن مريم أحمر كأنما خرج من ديماس ولكنه قال: أراني أطاف بالبيت فإذا رجل أحمر حشيم يمشي بين رجلين ينطف رأسه، أو اهراق من رأسه ماء، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا عيسى بن مريم، ثم التفت فإذا رجل أحمر أعور العين اليمين كأنما عينه عنبة طامية، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا الدجال.
نا يونس عن خالد بن دينار البصري عن فضيل الأعور قال: حضرت جنازة فيها أنس بن مالك فجاء أبو العالية «٣» وقد صلي على الجنازة فتخطى الناس حتى خلص إلى أنس بن مالك فقال: يا أبا حمزة عليك برنس أو برنسان، رأيتك البارحة في هذا المكان وعليك برنسان، فقال: الصدق ما رأيت، علي برنسي الذي ترى علي، وعلي برنس الاسلام فتذاكروا الرؤيا، فقال أنس: كنت بالمدينة فمرضت مرضًا أشرفت على الموت، فجاءني إبراهيم وموسى
، فجلس ابراهيم عند رأسي وموسى عند رجلي، فاستيقظت فبرئت، قال أبو العالية: وأنا كنت بخراسان فمرضت مرضًا أشرفت على الموت فجاءني ابراهيم وموسى فجلس أحدهما عند رأسي والاخر عند رجلي، فاستيقظت فبرئت، قال أنس بن مالك: انعتهما لي، إن رؤياك من رؤياي، قال: أما ابراهيم فرجل أبيض، أبيض الرأس واللحية، معروق اللحم، طويل الأنف، وأما موسى
(١) الديماس: الحمام- الروض الأنف ٢/ ١٥٢.
(٢) شحب منه الشحوب وضرب خفيف اللحم ممشوق مستدق. وشنوءه إحدى قبائل العرب.
(٣) هو أبو العالية الرياحي واسمه رفيع، انظر من أجله طبقات ابن سعد: ٧/ ١١٢- ١١٧، وطبقات خليفة: ١/ ٤٨٢.
فرجل أشعر شديد الأدمة، عريض المنكبين، شعره يضرب إلى منكبيه، فقال أنس: كذا رأيت أنا.
نا يونس عن زكريا عن الشعبي قال: شبه رسول الله ثلاثة نفر من أمته قال:
(١٥١) دحية الكلبي شبه بجبريل «١» وعروة بن مسعود الثقفي شبه بعيسى «٢» ابن مريم، وعبد العزى شبه بالدجال.
نا يونس عن عنبسة بن الأزهر عن سماك بن حرب عن عكرمة قال: لما كان شأن بني قريظة بعث إليهم رسول الله ﷺ عليًا، وجاء جبريل رسول الله ﷺ على فرس أبلق، قالت عائشة: فكاني أنظر إلى رسول ﷺ يمسح الغبار عن وجه جبريل فقلت: هذا دحية الكلبي يا رسول الله؟ قال: هذا جبريل.
نا يونس عن المبارك بن فضالة عن الحسن قال: إن رسول الله ﷺ قال:
أتيت على موسى وهو قائم يصلي في قبره، رجل آدم «٣» جعد أشبه من رأيت برجال شنوءة، ومررت على عيسى فسلم علي رجل شاب طويل، مرجل قد تعلوه حمرة.
نا يونس عن أسباط بن نصر عن اسماعيل السدي قال: فرض على رسول الله ﷺ الخمس في بيت المقدس ليلة أسري به قبل مهاجره بستة عشر شهرا.

خبر الأذان.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال: أحيلت الصلاة ثلاث أحوال وأحيل الصيام ثلاثة أحوال فأما أحوال الصلاة فإن رسول الله ﷺ قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا، ثم إن الله
﷿ حوله إلى القبلة، فهذه حال، وكادوا أن ينقسوا «٤» عند حضرة الصلاة، فجاء عبد الله بن زيد الأنصاري
(١) كتب فوقها في الأصل «جبريل» وفي ع: سلمى وهو تصحيف.
(٢) كتب فوقها في الأصل «عيسى» .
(٣) الآدم من الناس، الأسمر.
(٤) في ع: «ينقصوا» وهو تصحيف والمقصود هنا: كادوا أن يستخدموا الناقوس.
فقال: يا رسول الله لو أخبرتك أني لم أكن نائمًا صدقتك إن شاء الله، إني بينا أنا بين النائم واليقظان رأيت شخصًا عليه ثياب خضر، فاستقبل القبلة فقال:
الله أكبر الله أكبر، مثنى، اشهد الا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمدا رسول الله مرتين، حي على الصلاة مثنى، حي على الفلاح مثنى، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، ثم أمهل ساعة، ثم قام فقال مثل مقالته غير أنه حين فرغ من قوله حي على الفلاح قال: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الأذان والإقامة مثنى مثنى، فقال رسول الله ﷺ: علمها بلالًا، فأمر بلال فأذن بها، وجاء عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي أري الأنصاري، ولكنه سبقني إليك، فهذه حال أخرى، وكان الرجل إذا انتهى إلى الناس وهم في الصلاة سألهم: كم صليتم؟ فيشيرون إليه بواحدة واثنتين بكم كان، فيبدؤون بما فاتهم، ثم يدخلون فيما بقي من الصلاة، فجاء معاذ فوجد رسول الله ﷺ قد صلى بعض صلاته فثبت على ما أدرك فصلى، فلما فرغ رسول الله ﷺ من صلاته [١٥٢] قام معاذ فقضى ما فاته، فقال رسول الله ﷺ: قد بين «١» لكم معاذ، فهكذا فافعلوا، فهذه حال.
وأما الصيام فإن رسول الله ﷺ قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم أن الله
﷿ فرض شهر رمضان فأنزل الله ﷿:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ» إلى قوله: «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ» فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا، ثم أن الله
﷿ أوجب الصيام على الصحيح المقيم وكتب الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصوم فأنزل الله ﷿: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» إلى آخر الآية، وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا تركوا الطعام والشراب واتيان النساء، فكان رجل من الأنصار يدعى صرمة «٢»
(١) كتب فوقها في الأصل «سن» وكذا جاء في ع.
(٢) عند أبي داود: ٢/ ٢٩٥: صرمة بن قيس، وانظره أيضا في: ١/ ١٣٨- ١٤١.
يعمل في أرض له، فلما كان عند فطره نام فاستيقظ- يعني أصبح- فأصبح صائمًا فجهد جهدًا شديدًا، فقال له رسول الله ﷺ: ما لي أراك قد جهدت؟
فأخبره ما كان من حاله، واختلس رجل نفسه بإتيان النساء فأنزل الله
﷿:
«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ» «١» إلى آخر الآية.
نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم قال «٢»: أول من أذن بلال.
نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري قال: قدم عثمان بن مظعون على رسول الله ﷺ فوجده يصلي فسلم عليه فرد عليه رسول الله ﷺ وهو يصلي.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني أبو الزناد عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مسعود: دخلت فسلمت على رسول الله ﷺ وهو يصلي، فأشار ولم يرد علي السلام، فقلت له: لم رددت على عثمان بن مظعون ولم ترد علي فقال ﷺ: إن الله
﷿ يقلب الليل والنهار «٣» كما يشاء ... وإن ... حدث إلى إلا وسلم في الصلاة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال: حدثني ... أو عكرمة، شك محمد بن أبي محمد عن ابن عباس قال:
صرفت القبلة عن الشام نحو الكعبة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله ﷺ المدينة ... رسول الله ﷺ ... عمرو وكعب بن الأشرف بن أبي كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع «٤» [١٥٣] .
(١) سورة البقرة: ١٨٣- ١٨٧.
(٢) سقطت «قال» من ع.
(٣) نهاية ع وقد سبق ذلك سقط مقداره نصف سطر.
(٤) مطموس في الأصل.
القطعة الثانية من كتاب المغازي (أوراق خزانة الظاهرية بدمشق)
الجزء الثالث من كتاب المغازي
عن أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني رواية أبي شعيب عبد الله بن الحسن الحراني مما رواه عنه أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف رواية الشيخ الفاضل أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس مما حدثنا به الشيخ الجليل الامام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت الخطيب البغدادي.
سماع طاهر بن بركات بن ابراهيم بن علي بن محمد بن علي الخشوعي القرشي. نفعه الله به.
يتلوه غزوة السويق غزوة ذي أمر إلى نجد سنة ثلاث وقف قرأ فيه اسماعيل بن إبراهيم بن سالم الأنصاري عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله أخبرنا الشيخ الامام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي بدمشق في شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وأربع مائة قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: نا: أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قال: أنا أبو شعيب الحراني: نا النفيلي: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحق قال:
ثم قال
«وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ» الآية.
وذكر استدراج إبليس إياهم بتشبهه بسراقة بن «١» جعشم لهم حين ذكر لهم ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم وبينه يقول الله
﷿ لنبيه ﷺ: «فلما تراءت الفئتان» ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة قد أمد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم «نكص على عقبية وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون» وصدق عدو الله إنه رأى ما لا يرون فقال: «إني أخاف الله والله شديد العقاب» فأوردهم ثم أسلمهم، فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه، حتى إذا كان يوم بدر، والتقى الجمعان، وكان الذي رآه حين نكص على عقبيه الحارث بن هشام، وعمير ابن وهب الجمحي، قد ذكر أحدهما فقال: أين يا سراقة ومثل عدو الله فذهب
(١) في ابن هشام، ط. الحلبي: ١/ ٦٦٣ «سراقة بن مالك بن جعشم» ولسراقة خبر مشهور تعلق بهجرة الرسول الى المدينة، وقد أسلم سراقة بعد فتح مكة.
ثم ذكر الله أهل الكفر وما يلقون عند موتهم فوصفهم بصفتهم فأخبر نبيه عنهم حتى انتهى إلى قوله «فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» أي فنكل بهم من ورائهم لعلهم يعقلون. «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ «١»» إلى قوله: «وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ» (١- ظ) أي لا يضيع لكم أجره عند الله في الآخرة، وعاجل خلفه في الدنيا ثم قال: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها» أي أن دعوك إلى السلم، يعني الاسلام فصالحهم عليه «وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» أن الله كافيك إن الله «هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» «وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ» هو من وراء ذلك «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ» بعد الضعف «وَبِالْمُؤْمِنِينَ» «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» على الهدى بالذي بعثك إليهم «لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ» بدينه الذي جمعهم عليه «إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» . وقال: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ» أي لا يقاتلون على نية ولا حق ولا معرفة بخير ولا شر.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي قال: قال رسول الله ﷺ:
«نصرت بالرعب، وجعلت لي الأرض مساجدًا وطهورًا، وأعطيت جوامع الكلم، وأحلت لي المغانم ولم تحل لنبي كان قبلي، وأعطيت الشفاعة، خمس لم يؤتهن نبي قبلي»، «ما كانَ لِنَبِيٍّ» قبلك «أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى» من عدوه «حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» أي يثخن عدوه حتى ينفيه من الأرض «تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا» أي المتاع، الفداء بأخذ الرجال «وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» «٢» أي بقتلهم بظهور الدين
(١) سوره الأنفال: ٤٨، ٥٧، ٦٠.
(٢) سورة الأنفال: ٦- ٦٥، ٦٧.
الذي يريدون اظهاره الذي تدرك به الآخرة «لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ» من الأساري والمغانم «عذاب عظيم أي لولا [٢- و] أن سبق أن لا أعذب إلا بعد النهي، ولم يكن نهاهم، لعذبكم فيما صنعتم، ثم أحلها لهم رحمة ونعمة وعائدة من الرحمن الرحيم فقال: «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» «١» فكان العباس بن عبد المطلب يقول: في والله نزلت حين ذكرت لرسول الله ﷺ إسلامي «وسألته أن يقاصني «٢» بالعشرين الأوقية التي أخذ مني، فأبي علي، فعوضني الله منها عشرين عبدًا كلهم تاجرا يضرب بمالي، مع ما أرجو من رحمته ومغفرته «٣» . ثم حض المسلمين على التواصل وجعل المهاجرين والأنصار ولاية في الدين دون من سواهم، ثم جعل الكفار بعضهم أولياء بعض «٤» قال: «إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» أي ليتولى المؤمن المؤمن دون الكافر وإن كان ذا رحم، «تكن فتنة» أي شبهة في الحق والباطل، في ظهور الفساد في الأرض، بتولي المؤمن الكافر من دون المؤمن، ثم رد المواريث إلى الأرحام ممن أسلم بعد الولاية من المهاجرين والأنصار وردهم إلى الأرحام التي بينهم فقال: «وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ» أي بالميراث «أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» «٥» .
جميع من شهد بدرًا من المسلمين من المهاجرين والأنصار الأوس والخزرج ومن (٢- ظ) ضرب له سهمه وأجره (تلاثمائة وأربعة عشر رجلًا) من المهاجرين
(١) سورة الأنفال: ٦٨- ٦٩.
(٢) تقاص القوم قاصّ كل واحد منهم صاحبه في حساب، أي طلب منه القود.
(٣) لا شك أن هذا التفسير يشير بشكل واضح الى انحراف ابن اسحق نحو العباسيين واستجابته الى دعوتهم.
(٤) يريد هنا ما جاء في الآيتين: ٧٢ و٧٣ من سورة الأنفال.
(٥) سورة الأنفال: ٧٣، ٧٥.
دون الأنصار ثلاثة وثمانون رجلًا، ومن الأوس واحد وستون رجلًا، ومن الخزرج مائة وسبعون رجلًا، واستشهد مع رسول الله ﷺ عليه من قريش ثم من بني المطلب بن عبد مناف:
عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، قطع رجله عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فمات بالصفراء «١» .
ومن بني زهرة بن كلاب: عمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وذو الشمالين عبد عمرو بن نضله «٢» حليف لهم، من بني غبشان.
ومن بني عدي بن كعب: عاقل بن البكير «٣» حليف لهم، من بني سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ومهجع مولى عمر بن الخطاب.
ومن بني الحارث بن فهر: صفوان بن بيضاء.
ومن الأنصار، ثم من بني عمرو بن عوف: سعد بن خيثمة ومبشّر بن عبد المنذر بن زنبر.
ومن بني الحارث بن الخزرج: يزيد بن الحارث، وهو الذي يقال له فسحم «٤» .
ومن بني سلمة، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة:
عمير بن الحمام.
ومن بني حبيب أو خبيب بن عبد حارثة بن مالك: رافع بن المعلى «٥» .
ومن بني النجار، ثم من بني عدي بن النجار: حارثة بن سراقة بن الحارث.
(١) واد من ناحية المدينة بينه وبين بدر مرحلة- ياقوت.
(٢) في مغازي الواقدي: ١/ ١٤٥ «عمير بن عبد عمرو» .
(٣) في مغازي الواقدي: ١/ ١٤٥ «عاقل بن أبي البكير» .
(٤) في الأصل «قشحم» صوابه ما أثبتنا عن مغازي الواقدي: ١/ ١٤٦، وابن هشام: ١/ ٧٠٧، والاشتقاق لابن دريد: ٤٥٤ وعنده هو «أحمر بن حارثة» وفسحم اسم أمه.
(٥) هو عند الواقدي: ١/ ١٤٦ «من بني زريق» ومن المفيد التنويه به أن هناك خلافا بين رواية ابن اسحق عموما وما جاء عند الواقدي فلينظر.
ومن بني غنم بن مالك بن النجار: عوف ومعوذ ابنا الحارث بن سواد، وهما ابنا عفراء، ثمانية نفر.
وكان الفتية الذين قتلوا مع قريش يوم بدر فنزل فيهم القرآن فيما ذكر لنا.
«إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيرًا» [٣- و] «١» . وذلك أنهم كانوا أسلموا (ولما هاچر) «٢» رسول الله ﷺ إلى المدينة حبسهم آباءهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا به جميعًا فهم فتية مفتنون.
ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي: الحارث بن ربيعة (وعقيل) «٣» بن الأسود بن المطلب بن أسد.
ومن بني مخزوم أبو قيس بن الفاكة بن المغيرة وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة.
ومن بني جمح: علي بن أمية بن خلف.
ومن بني سهم: العاص بن منبه بن الحجاج.
«٤» فلما قدم رسول الله ﷺ من بدر إلى المدينة وكان فراغه من بدر في عقب رمضان أو في أول شوال، فلم يقم بالمدينة إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم، حتى بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر «٥»، فأقام عليه ثلاث
(١) سورة النساء: ٩٧.
(٢) زيد ما بين الحاصرتين كيما يستقيم الكلام، هذا وحذف الخبر من رواية ابن هشام كما أنه لم يرد عند الواقدي.
(٣) زيد ما بين الحاصرتين من مغازي الواقدي ١/ ١٤٨، وابن هشام: ١/ ٧٠٩.
(٤) الحديث الآن عن غزوة بني سليم بالكدر، وليس في الأصل عنوان.
(٥) روى ياقوت عن الواقدي أن بين الكدر وبين المدينة ثمانية برد، هذا وهناك خلاف بين المؤرخين حول زمن هذه الغزوة وترتيبها بين المغازي، انظر مغازي الواقدي: ١/ ١٨٢- ١٨٤. الروض الأنف: ٣/ ١٤٢. ابن سعد، ط. بيروت: ٢/ ٣١. الطبري: ٢/ ٤٨٢. السيرة الحلبية: ٢/ ٢١٧. البداية والنهاية لابن كثير: ٣/ ٣٤٤.
ليال، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا، فأقام بقية شوال وذا القعدة وفادى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش.
غزوة السويق
ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة، وولي تلك الحجة المشركون من تلك السنة.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: حدثنا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: (٣- ظ) فكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، ويزيد بن رومان، ومن لا أتهم، عن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان من أعلم الأنصار، حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش من بدر حلف ألا يمس رأسه ماء من جنابة «١» حتى يغزو محمدا- صلى الله عليه- فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جانب جبل يقال له تيت: «٢» من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير من تحت الليل فأتى حيي بن اخطب فضرب عليه بابه فخاف فلم يفتح له فانصرف إلى سلام بن مشكم وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم «٣»، فاستأذن عليه، فأذن له وقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس، ثم خرج من عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالًا من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية منها يقال لها العريض
(١) علق السهيلي على هذا في روضه: ٣/ ١٤٢- ١٤٣ «في هذا الحديث إن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية» .
(٢) في ابن هشام: ٢/ ٤٤ «ثيب» وعند الطبري: ٢/ ٤٨٤ «تيب» وفي البداية والنهاية ٣/ ٣٤٤ «نيب» وظبطها ياقوت «تيت» وكما ورد في النص نقلا عن ابن إسحق.
(٣) المال الذي كانوا يجمعونه ويدخرونه لنوائبهم وما يعرض لهم، وكان حليا يعيرونه لأهل مكة- السيرة الحلبية: ٢/ ٢٢٣.
فحرقوا في أصوار «١» من نخل بها، ووجدوا رجلًا من الأنصار وحليفًا له في حرث لهما فقتلوهما، ثم انصرفوا راجعين، ونذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه في طلبهم حتى انتهى إلى قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعًا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وقد رأوا أزوادًا من أزواد القوم قد طرحها، في الحرث يتخففون منها للنجاء، فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه: اتطمع لنا أن تكون لنا غزوة؟ قال: نعم، فقال أبو سفيان وهو يتجهز غازيًا من مكة إلى المدينة أبياتًا من الشعر:
كروا على يثرب وجمعهم ... فإنّ ما جمعوا لكم نفل (٤- و)
إن يك يوم القليب كان لهم ... فإن ما بعده لكم دول
واللات لا أقرب النساء ولا ... يمس رأسي وجلدي الغسل
حتى تبيروا قبائل الأوس وال ... خزرج إن الفؤاد مشتعل
فأجابه كعب بن مالك:
يا لهف أم المشجعين على ... جيش ابن حرب في الحرة الفشل
إذ يطرحون الرمال من نسم الط ... ير ترقوا بقية «٢» الجبل
جاؤوا بجمع لو قيس منزله ... لم يك إلا كمعرس الدؤل
الدؤل دويبة أصغر من القطا ع ط «٣»
وبة سمي أبو الأسود الدؤلي.
وقال أبو سفيان بن حرب حين انصرف من المدينة إلى مكة:
إني تخيرت المدينة واحدًا ... لحلف فلم أندم ولم اتلوم
سقاني فرواني كميتًا مدامة ... على عجل مني سلام بن مشكم
فلما تولى الجيش قلت ولم أكن ... لأترحه «٤» أبشر بعز ومغنم
(١) قال السهيلي في روضه: ٣/ ١٤٢ «أصوار نخل هي جمع صور، والصور نخل مجتمعة» .
(٢) في الطبري: ٢/ ٤٨٤ «لقنة» هذا ولم يرد الشعر في طبقات ابن سعد ولا عند ابن هشام ولا في السيرة الحلبية.
(٣) أي من الذئب.
(٤) المترح: الذي أثقله الدين- الروض الأنف: ٣/ ١٤٢.
تأمل فإن القوم في سرواتهم ... صريح لؤي لا شماطيط جرهم «١»
فما كان إلا بعض ليلة راكب ... أتى ساعيًا من غير حلة معدم
غزوة ذي أمر إلى نجد سنة ثلاث
فلما رجع رسول الله ﷺ من غزوة السويق «٢» أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم، أو قريبًا منه ثم غزا نجدًا يريد بني غطفان وهي غزوة ذي أمر «٣»، فأقام بنجد صفرًا كله، أو قريبًا من ذلك، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني [٤- ظ] قال: حدثنا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني رجل من أهل الشام يقال له أبو منظور عن عمه قال: حدثني عمي عن عامر الرام أخي النضر قال: إني لببلادنا إذ رفعت إلي ألوية ورايات فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا لواء رسول الله ﷺ، فأتيته وهو تحت شجرة قد بسط له تحتها كساء وهو جالس عليه، وقد اجتمع إليه أصحابه
فجلست إليهم، فذكر رسول الله ﷺ الأسقام فقال: إن المؤمن إذا أصابه السقم، ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه وموعظة له فيما يستقبل به، وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه ولم يدر لم أرسلوه، فقال رجل ممن حوله: وما الأسقام، والله ما مرضت قط؟ قال: قم عنا فلست منا، قال: فبينا نحن عنده إذ أقبل
(١) الشماميط: الأخلاط من الناس- الروض الأنف: ٣/ ١٤٢. وجرهم احدى قبائل العرب البائدة كانت تسكن منطقة مكة أيام النبي ابراهيم وقد أجلتها خزاعة عن مكة.
(٢) السويق: هو قمح وشعير يقلى ثم يطحن ليسف تارة بماء، وتارة بسمن وتارة بعسل وسمن.
(٣) ذي أمر موضع معروف وراء بطن نخل، وبطن نخل قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة- التنبيه والاشراف ط الصاوي: ٢١٠ ومراصد الاطلاع.
رجل عليه كساء معه شيء في يده قد التف عليه، فقال: يا رسول الله لما رأيتك أقبلت فمررت بغيضة من شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فأقبلت أمهن حتى استدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن فوقعت معهن فلففتهن، فهن الآن معي، فقال: ضعهن عنك، قال:
فوضعتهن بكسائي وأبيت إلا لزومهن فقال: رسول الله ﷺ: أتعجبون لرحمة أم الأفراخ فراخها؟ قالوا: نعم، قال: فو الذي بعثني بالحق لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن، قال: فرجع بهن «١» .
ثم رجع رسول الله ﷺ [٥- و] إلى المدينة ولم يلق كيدًا فلبث بها شهر ربيع الأول كله إلا قليلًا منه «٢»، ثم غزا يريد قريشا وبني سليم حتى بلغ بحران معدن بالحجاز في ناحية الفرع، وذلك المعدن للحجاج بن علاظ البهزي فأقام به شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى «٣» ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا.
وقد «٤» كان فيما بين ذلك من غزو رسول الله ﷺ بني قينقاع وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله ﷺ جمعهم في سوق بني قينقاع فقال لهم:
يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، واسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم، قالوا: يا محمد
(١) لم يرد هذا الخبر عند ابن هشام، كما أن الواقدي لم يذكره.
(٢) سقط عنوان هذه الغزوة وهو «غزوة الفرع من نجران» من الأصل، وهو عند ابن هشام: ٢/ ٤٦، ابن سعد: ٢/ ٣٥. الواقدي: ١/ ١٩٦. الطبري: ٢/ ٤٨٧. السيرة الحلبية: ٢/ ٢٢٤.
(٣) لم يرد اسم صاحب المعدن عند الواقدي وابن هشام، وذكر الواقدي: ١/ ١٩٧ أن غيبة النبي عن المدينة كانت عشر ليال، والفرع- بضمتين- قرية من ناحية المدينة وفيها عينان يقال لهما الربض والنجف يسقيان عشرين ألف نخلة، وبحران موضع بالحجاز معروف بينه وبين المدينة ثمانية برد.
(٤) سقط عنوان هذه الغزوة وهو «أمر بني قينقاع» من الأصل، انظر ابن هشام: ٢/ ٤٧. الواقدي: ١/ ١٧٦- ١٨٠. الطبري: ٢/ ٤٧٩- ٤٨٣.
إنك ترانا كقومك، يغرك «١» إنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة! إنا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: حدثني مولى لآل زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ» إلى قوله «قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا» أي في أصحاب بدر من أصحاب رسول الله ﷺ وقريش «فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ» إلى قوله: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ» «٢» .
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال حدثنا النفيلي قال: نا محمد ابن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله ﷺ عليه وحاربوا [٥- ظ] فيما بين بدر وأحد «٣» فحاصرهم رسول الله ﷺ حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال: يا محمد أحسن في موالي، وكانوا حلفاء الخزرج، فأبطأ عنه رسول الله ﷺ فقال: يا محمد أحسن في موالي، فأعرض عنه رسول الله، فأدخل يده في جيب درع رسول الله ﷺ، قال: فقال رسول الله، وغضب رسول الله، ثم قال.
أرسلني: فقال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، اربع مائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود تحصدهم في غواة واحدة، إني الله أمرءًا أخشى الدوائر، فقال رسول الله ﷺ: هم لك.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: حدثني أبي اسحاق بن يسار عن عبادة ابن
(١) في ابن هشام: ٢/ ٤٧ «لا يغرنك أنك لقيت» وعند الواقدي: ١/ ١٧٦ «لا يغرنك من لقيت» .
(٢) سورة آل عمران: ١٢- ١٣.
(٣) قطع ابن هشام: ٢/ ٤٧- ٤٨ خبر ابن اسحق ليذكر سبب حصار الرسول يهود بني قينفاع وهو اعتداءهم على احدى نساء المسلمين، انظر أيضا مغازي الواقدي: ١/ ١٧٦.
الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع تشبث بأمرهم عبد الله ابن أبي بن سلول وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله ﷺ، وكان أحد بني عوف بن الخزرج، ولهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي فخلعهم إلى رسول الله ﷺ، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم فقال:
يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم، قال: ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت القصة في المائدة:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ» إلى قوله: «فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ» يعني عبد الله بن أبي لقوله: أخشى الدوائر «يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ» (٦- و) إلى قوله: «وَهُمْ راكِعُونَ» وذلك لقول عبادة بن الصامت:
أتولى الله ورسوله وأبرأ من بني قينقاع من حلفهم وولايتهم. «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ «١»» .
وسرية زيد بن حارثة التي بعثه رسول الله ﷺ فيها، حين أصابت عير قريش، فيها أبو سفيان بن حرب على القردة «٢»، ماء من مياه نجد.
وكان من حديثها أن قريشًا كانت قد أخافت طريقها التي تسلك إلى الشام، حين كان من وقعة بدر ما كان، فسلكوا طريق العراق «٣»، وخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب ومعه فضة كثيرة، وهو عظم تجارتهم، واستأجروا من بني بكر بن وائل رجلًا يقال له: فرات بن حيان يدلهم على الطريق، وبعث رسول الله ﷺ زيد بن حارثة في ذلك الوجه، فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها، وأعجزه الرجال، فقدم بها رسول الله ﷺ.
(١) سورة المائدة: ٥١- ٥٦.
(٢) بين الربذة والغمر وذات غرض من جادة العراق- التنبيه والأشراف. ط. الصاوي: ٢١٠.
(٣) انظر شروحا أو فى لهذه المسألة عند الواقدي: ١/ ١٩٧- ١٩٨. ابن هشام: ٢/ ٥٠.
فقال «١» حسان بن ثابت يذكر قريشًا وأخذها على ذلك الطريق بعد أحد في غزوة بدر الآخرة، وذلك أن رسول الله ﷺ خرج لميعاد أبي سفيان منصرفه من أحد، فسار حتى نزل بدرًا، فأقام بها ثمان ليال، واخلفه أبو سفيان، فقال حسان بن ثابت «٢»:
دعوا، فلجات الشام قد حار «٣» دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم ... وأنصاره حقًا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من رمل عالج «٤» ... فقولا لها ليس الطريق هنالك
أقمنا على الرس النزوع ثمانيًا ... بأرعن جرار عريض المبارك
بكل كميت جوزه نصف خلقه ... وقب طوال مشرفات الحوارك
ترى العرفج العاديّ تذري أصوله ... مناسم أخفاف المطي الرواتك (٦- ظ)
فإن نلق في تطوافنا والتماسنا ... فرات بن حيان يكن رهن هالك
وإن نلق قيس بن امرىء القيس بعده ... يزد في سواد لونه لون حالك
وقتل «٥» كعب بن الأشرف، وكان من حديثه أنه لما أصيب أهل بدر، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة، وقدم عبد الله بن رواحة إلى أهل العالية مبشرين، بعثهما رسول الله ﷺ إلى أهل المدينة من المسلمين بفتح الله وقتل من قتل من المشركين، كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة الطفري، وعبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعاصم بن عمر بن قتادة، وصالح بن أبي
(١) بدأ الحديث الآن عن غزوة بدر الموعد، انظر الواقدي: ١/ ٣٨٤- ٣٩١.
(٢) انظر ديوان حسان. ط. دار صادر: ١/ ٨٥. مغازي الواقدي: ١- ٣٩٠- ٣٩١. الروض الأنف: ٣- ٢٤٩. مع خلاف بالرواية من حيث الكلمات وتعداد الأبيات وترتيبها
(٣) في جميع الروايات الأخرى «حال» . والفلجات جمع فلج وهي العين الجارية، والمخاض الحوامل من الإبل، والأوارك التي أكلت الأراك فدميت أفواهها.
(٤) عالج مكان به رمل كثير.
(٥) سقط من الأصل عنوان هذا الخبر وهو «مقتل كعب بن الأشرف» . انظر مغازي الواقدي: ١- ١٨٤- ١٩٣. ابن هشام: ٢- ٥١. ابن سعد: ٢- ٣١. الطبري: ٢- ٤٨٧.
أمامة بن سهل كل قد حدثني بعض حديثه (قالوا:) «١» قال كعب بن الأشرف، وكان رجلًا من طيء، ثم أحد بني نبهان، وكانت أمه من بني النضير حين بلغه الخبر: ويحكم أحق هذا؟ أترون أن محمدًا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان- يعني زيدًا وعبد الله- فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمدًا أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها! فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي وعنده عاتكة ابنة أبي العاص «٢» بن أمية بن عبد شمس فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله ﷺ، وينشد الأشعار ويبكي على اصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا «٣»؛ ثم رجع كعب بن الأشرف «٤» فشبب بأم الفضل ابنة الحرث «٥»، ثم شبب بنساء المسلمين، فقال رسول الله ﷺ كما حدثني عبد الله ابن مغيث-: من لي بابن الأشرف؟ فقال: محمد بن مسلمة أخو بني عبد الأشهل أنا لك به يا رسول الله، أنا اقتله، قال: افعل إن قدرت على ذلك، فرجع محمد فمكث ثلاثًا لا يأكل ولا (٧- و) يشرب إلا ما يعلق نفسه فذكر ذلك لرسول الله ﷺ، فقال «٦»: لم تركت الطعام والشراب؟ قال: يا رسول الله إني قلت لك قولًا لا أدري هل أقر به أم لا، قال: إنما عليك الجهد، قال: يا رسول الله أنه لا بد لنا أن نقول، قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك، فأجمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة أحد بني عبد الأشهل، «٧»، والحارث بن أوس بن معاذ احد بني عبد الأشهل،
(١) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: ٢- ٥١.
(٢) في مغازي الواقدي: ١- ١٨٥ «بنت أسيد بن أبي العيص» .
(٣) هنا ذكر ابن هشام: ٢- ٥٢ عن ابن إسحق شعر كعب في بكاء أصحاب القليب وأورد رد حسان وسواه عليه، وكذلك فعل الواقدي في مغازيه: ١- ١٨٥- ١٨٧.
(٤) أي إلى المدينة.
(٥) زوج العباس عم الرسول، وفي الطبري: ٢- ٤٨٨ بعض ما قاله فيها.
(٦) في ابن هشام: ٢- ٥٤ «فدعاه فقال له» .
(٧) زاد ابن هشام: ٢- ٥٥ «وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة» .
ثم قدموا إلى عدو الله ابن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان بن سلامة أبا نائلة فجاءه، فتحدث معه ساعة وتناشدا، وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال:
ويحك يابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتمها عني، قال: أفعل، قال: كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس، فأصبحنا وقد جهدنا وجهد عيالنا، فقال كعب: أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما كنت أقول لك، فقال سلكان: إني قد أردت أن تبيعنا طعامًا ونرهنك. ونوثق لك ونحسن في ذلك، قال: ترهنوني أبناءكم؟ قال: أردت أن تفضحنا إن لي أصحابًا على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم لتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة مالك فيه وفاء، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاؤوا به، قال: إن في الحلقة لوفاء، فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره، وأمرهم أن يأخذوا [٧- ظ] السلاح، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني ثور عن عكرمة مولي ابن عباس عن ابن عباس قال: مشى معهم رسول الله ﷺ إلى بقيع الغرقد «١»، ثم وجههم وقال:
انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم ثم رجع إلى بيته في ليلة مقمرة، فانتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: إنك رجل محارب وإن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة، قال «٢»: أبو نائلة لو وجدني نائمًا ما أيقظني، قالت: فو الله إني لأعرف في صوته الشر، قال: يقول «٣» لها: لو يدعى الفتى لطنعة لأجاب.
(١) مقبرة أهل المدينة، وهي داخل المدينة- ياقوت-.
(٢) في ابن هشام: ٢- ٥٦ «إنه أبو نائلة» .
(٣) أي كعب.
(قال أبو شعيب: حدثنا التوزي أبو محمد قال قال الأصمعي ما تكلم لهذه الكلمة لو وجدني نائمًا ما أيقظني أحد في جاهلية ولا إسلام إلا قتل) قال: فنزل فتحدث معه ساعة، وتحدثوا معه، ثم قال: هل لك يابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز «١» فنتحدث بقية ليلتنا هذه؟ قال: إن شئتم، فخرجوا يتماشون ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده، ثم قال ما رأيت كالليلة طيبًا أعطر قط، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفودي رأسه، ثم قال اضربوا عدو الله فضربوه فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئًا، قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولًا «٢» في سيفي حين رأيت أسيافنا لم تفن شيئًا، فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم تبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه النار فوضعته في ثنته «٣» ثم تحاملت عليه حتى بلغت (٨- و) عانته فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه أو في رجله أصابه بعض أسيافنا، قال: فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة، ثم على بعاث حتى اسندنا في حرة العريض «٤» وقد أبطأ عنا صاحبنا الحارث بن أوس ونزفه الدم، فوقفنا له ساعة، ثم أتانا يتبع آثارنا، فاحتملناه فجئنا به رسول الله ﷺ وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه فخرج إلينا فأخبرناه بقتل عدو الله، وتفل على جرح صاحبنا، ورجعنا إلى أهلنا، فأصبحنا وقد خافت يهود تبعتنا، فليس بها يهودي الا وهو يخاف على نفسه.
وقال «٥» رسول الله ﷺ: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فوثب محيصة بن مسعود على أبي سنينة «٦»، رجل من تجار يهود- وكان يلابسهم ويبايعهم
(١) قرب المدينة.
(٢) المغول: حديدة دقيقة لها حد ماض.
(٣) في مغازي الواقدي: ١- ١٩٠ «في سرته» والسنة ما بين أسفل البطن إلى العانه.
(٤) جميع هذه الأماكن في ضواحي المدينة.
(٥) سقط عنوان هذا الخبر من الأصل وهو «أمر محيصة وحويصة» .
(٦) في مغازي الواقدي: ١- ١٩١ «ابن سنينة» .
فقتله، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم فقال لمحيصة، وكان أسن منه- لما قتله، وجعل يبصره «١»: يا عدو الله أقتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله! فقال محيصة: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك قال: فقال: والله إن دينًا بلغ بك هذا لدين له شأن، انطلق إلى صاحبك حتى أسمع منه، فانطلق إلى رسول الله ﷺ عليه، فكان أول إسلام حويصة فقال محيصة:
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله ... لطبقت ذفراه «٢» بابيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله ... متى ما اصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعًا ... وأن لنا ما بين بصري فمأرب «٣»
وقال علي بن أبي طالب
في قتل ابن الأشرف:
عرفت ومن يعتدل يعرف ... وأيقنت حقًا فلم أصدف
عن الكلم المحكمات التي ... من الله ذي الرأفة الأراف [٨- ظ]
رسائل تدرس في المؤمنين ... بهن اصطفى أحمد المصطفى
فأصبح أحمد فينا عزيزًا ... عزيز المقامة والموقف
فيا أيها الموعدوه سفاها ... ولم يأت حوبًا ولم يعنف
ألستم تخافون أدنى العذاب ... وما أمن الله كالأخوف
وأن تصرعوا تحت أسيافه ... كمصرع كعب أبي الأشرف
غداة رأى الله طغيانه ... فأعرض كالجمل الأحنف
فأنزل جبريل في قتله ... بوحي إلى عبده ملطف
فدس الرسول رسولًا إليه ... بأبيض ذي هبّة مرهف
(١) في ابن هشام: ٢- ٥٨ «جعل حويصة يضربه ويقول: أي عدو الله» .
(٢) لطبقت: لقطعت، والذفرى عظم نائي وراء الأذن.
(٣) مغازي الواقدي: ١- ١٩٢ مع بعض الخلاف.
فباتت له عيون مغولا ... ت ومن دمع كعب لها تذرف
فقلنا لأحمد ذرنا قليلًا ... فإنا من القوم لم نشتف
فأجلاهم ثم قال اظعنوا ... دحورًا على رغم الآنف
فأجلى النضير إلى غربة ... وكانوا بدار ذوي زخرف
إلى أذرعات رد أفاوهم ... على كل ذي دبر أعجف «١»
وكانت أقامه رسول الله ﷺ بالمدينة بعد قدومه من بحران جمادى الآخرة ورجبًا وشعبان ورمضان وغزته قريش غزوة أحد في شوال سنة ثلاث.
(١) لم يرد هذا الشعر في مغازي الواقدي ولا عند ابن هشام أو الطبري.
غزوة أحد
«١» أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: وكان من حديث أحد كما حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كل قد حدثني بعض الحديث عن يوم أحد، فاجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد، قال: لما أصيبت قريش؛ أو من قاله منهم ببدر وأصحاب القليب من (٩- و) كفار قريش؛ فرجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حرب (بعيره) «٢» مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم واخوانهم ببدر وكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير تجارة فقالوا: يا معاشر قريش إن محمدًا قد وتركم وقتل رجالكم وخياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرنا بما أصاب منا؛ ففيهم فيما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ» «٣» .
فلما فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب تلك العير أجمعت قريش لحرب رسول
(١) الخبر الآن عن غزوة أحد، وقد سقط العنوان من الأصل، وخبر أحد مشهور انظره في مغازي الزهري في مصنف عبد الرزاق: ٥- ٣٦٣- ٣٦٧. مغازي الواقدي: ١- ١٩٩- ٣٣٤ ابن هشام ٢- ١٠٦٠ ابن سعد: ٢- ٣٦. الطبري: ٢- ٤٩٩. السيرة الحلبية: ٢- ٢٢٨.
(٢) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: ٢- ٦٠.
(٣) سورة الأنفال: ٣٦.
الله ﷺ بأحابيشها ومن أطاعهم من قبائل بني كنانة وأهل تهامة، كل أولئك قد استغووا على حرب رسول الله ﷺ. وكان أبو عزيز بن عمرو بن عبد الله الجمحي «١» قد من عليه رسول الله ﷺ وعاهده أن لا يظاهر عليه، فأجمعت قريش السير إلى أحد، قال صفوان بن أمية: يا أبا عزيز إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك واخرج معنا، فقال: إن محمدا قد من علي، ولا أريد أن أظاهر عليه أحدًا، قال: بلى فأعنا بنفسك، فلك إن رجعت أن أغيثك، فإن أصبت أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، فخرج أبو عزيز يسير في تهامة يدعو بني كنانة يقول:
يا بني عبد مناه الزرام «٢» ... أنتم بنو الحرب ضرابو الهام
أنتم حماة وأبوكم حام ... لا تعدوني نصركم بعد العام
لا تسلموني لا يحل إسلام «٣»
ثم دعا جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف غلاما له يقال له وحشي، وكان حبشيًا يضرب (٩- ظ) بحربة له قذف الحبشة قلّ ما يخطىء بها فقال: اخرج مع الناس فإن أنت قتلت عم محمد- يعني حمزة- بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق- وكان طعيمة ممن قتل الله يوم بدر- فخرجت قريش بحدها وحديدها وأحابيشها ومن تبعها من كنانة وأهل تهامة وخرجوا بالظعن التماس الحفيظة لئلا يفروا، فخرج أبو سفيان وهو قائد الناس معه بهند إبنة عتبة بن ربيعة، وخرج صفوان بن أمية بن خلف ببرزة إبنة مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية وهي أم عبد الله بن صفوان؛ وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منية بن الحجاج وهي أم عبد الله بن عمرو، وكانت هند بنت عتبة كلما
(١) في مغازي الواقدي: ١- ٢٠١ «أبو عزة» وعند ابن هشام ٢- ٦١ «أبو عزة عمرو بن عبد الله» وكذلك عند ابن سعد: ٢- ٤٣. والطبري: ٢- ٥٠٠، والبداية والنهاية: ٤- ١٠. والسيرة الحلبية: ٢- ٢٢٩.
(٢) الذين يثبتون في الحرب ولا يفرون.
(٣) مغازي الواقدي ١- ٢٠١. طبقات ابن سلام: ٢١٣. ابن هشام: ٢- ٦١ مع خلاف في الرواية حيث ترتيب الأبيات وبعض الألفاظ وكمية الشعر.
مرت بوحشي أو مر بها قالت: أبا دسمة إشف واشتف، وكان وحشي يكنى بأبي دسمة، فأقبلوا حتى نزلوا ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة. فلما سمع بهم رسول الله ﷺ والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله ﷺ للمسلمين: إني قد رأيت نفرًا، ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة. فتأولتها المدينة، فإن رأيتم أن تقيموا وتدعوهم حيث قد نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها.
ونزلت قريش منزلها بأحد يوم الأربعاء فأقاموا بها ذلك اليوم، ويوم الخميس ويوم الجمعة، وراح رسول الله ﷺ حين صلاة الجمعة فأصبح بالشعب من أحد، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوال سنة ثلاث، وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول مع رسول الله ﷺ يرى رأيه في ذلك «ألا يخرج إليهم»، وكان رسول الله ﷺ بكره الخروج من المدينة فقال رجال (١٠- و) من المسلمين، ممن أكرمهم الله بالشهادة يوم أحد، وغيرهم ممن كان فاتته بدر وحضروه:
يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم أو ضعفنا، قال عبد الله ابن أبي بن سلول: يا رسول الله أقم بالمدينة فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤا، وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم الصبيان والنساء بالحجارة من فوقهم فلم يزل الناس برسول الله ﷺ، الذين كان من أمرهم حب لقاء الله، حتى دخل رسول الله ﷺ بيته فلبس لأمته، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو أحد بني النجار، فصلى عليه رسول الله ثم خرج وقد ندم الناس وقالوا: استكرهنا رسول الله ﷺ، فقالوا: يا رسول الله استكرهناك، اقعد، ولم يكن لنا ذلك صلى الله عليك، فقال: رسول الله
: ما ينبغي إذا النبي لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل، فخرج رسول الله في ألف من أصحابه حتى إذا كان بالشوط بين المدينة وأحد انخذل عنه عبد الله ابن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم وعصاني، والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس، ثم رجع بمن معه من قومه من أهل النفاق وأهل
الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم قالوا: لو نعلم (١٠- ظ) أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون، فقال فلما استصعبوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغنني الله عنكم، ومضى رسول الله ﷺ حتى سلك حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف فاستله «١» فقال رسول الله ﷺ (وكان رسول الله ﷺ يحب الفأل ولا يعتاق)، لصاحب السيف: شم «٢» سيفك فإني أرى أن السيوف ستسل اليوم، ثم قال رسول الله ﷺ لأصحابه: من رجل يخرج بنا على القوم من كثب- أي قريب- من طريق لا يمر بنا عليهم؟ فقال أبو خيثمة، أخو بني حارثة بن الحارث: أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة، وبين أموالهم حتى يسلك به في مال «٣» لربعي بن قيطي، وكان رجلًا منافقًا ضرير البصر، فلما حس برسول الله ومن معه قام يحثو في وجوههم التراب وهو يقول:
إن كنت رسول الله فلا أحل لك أن تدخل حائطي، وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب بيده ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك لضربت بها وجهك، فابتدره القوم ليقتلوه فقال لهم: هذا الأعمى، أعمى القلب والبصر «٤»، وقد بدر إليه سعد «٥» أخو بني عبد الأشهل قبل نهى رسول الله ﷺ فضربه بالقوس في رأسه، ومضى رسول الله ﷺ على وجهه حتى نزل بالشعب (١١- و) من أحد من عدوة الوادي إلى الجبل، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال: لا يقاتل أحد حتى نأمره بالقتال؛ وقد سرحت قريش الظهر والكراع «٦» في زروع كانت بالصمغة «٧» من قناة، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله
(١) كلاب السيف هي الحديدة العقفاء التي تلي الغمد.
(٢) أي أغمد سيفك.
(٣) في ابن هشام: ٢- ٦٥ «لمربع» .
(٤) زاد ابن هشام: ٢- ٦٥ «لا تقتلوه» .
(٥) في ابن هشام: ٢- ٦٥ «سعد بن زيد» .
(٦) الظهر: الابل والكراع: الخيل.
(٧) أرض قرب أحد.
ﷺ عن القتال: أترعى زروع بني قيلة «١» ولما تضارب؟! وتعبأ رسول الله ﷺ للقتال في سبع مائة رجل، وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وأمر رسول الله ﷺ على الرماة وهم خمسون رجلًا عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف، وهو يومئذ معلم بثياب بياض، وقال: إنضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا، اثبت مكانك لا نؤتين من قبلك، وظاهر رسول الله
بين درعين، وقال:
من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام إليه رجال، فأمسكه عنهم، حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة، أخو بني ساعدة، فقال: وما حقه يا رسول الله؟
قال أن تضرب به القوم حتى ينثني، قال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إياه وكان أبو دجانة رجلًا شجاعًا يختال عند الحرب إذا كانت، وكان إذا علم بعصابة له حمراء يعصبها على رأسه علم الناس أنه سيقاتل، فلما أخذ السيف من يد رسول الله أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه، فجعل يتبختر بين الصفين. (١١- ظ) .
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني جعفر بن عبد الله بن أسلم مولى عمر بن الخطاب عن رجل من الأنصار من بني سلمة قال: قال رسول الله ﷺ، حين رأى أبا دجانة يتبختر: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا ابن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن أبا عامر (عبد عمرو بن) «٢» صفي بن مالك بن النعمان بن أمية أحد بني ضبيعة قد كان خرج حين خرج من مكة مباعدًا لرسول الله
بخمسين غلاما من الأوس منهم عثمان بن حنيف، وبعض الناس يقول كانوا خمسة عشر، فكان أبو
(١) بنو قيلة هم الأوس والخزرج، وقيلة أم من أمهاتهم نسبوا إليها.
(٢) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: ٢- ٦٧. وابن سعد: ٢- ٤٠. والطبري: ٢- ٥١١- ٥١٢. والبداية والنهاية ٤- ١٦.
عامر يعد قريش، أن لو قد لقي قومه لم يتخلف منهم رجلان، فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة فنادى: يا معاشر الأوس أنا أبو عامر، فقالوا: لا نعم الله بك عينًا يا فاسق، وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية الراهب، فسماه رسول الله ﷺ الفاسق، فلما سمع ردهم عليه، قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتلهم قتالًا شديدًا، وأضمخهم بالحجارة، فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:
نحن بنات طارق ... إن تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق (١٢- و) ... وإن تدبروا نفارق
فراق غير وامق «١»
فاقتتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة سماك بن خرشة حتى أمعن في العدو، وحمزة، وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين؛ فأنزل الله نصره وصدقهم وعده، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم، وكانت الهزيمة لا يشك فيها.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: نا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال: لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هو ارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة عن العسكر، حين كشفنا القوم عنه، يريدون النهب، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من أدبارنا، وصرخ صارخ ألا إن محمدا قد قتل، فانكفأنا وانكفأوا علينا، بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنوا منه أحد من القوم، فانكشف
(١) الأبيات مشروحة في الروض الأنف فلينظر.
المسلمون فأصاب منهم العدو، فكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله من أكرم بالشهادة، وكان من المسلمين في ذلك اليوم لما أصابهم فيه من شدة البلاء ثلاثًا:
فثلث قتيل، وثلث جريح وثلث منهزم، قد لقيته الحرب حتى ما يدري ما يصنع، حتى خلص العدو إلى رسول الله ﷺ، فقذف بالحجارة حتى وقع لشقة، وأصيبت رباعيته وشج في وجنتيه، وكلمت شفتاه، وكان الذي أصابه عتبة بن أبي وقاص.
وقال رسول الله ﷺ حين غشيه القوم: من يشتري لنا نفسه كما حدثني حصين (١٢- ظ) بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمد بن عمرو «١» ابن يزيد بن السكن، فقام زياد بن السكن في خمسة نفر من الأنصار، وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن زياد بن السكن، فقاتلوا دون رسول الله ﷺ رجلا فرجل فيقتلون دونه حتى كان آخرهم زياد بن السكن أو عمارة بن زياد، فقاتل حتى أثبتته الجراح، ثم فاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم «٢» عنه، فقال رسول الله ﷺ: أدنوه مني، فوسده رسول الله ﷺ قدمه، فمات وخده فوق قدم رسول الله ﷺ، وترس أبو دجانة رسول الله بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحن حتى كثر فيه النبل، ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله ﷺ، قال سعد: فلقد رأيته يناولني النبل ويقول: ارم فداك أبي وأمي، حتى أنه ليناولني السهم ما له من نصل فيقول ارم به.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله ﷺ [رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها، فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته.
قال ابن اسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله ﷺ] «٣»
(١) في ابن هشام: ٢- ٨١ «محمود بن عمرة» . وسقطت عنده فقرة «يزيد بن السكن» .
(٢) أي ازالوهم وغلبوهم.
(٣) أضيف ما بين الحاصرتين من ابن هشام: ٢- ٨٢.
ردها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدهما.
وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله ﷺ ومعه لواؤه حتى فتل، فكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله ﷺ، فرجع إلى قريش فقال: قد قتلت محمدًا، فلما قتل مصعب أعطى رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب اللواء، وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاه بن «١» شرحبيل (١٣- و) بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، وكان أحد النفر الذين يحملون لواء قريش، ثم مر به سباع بن عبد العزى الفيشاني وكان يكنى بأبي نيار فقال له حمزة: هلم إلي يا ابن مقطعة البظور فضربه فكأن ما أخطأ رأسه، وكانت أم نيار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ختانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله، وقال وحشي غلام جبير بن مطعم: والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يليق «٢» شيئًا مثل الجمل الأورق «٣» إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى فقال له حمزة هلم إلي يابن مقطعة البظور فضربه فكأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها ذففتها عليه حتى وقعت في ثنته «٤» حتى خرجت من بين رجليه، وأقبل فقلب، فأمهلته حتى إذا ما مات جئت إليه فأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم يكن لي بشيء حاجة غيره. وقد قتل عاصم بن ثابت بن الأقلح أخو بني عمرو بن عوف مسافع بن طلحة وأخاه جلاسًا، كلاهما يشعره سهمًا، فيأتي أمه سلافة فيضع رأسه في حجرها، فتقول: يا بني ما أصابك؟ فيقول: سمعت رجلًا حين رماني يقول: خذها إليك وأنا ابن الأقلح فتقول أقلحي هو؟ فنذرت إن الله أمكنها من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر، وكان عاصم قد أعطى الله
(١) في ابن هشام: ٢- ٦٩ «ارطاة بن عبد شرحبيل» .
(٢) اي ما يبقي.
(٣) الاورق: الذي لونه إلى الغبرة.
(٤) ما بين اسفل البطن والعانة.
عهدًا ألا يمس مشركًا ولا يمسه أبدًا «١» .
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال: انتهى أنس بن النضر- وهو عم أنس بن مالك، وبه سمي أنس أنسًا- إلى عمر بن (١٣- ظ) الخطاب، وطلحة بن عبيد الله
في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا:
قتل رسول الله ﷺ قال: فما تضنون «٢» بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ﷺ، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة ما عرفته إلا أخته، عرفت بنانه «٣» .
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: كان أول من عرف رسول الله ﷺ بعد الهزيمة، وقول الناس قتل رسول الله، كما حدثني ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك أخو بني سلمة قال: قال كعب: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله ﷺ، فأشار إلي أن أنصت، فلما عرف المسلمون رسول الله ﷺ نهضوا به، ونهض معهم نحو الشعب، معه: أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والحارث بن الصمة
أجمعين، في رهط من المسلمين، فلما أسند رسول الله ﷺ في الشعب،
(١) استشهد عاصم يوم بئر الرجيع، واراد قاتلوه اخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد «فمنعته الدبر فلما حالت بينه وبينهم قالوا: دعوه يمسي فتذهب عنه، فنأخذه، فبعث الله الوادي، فاحتمل عاصما فذهب به» ابن هشام: ٢- ١٧٠- ١٧٢.
(٢) في المصادر الاخرى «تصنعون» .
(٣) البنان: الأصابع وقيل أطرافها- النهاية لابن الأثير: ١- ١٥٧. وفي ابن هشام «ببناته» وهو تصحيف.
أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أين يا محمد أين يا محمد لا نجوت إن نجوت، فقال القوم: أيعطف عليه يا رسول الله رجل منا؟ فقال: دعوه فلما دنا تناول رسول الله الحربة من الحارث بن الصمة، يقول بعض القوم فيما ذكر لي (١٤- و) . فلما أخذها رسول الله ﷺ انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعر «١» من ظهر البعير إذا انتفض بها، ثم استقبله فطعنه بها طعنة تردى بها عن فرسه مرارا.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عؤف قال: كان آبي بن خلف يلقى رسول الله ﷺ بمكة فيقول: يا محمد إن عندي العوز أعلفه كل يوم فرقًا من ذرة أقتلك عليه فيقول: بل أنا أقتلك إن شاء الله، فرجع إلى قريش وقد خدشه خدشا في عنقه غير كبير فاحتقن الدم فقال: قتلني والله محمد، قالوا: ذهب والله فؤادك إن كان بك بأس، قال: أنه قد كان قال لي بمكة: بل أنا أقتلك، فو الله لو بصق عليّ لقتلني، فمات عدو الله بسرف «٢» وهم قافلون به إلى مكة. فقال حسان بن ثابت في قتل رسول الله أبيا وقوله له بمكة ما قال:
لقد ورث الضلالة عن أبيه ... أبي حين بارزه الرسول
«٣» فلما انتهى رسول الله ﷺ إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه بالدرقة حتى ملأها ماء من المهراس. ثم جاء به إلى رسول الله ﷺ، فوجد له ريحًا فعافه فلم يشرب منه، وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول: اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني صالح بن كيسان عمن (١٤- ظ) حدثة عن
(١) في ابن هشام: ٢- ٨٤ «تطاير الشعراء عن ظهر البعير» والشعراء ذباب له لدغ.
(٢) موضع على ستة أميال من مكة وقيل: سبعة وتسعة واثني عشر- ياقوت-.
(٣) ديوان حسان: ١- ١٥٨. مع خلاف بالرواية وتعداد الابيات.
سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول: ما حرصت على قتل أحد ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص، وإن كان ما علمت لسيء الخلق مبغضًا في قومه، ولقد كفاني منه قول رسول الله: اشتد غضب الله على من دمى وجه رسوله، فبينما رسول الله ﷺ في الشعب معه أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية «١» على الجبل، فقال رسول الله: إنه لا ينبعي لهم أن يعلونا، فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم عن الجبل، ونهض رسول الله إلى صخرة من الجبل ليعلوها، وكان قد بدن «٢» وظاهر رسول الله بين درعين، فلما ذهب لينهض لم يستطع، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله، فنهض به حتى استوى عليها.
أخبرنا عبد الله بن الحسن قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير (عن الزبير) «٣» قال:
سمعت رسول الله ﷺ يقول أوجب طلحة حين صنع ما صنع برسول الله، وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله ﷺ حتى انتهى بعضهم إلى المنقى «٤» دون الأعوص، وفر عثمان بن عفان، وعقبة بن عثمان، وسعد بن عثمان رجلان من الأنصار، ثم من بني زريق حتى بلغوا الجلعب جبلًا بناحية المدينة، فأقاموا به ثلاثًا ثم رجعوا إلى رسول الله
، فقال رسول الله فيما زعموا لقد ذهبتم فيها عريضة.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن حنظلة بن أبي عامر أخو بنى عمر بن عوف أنه التقى هو وأبو (١٥- و) سفيان ابن حرب، فلما استعلاه حنظلة، رأه شداد بن الأسود، وكان يقال له ابن شعرب قد علا أبا سفيان، فضربه شداد فقتله، فقال رسول الله إن كان صاحبكم- يعني
(١) اي من قريش.
(٢) بدن: اسن وضعف.
(٣) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: ٢- ٨٦.
(٤) مكان بين احد والمدينة- انظر ياقوت حبث نقل عن ابن اسحق.
حنظلة لتغسله الملائكة- فسلوا أهله ما شأنه؟ فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهائعة «١»، فقال رسول الله: لذلك غسلته الملائكة.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحق قال: قد وقفت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة الآتون معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله ﷺ يجدعن الآذان والآناف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنافهم خذمًا وقلائدًا، وأعطت خذمها وقلائدها وقرطيها وحشيًا غلام جبير بن مطعم، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطيع أن تسيغها، ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها وقالت، من الشعر حين ظفروا بما أصابوا من أصحاب رسول الله ﷺ:
نحن جزيناكم بيوم بدر
فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف فقالت:
خزيت في بدر وبعد بدر «٢»
ثم إن أبا سفيان حين أراد الانصراف علا الجبل ثم صرخ بأعلى صوته:
أنعمت فعال «٣» ... إن الحرب سجال
يوم بيوم بدر ... أعل هبل
أي ظهر دينك- فقال رسول الله لعمر رحمة الله عليه قم فأجبه (١٥- ظ)
الله أعلا وأجل ... لا سواء
قتلانا في الجنة ... وقتلاكم في النار
فلما أجاب أبا سفيان قال: هلم إلي يا عمر، فقال له رسول الله: إئته فانظر ما شأنه، فقال له أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدًا؟ قال: اللهم لا، وإنه
(١) اي الصيحة، صيحة النفير.
(٢) انظر ابن هشام: ٢/ ٩١- ٩٢ ففيه من الشعر وخبره كمية اوفى مما ورد هنا.
(٣) قاله يخاطب نفسه ويعني به «بالغت في هذه الوقيعة وأحسنت» . أنظر شرح السيرة النبوية لأبي ذر. ٢/ ٢٣٠- ٢٣١.
ليسمع كلامك الآن. قال فأنت والله أصدق عندي من ابن قميئة وأبر، لقول ابن قميئة: قتلت محمدًا، ثم نادى أبو سفيان: أنه قد كان في قتلاكم مثل «١» والله ما رضيت وما سخطت وما أمرت ولا نهيت، ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى: إن موعدكم بدر العام المقبل، فقال رسول الله لرجل من أصحابه: قل:
نعم هي بيننا وبينك موعدًا، ثم بعث رسول الله ﷺ على بن أبي طالب فقال:
أخرج في إثر القوم فانظر ماذا يصنعون، وماذا يريدون، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الابل [فإنهم يريدون مكة، وان ركبوا الخيل وساقوا الابل] «٢» فإنهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها، ثم لأناجزنهم، قال علي
عليه: فخرجت في إثرهم أنظر ماذا يصنعون، فلما جنبوا الخيل، وامتطوا الابل، ووجهوا إلى مكة، أقبلت أصيح ما أستطيع أن أكتم ما أمرني به رسول الله ﷺ لما بي من الفرح إذ رأيتهم انصرفوا عن المدينة.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحق قال: وفزع الناس لقتلاهم، فقال رسول الله- كما حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن [أبي] «٣» صعصعة المازني أخو بني النجار: من رجل ينظر لي ما فعل سعد بن الربيع (١٦- و) أخو بلحارث بن الخزرج في الأحياء أو في الأموات؟ فقال رجل من الأنصار: أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل، فنظر فوجده جريحًا في القتلى، به رمق، فقال له: إن رسول الله أمرني أن أنظر له في الأحياء أنت أم في الأموات، قال: فأنا في الأموات فأبلغ رسول الله عني السلام، وقل له: أن سعد بن الربيع يقول: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا
(١) يقصد عمليات التمثيل يحثث قتلى المسلمين.
(٢) زيادة من ابن هشام: ٢/ ٩٤.
(٣) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام: ٢/ ٩٤، وانظر أيضا التاريخ الكبير للبخاري: ٥/ ١٣٠- ١٣١.
عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل: إن سعد بن ربيع يقول لكم: أنه لا عذر لكم عند الله إن يخلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف، قال: ثم لم أبرح حتى مات رحمة الله عليه، فجئت رسول الله فاخبرته خبره، فخرج رسول الله- فيما بلغني- يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به وجدع أنفه وأذناه.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير إن رسول الله ﷺ قال حين رأى ما رأى: لولا ان تحزن صفية «١» أو تكون سنة من بعدي ما غيبته ولتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أنا أظهرني الله على قريش في موطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله ﷺ وغيظه على ما فعل بعمه، قالوا: والله لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثله لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط.
أخبرنا عبد الله بن الحسن الحراني قال: نا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق قال حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي، وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس إن الله أنزل في ذلك من قول رسول الله وقول أصحابه «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو (١٦- ظ) خير للصابرين» إلى آخر القضية فعفا رسول الله ﷺ وصبر ونهى عن المثل.
أخبرنا عبد الله بن الحسن قال: حدثنا النفيلي قال: نا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني حميد الطويل عن الحسن عن سمرة بن جندب أنه قال: ما قام فينا رسول الله ﷺ مقامًا ففارقه حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة.
(١) عمة الرسول وأخت حمزة.
يتلوه إن شاء الله الجزء الرابع ... محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق
قال: حدثني من لا أتهم عن مقسم
والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما وحسبنا الله ونعم الوكيل، وكتبه طاهر بن بركات الخشوعي في شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وأربع مائة والله المعين على كل حال إن شاء الله.
الفهارس العامة
١- أعلام الأفراد
٢- أعلام الجماعات
٣- أعلام الأماكن
٤- الآيات القرآنية
٥- الشعر
٦- محتويات الكتاب
٧- تصويبات
أعلام الأفراد
أابراهيم الخليل. ٥١، ٩٤، ٩٥، ٩٨،
٩٩، ١٠٠، ١٠٦، ١١٥، ١١٦، ١١٨، ١٢٠، ١٣٤، ١٩١، ١٩٥، ٢٩٥.
ابراهيم بن اسماعيل: ٩٦، ١٣٤، ٢٢٢، ٢٦٨، ٢٩٥.
إبراهيم بن عبد الرحمن: ١٧٨، ٢٨٨.
ابراهيم بن عثمان: ٢٧٠.
إبراهيم بن النبي محمد: ٢٧٠، ٢٧١.
إبراهيم بن محمد بن علي: ٢٧١.
أبرهة الأشرم: ٥٩، ٦٠، ٦١، ٦٢، ٦٣، ٦٤، ١٥٠.
أبي بن خلف: ١٤٤، ٣٣١.
أم أبيها بنت عبد الله: ١٥١.
أبو أحمد بن جحش: ١٤٣.
أحيحة بن الجلاح: ٥٢.
الأخنس بن شريق: ١٨٩، ١٩٠، ٢٣٤.
آدم: ٩٤، ٩٥، ١٣٤.
أرطاة بن شرحبيل: ٣٢٩.
أروى بنت عبد المطلب: ٦٧، ٦٨.
أروى بنت كريز: ٦٧.
إساف: ٢٤.
أسباط بن نصر: ٩٥، ٢١٩، ٢٩٧.
إسحق بن يسار: ٤٤، ٢٢٠، ٢٣٤، ٢٥٠، ٢٦٠، ٢٧٦.
أسد بن أسد: ٨٢.
أسد بن عبيد: ٨٥.
أسفندباد: ٢٠١.
أسماء بنت أبي بكر: ١١٦، ١٤٣.
أسماء بنت سلامة: ١٤٣.
أسماء بنت عميس: ١٤٣، ٢٢٢، ٢٢٦.
أسماء ابنة كعب: ٢٦٧.
أسماء بنت المحلل: ١٤٣.
أسماحيج أم أبي لهب: ١٥٠.
اسماعيل بن اياس: ١٣٧.
اسماعيل بن أبي حكيم: ١٣٣.
اسماعيل السدي: ٢٩٧.
إسماعيل بن عبد الرحمن: ٩٥، ٢١٩.
إسماعيل بن عبد الملك: ٢٧٨، ٢٨٣.
اسماعيل النبي: ٢٤، ٢٥، ٢٦، ٩٥، ٩٨، ١٠٧.
الأسود بن عبد الأسد: ١٤٤، ٢٦٨.
الأسود بن عبد يغوت: ٢٧٣.
الأسود بن المطلب: ١٤٨، ١٩٧، ٢٧٣.
الأسود بن نوفل: ٢٢٧.
أسيد بن سعيه: ٨٥.
آسية امرأة فرعون: ٢٤٤.
أشعث بن أبي الشعثاء: ١٩٥.
أصحمه النجاشي.
أبو الأصد الهذلي: ١٤٤.
ابن أم مكتوم: ٢٣٠.
أمامة ابنة أبي العاص: ٢٤٦.
آمنة بنت وهب: ٤١، ٤٢، ٤٤، ٤٥، ٦٥.
أمة ابنة خالد: ٢٢٧.
أمية بن خلف: ١٤٤، ١٩٧، ٢١١، ٢٣٦.
أميمة ابنة عامر: ٨٢.
أميمة ابنة عبد المطلب: ٦٧، ١١٥.
أمينة بنت خلف: ١٤٤، ٢٢٧.
أنس بن مالك: ٩٤، ٩٦، ٢٦٥، ٢٧٢، ٢٩٦، ٣٣٠.
أنس بن النضر: ٣٣٠.
أنيسة ابنة الحارث: ٤٨.
اياس بن البكير: ١٤٤.
أبو أيوب الأنصاري: ٢٨١.
ب أبو البختري بن هاشم: ١٤٨، ١٦١، ١٦٦، ١٩٧.
بحيرا الراهب: ٧٠، ٧٣، ٧٤، ٧٥، ٧٦، ٧٧.
برة بنت عبد العزى: ٤٢.
برة بنت عبد المطلب: ٦٧، ٦٨، ١٧٨.
برة بنت عوف: ٤٢.
برزة ابنة مسعود: ٣٢٣.
أبو بردة الأشعري: ٩٧.
بريدة الغفاري: ١٣٨، ١٤١.
بريدة بن سفيان الأسلمي: ٣٣٥
بركة بنت يسار: ٢٢٧.
بسام مولى علي بن أبي طالب: ٢٠٥.
بسر بن أبي حفص: ١٣٠.
بشير بن الخصاصية: ٢٩١.
أبو بكر الصديق: ٢٨، ١٠٠، ١٣٢، ١٣٩، ١٤٠، ١٤٤، ١٩١، ١٩٢،
٢٣٠، ٢٣٣، ٢٣٥، ٢٨١، ٢٨٢، ٢٨٣، ٣٣٠ أبو بكر بن عبد الرحمن ٢١٣، ٢١٦.
أبو بكر الهذلي: ١٠٠.
بلال الحبشي: ١٣٠، ١٩٠، ١٩١، ٢٦٤، ٢٨٧، ٢٩٨، ٢٩٩
بنيامن القرظي: ٥٢.
البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب.
ت أبو تقاصف الخناعي: ٣٠.
تمام الكتابي: ٧٥، ٧٧.
تميمة ابنة وهب: ٢٦٨.
أبو تميمة الهجيمي: ٢٨٩.
ث ثابت بن ام أنمار: ١٨٢.
ثابت بن دينار: ٩٤، ٢٥١.
ثابت بن قيس: ٢٦٣.
ثعلبة بن سعية: ٨٥.
أبو ثعلبة الأخنس بن شريق.
ثور بن يزيد: ٥١.
ج جابر بن سفيان: ٢٢٥.
جابر بن سمرة: ٢٩١.
جابر بن عبد الرحمن: ٦٥.
جابر بن عبد الله: ٢٧٨.
جارية بني عمرو بن مؤمل: ١٩١ جامع بن شداد: ٢٣٢.
جبريل: ٢٦، ٩٦، ١٠٠، ١٢١، ١٢٣، ١٣٣، ١٣٥، ١٣٦، ١٤٥، ٢٩٧
جبلة بن سحيم: ٢٩١.
جبير بن مطعم: ٩٨، ٣٢٣ جرير بن عبد الحميد: ٩٥، ١١٢، ٢٦٩ جرير بن عبد الله البجلي: ٢٩١.
جعدة بن هبيرة: ١٠٤ جعفر بن برقان: ٢٦٦ جعفر بن حيان: ١٤١ جعفر بن أبي طالب: ١٤٣، ١٧٦، ٢١٤، ٢١٥، ٢١٨، ٢٢٠، ٢٢١، ٢٢٤، ٢٢٦
جعفر بن عبد الله: ٣٢٦.
جعفر بن عمرو: ٢٧٢.
جلاس بن طلحة: ٣٢٩.
جميل بن زيد الطائي: ٢٦٨.
جميل بن معمر الجمحي: ١٨٤ جنادة بن سفيان: ٢٢٥.
أبو جهل: ١٤٤، ١٤٥، ١٤٨، ١٦١، ١٦٥، ١٦٦، ١٧١، ١٧٢، ١٧٦، ١٨٢،
١٨٥، ١٨٩، ١٩٠، ١٩٥، ١٩٦، ١٩٧، ١٩٩، ٢٠٠، ٢٠٨، ٢٠٩، ٢١٠، ٢١١، ٢١٨، ٢٣٠، ٢٣٦، ٢٣٧، ٢٥٣.
جهم بن أبي جم: ٤٨.
جهم بن قيس: ٢٢٤، ٢٢٧.
جويرية ابنة الحارث: ٢٦٣، ٢٦٤.
ح الحارث بن حاطب: ٤٨، ٢٢٥.
الحارث بن خالد: ٢٢٨.
الحارث بن الصمة: ٣٣٠، ٣٣١.
الحارث بن الطلاطلة: ٢٧٣.
الحارث بن عبد العزى: ٤٨، ٤٩، ٢٣٤، ٢٣٥.
الحارث بن عبد المطلب: ٢٣، ٢٤، ٣٢.
الحارث بن عامر: ١٠٣.
الحارث بن فهر: ٢٢٦.
الحارث بن هشام: ١٤٦، ١٧٦، ٢٥٣.
حاطب بن الحارث: ١٤٣، ٢٢٥.
حاطب بن عبد شمس: ٢٢٤.
حاطب بن عمرو: ١٤٤، ١٧٧.
أم حبيب بنت أسد: ٤٢.
حبيب بن أبي ثابت: ٥١.
حبيب بن حسان: ١٩٣.
أم حبيب ابنة عباس: ٢٦٨.
حبيب بن أبي ياسر: ٢٣٨.
أم حبيبة بنت أبي سفيان: ٢٥٩، ٢٦٠، ٢٦٩، ٢٧٠.
حبيبة ابنة عبيد الله: ٢٥٩.
الحجاج بن الحارث: ٢٢٦.
حجل بن عبد المطلب: ٣٢.
حذافة ابنة الحارث: ٤٨.
أبو خذيفة بن عقبة: ١٤٤، ١٧٦، ٢٢٣، ٢٢٨.
حذيفة بن اليمان: ٢٩٢.
حرب بن أمية: ٦٩.
أم حرملة بنت الأسود: ٢٢٤.
حسان بن ثابت: ٨٤، ١٠٨، ٣٣١.
الحسن البصري ٩٨، ١٠٠.
حسن بن حسن: ٢٥٠.
الحسن بن دينار: ٢٤٤، ٢٥٣.
الحسن بن علي: ١٤١، ٢٤٧، ٢٥٠، ٢٥١.
الحسن بن محمد بن علي: ٧٩.
حسنة أم شرحبيل: ٢٢٥.
الحسين بن عبد الله: ٢٦٨.
الحسين بن علي: ٢٤٧، ٢٥٠، ٢٥١.
الحصين بن الحارث: ١٤٤، ٢٥٨.
الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد: ٣٢٢، ٣٢٨.
حفصة بنت عمر: ٢٢٦، ٢٥٣، ٢٥٧، ٢٥٨، ٢٦٩.
أبو الحكم بن هشام أبو جهل الحكم بن أبي العاصي: ١٤٤.
حكيم بن جبير: ١٩٢.
حكيم بن حزام: ١٦١.
حكيم بن حكيم: ٢١٠.
حكيم بن الديلم: ٢١٢.
أم حكيم ابنة عبد المطلب: ٦٧.
حليمة السعدية: ٤٨، ٤٩، ٥٠.
حمامه أم بلال: ١٩١.
حمزة بن عبد المطلب: ٣٢، ٨٢، ١٤٦، ١٦١، ١٧١، ١٧٢، ٢٠٧، ٢٣٦، ٣٢٣، ٣٢٧، ٣٢٨، ٣٣٥.
حميد الطويل: ٣٣٠، ٣٣٥.
أبو حنظلة أبو سفيان.
حنظلة بن عامر: ٣٣٢، ٣٣٣.
خ خالد بن البكير: ١٤٤.
خالد بن دينار: ٦٦، ٢٨٦، ٢٩٦.
خالد بن الزبير: ٢٢٧.
خالد بن سعيد بن العاصي: ١٤٤، ٢٢٧.
خالد بن صالح: ٢٤٨.
خالد بن معدان: ٥١.
خالد بن الوليد: ١٩٣، ٣٢٧.
خباب بن الأرت: ١٤٣، ١٨٢، ١٨٣.
خديجة ابنة خويلد: ٨١، ٨٢، ١١٤، ١٢١، ١٢٣، ١٢٤، ١٣٢، ١٣٤، ١٣٥، ١٣٦، ١٣٨، ١٣٩، ١٦١، ٢٤٣، ٢٤٤، ٢٤٥، ٢٥٤، ٢٥٥، ٢٧٠.
الخطاب بن الحارث: ١٤٣.
الخطاب بن نفيل: ١١٧.
خفاف بن ايماء بن رحضه: ٢٣٣.
أبو خلدة خالد بن دينار.
خنيس بن حذافة: ١٤٣، ١٧٧، ٢٢٦، ٢٥٧.
خويلد بن أسد: ٥٤.
أبو خيثمة أخو بني حارثة: ٣٢٥.
د دانيال النبي: ٦٦.
داود بن الحسين: ٢٠٦.
داود بن زيد: ٢٩١.
داود النبي: ١٢٤.
الدجال: ٢٩٦.
دحية الكلبي: ٢٩٧.
درة بنت أم سلمة: ٢٦٠.
أم الدرداء: ١٤١.
دريس الكتابي: ٧٥، ٧٦.
دعد بنت جحدم: ٢٢٦.
ابن الدغنة: ٢٣٥.
دوس بن تبع: ٥٨.
دويد- أو دويك- سارق كنز الكعبة: ١٠٣.
ذ أبو ذر الغفاري: ١٣٨، ١٤١.
ذو البجادين عبد الله بن مزينة.
ذو رعين: ٥٧، ٥٨.
ذو غمدان: ٥٧.
أبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة ابن ذي الشفر: ٢٦٣.
ر ربعي بن قيظي: ٣٢٥.
الربيع بن أنس: ١٣٤، ١٥٩، ١٧٤، ٢٣٠، ٢٧٤.
الربيع بن الربيع: ٢٩٩.
ربيعة بن الحارث: ١٠٨.
أبو رجاء العطاردي: ١٢٣.
رزق بن الأسود: ٢٦٨.
رستم: ٢٠١.
رقية ابنة النبي: ٨٢، ١٧٦، ٢١٨، ٢٢٣، ٢٤٥.
ركانة بن عبد يزيد: ٢٧٦.
رملة ابنة أبي عوف: ١٤٣، ٢٢٥.
روزبة: ٥٨، ٥٩.
أبو الروم بن عمير: ٢٢٤، ٢٢٧.
أم رومان أم عائشة: ٢٤٤.
أبو رهم بن أبي قيس: ٢٦٦.
رياح المؤملي: ٣٠.
ريحانة ابنة عمرو: ٢٧.
ريطة بنت الحارث: ٢٢٨.
ريطة ابنة كعب: ٨٢.
ريطة بنت منيه: ٣٢٣.
ز الزبير بن عبد المطلب: ٣٢، ٣٣، ١٠٩، ١١٠، ١٥٠.
الزبير بن العوام: ١٣٣، ١٤٠، ١٧٦، ٢١٦، ٢٢٣، ٢٢٧، ٣٣٠، ٣٣٢.
زبير الكتابي: ٧٥، ٧٦.
زكريا بن أبي زائدة: ٩٨، ١٠١، ١٣٤،
٢٢٢، ٢٣٤، ٢٥٣، ٢٥٨، ٢٦٤، ٢٦٧، ٢٦٩.
زمعة بن الأسود: ١٤٤، ١٦٦، ١٩٧.
الزنيرة: ١٩١.
الزهري محمد بن مسلم بن شهاب زهير بن أبي أمية: ١٦٥، ١٦٦.
الزهيري: ٢٧٣.
زياد بن السكن: ٣٢٨.
زيد بن أسلم: ١٧٥، ٢١٠.
زيد بن ثابت: ١٣٠، ٢٩٩.
زيد بن حارثة: ١١٨، ١٣٧، ١٣٩، ٢٦٢، ٢٨٤.
زيد بن عمر بن الخطاب: ٢٤٨ زيد بن عمرو بن نفيل: ١١٥ إلى ١١٩.
زيد بن يثيع: ١٠١.
زينب ابنة جحش: ٢٦٢، ٢٦٣، ٢٦٩، ٢٧٠.
زينب ابنة الحارث: ٢٢٨.
زينب بنت خزيمة: ٢٥٨، ٢٥٩.
زينب بنت أم سلمة: ٢٦٠.
زينب بنت علي: ٢٤٧، ٢٥١.
زينب ابنة النبي: ٨٢، ٢٤٥.
س سارة أم اسماعيل: ٢٦.
سالم بن عبد الله: ٢٣٤.
سالم مولى أبي المهاجر: ١٣٦.
السائب بن الحارث: ٢٢٦.
السائب بن صيفي: ١٤٤.
السائب بن عثمان: ١٤٣، ١٧٧، ٢٢٥.
سباع بن عبد العزى: ٣٢٨.
أبو سبرة بن أبي رهم: ٢٢٤، ٢٢٥.
السري بن اسماعيل: ٩٦، ٢٨٢.
سعد بن الربيع: ٣٣٤.
سعد بن زيد الأنصاري: ٢٦٨.
سعد بن عبادة: ٢٦٠.
سعد بن عثمان: ٣٣٢.
سعد بن عياض: ٢٠٦.
سعد أخو بني عبد الأشهل: ٣٢٥.
سعد بن أبي وقاص: ١٤٠، ١٤٧، ١٩٣، ١٩٤، ٣٢٨، ٣٣٢.
سعيد بن أحمد الثوري: ٢٣٣.
سعيد بن أبي برده: ٩٦.
سعيد بن جبير: ١١٤، ١٣٥، ١٥٠، ١٩٢، ٢٠١، ٢٠٤.
سعيد بن الحارث: ٢٢٦.
سعيد حليف لبني عامر: ٢٢٥.
سعيد بن خالد: ٢٢٧.
أبو سعيد الخدري: ٩٢، ٩٣، ٢٨٠.
سعيد بن خولة: ١٧٧.
سعيد بن زيد: ١١٩، ١٤٣، ١٨٢.
سعيد بن عبد الرحمن: ٢٨٧.
سعيد بن عمرو: ٢٢٦.
سعيد بن مسروق: ٢٨٨.
سعيد بن المسيب: ١٣٤، ٢١٩، ٢٣٧، ٢٦٦، ٢٨١، ٢٨٢، ٢٩٥.
سعيد المقبري: ١٤٧، ١٩٥، ٢٦٠.
سعيد بن ميسرة: ٩٤، ٩٦.
أبو سفيان بن حرب: ١١٨، ١٤٤، ١٨٩، ١٩٠، ١٩٧، ٢٣٣، ٢٣٤، ٣٢٢، ٣٢٣، ٣٣٢ إلى ٣٣٤.
سفيان بن معمر: ٢٢٥.
السكران بن عمرو: ١٧٧، ٢٢٥، ٢٥٤.
سلمى بنت غالب: ٨٢.
سلمان الفارسي: ٨٧، ٩١، ٩٢، ١٢٤، ١٢٥، ٢٨٧.
أم سلمة بنت أبي أمية: ١٧٦، ٢١٣، ٢٢٢، ٢٢٣، ٢٦٠ إلى ٢٦٢، ٢٦٩، ٢٧٠.
سلمة بن سلامة: ٨٤.
سلمة بن أم سلمة: ٢٦٠، ٢٦١.
أبو سلمة بن عبد الأسد: ١٤٣، ١٦٤، ١٧٦، ١٧٨، ٢٢٢، ٢٢٣.
أبو سلمة بن عبد الرحمن: ٢٦٠، ٢٨١، ٢٨٢ سلمة بن كهيل: ٩٦.
سلمة بن هشام: ١٧٦، ٢٧٣.
أبو سلمة الهمذاني: ٢٦٢، ٢٦٩.
سليط بن سليط: ١٧٧.
سليط بن عمرو: ١٤٣، ١٧٧، ٢٢٥.
سليمان الأعمش: ٢٥٧، ٢٦٥.
سماك بن حرب: ٧٩، ٢٠٥، ٢٦٩، ٢٩١، ٢٩٧.
أبو دجانة سماك بن خرشة: ٣٢٦ إلى ٣٢٨.
سمية أم عمار: ١٩٢.
سمرة بن جندب: ٣٣٥.
سنان بن اسماعيل: ٢٣٨.
سهلة ابنة سهيل: ١٧٦، ٢٢٣.
سهيل بن بيضاء: ١٧٧، ٢٢٤، ٢٢٦.
سهيل بن عمرو: ٢٥٤.
سودة بنت زمعة: ١٧٧، ٢٢٥، ٢٥٤، ٢٥٥، ٢٦٩.
سويبط بن سعد: ٢٢٤.
ش شرحبيل بن حسنة: ٢٢٥.
أم شريك الدوسية: ٢٦٩، ٢٨٤.
شداد بن الأسود: ٣٣٢.
شعيب بن الحبحاب: ٢٦٥.
شماس بن عثمان: ٢٢٥.
شمر بن عطية: ٢٧٨.
شهر بن حوشب: ٢٨٠.
شيبة بن ربيعة: ١٤٤، ١٤٨، ١٩٧، ٢١١، ٢٣٦.
شيبة بن عثمان بن عبد الدار: ٦٢.
شيبة بن هاشم عبد المطلب بن هاشم.
الشيماء حذافة ابنة الحارث.
ص صالح بن إبراهيم: ٨٤، ٢٢٢، ٣٣١.
صالح بن كيسان: ١٣٦، ١٩٣، ١٩٤، ٣٣١.
صالح النبي: ٩٥، ١١٥.
صرمة بن قيس: ٢٩٨.
صفية ابنة حيي: ٢٦٤ إلى ٢٦٦.
صفية بنت عبد المطلب: ٦٧، ١٤٧، ١٥٦، ٣٣٥.
صفوان بن أمية: ٣٢٢، ٣٢٣.
صهيب بن سنان الرومي: ١٤٤، ٢٨٧.
ض الضحاك بن مزاحم: ٢١٢.
ضرار بن عبد المطلب: ٣٢.
ط أبو طالب بن عبد المطلب: ٣٢، ٣٣، ٣٥، ٦٩، ٧٣، ٧٥، ٧٦، ٧٧، ٧٨، ١٣٧، ١٤٦ إلى ١٥٠، ١٥٢، ١٥٤، ١٥٥ إلى ١٦٢، ١٦٤، ١٦٦، ١٦٧، ١٧٤، ٢٠٨، ٢١١، ٢٢١، ٢٢٢، ٢٣٣، ٢٣٦ إلى ٢٣٩، ٢٤٣، ٢٥٤.
الطاهر بن النبي: ٨٢، ٢٤٥.
طعيمة بن عدي: ٣٢٣.
الطفيل بن الحارث: ٢٥٨.
طلحة بن أبي صالح: ٢٧٩ طلحة بن عبيد الله: ١٤٠، ٣٣٠، ٣٣٢.
طلحة بن يحيى: ١٥٥.
طليب عمير: ١٧٦، ٢٢٤، ٢٢٧.
الطيب بن النبي: ٨٢، ٢٤٥.
ع عاتكة ابنة عبد العزى: ٨٢.
عاتكة بنت عبد المطلب: ٦٧، ١٦٥، ١٩٩.
عاصم بن ثابت: ٣٢٩.
عاصم الجحدري: ٢٧٢.
عاصم بن عمر بن قتادة: ٨٤، ٨٥، ٨٧، ٩٢، ٢٤٨، ٣٢٢، ٣٢٨، ٣٣٢.
أبو العاصي بن الربيع: ٢٤٦.
العاصي بن سعيد: ١٤٤، ٢٣٦.
أبو العاصي بن هشام: ١٤٤.
العاصي بن وائل: ١٤٤، ١٤٨، ١٦٨، ١٨٥، ١٩٧، ٢٧٢، ٢٧٣.
عاقل بن البكير: ١٤٤.
أبو العالية الرياحي: ٦٦، ١٣٤، ١٧٤، ٢٨٦، ٢٩٦.
عامر بن البكير: ١٤٤.
عامر بن ربيعة: ١٤٣، ١٨١، ٢٢٣.
عامر الشعبي: ١٣٤، ٢٢٢، ٢٣٤، ٢٥٣، ٢٥٨، ٢٦٢، ٢٦٤، ٢٦٧، ٢٦٩، ٢٨٢، ٢٨٧، ٢٩١، ٢٩٧، ٢٩٩.
عامر بن عبد الله بن الجراح أبو عبيدة ابن الجراح.
عامر بن عائذ: ١٠٤.
عامر بن فهيرة: ١٤٤، ١٩١.
عامر بن كريز بن ربيعة: ٦٧.
عامر بن أبي وقاص: ٢٢٨.
عائذ بن عمير: ٩٤.
عائشة أم المؤمنين: ٦٥، ٩٧، ٩٩، ١٢٠، ١٣٢، ١٣٦، ١٤٢، ١٤٣، ١٤٦، ١٩٥، ٢٠٦، ٢١٦، ٢١٩، ٢٣٥، ٢٤٣، ٢٤٤، ٢٥٥ إلى ٢٥٧، ٢٦٣، ٢٦٩، ٢٧٠، ٢٧٢، ٢٩٥، ٢٩٧.
عائشة بنت الحارث: ٢٢٨.
عباد بن حنيف: ٢١٠.
عباد بن عبد الله بن الزبير: ١٠٦، ٢٢٦، ٢٥٦.
عباد بن منصور: ١٤٧، ٢٤٦.
العباس بن عبد الله: ٦٥، ٢٣٨.
العباس بن عبد المطلب: ٣٢، ٣٤، ٦٨، ٧٩، ١٣٨، ١٤٦.
ابن أم عبد عبد الله بن مسعود.
عبد الأعلى بن المساور: ٢٨٤، ٢٨٧.
عبد الحميد بن بهرام: ٢٨٠.
عبد الرحمن الأعرج: ١٠٨، ٢٨١.
عبد الرحمن بن أمين: ٢٩٢.
أبو عبد الرحمن الجهني: ٢٨٣.
عبد الرحمن بن الحارث: ١٨١، ٢٦٠.
عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي:
٩٦، ١٤٢، ١٨٥، ١٨٦، ٢٨٦، ٢٩٧.
عبد الرحمن بن عوف: ١٤٠، ١٧٦، ٢٢٢، ٢٢٣، ٢٢٤، ٢٧٠.
عبد الرحمن بن قاسم: ١٣٠.
عبد الرحمن بن يزيد: ٢٨٢.
عبد العزى بن عبد المطلب أبو لهب عبد العزيز بن عبد الله: ١٨١.
عبد الكريم أبو أمية: ٩٦.
عبد كلال: ٥٧، ٥٨.
عبد الله بن أبي: ٢٤، ٣٢٤.
عبد الله بن الأرقم: ١٤٣.
عبد الله بن أمية: ١٩٧.
عبد الله بن أبي أمية: ١٩٩، ٢٣٨ عبد الله بن أوفى: ٢٤٣، ٢٨٣.
عبد الله بن بريدة: ١٣٨.
عبد الله بن أبي بكر بن حزم: ٦٥، ٦٦، ٩٨، ١١١، ٢٦١، ٢٧٠.
عبد الله التميمي: ١٧٤.
عبد الله بن الثامر: ٦٦.
عبد الله بن جبير: ٣٢٦.
عبد الله بن جحش: ١١٥، ١٤٣، ١٧٦، ٢٢٧، ٢٦٢.
عبد الله بن حدعان: ١٧١.
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: ٤٨، ٢٢٦، ٢٤٤، ٢٥١.
أبو عبد الله الجعفي: ٢٤٥.
عبد الله بن الحارث بن شجنة: ٤٨، ٢٢٦.
عبد الله بن الحارث السهمي: ٢٢٩.
عبد الله بن الحارث بن عبد العزى: ٤٨.
عبد الله بن الحارث بن نوفل: ١٤٥.
عبد الله بن الحسن: ١٣٤، ٢٢٠، ٣٢٢، ٣٢٦، ٣٣٠، ٣٣١.
عبد الله بن أبي ربيعة: ١٥٩، ١٦٩، ٢١٣، ٢١٤، ٢١٥، ٣٢٢.
عبد الله بن الزبير: ١٠٦، ٣٢٦.
عبد الله بن زيد الانصاري: ٢٩٨.
عبد الله بن سفيان: ٢٢٥.
عبد الله بن سهيل: ٢٢٥.
عبد الله بن شداد: ٢٦١.
عبد الله بن صفوان: ١٠٤.
عبد الله بن عامر: ١٨١.
عبد الله بن عباس: ٥٦، ٦٥، ٧٩، ٨٧، ٨٨، ٩٦، ١١٣، ١١٤، ١٣١، ١٣٥، ١٤٥، ١٤٧، ١٥٠، ١٨٥، ١٩٢، ١٩٧، ٢٠١، ٢٠٤، ٢٠٦، ٢١٠، ٢١٢، ٢٣٨، ٢٦٦ إلى ٢٦٩، ٢٧٠، ٢٩٩، ٣٣٥.
عبد الله بن عبد الأسد: ٢٦٠.
عبد الله بن عبد الله الأزدي: ٢٦٥.
عبد الله بن عبد المطلب: ٣٢ إلى ٣٥، ٣٧ إلى ٣٩، ٤٢ إلى ٤٤، ٤٦، ٦٩، ٧٥، ١٥٠، ٢٥٥.
عبد الله بن عثمان: ٢٤٥.
عبد الله بن عمر: ٩٧، ١٨٤، ٢١٩، ٢٢٠، ٢٥٧، ٢٩١، ٢٩٦.
أبو عامر عبد عمرو بن صفي الراهب:
٣٢٦.
عبد الله بن عمرو: ٩٥، ١٠٠، ٢٢٩.
عبد الله بن عمرو بن حرام: ٣٢٥.
عبد الله بن عون: ٦٥، ١٩٢.
عبد الله بن كعب: ٣٣٠.
عبد الله بن محرز: ٢٦٦، ٢٦٧.
عبد الله بن مخرمة: ٢٢٥.
عبد الله بن مزينة: ٢٩٣.
عبد بن مسغود: ١٤٣، ١٧٦، ١٨٥، ١٨٦، ٢١١، ٢٢٥، ٢٩٩.
عبد الله بن مظعون: ١٤٣.
عبد الله بن أبي مليكة: ١٠٠.
عبد الله بن أبي نجيح: ١٠٤، ١٣٧، ٢٤٦، ٢٧٢.
عبد المطلب بن الحارث: ٢٢٠.
عبد المطلب بن هاشم: ٢٣ إلى ٢٧، ٣٢ إلى ٤٠، ٤٢، ٤٤، ٤٥ إلى ٤٧، ٦٢ إلى ٦٩، ١٠٨، ٢٣٨.
عبد الملك بن أبي بكر: ٢٦١.
عبد الملك بن أبي سفيان: ١٩٥.
عبد الملك بن عبد الله: ١٢٠.
عبد الملك بن مروان: ٢٥١.
عبد مناف بن عبد المطلب أبو طالب ابن عبد المطلب.
عبد الواحد بن أيمن: ٢٤٤.
عبيد بن عبد يغوث: ١٤٤.
عبيد بن عتبة: ١٢٤.
عبيد بن عمير: ٦٥.
عبيدة النصري: ١٢٤.
أبو عبيدة بن الجراح: ١٤٢، ١٧٧، ١٩٢، ٢٢٦.
أبو عبيدة بن الحارث: ١٤٣.
أبو عبيدة بن حذيفة: ٢٨٧.
عبيد الله بن أبي ثور: ١٩٥.
عبيد الله بن جحش: ٢٥٩.
عبيد الله بن عبد الله: ١١٣.
أم عبيس: ١٩١.
عتاب بن أسيد: ١٠٠.
عتاب البكري: ٩٢.
عتبة بن ربيعة: ١٤٤، ١٤٨، ١٩٧، ٢٠٦، ٢٠٧، ٢١١، ٢٣٠، ٢٣٦.
عتبة بن غزوان: ١٧٦، ٢٢٤.
عتبة بن مسعود: ٢٢٥، ٢٢٨.
عتيق بن عائذ: ٢٤٥.
عتيق بن أبي قحافة أبو بكر الصديق.
عتبة بن أبي وقاص: ٣٢٨، ٣٣٢.
أبو عتيق: ٩١.
عثمان بن الحارث: ١١٥.
عثمان بن حنيف: ٣٢٦.
عثمان بن ربيعة: ٢٢٥.
عثمان بن أبي سليمان: ٩٨، ١١١.
عثمان بن عفان: ٦٧، ١٤٠، ١٧٦، ١٩٣، ٢١٨، ٢٢٢، ٢٢٣، ٢٤٥، ٢٥١، ٣٣٢.
عثمان بن كعب: ٢٦٨.
عثمان بن مظعون: ١٤٣، ١٦٤، ١٧٧، إلى ١٧٩، ٢٢٣، ٢٢٥، ٢٩٩.
عدي بن جبر: ١٤٤.
عدي بن حاتم: ٢٨٧، ٢٨٨.
عروة بن الزبير: ٩٥، ٩٧، ١١٧، ١٢٠، ١٣٢، ١٣٦، ١٨٦، ١٩٥، ٢٠٦، ٢١٦، ٢١٧، ٢١٩، ٢٢٩، ٢٣٥، ٢٣٩، ٢٤٣، ٢٥٥، ٢٦٣، ٢٦٩، ٢٧٥.
عروة بن مسعود: ٢٩٧.
العزى: ٧٤، ٧٥، ١٣٧، ١٩١، ١٩٢، ١٩٣.
أبو عزيز بن عمرو بن عبد الله الجمحي: ٣٢٣.
عطاء بن جابر: ٩٤، ٢٧٠.
عطاء الخراساني: ٢٤٩.
عطاء بن أبي رباح: ٩٥، ٩٨، ٩٩، ٢٤٦، ٢٦٧، ٢٨٤.
عطية العوفي: ٩٦.
عقبة بن أبي معيط: ١٤٤، ٢٠١، ٢٠٢، ٢١١.
عقبة بن عثمان: ٣٣٢.
عقيل بن أبي طالب: ١٥٥.
عكاشة بن عبد الله: ٢٧٣.
عكرمة بن عامر: ١٠٧.
عكرمة مولي ابن عباس: ٥٦، ٧٩، ١٤٧، ١٥٠، ١٨٥، ١٩٧، ٢٠٦، ٢١٠، ٢٦٨، ٢٦٩، ٢٩٧.
عكرمة بن أبي جهل: ٣٢٢.
عكرمة بن هاشم: ١٥٦.
علقمة بن أبي وقاص: ٢٢٤.
علي بن حسين: ١١٣، ٢٤٩.
علي بن أبي طالب: ٧٩، ٩٦، ١٠١، ١٣٧، ١٣٨، ١٣٩، ١٤١، ١٤٥، ١٩٤، ٢٠٥، ٢٢٠، ٢٣٩، ٢٤٤، ٢٤٤، ٢٤٦ إلى ٢٤٨، ٢٥٠، ٢٥٣، ٢٧١، ٢٩٣، ٢٩٧، ٣٢٧، ٣٢٩، ٣٣٠، ٣٣١، ٣٣٤.
علي بن أبي العاصي: ٢٤٦.
علي بن عبد الله: ٢٥١.
علي بن عبد الله بن عباس: ٢٥١، ٢٨٦.
عمار بن ياسر: ١٤٤، ١٧٧، ٢٢٨، ٢٩٢.
أبو عمارة حمزة بن عبد المطلب.
عمارة بن زياد: ٣٢٨.
عمارة بن عمير: ٢٨٢.
عمارة بن الوليد: ١٥٢، ١٦٧، ١٦٨، ٢١١.
عمر بن الخطاب: ٢٩، ٣٠، ٣١، ٦٦، ٩٦، ٩٨، ١١٩، ١٣١، ١٤٣، ١٦٩، ١٨١، ١٨٢، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٥، ١٩٥، ٢١١، ٢٢٦، ٢٣٦، ٢٣٧، ٢٤٨، ٢٤٩، ٢٥٣، ٢٥٧، ٢٧٢، ٢٧٩، ٢٨١ إلى ٢٨٣، ٢٨٨، ٢٩٣، ٢٩٤، ٣٩٨، ٣٢٦، ٣٣٠، ٣٣٢، ٣٣٣، ٣٣٤
عمر بن ذر: ١٣٥، ١٤٧.
عمر بن أم سلمة: ٢٦٠.
عمر بن شرحبيل: ١٣٢ عمر بن عبد العزيز: ٩٢، ١٠٨، ١٣٦.
عمران بن رئاب: ٢٢٦.
عمرة ابنة عبد الرحمن: ٦٥ عمرة بنت السعدي: ٢٢٥ عمرة ابنة يزيد: ٢٦٧.
عمرو بن أمية الثقفي: ١١٣.
عمرو بن أمية الضمري: ٢٢٣، ٢٥٩.
عمرو بن ثابت: ٧٩، ٢٠٥.
عمرو بن جهم: ٢٢٤، ٢٢٧.
عمرو بن الحارث: ١٧٧.
عمرو بن الزبير: ٢٢٧.
عمرو بن سعيد: ٢٢٧.
عمرو بن أبي شريح: ١٧٧.
عمرو بن الطلاطلة: ١٤٤.
عمرو بن العاصي: ١٥٩، ١٦٧ إلى ١٦٩، ٢١٣ إلى ٢١٥، ٢٤٥، ٣٢٣.
عمرو بن عبيد: ٢٥٣.
عمرو بن عثمان بن كعب: ٢٢٨.
عمرو بن مرة: ١٤٢، ١٩٥، ٢٩٧.
عمرو بن ميمون: ٦٨، ٢١١ عمرو بن نفيل: ١١٧.
عمرو بن هشام أبو جهل.
عمير بن أبي وقاص: ١٤٣.
عنبسة بن الأزهر: ٢٦٩، ٢٨٨، ٢٩٧.
عون بن جعفر: ٢٤٩، ٢٥٠.
عياش بن أبي ربيعة: ١٤٣، ١٧٦، ٢٧٣.
عياض بن زهير: ٢٢٦.
عياض بن صبغاء: ٢٩.
العيزار بن حريث: ١٤٢، ١٩٣، ٢٠٩.
عيسى بن عبد الله التميمي: ١٣٤، ١٥٩، ٢٠٦، ٢٣٠، ٢٧٢، ٢٧٤.
عيسى بن مريم: ٥١، ٦٦، ٩٢، ١٣٣، ١٩١، ٢١٥، ٢٢٢، ٢٧٤، ٢٩٥، ٢٩٧.
العيطالجة السهمية: ١١٢.
ف فاطمة ابنة الحسين: ١٣٤، ٢٢٠.
فاطمة بنت الخطاب: ١٤٣.
فاطمة ابنة زيد بن الأصم: ٨٢.
فاطمة بنت صفوان: ٢٢٧.
فاطمة بنت عمرو: ٣٣، ١٥٠.
فاطمة ابنة المحجل: ٢٢٥.
فاطمة ابنة النبي: ٨٢، ١٤٧، ٢١١، ٢٤٤ إلى ٢٤٦، ٢٤٨، ٢٥٠.
فاطمة ام النعمان بن عمرو: ١١٣.
فائد بن عبد الرحمن: ٢٤٣، ٢٨٣.
فراس بن النضر: ٢٢٤.
الفضل بن عباس: ٢٦٦، ٢٦٧.
فضيل الأعور: ٢٩٦.
فطر بن خليفة: ٢٧٢.
فكيهة بنت يسار: ١٤٣، ٢٢٥.
فلانة ابنة حرب: ٨٢.
فلانة ابنة سعيد: ٨٢.
فليح الكندي: ٢٣٢.
ق قارون: ٢٠٩.
القاسم بن الفضل: ٢٧٩.
القاسم بن عبد الرحمن: ٣٣٠.
القاسم بن النبي: ٨٢، ٢٤٥.
أم قبال ابنة نوفل: ٤٣.
قبيصة بن ذؤيب: ٢٢٢.
قتادة بن النعمان: ٣٢٨.
قحافة- أبو أبي بكر: ١٩٢.
قدامة بن مظعون: ١٤٣، ١٧٧، ٢٢٥.
قرة بن خالد: ١٣٠، ٢٨٨.
قصي بن كلاب: ١٩٨.
ابن قميئة الليثي: ٣٢٩، ٣٣٤.
أبو قيس بن الأسلت: ١٤٤.
أبو قيس بن الحارث: ٢٢٦.
قيس بن الربيع: ٦٥، ٨٦، ٩٧، ٢١٢، ٢٣٨، ٢٩١.
أبو قيس بن الفاكه: ١٤٤.
قيس بن مخرمة: ٤٨.
قيلة ابنة حذافة: ٨٢.
قيصر: ٥٨، ١٣٨.
ك كريز بن ربيعة: ٦٧.
كسرى: ١٣٨، ٢٨٨.
كعب الأحبار: ٦٦، ٩٥، ١٤١.
كعب بن الأشرف: ٢٩٩.
كعب بن مالك: ٣٣٠.
أم كلثوم ابنة أبي بكر: ٢٣٠.
أم كلثوم ابنة سهيل: ٢٢٥.
أم كلثوم ابنة علي: ٢٤٧ إلى ٢٥٠.
أم كلثوم ابنة النبي: ٨٢، ٢٤٥ ل اللات: ٧٤، ٧٥، ٣٧، ١٣٧، ١٩١ إلى ١٩٣.
لبابة ابنة الأسود: ٢٦٨.
لبيد بن ربيعة: ١٧٩.
أبو لهب: ٣٢، ١٢٨، ١٤٤، ١٤٦، ١٥٠، ١٥٦، ٢٣٢.
ليلى ابنة أبي حثمة: ١٧٧، ٢٢٣.
ليلى أم عبد الله بن عامر: ١٨١.
م مارية القبطية: ٢٧، ٢٧١.
مالك بن أهيب: ٢٢٤.
مالك بن عمرو: ٣٢٤.
مالك بن ربيعة: ٢٢٥.
مالك بن مغول: ٢٧٩، ٢٨٢.
المبارك بن فضالة: ٢١٢، ٢٣٠، ٢٧١، ٢٧٥، ٢٧٩.
مجاهد: ٩٤، ٩٥، ٩٧، ١٣٧، ١٤٧، ٢٠٦.
محارب بن فهر: ٨٢.
محسن بن علي: ٢٤٧.
محمد بن ابراهيم: ٢٩٣.
محمد بن أبي أنيسة: ٢٣٧.
محمد بن ثابت: ١٤١.
محمد بن جبير بن مطعم: ١٤٢.
محمد بن جعفر بن الزبير: ١١٩، ٢٥٠، ٢٦٣، ٣٣٥.
محمد بن أبي حذيفة: ١٧٦، ٢٢٣.
محمد بن أبي حميد: ٢٠٩.
محمد بن سيرين: ٦٥، ١٩٢، ٢٨٧.
محمد بن طلحة: ٢٧٠.
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله: ١١٩، ١٣٩، ٢٧٠.
محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المازني: ٣٣٤.
محمد بن عبد الله بن قيس: ٧٩.
محمد بن عبد الله- رسول الله-: ٤٥، ٤٨، ٥١، ٧٣، ٧٥ إلى ٧٩، ٨١ إلى ٨٣، ٨٦، ٩٠، ٩٦، ٩٨ إلى ١٠٠، ١٠٨ إلى ١١٠، ١١٣، ١١٨، إلى ١٢٤، ١٢٩، ١٣٠، ١٣٢، ١٣٤، ١٣٥، ١٣٧ إلى ١٣٩، ١٤١، ١٤٢، ١٤٤ إلى ١٥١، ١٥٦، ١٦٠، ١٧١، ١٧٤، ١٧٧، ١٧٨، ١٨١، ١٨٣، ١٨٤، ١٨٦، ١٩٠، ١٩٣ إلى ١٩٥، ١٩٧ إلى ٢٠٠، ٢٠٣ إلى ٢٠٧، ٢٠٩ إلى ٢١٣، ٢١٩، ٢٢٦، ٢٢٨ إلى ٢٣٠، ٢٣٢ إلى ٢٣٦، ٢٣٨، ٢٣٩، ٢٤٣، ٢٤٦، ٢٤٧، ٢٤٩، ٢٥٠، ٢٥٣ إلى ٢٦٨، ٢٧١ إلى ٢٧٣، ٢٧٥، ٢٧٦، ٢٧٨ إلى ٢٨٢، ٢٨٤، ٢٨٦، ٢٨٧، ٢٨٩، ٢٩١، ٢٩٢، ٢٩٥، ٢٩٧، ٣٢١ إلى ٣٣٦.
محمد بن علي بن الحسين: ١٠٨، ١٣٠، ٢٤٥، ٢٤٩، ٢٥١، ٢٩٢.
محمد بن عمرو: ٢٨٤، ٣٢٨.
محمد بن فضيل: ١٣١.
محمد بن قيس: ٩٧، ١٥٢، ٢٣٠.
محمد بن كعب: ١٩٣، ١٩٤، ٢٠٦، ٢٧٤، ٣٣٥.
محمد بن أبي محمد: ١٥٠، ٢٩٩.
محمد بن مسلم بن شهاب الزهري:
١١٣، ١٢٠، ١٣٢، ١٤٢، ١٨٩، ١٩٥، ٢١٢، ٢١٦، ٢١٩، ٢٢٠، ٢٢٢، ٢٣٢، ٢٣٥، ٢٣٧، ٢٧٢، ٢٨١، ٢٨٢، ٢٩٢، ٢٩٥، ٢٩٩، ٣٢٢، ٣٣٠.
محمد بن المنكدر: ٢٠٩.
محمد بن يحيى بن حيان: ٣٢٢.
محمود بن لبيد: ٨٤، ٨٧، ٣٣٢.
محمية بن جزء: ٢٢٦.
مروان بن الحكم: ٢٥١.
مريم ابنة عمران: ٢٤٤.
مزيد بن عبد الله: ٢٨٣.
مسافع بن طلحة: ٣٢٩.
مسعر بن كدام: ٢٣١.
مسعود بن القاري: ١٤٣.
مسلم بن صبيح: ١٩٣.
مسلمة بن عبد الله: ٩٦.
مصعب بن عمير: ١٧٦، ١٩٣، ١٩٤، ٢٢٣، ٣٢٩.
المطالب بن أزهر: ١٤٣.
مطعم بن عدي: ١٥٢، ١٥٣، ١٦٢، ١٦٥، ١٨٦.
المطلب بن أزهر: ٢٢٥.
المطلب بن عبد الله: ٤٨.
معاذ بن جبل: ٢٩٧، ٢٩٨.
معاوية بن أبي سفيان: ٢٥١.
معتب بن عوف: ١٧٧، ٢٢٥ أبو معشر المديني: ٩٧، ١٥٢، ١٩٥، ٢٣٠، ٢٦٠، ٢٧٤.
معمر بن الحارث: ١٤٣، ٢٢٦.
معيقب بن أبي فاطمة: ٢٢٧.
المغيرة بن شعبة: ٢١٠.
المغيرة بن عبد الله بن عمرو: ٣٤، ٣٥، ٦٤.
المغيرة بن نوفل: ٢٤٦.
المقداد بن الأسود: ١٧٦، ٢٢٥.
المقوم بن عبد المطلب: ٣٢.
مكحول: ١٣٠.
مناة: ٩٩.
منبه بن الحجاج: ١٤٨، ١٩٧.
منصور بن إبراهيم: ١١٢.
منصور بن أبي رزين: ٢٦٩.
منصور بن عكرمة: ١٦٧.
المنهال بن عمرو: ٢٧٧.
المهاجر بن عكرمة: ٢٥٣.
موثر بن غفاره: ٢٩١.
أبو موسى الأشعري: ٩٦، ١٤٢.
موسى بن الحارث: ٢٢٨.
موسى بن طلحة: ١٥٥.
موسى النبي: ٩٦، ١١٥، ١٢٢، ١٢٤، ١٣٣، ١٥٧، ١٩١، ٢٠٩، ٢١٠، ٢١٥، ٢٢٢، ٢٧٤، ٢٩٣، ٢٩٥، ٢٩٧.
ميسرة غلام خديجة: ٨١، ١١٤.
ميكائيل: ١٢٣.
ميمون بن مهران: ١٣٦، ٢٦٦.
ميمونة بنت الحارث: ٢٦٦، ٢٦٧، ٢٦٩.
ن ناجيه بن كعب: ٢٣٩.
نافع بن جبير: ٩٨، ١١١.
نائلة: ٢٤.
نبيه بن الحجاج: ١٤٨، ١٩٧.
نجاح العرافة: ٣٦.
نجاشي الحبشة: ٥٨، ٦٠، ١٥٩، ١٦٩، ٢١٤، ٢١٦، ٢١٨، ٢١٩، ٢٢١، ٢٢٨، ٢٥٩.
ابن أبي نجيح: ١٠٠.
أبو نجيح: ٢٤٤.
النحام نعيم بن عبد الأسد.
النضر بن الحارث: ١٩٧، ٢٠٠ إلى ٢٠٢.
أبو نضرة العبدي: ٢٧٩.
أبو نضر أبو عمر: ١٨٥.
النعمان بن ثابت: ٢٥٤، ٢٦١.
النعمان بن عمرو: ١١٣.
نعيم بن عبد الأسد: ١٤٤، ١٨١.
نفيل الهذلي: ٦٢، ٦٤.
نفيل بن هشام: ١١٨.
النهدية: ١٩١.
نوح النبي: ٩٥، ١٣٤.
أبو نيزر بن النجاشي: ٢٢٠.
هـ هاجر أم إسماعيل: ٢٦، ٩٨.
هالة بنت عبد مناف: ٨٢.
أبو هالة النباشي: ٢٤٥.
هانىء بن هانىء: ٢٤٧.
هبار بن سفيان: ٢٢٥.
هبل: ٢٣، ٣٢، ٤٠، ٤٥.
الهرمزان: ٦٦.
أبو هريرة: ١٤٧، ٢١٩، ٢٨١، ٢٨٢، ٢٨٤، ٢٨٦.
هزان بن سعيد: ٢٨٦.
هشام بن أبي حذيفة: ٢٢٥.
هشام بن سعد القرشي: ٢٤٩.
هشام بن سعيد: ١٧٤، ٢١٠.
هشام بن سنبر: ٢٥٣.
هشام بن العاصى: ١٧٧، ٢٢٦.
هشام بن أبي عبد الله: ٢٦٥.
هشام بن عروة: ٩٧، ٩٩، ١١٦، ١٢٤، ١٣٣، ١٣٥، ١٣٦، ١٤٦، ١٩٠، ١٩١، ١٩٥، ٢٠٦، ٢٣٩، ٢٤٣، ٢٤٤، ٢٥٥، ٢٦٩، ٢٧٥.
هشام بن عمرو: ١٦٢، ١٦٥.
هشام بن الوليد: ٢٧٣.
هند بنت أثاثة: ٣٣٣.
هند بنت أبي أمية أم سلمة.
هند بنت عتبة: ٢٢٨، ٣٢٣، ٣٢٧، ٣٣٣.
الهندية: ١٩١.
ابنة الهندية: ١٩١.
هود النبي: ٩٥، ١١٥، ١٣٤.
ابن الهيبان: ٨٥، ٨٦.
وواقد بن فائد: ١٤٤.
واقد بن محمد: ٢٤٨.
وحشي غلام جبير بن مطعم: ٣٢٣، ٣٢٤، ٣٢٩.
ورقة بن نوفل: ٤٢، ٤٣، ١١٤ إلى ١١٦، ١١٩، ١٢٢، ١٢٣، ١٣٢، ١٣٣، ١٩٠.
وقاص بن أبي وقاص: ٢٢٤.
أبو وقاص مالك بن أهيب الوليد بن عتبة: ٢١١.
الوليد بن المغيرة: ١٠٤، ١٠٥، ١١٠، ١٤٤، ١٤٨، ١٥٠، ١٥١، ١٥٩، ١٧٨، ١٧٩، ١٨٤، ١٩٧، ٢٧٣.
أبو الوليد عتبة بن ربيعة.
وهب بن سنان: ٩٤.
أبو وهب بن عبد المطلب: ١٠٣.
وهب بن عبد مناف بن زهرة: ٤٢، ١٠٥، ١٠٧.
وهب بن عقبة: ٩٦.
وهب بن كعب: ١٢٤.
ي يحيى بن أبي الأشعث: ١٣٧.
يحيى بن أبي أنيسة: ١٠٠، ٢٨١، ٢٨٢.
يحيى بن جعدة: ٥١.
يحيى بن أبي حية: ٢٩١.
يحيى بن سلمة: ٩٤.
يحيى بن عباد: ١٠٦، ٢٢٦، ٢٥٦، ٣٢٧، ٣٣٢.
يحيى بن عبد الله: ٨٤.
يحيى بن عروة: ١٨٦، ٢٢٩.
يحيى بن أبي كثير: ٢٥٣.
يزيد بن الأصم: ٢٦٦.
يزيد بن أبي حبيب: ٩٢، ٢٨٣.
يزيد الرقاشى: ٩٦، ٢٣٨.
يزيد بن ركانة: ٢٧٠.
يزيد بن رومان: ٢١٧، ٢١٩، ٢٧٣.
يزيد بن زياد: ١٩٣، ١٩٤، ٢٠٦، ٢٣٢، ٢٧٢.
يزيد بن عبد الله: ٢٨٨.
يعقوب بن عتبة: ٦٥، ١١٣، ١٥٤، ٢٣٤.
يعلى بن مرة: ٢٧٧.
أم يقظة بنت علقمة: ١٧٧.
أبو يكسوم أبرهة الأشرم.
يوسف بن صهيب: ١٤١، ١٣٨.
يوسف بن ميمون: ٩٨، ٩٩، ٢٨٩.
يونس الايلي: ٢٢٠.
يونس بن عمرو: ١١٤، ١٢٤، ١٣٢، ١٤٢، ٢٠٦، ٢٠٩، ٢١١، ٢٣٣، ٢٣٤، ٢٣٩، ٢٤٧، ٢٦٠، ٢٨٩.
يونس بن أبي مسلم: ٨٦.
يونس النبي: ١٣٦، ١٩١.
أعلام الجماعات
أالأحابيش: ٢٣٥، ٣٢٣، ٣٢٦.
أحبار اليهود: ٢٠١، ٢٠٢، ٢٠٤.
بنو اراش: ١٩٥.
بنو أسد بن خزيمة: ١٠٥، ١٩٧، ٢٠٥، ٢٢٧، ٢٥٩، ٢٦٢.
بنو أسد بن عبد العزى: ٤٢، ١٧٦، ٢٢٣، ٢٢٧.
بنو إسرائيل: ٢٠٩.
بنو أسلم: ١٧١، ٢٨٠.
بنو إسماعيل: ٢٣، ٤٣.
الأشعريون: ٦١ إلى ٦٤.
بنو أمية: ١٧٦، ١٩٠، ٢٢٣، ٢٢٧.
الأنصار: ١١٣، ٢٥٥، ٢٧٨.
الأوس: ٥٢.
ب بنو بكر: ٢٨.
بنو بكر من بني الأشجع: ١٩٢.
بنو بهراء: ٢٢٥.
ت بنو تميم: ٤٨، ١٤٤، ٢٢٦.
بنو تيم: ١٠٥، ١٥٣، ١٥٧، ٢٢٨.
ث بنو ثعلبة بن يربوع: ٢٣٣.
ثقيف: ٦٢، ١١٣.
ثمود: ٢١١، ٢٧٤.
ج جرهم: ٢٣، ٢٤، ٥٤.
بنو جمح: ١٧٧، ١٩٠، ٢٢٣، ٢٢٥، ٢٦٤.
ح بنو الحارث بن عبد مناة: ٢٣٥.
بنو الحارث بن فهر: ١٧٧، ٢٢٤.
بنو حارثة: ٣٢٥.
الحبشة: ١٧٤، ١٧٦، ١٨١، ٢١٣، ٢١٦، ٢١٨، ٢٢٢، ٢٥٤، ٢٥٩.
الحمس: ٦١، ٩٨، ٩٩، ١٠١، ١٠٢.
حمير: ٥٥ إلى ٥٩.
خ خثعم: ٦١، ٦٣، ٦٤.
خزاعة: ١٠٢، ١٠٣، ١٢٠، ١٤٤، ١٧٧، ٢٧٣.
الخزرج: ٥٢، ٣٣٤.
د دوس: ٢٨٤، ٢٨٦.
بنو الدئل: ١٨٥.
ر ربيعة: ٢٠٩.
الروم: ١٠٤، ٢٠٩، ٢٨٧.
ز بنو زبيد: ٢٢٦.
بنو زهره: ٤٢، ١٠٥، ١٤٣، ١٧٦، ١٨٢، ٢٢٣، ٢٢٨، ٢٥٣.
بنو زهير بن أقيش: ٢٨٩.
س بنو سعد بن بكر: ٢٣٤.
بنو سعد بن ليث: ١٤٤.
بنو سعد بن هزيم: ٢٤، ٢٥، ٤٩، ٥١.
بنو سليم: ٦١.
بنو سهم: ١٠٥، ١١٢، ١٧٧، ٢٢٦، ٢٥٧.
ش شنؤة: ٢٩٦.
ص بنو صبغاء: ٢٩، ٣٠.
ع عاد: ٢١١، ٢٢٩.
بنو عامر بن لؤي: ١٤٣، ١٤٤، ١٧٧، ٢٢٣ إلى ٢٢٥، ٢٦٦.
بنو عبد بن قصي: ١٧٦، ٢٢٤، ٢٢٧.
بنو عبد الأشهل: ٨٤.
بنو عبد الدار: ١٠٥، ١٠٧، ١٧٦، ١٩٧، ٢٢٣، ٢٢٤، ٢٢٧، ٢٤٥.
بنو عبد شمس: ١٥٠، ١٥٣، ١٥٧.
بنو عبد القيس: ٩٢، ٢٩١.
بنو عبد الله من كلب: ٢٣٢.
بنو عبد المطلب: ١٤٦، ١٤٧، ١٥٩، ٢٠٧، ٢٣٢، ٢٣٧، ٢٩٣.
بنو عبد مناف: ٣٨، ٦٩، ١٠٥، ١٤٩، ١٥٣، ١٦٥، ٢٠٠، ٢٠٨.
بنو عدي: ١٠٥، ١١٠، ١٤٤، ١٧٧، ١٨١، ١٨٥، ٢٢٣.
بنو عدي بن النجار: ٦٥، ٣٣٠.
عك: ٦١.
عكل: ٢٨٩.
آل عمار بن ياسر: ١٩٢.
بنو عمر بن تميم: ٢٤٥.
غ بنو غالب: ١٩١، ٢١١.
غفار: ٢٦٨.
ف فارس: ٢٠١، ٢٠٩.
ق قريش: ٢٣ إلى ٢٥، ٢٧ إلى ٢٩، ٣٢، ٣٤، ٣٦، ٣٩، ٥٢، ٥٤، ٦٢، ٧٤، ٨١، ٩٧، ١٠٣، ١٠٥ إلى ١٠٧، ١١٠ إلى ١١٢، ١١٥، ١١٨، ١٢٠، ١٣٩، ١٤٠، ١٤٤، ١٤٧ إلى ١٥٠، ١٥٢ إلى ١٥٥، ١٥٨، ١٦١، ١٦٥، ١٧١، ١٧٩، ١٨١، ١٨٤ إلى ١٨٦، ١٩٣، ١٩٥، ٢٠٢، ٢٠٧ إلى ٢٠٩، ٢١١ إلى ٢١٣، ٢١٨، ٢٢١، ٢٢٩، ٢٣٤، ٢٣٥، ٢٣٧، ٢٣٩، ٢٤٠، ٢٧٤، ٢٧٥، ٣٢١ إلى ٣٢٦.
بنو قريظة: ٥٢، ٨٥، ٨٦، ٩٠، ٢٩٧.
قيس عيلان: ١٧٦.
بنو قيلة: ٩٠، ٣٢٦.
ك بنو كعب بن لؤي: ١٥٧.
بنو كلاب بن مرة: ٣٥، ١١٠.
بنو كلاب: ٢٦٧.
بنو كلب: ٩٠، ٢٣٢.
بنو كنانه: ٦١، ١٠٢، ١٢٠، ٢٣١، ٢٣٣، ٣٢٣.
كندة: ٢٣٢.
ل بنو لؤي: ١١٠، ١٥٧.
م بنو مالك بن حسل: ٢٦٦.
بنو مخزوم: ٣٥، ١٠٥، ١٤٤، ١٥٣، ١٦٤، ١٦٨، ١٧١، ١٧٦، ٢٢٣، ٢٢٥، ٢٧٣.
مدين: ٢٢٩.
بنو مرة: ١١٠، ٢٢٦.
بنو المصطلق: ٢٦٣.
مضر: ٢٠٩.
بنو المطلب: ١٤٨، ١٥٦، ١٦١.
بنو المغيرة: ١٦٨، ١٩٢.
بنو ملكان: ٦١.
بنو مليح بن عمرو: ١٠٣.
بنو مؤمل: ٣٠.
ن بنو النجار: ١١٣.
بنو النضير: ٨٥.
بنو نوفل: ١٥٠، ١٥٣، ١٧٦، ٢٢٤، ٢٥٧.
هـ بنو هاشم: ١٤٨، ١٥٦، ١٥٧، ١٦٠، ١٦١، ١٦٣، ١٦٥، ١٦٦، ١٨١، ٢٠٦، ٢٢٦.
هذيل: ٥٣، ٨٥.
وبنو الوحيد: ٢٦٧.
ي يهود: ٥٢، ٧٥، ٨٥، ٨٦، ١١٣، ٢٠٤، ٢٦٤، ٢٨٤.
أعلام الأماكن
أالأبواء: ٦٥.
أجنادين: ٢٢٧.
أحد: ٩٦، ١١٢، ١٧٦، ١٩٣، ٢٦٠، ٣٢١، ٣٢٥.
ايلة: ٢٧٢.
ب بدر: ١١٢، ١٧٦، ٢١١، ٢٢٣، ٢٢٦، ٣٢٢، ٣٣٣.
بصرى: ٤٥، ٥١، ٧٣، ٧٦، ٧٧، ١١٥، ١١٩.
بيت المقدس: ٢٨٦، ٢٩٥.
بئر الملك: ٥٢.
ت تستر: ٦٦.
ث ثبير: ٩١.
ج جده: ١٠٤.
الجزيرة: ١١٩.
جمدان: ٥٣.
جيّ: ٨٧.
ح الحجاز: ٣٦.
الحديبية: ٢٢٣.
حراء: ١١٧، ١٢١.
الحيرة: ٢٠١.
خ خطم الحجون: ١٦٦.
الخندق: ١٧٦.
خيبر: ٣٦، ٢٢٢.
د الدف: ٥٣.
ذ ذي الحليفة: ٢٨٠.
ذي المجاز: ٢٣٢.
ر الربذة: ٢٣٢.
س سرف: ٢٦٦.
ش الشام: ٢٤، ٢٥، ٤٥، ٥٠، ٧٣، ٧٥، ٨١، ٨٥، ٨٨، ٩٤، ١١٨، ١١٩، ٢٠٠، ٢٢٦، ٢٧٢، ٢٩٩.
ص الصفا: ٥٣، ٩٨، ٩٩، ١٧١، ١٨١، ١٨٣، ٢٠٩.
صنعاء: ٥٩، ٦٦، ٢٧٢.
ط الطائف: ٦٢.
ظ ظفار: ٥٥.
ع عرفات: ٩٧، ٩٨، ١٠٢، ١١٠، ١١١.
عمورية: ٨٩، ٩٢.
عمواس: ٢٢٦.
ق قباء: ٥٢، ٩٠، ٢٨٠.
أبو قبيس: ٩٦.
ك الكوفة: ١٣٧.
م مأرب: ٥٥.
المدينة: ٥٢، ٦٥، ٩١، ١٧٤، ١٧٦، ٢٠١، ٢٠٢، ٢٠٤، ٢٢٢، ٢٣٣، ٢٥٨، ٢٧٥، ٢٨٠، ٢٨٧، ٣٢٤، ٣٣٤.
مرج الصفر: ٢٢٧.
المروة: ٥٣، ٩٨، ٩٩.
المغمس: ٦٢، ٦٤.
مكة: ٣٢، ٥٣، ٦٢، ٦٣، ٧٥، ٧٩ إلى ٨١، ٨٥، ٩٤، ٩٧، ١٠١، ١٠٣، ١٠٥، ١١٧ إلى ١١٩، ١٢١، ١٢٤، ١٤١، ١٤٤، ١٤٧، ١٦٦، ١٧٤، ١٧٦ إلى ١٧٨، ١٨٦، ١٩٢ إلى ١٩٥، ١٩٧، ٢٠٠ إلى ٢٠٢، ٢٠٤، ٢٠٦، ٢٠٨، ٢١٠، ٢١٣، ٢١٤، ٢١٨، ٢٢٠ إلى ٢٢٢، ٢٣٤، ٢٣٥، ٢٥٤، ٢٧٥، ٢٧٩، ٢٩٥، ٣٢٢، ٣٣١، ٣٣٤.
منى: ١٠١.
المنكدر: ١٨٥.
مؤتة: ٢٢٦.
الموصل: ٨٩، ١١٩.
ن نصيبين: ٨٩.
نجران: ٢١٨.
ووادي القرى: ٩٠.
وادي وج: ٦٢.
ي اليمامه: ٢٢٣.
اليمن: ٥٩، ٨٥، ٩٥.
فهرس الآيات القرآنية
اسم السورة رقم الآية الآية رقم الصفحة غافر ٢٨ أتقتلون رجلًا أن ٢٣٠ البقرة ١٨٣- ١٨٧ أحل لكم ليلة ٢٩٩ المطففين ١٣ إذا تتلى عليه ٢٠١ التكوير ١- ١٤ إذا الشمس ١٨٣ البقره ١- ٥ ألم ذلك الكتاب ٢٨٣ ص ٦- ٨ امشوا واصبروا ٢٣٧ الأنفال ٤١ إن كنتم آمنتم ١٣٠ الأعراف ٥٠ إن الله حرمها ٢٣٣ هود ٥٤ إن نقول ألا ١٣٤ القدر ١ إنا أنزلناه ١٣٠ الحجر ٩٥ إنا كفيناك ٢٧٣ الشعراء ٢١٤- ٢١٦ وأنذر عشيرتك ١٤٥ القصص ٥٦ إنك لا تهدي ٢٣٧ الجن ٦ أنه كان ١١٢ الأنعام ٥٦ إني نهيت أن ١٣٥ القصص ٥٧ أولم نمكن ٢٠٩ الأعراف ١٥٧ أولئك هم ٨٣ القمر ٤٦ بل الساعة ٣١ الأحزاب ٥١ ترجي من ٢٦٩ البقرة ١٩٩ ثم أفيضوا ٩٧، ١١٠ فصلت ١- ٣ حم. تنزيل ٢٠٧
اسم السورة رقم الآية الآية رقم الصفحة الدخان ١- ٣ حم والكتاب ١٣٠ الكهف ١- ٢ الحمد لله ٢٠٣ المدثر ١١- ٢٦ ذرني ومن ١٥١ القصص ٥٢- ٥٥ الذين آتيناهم ٢١٨ الأنعام ٨٢ الذين آمنوا ٢٩٢ الحجر ٩١- ٩٢ الذين جعلوا ١٥٢ الشورى ٣٦- ٤٢ الذين يجتنبون ١٧٥ الرحمن ١ الرحمن علم ١٨٦ الطلاق ١٢ سبع سماوات ١٣١ العلق ٩- ١٨ سندع الزبانية ٢٣٠ عبس ٢٦- ٣١ شققنا الأرض ١٣١ البقرة ١٨٥ شهر رمضان ١٣٠ طه ١- ١٦ طه ١٨٣ عبس ١- ٩ عبس وتولى ٢٣١ القلم ١٣ عتل بعد ذلك ١٥٩ البقرة ٢٠٠ فإذا قضيتم ٩٨ الأحقاف ٣٥ فاصبر كما ١٣٤ الحجر ٩٤ فاصدع بما ١٤٥ الليل ٥- ٧ فأما من أعطى ١٩٢ آل عمران ١٠٦ فأما الذين ٨٦ الكوثر ١- ٣ فصل لربك ٢٤٥ الحج ٣٦ فكلوا منها ١٠٠ البقرة ١٥٨ فلا جناح ٩٩ النور ٥٥ فمن كفر ١٧٥ الممتحنة ٤ قد كانت لكم ١٣٤
اسم السورة رقم الآية الآية رقم الصفحة مريم ١ كهيعص ٢١٥ فصلت ٣٦ لا تسمعوا لهذا ٢٠٥ الأحزاب ٥٢ لا يحل لك ٢٦٩ آل عمران ١٢٨ ليس لك من ٢٣٤ مريم ٦٤ ما كان ربك نسيا ١٣٦ التوبة ١١٣ ما كان للنبي ٢٣٨ لقمان ٢٧ ما نفذت كلمات ٢٠٤ الفتح ٢٩ محمد رسول الله ٨٣ الاسراء ١١٠ وابتغ بين ذلك ٢٠٦ آل عمران ٨١ وإذ أخذ الله ١٢٩ الأحزاب ٣٧ وإذ تقول للذي ٢٦٢ الفرقان ٦٣ وإذا خاطبهم ٢١٩ المائدة ٨٢- ٨٣ وإذا سمعوا ما ٢١٩ الصف ٦ وإذ قال عيسى ٨٣ الأنعام ١٠٩- ١١١ وأقسموا بالله جهد ٢٧٤ الفيل ٢ وأرسل عليهم طيرًا ٦٥ النجم ٦١ وأنتم سامدون ٢١٢ النحل ١٢٦ وإن عاقبتم ٣٣٥ محمد ١٧ والذين اهتدوا ٨٦ الاسراء ٦٠ والشجرة الملعونة ٢١٠ الضحى كلها والضحى ١٣٥ فصلت ٥ وقالوا قلوبنا ١٥٢ البقرة ٨٩ وكانوا من قبل ٨٤ الزمر ٦٤- ٦٦ وكن من الشاكرين ٢٣٠ الحجر ٩٤ ولا تجهر بصلاتك ولا ٢٠٦ (السير والمغازي- م: ٢
اسم السورة رقم الآية الآية رقم الصفحة الواقعة ٧٩ ولا يمسه إلا ١٨٣ الأحقاف ٢٩- ٣٠ ولوا إلى قومهم ١١٢ الرعد ٣١ ولو أن قرآنًا ٢٧٥ الحج ٥٢ وما أرسلنا من قبلك ١٧٨ يوسف ١٠٦ وما يؤمن أكثرهم ١٢٠ الأنعام ٢٦ وهم ينهون عنه ٢٣٨ آل عمران ٦٤ ويا أهل الكتاب ٢٢٨ الاسراء ٨٥ ويسألونك عن الروح ٢٠٢ نوح ١١ ويمددكم بأموال ٢٠٩ يونس ٧١ يا قوم أن كان ١٣٤ الأعراف ٣١- ٣٢ يا بني آدم خذوا ١١١ الحجرات ١٣ يا أيها الناس إنا ٩٨ الأحزاب ٢٨- ٢٩ يا أيها النبي قل ٢٦٩
فهرس الشعر
رقم عدد الصفحة الأبيات القافية الشاعر الشطر الثاني للبيت الأول ٦٨ ٥ الهمزة أروى ابنة عبد المطلب
على سمح سجيته الحباء
٦٩- ٧٠ ١٠ الباء عبد المطلب بن هاشم
عبد مناف وهو ذو تجارب
١٥٠ ٦ «أبو طالب بن عبد المطلب
سوى أن منعنا خير من وطىء التربا
١٦٣ ١٧ «أبو طالب بن عبد المطلب
ودمع كسح السقاء السرب
١٠٩ ١٠ «الزبير بن عبد المطلب
إلى الئعبان وهي لها اضطراب
١٦٣- ١٦٤ ١١ «أبو طالب بن عبد المطلب
وشعب العصا من قومك المنشعب
١٥٧ ١١ «أبو طالب بن عبد المطلب
لؤيًا وخصا من لؤي بني كعب
٢٢١- ٢٢٢ ٥ «أبو طالب بن عبد المطلب
وزيد وأعداء العدو الأقارب
٣٥ ١٢ «أبو طالب بن عبد المطلب
ورب ما أنضى من الركاب
١٠٧- ١٠٨ ٦ «وهب بن عبد مناف
أنا أبينا فلا نؤتيكم غلبا
٣٤- ٣٥ ٨ «المغيرة بن عبد الله بن عمرو
وذبحه خرقًا كتمثال الذهب
٤٧ ٥ «عبد المطلب بن هاشم
ونعم مدعى السائل المكروب
١٠٥ ٤ «شاعر من العرب
لرحت وراحت رحلها غير خائب
٣٨ ٣ التاء عبد المطلب بن هاشم
أنج بني من قداح كتبت
١١٠ ٥ «الزبير بن عبد المطلب
ومخطفها الثعبان حين تدلت
٣٨ ٣ «عبد المطلب بن هاشم
فاذبح الذود التي قد عطلت
٦٧- ٦٨ ٦ «البيضاء أم الحكيم
وبكي ذا الندى والمكرمات
١٧٢ ٦ «حمزة بن عبد المطلب
من أمرك الظالم إذ مشيت
رقم عدد الصفحة الأبيات القافية الشاعر الشطر الثاني للبيت الأول
٢٢٧ ٢ الجيم سعيد بن العاصي
سائلًا إذا شب واشتدت بدماه
٤٦ ٩ الحاء عبد المطلب بن هاشم
دعوة مبتاع رضاه رابح
١١٥ ١٢ «ورقة بن نوفل
وفي الصدر من اضمارك الحزن قادح
٣٣- ٣٤ ٣ «عبد المطلب بن هاشم
إني أخاف أن يكون قدح
٢٧٤ ١ «مما تمثل به هشام بن الوليد
فيبقى بيننا أبدًا تلاح
٥٨ ٦ «عبد كلال
وقد اتهمت في غش النصيح
٥٣ ٣ الدال تبع الحميري
حتى أتاني من هذيل أعبد
٢٩ ٤ «عياض السلمي
اقتل بني الصبغاء إلّا واحدا
٦٩ ٩ «عبد المطلب بن هاشم
بموحد بعد أبيه فرد
٤٥ ٤ «آمنة أم النبي
من شر كل حاسد
٣٧ ٥ «عبد المطلب بن هاشم
إن شئت ألهمت الصواب والرشد
٧٨ ١٣ «أبو طالب بن عبد المطلب
كأن لا يراني راجعا لمعاد
٥٢- ٥٣ ٣ «تبع الحميري
ألا أجوز وبالحجاز مخلد
٧٦- ٧٧ ١٢ «أبو طالب بن عبد المطلب
عندي بمثل منازل الأولاد
٦٧ ٢ «أميمة ابنة عبد المطلب
وساقي الحجيج المحامي عن الحمد
٤٦- ٤٧ ١٠ «عبد المطلب بن هاشم
لما رأى جدي واجتهادي
٥٤ ٦ «تبع الحميري
ترى الناس نحوهن ورودا
٢٣٩- ٢٤٠ ١٦ «علي بن أبي طالب
لشيخى بنعي والرئيس المسودا
٤٠ ٥ «عبد المطلب بن هاشم
إن بني ثمرة فؤادي
١٦٧ ٨ «أبو طالب بن عبد المطلب
على نأيهم والله بالناس أرود
٦٧ ٥ «صفية ابنة عبد المطلب
على رجل بقارعة الصعيد
٢٧ ٥ «عبد المطلب بن هاشم
ربى وأنت المبدي المعيد
٤٤ ٩ الراء عبد المطلب بن هاشم
أعلنت قولي وحمدت الصبرا
رقم عدد الصفحة الأبيات القافية الشاعر الشطر الثاني للبيت الأول
٣٨ ٣ «عبد المطلب بن هاشم
ورب من حج له وكبر
٦٤ ٥ «عبد المطلب بن هاشم
من اللئام فلم تخلق لهم دارا
٢٢٩ ٣ «عبد الله بن الحارث السهمي
كما جحدت عاد ومدين والحجر
١٥٠ ٥ «أبو طالب بن عبد المطلب
عذري وما إن جئت من عذر
٣٦ ٢ «عبد المطلب بن هاشم
واصرف عنه شر هذا القدر
٣٧ ٢ «عبد المطلب بن هاشم
ورب من يأتي بكل نذر
٦٨ ٦ «برة ابنة عبد المطلب
على طيب الخيم والمعتصر
٤١ ١ «آمنة أم النبي
في الهاشمي والكريم العنصر
١٥٣ ١١ «أبو طالب بن عبد المطلب
يرش على الساقين من بوله قطر
١١٠ ٣ «الوليد بن المغيرة
ورأي لمن رام الأمور على ذعر
١٥٦- ١٥٧ ٦ «صفية ابنة عبد المطلب
ففيم الأمر فينا والامار
١١٧ ٨ «زيد بن عمرو بن نفيل
أدين إذا تقسمت الامور
١٨٤ ٨ «عمر بن الخطاب
له علينا أيادي ما لها غير
١٢٣- ١٢٤ ١٢ «ورقة بن نوفل
وما لشيء قضاه الله من غير
٦٤ ٢ السين المغيرة بن عبد الله
أهلكت أبا يكسوم والمغلس
٣٩ ٣ العين عبد المطلب بن هاشم
ورب من يدفع عند المدفع
٣٧ ٣ «عبد المطلب بن هاشم
أنج عبد الله رب النفع
٣٠ ٣ الفاء أبو تقاصف الخناعى
وسامع هتاف كل هاتف
٢٠٨ ١٢ «أبو طالب بن عبد المطلب
وأحلام أقوام لديك سخاف
٣٢١ ٥ ««««
ت ومن دمع كعب لها تذرف
١٧٣ ٩ «حمزة بن عبد المطلب
إلى الاسلام والدين الحنيف
رقم عدد الصفحة الأبيات القافية الشاعر الشطر الثاني للبيت الأول
١٧٩ ٧ القاف عثمان بن مظعون
تقول ولكني بأحمد واثق
٢١١- ٢١٢ ١١ «أبو طالب بن عبد المطلب
عن البغي في بعض ذا المنطق
٤٩ ٥ «أبو طالب بن عبد المطلب
ببيض تلألأ كلمع البروق
٤٣ ٤ الكاف أم قبال ابنة نوفل
عليك وفارقك الذي كان جابكا
٤٣ ٣ «عبد الله بن عبد المطلب
يكون وما هو كائن قبل ذلك
٦٢ ٣ «عبد المطلب بن هاشم
ع حله فامنع حلالك
٦٤ ٢ «عبد المطلب بن هاشم
يا رب فامنع منهم حماكا
١٩٣ ١ «خالد بن الوليد
إني رأيت الله قد أهانك
٣٣٣ ٢ اللام أبو سفيان بن حرب
إن الحرب سجال
١٢٣ ٧ «ورقة بن نوفل
حديثك إيانا فأحمد مرسل
١٥٧- ١٥٨ ١٥ «أبو طالب بن عبد المطلب
بحق وما تغني رسالة مرسل
١٤٨ ٦ «أبو طالب بن عبد المطلب
يا هاشم والقوم في محفل
١١٧ ٤ «زيد بن عمرو بن نفيل
له الأرض تحمل صخرا ثقالا
٢٢١ ٦ «عبد المطلب بن الحارث
علي وتأباه علي أناملي
٣٠ ٢ «رجل من بني مؤسل
وارم على أقفائهم بمنكل
٣٨- ٣٩ ٣ «عبد المطلب بن هاشم
ورب من يأتيك للإجلال
٣٣٤ ١ «حسان بن ثابت
أبي حين بارزه الرسول
١٩١ ٦ «عمار بن ياسر
عتيقًا وأخزى فاكهًا وأبا جهل
١٧٩ ١ «لبيد بن عامر
وكل نعيم لا محالة زائل
١٥٦ ٧ «أبو طالب بن عبد المطلب
وقد قطعوا كل العرى والوسائل
٤٠ ٧ «عبد المطلب بن هاشم
أكثرت بعد قلة عيالي
٦١ ١ «جماعة من عك والأشاعره
يأكله عك والأشعريون والفيل
رقم عدد الصفحة الأبيات القافية الشاعر الشطر الثاني للبيت الاول
١٦٩- ١٧٠ ٧ الميم عمرو بن العاص
لمثلك أن يدعى ابن عم لكائن ما
٣٢٣ ٣ «أبو عزيز الجمحي
أنتم بنو الحرب ضرابو الهام
٩٧ ٢ «من أراجيز الطواف بالكعبة
أتمه الله وقد أتما
١٦٠ ١٠ «أبو طالب بن عبد المطلب
طواني وأخرى النجم لم يتقحم
٣٧ ٤ «عبد المطلب بن هاشم
أمنن علينا أن نصاب بالدم
١٠٧ ٦ «عكرمة بن عامر
ونحن جميع او نخضب بالدم
١٦١ ٣ «أبو البختري بن هاشم
كذلك الجهل يكون ذما
٧٧ ١٨ «أبو طالب بن عبد المطلب
بفرقة حر الوالدين كرام
٤٧ ٨ «عبد المطلب بن هاشم
أعطى على رغم العدو زمزما
٩٧ ١ «من أراجيز الطواف بالكعبة
وأي عبد لك لا ألما
١٦٤ ٥ «أبو طالب بن عبد المطلب
لفي روضة من أن يسام المظالما
٤٣- ٤٤ ٩ «أم قبال ابنة نوفل
وآمنة التي حملت غلاما
٣٩ ٣ «عبد المطلب بن هاشم
ورب من يهوى بكل معلم
٣٩- ٤٠ ٨ «عبد المطلب بن هاشم
إن بني أحب من تكلم
٦٧ ٤ «عائكة ابنة عبد المطلب
بدمعكما بعد نوم النيام
١٠٢ ١ «رجل من العرب
لقى بين أيدي الطائفين حريم
٢٢٢ ٤ «أبو طالب بن عبد المطلب
وزير لموسى والمسيح بن مريم
٥٧- ٥٨ ٩ «عبد كلال
قرير العين قد قتلوا كريمي
٤٥- ٤٦ ٧ النون آمنة أم النبي
هذا الغلام الطيب الأردان
٣٨ ٣ «عبد المطلب بن هاشم
من كل كوماء له لم تعطن
٢٢٨ ٢ «هند بنت عتبة
أبو حذيفة شر الناس في الدين
٢٢١ ٦ «عبد المطلب بن الحارث
يرجو بلاغ الله والدين
٥٧ ٢ «ذو رعين
فمعذرة الإله لذي رعين
رقم عدد الصفحة الأبيات القافية الشاعر الشطر الثاني للبيت الأول
٦٤ ٥ «نفيل الدليل
نعمناكم مع الاصباح عينا
١٥٥ ٥ «أبو طالب بن عبد المطلب
حتى أوسد في التراب دفينا
٥٥ ٤ «خويلد بن أسد
ومهلًا عاذلي لا تعذليني
٣٤ ٥ الهاء عبد المطلب بن هاشم
أيام أحفر وبني وحده
٣٦ ٧ «عبد المطلب بن هاشم
أخاف ربي إن عصيت أمره
١٠٢ ١ «امرأة من العرب
وما بدا منه فلا أحله
١١٨ ٢ «زيد بن عمرو بن نفيل
وإن بيتي أوسط المحله
١٤٩ ٦ «أبو طالب بن عبد المطلب
فعبد مناف سرها وصميمها
١١٩ ٣ الياء ورقة بن نوفل
تجنبت تنورا من النار حاميا
محتويات الكتاب
الصفحة الموضوع
٥ مقدمة المحقق
٢١ الجزء الأول من كتاب المغازي
٢٣ حفر زمزم من قبل عبد المطلب ابن هاشم.
٢٨ استعاذة الغلام البكري بالكعبة.
٢٨ خبر الصديق مع رجل أنيبته حية.
٢٩ خبر عمر بن الخطاب مع شيخ كبير أعمى.
٣٠ أبو تقاصف الخناعي وأخوته.
٣٠ بنو مؤمل وابن عمهم.
٣٢ نذر عبد المطلب.
٣٢ الاستقسام بالقداح عند الكعبة.
٤٢ تزويج عبد الله بن عبد المطلب.
٤٨ مولد رسول الله.
٥٠ شق بطن الرسول.
٥٢ حديث تبع الحميري.
٥٧ مقتل تبع.
٦١ حديث الفيل.
الصفحة الموضوع
٦٥ سفر أم الرسول به إلى المدينة ووفاتها.
٦٦ وفاة عبد المطلب بن هاشم.
٦٦ كشف قبر عبد الله بن الثامر.
٦٦ كشف جثة دانيال النبي.
٦٩ زعامة مكة بعد وفاة عبد المطلب.
الجزء الثاني من كتاب المغازي ٧٣ حديث بحيرا الراهب.
٧٣ كفالة الرسول من قبل أبي طالب.
٧٩ أخبار متفرقة حفظ الله بها الرسول في صغره من أمور الجاهلية وعصمه من دنسها.
٨١ حديث خديجة ابنة خويلد.
٨٣ قصة الأحبار.
٨٧ إسلام سلمان الفارسي.
٩٤ أثر الكعبة.
١٠٣ حديث بنيان الكعبة.
١١١ حديث الأحبار والرهبان والكهان عن النبي.
الصفحة الموضوع
١١٢ من أخبار الجن.
١١٥ خبر الحنيفية.
١٢٠ أول ما ابتدىء به رسول الله من النبوة.
١٢٧ الجزء الثالث
١٢٩ بعث النبي ﷺ.
١٣٠ اليوم الذي وقعت فيه معركة بدر.
١٣٧ اسلام علي بن أبي طالب.
١٣٩ اسلام أبي بكر الصديق.
١٤١ اسلام أبي ذر.
١٤٣ اسلام المهاجرين
.
١٤٥ قوله
﷿ «وانذر عشيرتك الأقربين» .
١٤٦ صورة نزول الوحي على النبي.
١٥٠ الوليد بن المغيرة وما نزل فيه
١٥٤ باب ما نال أصحاب رسول الله من البلاء والجهد.
١٥٦ خبر صحيفة المقاطعة.
١٦٧ وفد قريش إلى الحبشة.
١٧١ اسلام حمزة بن عبد المطلب
الصفحة الموضوع
١٧٤ ما جاء في هجرة اصحاب رسول الله إلى أرض الحبشة.
١٧٦ تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة من مكة.
١٨١ اسلام عمر بن الخطاب.
١٨٦ ما جاء في أول من جهر بالقرآن بمكة.
١٨٧ الجزء الرابع
١٨٩ من عذب في الله بمكة من المؤمنين.
١٩٧ حديث النبي حيث خاصمه المشركون.
٢٠٤ باب أحاديث الأحبار وأهل الكتاب بصفة النبي.
٢١٣ حديث الهجرة الاولى إلى الحبشة.
٢٢٣ تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة.
٢٢٩ حديث ما لقي رسول الله من أذى قومه.
٢٣٢ قصة النبي لما عرض نفسه على العرب.
٢٣٦ وفاة أبي طالب وما جاء فيه.
الصفحة الموضوع
٢٤١ الجزء الخامس
٢٤٣ وفاة خديجة بنت خويلد
.
٢٤٥ زواج النبي من خديجة وأولاده منها.
٢٤٦ تزويج فاطمة
.
٢٤٨ تزويج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي
.
٢٥٠ تزويج أم كلثوم عون بن جعفر.
٢٥١ تزويج زينب بنت علي.
٢٥٣ ما جاء في تزويج عثمان بن عفان.
٢٥٤ تزويج النبي سودة بنت زمعة.
٢٥٥ تزويج النبي عائشة بنت أبي بكر.
٢٥٧ تزويج النبي حفصة بنت عمر.
٢٥٨ تزويج النبي زينب بنت خزيمة.
٢٥٩ تزويج النبي أم حبيبة.
٢٦٠ تزويج النبي أم سلمة.
٢٦٢ تزويج زينب ابنة جحش.
٢٦٣ تزويج جويرية ابنة الحارث.
الصفحة الموضوع
٢٦٤ تزويج صفية ابنة حيي.
٢٦٦ تزويج رسول الله ميمونة بنت الحارث.
٢٦٧ تزويج أسماء بنت كعب الجونية وعمرة بنت يزيد.
٢٦٨ امرأة من غفار تزوجها النبي.
٢٦٩ عدد النسوة اللاتي وهبن أنفسهن.
٢٧٠ ما اتخذه النبي من السراري.
٢٧٢ ما عوض النبي من ابنه.
٢٧٣ حديث المستهزئين والآيات.
٢٧٦ حديث ركانة بن عبد يزيد.
٢٧٧ أعلام النبوة.
٢٨٤ إسلام أم شريك الدوسية.
٢٨٦ إسلام أبي هريرة من دوس.
٢٨٧ إسلام عدي بن حاتم.
٢٨٩ كتاب النبي لبني زهير بن أقيش.
٢٩١ إسلام جرير بن عبد الله.
٢٩٥ حديث الاسراء برسول الله إلى بيت المقدس.
٢٩٨ خبر الأذان.
الصفحة الموضوع
٣٠١ القطعة الثانية من كتاب المغازي (أوراق خزانة الظاهرية بدمشق) .
٣٢٢ غزوة أحد.
٣٢٢ إجماع قريش على حرب رسول الله ﷺ.
٣٢٤ المشورة حول الخروج من المدينة ورجوع عبد الله بن أبي.
٣٢٧ خبر انكشاف المشركين
الصفحة الموضوع أول الحرب وميل الرماة عن العسكر.
٣٢٨ خبر انكشاف المسلمين حتى خلص العدو إلى رسول الله ﷺ حتى وقع.
٣٣٠ خبر ثبات المسلمين حول رسول الله ﷺ حتى جلاء المشركين.
٣٣٣ خبر المساجلة بين عمر بن الخطاب وأبو سفيان.
الصفحة الأخيرة من النسخة الثانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طوق الحمامة نسخة تحتاج تنميق

      ​طوق الحمامة​ المؤلف ابن حزم     المقدمة     باب تقسيم الرسالة ←     قال أبا محمد عفا الله عنه: أفضل ما أبتدئ به حمد الله عز وجل بما ه...